أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - حوار الطرشان في فلسطين… وغزة وحدها تقول الحقيقة!














المزيد.....

حوار الطرشان في فلسطين… وغزة وحدها تقول الحقيقة!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 03:12
المحور: القضية الفلسطينية
    


في زمنٍ تضخّمت فيه الأصوات حتى ابتلعت المعاني، صار الحوار مجرّد صدى يتردّد في فراغٍ لا جدار له.
تتكلّم فتُغرقك الردود قبل أن تصل كلمتك، وتكتب فتبهت الحروف في أعينٍ لم تعد تعرف معنى الإصغاء. تتوجّه نحو الشرق فيأتيك الجواب من الغرب؛ وكأن ما بينكما مسافات من العجز، لا تجسرها لغة، ولا تعبرها نيّة طيبة.

هذا هو زمن حوار الطرشان؛ زمنٌ يتكلّم فيه الجميع، لكن لا أحد يريد أن يفهم. الأصوات تتقاطع كما لو أنها سيوفٌ في معركة بلا راية وبلا نهاية. كل طرفٍ يعلو صوته ليقول: "أنا وحدي صاحب الحقيقة"، فيغرق المشهد في ضجيجٍ لا مكان فيه للحكمة.

في المجالس، على الشاشات، في الشوارع، وحتى في نبض القلوب… تتناثر الكلمات مذعورة، تبحث عن غصنٍ آمن فلا تجده. نرفع شعارات التفاهم، لكننا نُغلق أبواب الاستماع بإحكام. صارت لغتنا جداراً، والكلمة مجرّد طلقة، والصمت مهرباً وحيداً من جدلٍ بلا طائل.

أين ذهب الإصغاء؟ أين ذهبت تلك اللحظة التي كانت الكلمة فيها جسراً بين روحين؟
أين اختفى الزمن الذي كان للصمت فيه معنى، وللحرف فيه ثقلٌ وصدق؟

نكتب كثيراً، لكن دون أن نتقاطع في نقطة فهم واحدة. نتجادل بحثاً عن انتصار الذات، لا انتصار الحقيقة. وكلٌّ يخرج مقتنعاً بأنّ الآخر هو الأصم، وأنه وحده صاحب البصيرة.

لكن المشهد يصبح أكثر ألماً حين نطلّ على غزة؛ المدينة التي لم يعد فيها مكان للحوار أصلاً، لأن الصوت غارق تحت الركام، والصرخة تُدفن قبل أن تصل السماء. غزة اليوم ليست تفصيلاً جانبياً في الحكاية، بل قلبها الذي ينزف ولا يجد من يسمعه.
هناك في الأزقة التي لا تعرف سوى الحجارة والرماد، يتكلم الأطفال بالدمع بدل الكلمات.
هناك يصبح الصمت لغة البيوت التي فقدت جدرانها، ولغة الأمهات اللواتي يبحثن عن أبنائهن تحت الركام.
غزة… التي اعتادت أن ترفع صوتها رغم الحصار، أصبحت الآن تبحث فقط عن أذنٍ بشرية تُصغي لألمها، لا لخطابات تتراشق فوق رأسها.

وفي الوقت الذي تتحول فيه غزة إلى سؤالٍ معلّق في الهواء، يواصل الكبار جدلهم الجاف.
ينقسمون، يتبادلون الاتهامات، يرفع كلٌّ رايته، بينما غزة وحدها تحمل الحقيقة كاملةً على كتفيها: حقيقة الدم والظلّ والدخان.
هناك لو سمع السياسيون جيداً، لأدركوا أن غزة ليست طرفاً ولا ورقةً ولا شعاراً؛ إنها خلاصة فلسطين عندما ينقطع الصوت ولا يبقى إلا نبض الأرض.

وربما لا ينعكس غياب الحوار بمرارة كما ينعكس في هذا الواقع الفلسطيني المُنهك؛ واقع الانقسام والصمت، حيث ضاعت البوصلة وتشتّت الصوت بين العواصم. كل طرف يتحدث باسم الوطن، بينما الوطن — من غزة إلى الضفة إلى الشتات — يصرخ من تحت الأنقاض ولا يجد من يسمع.

نعيش التيه الفلسطيني:
مرحلة يسأل فيها الحجر عن صاحبه، واللاجئ عن عنوانه، والدم عن جدواه.
نتحدث عن الوحدة، فنعمّق الفرقة.
نطالب بالحرية، فنغلق الأبواب على بعضنا.
حتى الحلم نفسه صار يتيماً، لا يجد من يحمله نحو الفجر.

ربما لم نعد بحاجة إلى خطاب جديد، بل إلى قلبٍ يُصغي قبل أن يحكم، وعقلٍ يسمع قبل أن يرد، وبشرٍ يفهمون أن الحوار جسر، لا ساحة حرب.

وإلى أن نصغي حقاً…
سيبقى حوار الطرشان عنوان عصرٍ مُنهكٍ بالضجيج،
يتكلم فيه الشرق… ويردّ الغرب…
ولا يسمع أحدٌ أحداً
حتى في فلسطين، حيث الكلمة تنزف… وغزة تصرخ… والوطن يُصغي… ولا يجد سوى صدى الصمت.

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جورج حبش… سيرةُ قائدٍ عصاميٍّ في زمنٍ يزدحمُ بالمُرتزقةِ!
- فلسطين.. حين يعلو الشعب على الرايات!
- ياسر عرفات... القائد الذي خانته البنادق التي صنعها!
- حينَ يبكِي التُّرابُ: مرثِيّةُ وطنٍ أَثقلتهُ الحُرُوبُ وتخلّ ...
- في غزة... هزيمةٌ مُذلّةٌ للمجتمع الدولي وحقوق الإنسان!
- غزة… وسام الحياة في زمن الخذلان!
- حين يُصبحُ الوطنُ قبراً
- كلّما عاهدوا عهداً... نبذه فريقٌ منهم!
- غزّة والفاشر.. وجهان لمأساةٍ واحدة!
- الخائن يُستَخدم ثم يُرمى: تأملات في زمن الانكسار الفلسطيني!
- غزة.. مرآة الكرامة في زمن التصفيق!
- غزّة... من قصف البيوت إلى قصف الحقيقة!
- المحررون خلف الأبواب المغلقة: خذلانٌ عربيّ يلاحق الأسرى بعد ...
- الشجاعة في غزة.. حين يصبح الخوف رفيقاً لا يفارق!
- الذين خانُوا غزّة... سقطُوا من ذاكرة الوطن!
- عبّود بطاح: الوجه الحيّ للمقاومة بعد حنظلة!
- لم تنتهِ الحكاية بعد.. غداً تطير العصافير يا غزة!
- غزّة... آخِرُ ما تبقّى من شرفِ الأُمّةِ!
- غزّة... حين تسقط الأقنعة!
- غزة تصرخ… وصمت الأخوة يقتلها!


المزيد.....




- النيابة الفرنسية تفتح تحقيقاً في اتهام لاعب تولوز بـ -إهانة ...
- هل يُسهم تدخل الرئيس الأمريكي في الأزمة السودانية بوضع نهاية ...
- -سيناريوهات- يناقش مستقبل -قانون قيصر- بشأن سوريا
- 3 سيناريوهات تحدد مصير -قانون قيصر- في الكونغرس الأميركي
- نتنياهو يشترط للانتقال إلى المرحلة الثانية ويتحدث عن القوة ا ...
- فيديو – فلسطينيون يشيّعون قتلى الغارات الإسرائيلية في غزة
- كييف تتسلم من واشنطن مشروع خطة لإنهاء الحرب.. وزيلينسكي يستع ...
- عقوبات أوروبية على المسؤول الثاني في قوات الدعم السريع بالسو ...
- فرنسا: تهديد عصابات المخدرات يوازي الإرهاب
- ماكرون - تبون: هل يتم اللقاء في قمة العشرين؟


المزيد.....

- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - حوار الطرشان في فلسطين… وغزة وحدها تقول الحقيقة!