أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - المقامة البغدادية في تَلَوُّنِ الأوطانِ وبكاءِ الأحياءِ .















المزيد.....

المقامة البغدادية في تَلَوُّنِ الأوطانِ وبكاءِ الأحياءِ .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 12:15
المحور: الادب والفن
    


حَدَّثَنَا الشَّيْخُ المَنْدَلَاوِيُّ الجَمِيلُ – أَبْقَى اللَّهُ طِيبَ مَقَالِهِ – مُسْتَلّاً دُرَّةً مِنْ صَدَفِ رِوَايَةِ )) تَشَرَّفْتُ بِرَحِيلِكَ )) لِلْمُبْدِعَةِ فَيْرُوز رَسَّام , فَقَالَ : (( إِنَّ الْحُبَّ فِي وَادِي الْبُكَاءِ الْيَوْمَ , نَبْكِي عَلَى الأَمْوَاتِ وَغَداً سَنَبْكِي عَلَى الأَحْيَاءِ , وَإِنَّ الضَّحَايَا الْحَقِيقِيِّينَ لِلْإِرْهَابِ لَيْسَ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا الَّذِينَ بَقُوا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ )) , فَلَمَّا سَمِعْتُهَا هَبَطَتْ عَلَى سُوَيْدَاءِ قَلْبِي كَـ (شَهَابٍ) أَحْرَقَ مَا فِيهِ مِنْ بَقَايَا صَبْرٍ , وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ بَلْسَمُهُ مُمِضٌّ , يُصَوِّرُ حَالاً مَا عَادَتْ تَلِيقُ بِهَا مَرَاسِمُ الْعَزَاءِ الْقَدِيمَةُ , فَالْمَيِّتُ قَدْ أَوَدَعَ شَكْوَاهُ فِي قَبْرِهِ , وَاسْتَرَاحَ مِنْ ضَغْطِ الأَرْضِ وَتَقَلُّبِ الزَّمَانِ , أَمَّا الْبَاقُونَ , فَهُمْ يَعِيشُونَ فِي (( وِزَارَةِ الأَحْزَانِ )) وَإِنْ تَنَاسَلَتْ وِزَارَاتُ دَوْلَتِهِمْ , يُطَارِدُهُمْ طَيْفُ الْغَائِبِ , وَيَأْكُلُ أَكْبَادَهُمْ قَلَقُ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي صَنَعَتْهُ الأَيَادِي الْقَذِرَةُ.

وَمَا أَصْدَقَ عَبْدَ الْوَهَّابِ مُطَاوِعَ , إِذْ قَالَ فِي مَعْرِضِ حِكْمَتِهِ : (( لَقَدْ أَصْبَحْتُ أَشُكُّ دَائِمًا فِي أَنَّ هَذَا الْمَيْلَ الْغَرِيزِيَّ لِلْحُزْنِ دَاخِلَنَا , هُوَ مِنْ ثِمَارِ تَرْبِيَةٍ خَاطِئَةٍ فِي بِيئَاتٍ أُسَرِيَّةٍ حَزِينَة , تَتَوَجَّسُ مِنَ السُّرُورِ, خَوْفًا مِمَّا سَوْفَ يَلِيهِ مِنْ أَحْزَان )) , وَكَيْفَ لاَ يُصْبِحُ الْحُزْنُ غَرِيزَةً فِي بِلَادٍ عَجِينَتُهَا خَسَارَةٌ وَخَوْفٌ ؟ الْعِرَاقُ , يَا سَادَة , كَانَ أَرْضَ السَّوَادِ لِخُضْرَةِ النَّخِيلِ وَكَثَافَةِ الْخَيْرَاتِ , وَهُوَ الْيَوْمَ أَرْضُ السَّوَادِ لِـ (( سَوْدَاوِيَّةِ السِّيَاسَةِ وَعَمَى الأَلْوَانِ )) الَّذِي أَصَابَ الْقَوْمَ حَتَّى خَلَطُوا الأَبْيَضَ الْفَرِحَ بِالأَسْوَدِ الْبَائِسِ , فَفِي ظِلِّ هَذَا الْعَمَى الْبَصِيرِيِّ وَالْبَصَرِيِّ , يَطْفُو السُّؤَالُ الْكَبِيرُ عَلَى سَطْحِ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ: مَتَى يَسْتَطِيعُ الْوَطَنِيُّونَ إِنْهَاءَ الْهَيْمَنَةِ الطَّائِفِيَّةِ؟ وَفِيمَ الانْتِظَارُ؟

يَا لَلْعَجَبِ , أَيَنْتَظِرُ الْبَعْضُ أَنْ يُقَدِّمَ لَهُمْ بَائِعُ السِّيَاسَةِ الْبِلَادَ (( تَسْلِيمَ مِفْتَاحٍ؟ )) , هَلْ نَسِيَ الْجَمِيعُ أَنَّهُ لَيْسَتْ هُنَاكَ سِيَاسَةٌ بِلَا مُخَاطَرَةٍ , وَأَنَّ الْوَطَنَ لاَ يُبْنَى بِتَوَجُّسِ السُّرُورِ وَالخَوْفِ مِنَ الْفِعْلِ , بَلْ بِالشَّجَاعَةِ وَالإِقْدَامِ عَلَى كَسْرِ حَوَاجِزِ الْوَهْمِ الْطَّائِفِيِّ الْمُنْتِنِ , فَهَلْ كُلُّنَا صَادِقُونَ فِي دَعْوَى خُصُومَةِ الطَّائِفِيَّةِ ؟ أَمْ أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَمُدُّ حِبَالَ الْوِدِّ فِي الْخَفَاءِ , تَحْتَ دَعْوَى وَحْدَةِ الْجَبْهَةِ الْفِكْرِيَّةِ وَالخَلْفِيَّةِ الآِيدْيُولُوجِيَّةِ , بَغْضَ النَّظَرِ عَنِ اللَّوْنِ الْمَذْهَبِيِّ؟ نَعْلَمُ أَنَّ مَصَارِينَ الْبَطْنِ قَدْ تَتَعَارَكُ كَمَا يَقُولُ الْمَثَلُ الْمِصْرِيُّ , وَلَكِنَّهَا تَعُودُ لِتَخْدُمَ (( مَعِدَةً )) وَاحِدَةً , وَتَمُدَّ (( دِمَاغًا )) وَاحِدًا بِالطَّاقَةِ , وَذَلِكَ الدِّمَاغُ قَدْ يَكُونُ خَارِجَ حُدُودِ الْوَطَنِ .

يَا سَادَةَ الْمَقَامِ , الْعِرَاقُ يَسْتَحِقُّ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ , وَالصِّدْقُ - كَمَا قِيلَ - (( صَابُونُ الْقُلُوبِ )) الَّذِي يَغْسِلُ مَا عَلِقَ بِهَا مِنْ رُكُونٍ إِلَى (( الشُّطْآنِ )) وَتَرْكِ الْعَوْمِ فِي عُمْقِ بَحْرِ السِّيَاسَةِ الْوَطَنِيَّةِ الْخَالِصَةِ , فَالْوَطَنُ لَيْسَ رُقْعَةً تُسَلَّمُ لِلْغَنِيمَةِ , وَلَيْسَ (( أَرْضًا رَخْوَةً )) تُبْتَلَعُ فِيهَا الْإِنْسَانِيَّةُ , الْعِرَاقُ عُنْوَانٌ تَتَصَاغَرُ دُونَهُ كُلُّ الْعَنَاوِينِ , وَمَنْ يَرَى فِيهِ (( جَاهِلِيَّةً صَنَعَهَا الْبِرِيطَانِيُّونَ )) وَيَجِبُ مُحَارَبَتُهَا لِإِعْلاَءِ عَنَاوِينَ أُخْرَى , فَهُنَاكَ الْوَاجِبُ الْوَطَنِيُّ لِلتَّشْكِيكِ فِي نَزَاهَةِ الْمَسْعَى .

وَهَلْ نَحْنُ سِوَى كَائِنَاتٌ طُفَيْلِيَّةٌ تَعْتَاشُ عَلَى دَمِ الْعِرَاقِ؟ هَذَا سُؤَالٌ يَجِبُ أَنْ يَدُقَّ نَاقُوسَهُ فِي كُلِّ قَلْبٍ، فَالْفَسَادُ لَيْسَ مُجَرَّدَ سَرِقَةِ مَالٍ , بَلْ هُوَ نَهْشٌ فِي جَسَدِ أُمَّةٍ حَيَّةٍ , فَبَيْنَمَا الْعَالَمُ يَرْتَقِي بِعُقُولِهِ وَيَسْتَثْمِرُ فِي بَنِي الْبَشَرِ , نَرَى الْأَرْضَ الَّتِي أَنْجَبَتْ الْحَضَارَاتِ وَالْكِتَابَةَ الْأُولَى تَقِفُ مَشْلُولَةَ الْقُوَى , عِنْدَ ضَعْفِهَا الْمَكْشُوفِ , إِنَّنَا نَبْحَثُ عَنْ أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ جَمِيلَةٍ فِي الْعَالَمِ لِنَهْرُبَ إِلَيْهَا , وَنَسِينَا أَنَّهُ (( لَا مَكَانَ يُشْبِهُ الْوَطَنَ )) , وَأَنَّ بَرَكَةَ الْأَرْضِ لاَ تُعَوَّضُ بِزُخْرُفِ الْغُرْبَةِ , فَالْوَطَنِيَّةُ لَيْسَتْ شِعَارًا يُرْفَعُ فِي الْمُنَاسَبَاتِ , بَلْ هِيَ التَّمَسُّكُ بِتُرَابٍ حَكَتْ عَلَيْهِ الْأَجْدَادُ حِكَايَاتِهِمْ , وَالِاعْتِصَامُ بِجَمَالِ الْبَقَاءِ حَتَّى فِي أَحْلَكِ الظُّرُوفِ , وَلَيْسَ النُّزُوحُ سَعْيًا وَرَاءَ (( أَرْضٍ بَدِيلَةٍ تُطَارِدُ فِيهَا الْأَحْلَامَ )) دُونَ دَفْعِ ثَمَنِ بِنَاءِ الْوَطَنِ الْحَقِيقِيِّ.

يَا لَلْعِرَاقِ , كُلُّ بَقَاعِ الْمَعْمُورَةِ حَاضِرُهَا أَجْمَلُ مِنْ مَاضِيهَا , إِلَّا أَنْتَ فَـ (( عَقَارِبُ السَّاعَةِ تَسِيرُ إِلَى الْوَرَاءِ )) , وَثَرَوَاتُ النَّفْطِ الْهَائِلَةُ تَقَابَلُ بِفَسَادٍ طَاغٍ , حَتَّى صَارَتِ الْمُعَادَلَةُ الْفَاسِدَةُ (( مِنَ الطَّبِيعِيَّاتِ )) عِنْدَ أَبْنَائِكَ , فَلْيَكُنْ مِيزَانُنَا وَمِسْطَرَتُنَا وَاحِدَةً: الْعِرَاقُ, فَمَنْ يَقِفُ مَعَهُ فَهُوَ مَعَنَا , وَمَنْ يُسِيءُ إِلَيْهِ , يَقِفُ تِلْقَائِيًّا عَلَى الْجَانِبِ الآخَرِ مِنَّا , لَوْ ذَهَبَ الْعِرَاقُ , فَكُلُّنَا ذَاهِبُونَ إِلَى الْعَدَمِ , فَلاَ تَغَادِرُوا إِلَى أَرْضٍ بَدِيلَةٍ , بَلْ قَاتِلُوا هُنَا لِتَطَارِدُوا أَحْلَامَكُمْ.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة أللاأنجابية : في زمن الروبوتات والمنتحرين .
- مقامة الهدم: جرافات تهاجم ذاكرة العراق الثقافية .
- مقامة ابن باديس والتنوير: الأذهان أولاً , ثم الأوطان .
- مقامة الفصام .
- مقامة العطارين : أسرار عمرها 4600 عام .
- مَقَامَةُ حِكَايَاتِ النَّمْلِ .
- مقامةُ الرجاءِ في زمنِ الحيْصَ بيْص .
- مقامة السلطة والفكر .
- مقامة غادة وغسان : حقيقة الحب ووهم الوصال .
- مقامة اكسير الشباب .
- مقامةُ الشَّيخِ في ذمِّ الرَّشوةِ وتزيينِها بالهديَّة .
- مقامة دزني .
- مقامة لعّابة الصبر : العراق و سَوْط حقيقة الحكايات الصارخ .
- مقامة الخطو للوراء .
- مقامة جيل Z: رؤيا شيخ في آخر الزمان .
- مقامة المندلاوي في (( نَجْوَى الصَّمْتِ الهَادِي )) .
- مقامة الى أبو أيفانكا : في ذمّ الادارة غير الجادة وغير المسؤ ...
- مقامة الرضا في مقهى بغداد الفاضلة .
- مَقَامَةُ الجُهَّال .
- مقامة طوبى : في ذكر حال الأنام والآمال العِظام .


المزيد.....




- أول فنانة ذكاء اصطناعي توقع عقدًا بملايين الدولارات.. تعرفوا ...
- د. سناء الشّعلان عضو تحكيم في جائزة التّأليف المسرحيّ الموجّ ...
- السينما الكورية الصاعدة.. من يصنع الحلم ومن يُسمح له بعرضه؟ ...
- -ريغريتنغ يو- يتصدّر شباك التذاكر وسط إيرادات ضعيفة في سينما ...
- 6 كتب لفهم أبرز محطات إنشاء إسرائيل على حساب الفلسطينيين
- كفيفات يقدّمن عروضًا موسيقية مميزة في مصر وخارجها
- عميل فيدرالي يضرب رجلًا مثبتًا على الأرض زعم أنه قام بفعل مخ ...
- انقطاع الطمث المبكر يزيد خطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائ ...
- إشهار كتاب دم على أوراق الذاكرة
- مثنى طليع يستعرض رؤيته الفنية في معرضه الثاني على قاعة أكد ل ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - المقامة البغدادية في تَلَوُّنِ الأوطانِ وبكاءِ الأحياءِ .