أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي














المزيد.....

5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 18:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المشروع الإصلاحي في السودان ليس مشروعاً وطنياً، بل سلاح إمبريالي لإعادة إنتاج التبعية. فخطاب "الإصلاح" الذي تروج له النخب الليبرالية والبرجوازية الطفيلية ليس سوى النسخة المحلية لمخطط عالمي تقوده المراكز الرأسمالية لفرض السيطرة ونهب الثروات [1].

لقد تطورت آليات الهيمنة الإمبريالية في طورها المعاصر، فلم تعد تعتمد على الغزو العسكري وحده، بل اتخذت أشكالاً أكثر تعقيداً تتمثل في مؤسسات التمويل الدولي وبرامج "الإصلاح" و"إعادة الإعمار". وهذا التحول يستدعي مقاربة نقدية تكشف الأبعاد الطبقية لهذه الآليات.

وفي هذا السياق، يؤكد لينين أن "تصدير رأس المال أصبح سمة مميزة للإمبريالية" [2]. وهذه السمة تتجلى بوضوح في وصفات البنك الدولي وصندوق النقد، التي تختزل قضايا السيادة الوطنية إلى مسائل تقنية. تعمل هذه المؤسسات كذراع اقتصادي للإمبريالية، حيث تعيد برامج التكيف الهيكلي تشكيل الاقتصاد السوداني لخدمة مصالح الرأسمال العالمي.

تمثل اتفاقيات صندوق النقد التي وقعها النظام الانتقالي امتداداً عضوياً لسياسات الخصخصة وتحرير الأسواق، حيث أدى رفع الدعم عن السلع الأساسية وتوسيع مساحة السوق الحر إلى خدمة الشركات متعددة الجنسيات على حساب الفقراء. وهذا ما يؤكده ماركس بقوله: "الرأسمال ينفر من غياب الربح أو من الربح الضئيل، كما تنفر الطبيعة من الفراغ".

وتكشف تجربة جنوب السودان بعد الانفصال الطابع الإمبريالي لـ"الإصلاح". فتحت شعار "حق تقرير المصير"، تحولت البلاد إلى محمية دولية للشركات النفطية [3]. وكان "الإصلاح" في جوهره غطاءً لنهب الثروات وتفتيت الوحدة الوطنية، مما يعكس القاعدة العامة للمشروع الإمبريالي في الأطراف.

أما في السودان، فقد تكررت هذه الوصفة عبر "مؤتمرات المانحين" واتفاقيات نيفاشا، التي تحولت إلى سوق نخاسة سياسي. وتجدر الملاحظة أن هذه المؤتمرات قدّمت كمنح ومساعدات، بينما هي في جوهرها أدوات لإعادة إنتاج التبعية [4]. وتحت غطاء "الإغاثة"، تُفرض أجندات سياسية واقتصادية تخدم المركز الرأسمالي، في نموذج يعيد إنتاج منطق مؤتمرات برلين الاستعمارية.

ويتكامل مع هذه الآليات دور المنظمات غير الحكومية، التي تتحول إلى أدوات لاختراق المجتمعات تحت لافتات العمل الإنساني [5]. ومن خلال تمويل "المجتمع المدني"، تُنتج نخب محلية تابعة يعاد صياغة وعيها وفق قيم السوق والاستهلاك، وتتحول هذه النخب إلى وسيط ينفذ أجندة الإمبريالية تحت شعارات براقة مثل "الحكم الرشيد" و"تمكين المرأة".

وفي هذا الإطار، تقدم دارفور مثالاً واضحاً على تحويل الأزمات الطبقية إلى سلع إنسانية، فتتحول أزمة الأرض والرعي من صراع طبقي إلى مجرد "إدارة موارد"، ليُعرض في مؤتمرات المانحين كملف قابل للتسويق ضمن أجندة "بناء السلام". أما العراق بعد الغزو، فيوضح نفس النمط بشكل جلي، فـ"إعادة الإعمار" لم تكن سوى عملية لخصخصة الدولة ونهب ثرواتها [6]، وقد أدى تفكيك مؤسسات الدولة لصالح الشركات الأمريكية إلى تكرار النموذج نفسه في السودان عبر مشاريع "الإصلاح" الممولة دولياً. وتكشف تجربة أفغانستان زيف هذه المشاريع، حيث تحولت مليارات الدولارات التي أُنفقت تحت شعار "الإصلاح" إلى قنوات لتمويل الشركات الأمنية الدولية، بينما بقي الشعب غارقاً في الفقر. وفي الواقع السوداني، تعمل البرجوازية الطفيلية كوسيط أساسي في هذه المعادلة، فهي تضمن إدماج البلاد في النظام الرأسمالي العالمي عبر ترويج شعارات "السلام" و"الانتقال المدني" كأقنعة لأجندة إمبريالية.

ويشكل هذا البعد الإمبريالي جزءاً عضوياً من الاستراتيجية العامة للرأسمالية العالمية. ففي مواجهة الأزمات الداخلية وتصاعد نضالات الشعوب، تبتكر الإمبريالية آليات أكثر مرونة للهيمنة، ويصبح "الإصلاح" أداة مركزية لإطالة عمر نظام مأزوم. وهذا ما يؤكده غرامشي بقوله: "الأزمة تكمن في أن القديم يموت والجديد لا يستطيع أن يولد".

وبناءً على هذا التحليل، يتضح أن المشروع التحرري الحقيقي يجب أن يقوم على تحطيم آليات التبعية الإمبريالية، وتأميم الموارد الطبيعية وإدارتها ديمقراطياً، وبناء مؤسسات إنتاجية مستقلة، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، وإقامة نظام ديمقراطي شعبي حقيقي.

فالبديل الاشتراكي لا يعني مجرد تغيير سياسي، بل تحول جذري في علاقات الإنتاج والتبادل، يقوم على مبدأ سيادة الشعوب على ثرواتها ومقدراتها.

"الإمبريالية هي المرحلة العليا من الرأسمالية"
فلاديمير إليتش لينين.

النضال مستمر،،
--------------------------
المراجع:
[1] Harvey, D. (2003). The New Imperialism. Oxford University Press.
[2]Lenin, V.I. (1916). Imperialism, the Highest Stage of Capitalism.
[3]Johnson, D. (2014). South Sudan: The Untold Story. I.B. Tauris.
[4]Chomsky, N. (1999). Profit Over People: Neoliberalism and Global Order. Seven Stories Press.
[5]Petras, J. (1999). NGOs: In the Service of Imperialism. Journal of Contemporary Asia.
[6]Klein, N. (2007). The Shock Doctrine: The Rise of Disaster Capitalism. Metropolitan Books.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 4. أوهام الانتقال المدني الديمقراطي
- 3. مأزق السلام الليبرالي
- 2. من حماية الأرواح إلى احتواء الثورة: تفكيك ماركسي لشعار ال ...
- 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح ...
- 14. الخاتمة: نحو بديل ثوري
- بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس
- الحدود كجهاز قمع طبقي في عصر الإمبريالية
- 13. المهام الطبقية للثورة السودانية: من الوطني إلى الاشتراكي
- 12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر الت ...
- 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي و ...
- 10. معضلة القيادة الثورية: أزمة اليسار والتحالفات المشبوهة
- 9. ثورة ديسمبر: انفجار التناقضات الطبقية
- 8. الهيمنة الطفيلية: التعليم والإعلام والدين في السودان
- 7. البعد الجندري للأزمة: النساء بين القهر والمقاومة
- 6. استعمار الداخل: الحرب كآلية للنهب المنظم في السودان
- 5. إمبراطورية العسكر
- 4. الإنقاذ وتكثيف الطفيلية: من الأيديولوجيا إلى آلة النهب
- 3. التحول النيوليبرالي في عهد نميري: تفكيك القاعدة المنتجة
- 2. التأسيس الطائفي للرأسمالية الطفيلية في السودان (1898–1956 ...
- الأزمة البنيوية للرأسمالية الطفيلية التابعة في السودان


المزيد.....




- جيمي كيميل يروي كيف علم بإيقاف برنامجه عن البث
- احتجاجات -جيل زد- غير المسبوقة تتوسع في المغرب.. ما الذي يحد ...
- احتفالات في موريتانيا بعد فوز التيك توكر غيث الموريتاني
- إغلاق مهرجان -أكتوبرفست- في ميونيخ بعد انفجار وتهديد بوجود ق ...
- نداءات للتهدئة وحكومة -تتفهم- .. فهل تتوقف مظاهرات -جيل زد-؟ ...
- الاعتراف بدولة فلسطين: التباس وأخطاء بخصوص قنصليتي بريطانيا ...
- مسيّرات وطائرات حربية و-أسطول شبح-.. استراتيجية روسية لإرباك ...
- استهداف الحوثيين سفينة هولندية يشعل جدلا على المنصات
- أسطول الصمود بحالة تأهب مع اقتراب سفن حربية إسرائيلية
- تحفظ الجيش الإسرائيلي على خطة ترامب وتخوف من الانسحاب من غزة ...


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي