أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عماد حسب الرسول الطيب - بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس















المزيد.....

بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 00:59
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


البيان الصادر عن المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني في 21 سبتمبر 2025 جاء في لحظة تاريخية يتواصل فيها النزيف الدموي الذي حول السودان منذ أبريل 2023 إلى ساحة حرب إمبريالية–محلية مدمرة، أنتجت انهياراً شاملاً لشروط حياة الملايين. هذا البيان، الذي يتناول مبادرة الرباعية (الولايات المتحدة، مصر، السعودية، الإمارات)، يستحق وقفة نقدية ماركسية علمية تفكك خطابه، تكشف ثغراته، وتطرح البديل الثوري الملموس.

أول ما يلفت النظر في البيان هو الترحيب بأي جهد لوقف الحرب وتسهيل المساعدات الإنسانية، مع التأكيد على سيادة السودان وحماية المدنيين. هذه النقاط تمثل الحد الأدنى من الموقف الوطني الذي لا يمكن لأي قوة سياسية جادة تجاوزه. كما أن فضح البيان لدور القوى الخارجية في تمويل طرفي الحرب يمثل لحظة وعي ثوري، خصوصاً حين يشير إلى أن تلك القوى "كانت تستطيع وقفها منذ بداياتها إلا أنها لم تفعل حماية لمصالحها". غير أن هذا الوعي ينكسر حين يختلط الفضح المبدئي بالترحيب العملي بمبادرات إمبريالية لا تختلف في جوهرها عن مؤامرات سابقة. الماركسية لا ترفض الوساطة بشكل مجرد، لكنها تشترط رقابة شعبية مباشرة على كل عملية إنسانية وسياسية: لجان تفتيش شعبية، شفافية في توزيع المعونات، ومجالس محلية لإدارة العملية. غياب هذه الآليات يجعل الترحيب مجرد قبول ضمني بالهيمنة الخارجية.

النقطة الجوهرية الثانية هي التحليل الطبقي. البيان يستخدم مصطلح "الجماهير" بطريقة مجردة، متجاهلاً التحولات المادية العميقة التي أحدثتها الحرب. تدمير أكثر من نصف البنية الصناعية جعل البروليتاريا الحضرية تتحول إلى بروليتاريا رثة تعتمد على اقتصاد النهب والتهريب، فيما برزت برجوازية طفيلية جديدة تموّل الحرب عبر سيطرتها على الذهب والنفط وشبكات التهريب الإقليمية. في ظل هذه التحولات، يصبح شعار "العودة إلى مسار ديسمبر" فارغاً من محتواه، لأن ذلك المسار كان نتاج تحالف طبقي لم يعد قائماً اليوم. الماركسية العلمية تقتضي إعادة بناء التحليل على أساس الواقع الطبقي الحالي وعلاقات الإنتاج الفعلية، وليس على تحالفات أو ظروف اجتماعية تاريخية لم تعد قائمة.

كذلك نجد في البيان تبسيطاً مخلّاً لعلاقة الداخل بالخارج. صحيح أنه يفضح تدخل الإمبريالية، لكنه يغفل أن القوى الخارجية ليست مجرد أطراف متدخلة بمعزل عن السياق المحلي، بل هي جزء من شبكة علاقات اقتصادية–سياسية عضوية مرتبطة بالطبقات الحاكمة في السودان. شبكات التهريب التي تموّل الحرب لا تعمل بمعزل عن المليشيات المحلية، بل ترتبط بها بشكل مباشر؛ حيث يملك بعض كبار الضباط حصصاً في شركات تهريب السلاح والمواد الأساسية، فيما تستفيد شركات إقليمية ومصارف دولية من تدفقات رأس المال غير المشروع. هذا التشابك العضوي يخلق اقتصاد حرب طفيلي، يتم فيه تحويل الموارد الطبيعية مثل الذهب والنفط من ملكية عامة إلى امتيازات خاصة مرتبطة برؤوس الأموال المحلية والخارجية معاً.

من منظور ماركسي، الإمبريالية في السودان تعمل من خلال آليات إنتاج مشتركة تتحكم فيها البرجوازية المحلية الطفيلية، لذلك أي تحليل يقتصر على اتهام الخارج وحده يغفل الواقع المعقد الذي يستند إليه استمرار الحرب ونفوذ الطبقات الطفيلية المحلية. مشاريع "الوساطة" والـ"حلول المدنية" غالباً ما تتوافق مع مصالح هذه الطبقات، ما يجعل أي مبادرة خارجية بدون رقابة شعبية مباشرة محفوفة بخطر إعادة إنتاج الهيمنة على موارد الدولة والشعب.

في مسألة الدولة، يسقط البيان في شعارات عامة: حل الدعم السريع والمليشيات، وبناء جيش قومي مهني، دون تقديم رؤية واضحة لإعادة تنظيم السلطة. الماركسية تعلمنا أن الدولة ليست جهازاً محايداً بل أداة لصيانة مصالح الطبقة المسيطرة، وأن المؤسسات العسكرية والأمنية التقليدية غالباً ما تعمل لحماية مصالح برجوازية الحرب الطفيلية. السؤال الحاسم، إذن، هو: كيف يمكن نقل السلطة من المليشيات والدولة الطفيلية إلى مؤسسات شعبية حقيقية، في ظل اقتصاد حرب يسيطر على معظم موارد البلاد ويغذي طبقة طفيلية مترابطة مع شبكات التهريب الإقليمية والدولية؟

الإجابة لا تكمن في مجرد "جيش مهني" أو حل المليشيات شكلياً، بل تتطلب إعادة تأسيس الأجهزة الأمنية ضمن إطار المجالس الشعبية المحلية، بحيث تكون القوة المسلحة مرتبطة مباشرة بالمجتمع وتخضع للرقابة الشعبية. يشمل ذلك تشكيل وحدات حماية محلية منتخبة، قادرة على فرض الأمن وحماية الموارد، وربطها بشكل عضوي بآليات الرقابة على الاقتصاد. من دون هذه الهيكلة، ستظل الدولة أداة للسيطرة الطبقية، وسيتم إعادة إنتاج علاقات الهيمنة نفسها التي غذّت الحرب والفساد، بينما يمكن عبر المجالس الشعبية أن تتحقق سيادة الشعب على الموارد والسلطة.

أما الجانب الاقتصادي في البيان، فيعيد إنتاج عجز اليسار التقليدي في الفصل بين الخدمات الأساسية وعلاقات الملكية. فالدعوة لتوفير الكهرباء والماء وتأهيل المستشفيات تبقى حلولاً تقنية مجردة إذا لم تترافق مع تحويل جذري لآليات السيطرة على الموارد الاستراتيجية. عائدات الذهب غير الرسمية، التي تتجاوز مليارات الدولارات سنوياً، تموّل الحرب مباشرة وتغذي برجوازية طفيلية مترابطة مع شبكات التهريب الإقليمية والدولية، فيما تتحول الطبقة العاملة إلى بروليتاريا رثة تعتمد على اقتصاد النهب والتهريب.

من منظور ماركسي علمي، الموقف الثوري الحقيقي لا يقتصر على تحسين الخدمات، بل يبدأ بمصادرة الموارد الاستراتيجية وتأميمها تحت رقابة لجان عمالية وشعبية مرتبطة مباشرة بالمجالس الشعبية، بحيث تصبح السلطة الاقتصادية أداة لإعادة توزيع الثروة وتقوية سلطة الشعب على الاقتصاد، بما يقطع دابر الحرب ويحد من تراكم الثروات الطفيلية.

البعد الأممي في البيان يظل شعارياً ويقع في وهم المؤسسات الدولية "المحايدة" مثل مجلس الأمن، التي غالباً ما تعكس مصالح الإمبريالية وتكرس هيمنة الرأسمالية العالمية. الماركسية الأممية تتطلب بناء شبكات تضامن حقيقية مع الطبقة العاملة والحركات الشعبية في دول الرباعية نفسها، وتنظيم حملات مقاطعة اقتصادية وسياسية للشركات والمؤسسات التي تموّل الحرب أو تستفيد من نهب الموارد السودانية، وربط النضال السوداني بالحركات العالمية المناهضة للعولمة الرأسمالية عبر الجنوب العالمي وشبكات التضامن الدولية.

إن البديل الماركسي العلمي يفرض برنامجاً انتقالياً ملموساً وواضحاً: مجالس شعبية محلية بصلاحيات حقيقية لإدارة الموارد والخدمات، وحدات حماية محلية خاضعة للرقابة الشعبية، تأميم الذهب والنفط والأراضي الاستراتيجية وتوزيعها عبر لجان عمالية وشعبية، وفتح مسار عدالة انتقالية لمحاسبة مجرمي الحرب والمستفيدين من النهب، مع مشاركة مباشرة من العمال والفلاحين في الرقابة على هذه العملية. هذا البرنامج يحوّل الوعي الطبقي إلى ممارسة عملية، ويحوّل الأزمة الوطنية والاجتماعية إلى مسار تحرري ملموس قادر على تفكيك سلطة الطبقات الطفيلية وإعادة توزيع السلطة والملكية.

بيان الحزب الشيوعي السوداني يظهر استمرارية لخط تقليدي حافظ على استقلالية نسبية عن الإمبريالية، لكنه يعاني من قصور في تطوير أدوات التحليل والاستراتيجية بما يتناسب مع التحولات الطبقية والمادية الناتجة عن الحرب. بقاء الحزب في موقع الشاهد الناقد بدل أن يكون المبادر الثوري يكرّس فجوة بين الفضح النظري والتنظيم العملي، ويحد من قدرته على قيادة الجماهير نحو ممارسة السلطة الفعلية.

وكما قال لينين: "من دون نظرية ثورية لا توجد حركة ثورية"، فالنظرية وحدها، إذا ظلت منفصلة عن العمل الشعبي والممارسة الميدانية، تتحول إلى مجرد شعارات فارغة. البديل الماركسي الثوري الحقيقي هو الذي يحوّل التحليل الطبقي والوعي الشعبي إلى ممارسة عملية، ويؤسس سلطة شعبية من القاعدة إلى القمة، قادرة على تحرير الشعب من الهيمنة الإمبريالية والطبقات الطفيلية وبناء اقتصاد اجتماعي عادل.

"الثورة الحقيقية ليست مجرد شعارات على ورق، بل تحويل السلطة والملكية لصالح الطبقة العاملة والشعب المضطهد"
فلاديمير إليتش لينين.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحدود كجهاز قمع طبقي في عصر الإمبريالية
- 13. المهام الطبقية للثورة السودانية: من الوطني إلى الاشتراكي
- 12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر الت ...
- 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي و ...
- 10. معضلة القيادة الثورية: أزمة اليسار والتحالفات المشبوهة
- 9. ثورة ديسمبر: انفجار التناقضات الطبقية
- 8. الهيمنة الطفيلية: التعليم والإعلام والدين في السودان
- 7. البعد الجندري للأزمة: النساء بين القهر والمقاومة
- 6. استعمار الداخل: الحرب كآلية للنهب المنظم في السودان
- 5. إمبراطورية العسكر
- 4. الإنقاذ وتكثيف الطفيلية: من الأيديولوجيا إلى آلة النهب
- 3. التحول النيوليبرالي في عهد نميري: تفكيك القاعدة المنتجة
- 2. التأسيس الطائفي للرأسمالية الطفيلية في السودان (1898–1956 ...
- الأزمة البنيوية للرأسمالية الطفيلية التابعة في السودان
- 12. من الاحتجاج إلى بناء البديل الثوري في السودان
- التحديات والحلول الثورية
- 11. التحديات والحلول الثورية
- 10. الوهم الإصلاحي والواقع الطبقي
- 9. تفكيك إخفاق النماذج الجنينية في الثورة السودانية
- 8. المجالس الطبقية من البناء التنظيمي إلى المعركة الشاملة


المزيد.....




- حماس تستنكر دعوة عباس لتسليم سلاح المقاومة
- جيمس كومي.. توجيه اتهامات لرئيس FBI السابق في تصعيد -غير مسب ...
- ترامب يوقع أمر بيع -تيك توك-.. الرئيس الأميركي: اتفاق وشيك ب ...
- مقتل 5 عناصر من قسد بهجوم مسلح نفذته خلايا تنظيم -داعش- في ر ...
- إسرائيل تشن أوسع هجوم على صنعاء -انتقاما من مسيّرة إيلات-
- روسيا والصين تدعوان مجلس الأمن لمنح إيران ستة أشهر إضافية قب ...
- -أسطول الصمود- يرفض إنزال المساعدات في قبرص ويصر على التوجه ...
- الحرب على غزة مباشر.. غارات متواصلة وترامب يتحدث عن صفقة -قر ...
- عاجل | رئيس الوزراء القطري لموقع بريتبارت: مهم أن نوضح لترام ...
- شاهد.. مميزات منحت برشلونة أفضلية على حساب أوفييدو


المزيد.....

- نعوم تشومسكي حول الاتحاد السوفيتي والاشتراكية: صراع الحقيقة ... / أحمد الجوهري
- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عماد حسب الرسول الطيب - بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس