أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 8. المجالس الطبقية من البناء التنظيمي إلى المعركة الشاملة















المزيد.....

8. المجالس الطبقية من البناء التنظيمي إلى المعركة الشاملة


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 00:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن الانتقال بالمجالس الطبقية من هياكل تنظيمية إلى أدوات قتالية فاعلة يمثل المنعطف الحاسم في مسار الثورة. فوجود المجالس بحد ذاته، رغم أهميته البالغة، يبقى ناقصاً دون قدرة على خوض معركة السلطة بشكل ملموس. الثورة المضادة لا تهاب التنظيم بقدر ما تخشى القوة القادرة على تحطيم أسس سيطرتها الاقتصادية والعسكرية. لذلك يجب أن تتحول هذه المجالس إلى ورش عمل ثورية دائمة، تنتج أدوات نضالية متطورة باستمرار، وتتحول من مواقع الدفاع عن المكاسب إلى مواقع الهجوم المستمر ضد أركان النظام. ومن هنا يبرز الجانب العملي التطبيقي، حيث يمكن أن تبدأ المجالس بتجارب صغيرة لكنها ملموسة: تنظيم عملية توزيع الاحتياجات اليومية، تشكيل فرق أولية للحماية الشعبية، إدارة إضرابات قطاعية تمهيداً لتحويلها إلى عصيان شامل. هذه المبادرات العملية، مهما بدت محدودة، هي اللبنات التي تؤسس لبنية سلطة بديلة تتطور مع الصراع.

الإضراب السياسي الشامل يشكل السلاح الاقتصادي الأكثر فاعلية بيد الطبقات الكادحة. وهو يختلف جوهرياً عن الإضرابات الجزئية التي تهدف إلى تحقيق مكاسب محدودة، حيث يتوجه مباشرة إلى شل الاقتصاد الوطني برمته، وجعل استمرار النظام مستحيلاً. تقوم المجالس العمالية في مواقع الإنتاج بتنظيم عملية التعطيل الشامل لخطوط الإنتاج، بينما تتولى مجالس الأحياء مهمة تعطيل حركة الحياة اليومية. التنسيق المركزي بين هذه المجالس يصبح عاملاً حاسماً في توحيد توقيتات الإضراب ورفع سقف المطالب بشكل متزامن. خلال هذه العملية، يبرز دور الإعلام الثوري في نقل حقيقة الإضراب وفضح وتكذيب روايات النظام، محولاً المعركة الاقتصادية إلى معركة سياسية شاملة.

غير أن الإضراب وحده لا يكفي أمام آلة القمع التي لن تتردد في استخدام العنف المفرط. ومن هنا تبرز الحاجة الماسة إلى تنظيم قوات المقاومة الشعبية التي تخضع لقيادة المجالس الطبقية وتتمتع بانضباط ثوري صارم. هذه القوات تختلف جوهرياً عن مجموعات الحماية الشعبية العفوية، فهي قوات منظمة تخضع لتدريب مستمر وتقوم بمهام محددة: حماية مقرات المجالس، حماية المتظاهرين، الدفاع عن مواقع العمل خلال الإضراب، ومواجهة قوات النظام. يتم تجنيد عناصر هذه القوات من بين العمال والطلاب والشباب ذوي الخبرة النضالية، مع العمل على توفير التدريب اللازم والتجهيزات الأساسية، والتركيز على الانضباط الثوري في استخدام القوة. وهنا تتضح ضرورة إدارة المخاطر: الانتشار اللامركزي للمجالس، تعدد مراكز القرار، بناء آليات إجلاء المعتقلين والمصابين بسرعة، وتطوير إعلام ثوري قادر على فضح القمع في لحظته، كلها أدوات تجعل كلفة القمع باهظة وتمنح الجماهير قدرة على الاستمرار.

بالتوازي مع ذلك، يبرز مشروع الاقتصاد الموازي كسلاح ثوري في مواجهة حصار النظام الاقتصادي. هذا المشروع لا يحمل طابعاً إغاثياً، بل هو تعبير عن قدرة الطبقات الكادحة على إدارة شؤونها الاقتصادية بشكل مستقل. تقوم المجالس بتنظيم توزيع المواد الأساسية مثل الوقود والدقيق والدواء بأسعار عادلة، مما يحرم النظام من أحد أسلحته الاقتصادية الرئيسية. كما يوفر هذا الاقتصاد الموازي قاعدة مادية لتمويل نشاط المجالس وقوات المقاومة، ويبرز عملياً قدرة الجماهير على إدارة شؤونها بشكل أفضل من النظام الفاسد.

لقد قدّم اعتصام القيادة العامة في أبريل 2019 نموذجاً مكثفاً لما يمكن أن يصبح عليه السودان بأسره حين تنخرط الجماهير في تنظيم ذاتها وإدارة شؤونها. فقد تحولت الساحات إلى فضاء اجتماعي وسياسي موحد، حيث قامت لجان الأحياء بتنظيم الإمداد الغذائي والدوائي، وبرزت مبادرات طلابية ومهنية وفنية وثقافية جعلت من الاعتصام ما يشبه مجالس طبقية مصغرة. كان الاعتصام يستمد قوته من تلاحم الداخل السوداني مع دعم الشتات والجاليات، ما وفّر قاعدة مادية ومعنوية عززت استمراره. لكن محدودية الإطار وعدم تطوره إلى سلطة بديلة شاملة سمحت للثورة المضادة بأن تعيد تنظيم صفوفها ثم تنقض على الجماهير بمجزرة دموية. إن الدرس الجوهري من هذا الاعتصام هو أن قوة الجماهير التنظيمية الهائلة، ما لم تُصعد إلى سلطة طبقية بديلة، ستظل معرضة للاحتواء أو السحق. وهذا يعيد التأكيد على أن العوامل الإقليمية والخارجية لا تقف موقف الحياد، بل تسعى لإعادة إنتاج التبعية، وهو ما يفرض على المجالس خطاباً ثورياً أممياً يخاطب الشعوب لا الأنظمة، ويعتمد على التضامن الأممي والاستفادة من الشتات الثوري لتجاوز عزلة الثورة وتحويلها إلى جزء من موجة أوسع.

استكمالاً لهذه الأدوات، تحتاج الثورة إلى استراتيجيات واضحة للمواجهة مع بقايا النظام. يجب أن تخضع هذه المواجهة لخطة متدرجة تبدأ بالعصيان المدني وتتصاعد إلى الإضراب العام ثم المواجهة المفتوحة، وفقاً لتطور ميزان القوى. خلال هذه العملية، يتم استهداف مراكز النظام الحيوية مثل مراكز الاتصالات وطرق إمدادات الجيش والمؤسسات الاقتصادية التابعة للطبقة الحاكمة. بالتوازي مع ذلك، تقوم المجالس بحملة ممنهجة لاستقطاب وإستيعاب القوى المنحازة لخيار المجالس الطبقية.

إن هذه الأدوات تشكل نسيجاً متكاملاً يجب أن يعمل بتناسق وتزامن. فقوات المقاومة تحمي عملية الإضراب والاقتصاد الموازي، والإضراب يخلق الظروف الملائمة لتعزيز الاقتصاد الموازي وبناء المقاومة، والاقتصاد الموازي يدعم استمرارية الإضراب ويوفر القاعدة المادية للمقاومة. هذه الحلقة المتكاملة تمكّن الثورة من الانتقال من الدفاع إلى الهجوم.

يجب أن يسير تطوير هذه الأدوات النضالية بالتوازي مع بناء المجالس الطبقية. فالمجالس بدون أدوات نضالية تكون هياكل عاجزة، والأدوات بدون قيادة مجلسية طبقية تكون جهوداً مشتتة. يجب التحذير من مخاطر التسرع في خوض معارك غير محسوبة، كما يجب الحذر من التباطؤ الذي يعطي النظام فرصة لإعادة ترتيب أوراقه. إن انتصار ثورتنا يتوقف على قدرتنا على الشروع الفوري في بناء النوى الأولى لهذه الأدوات، وتطويرها باستمرار في خضم المعركة، والجمع بين البناء التنظيمي الثوري وتطوير أدوات المعركة الفعالة في سيرورة واحدة متكاملة.

إذا طبقنا ما ورد في هذا النص بحرفيته على لجان الأحياء وحدها، دون تطويرها إلى مجالس طبقية، فلن يؤدي ذلك إلى إقامة سلطة ثورية بديلة، بل سيؤدي إلى إعادة إنتاج لجان خدمات أو هياكل محلية معزولة يمكن للنظام استيعابها أو التلاعب بها بل وسحقها.

أما إذا جرى تطوير لجان الأحياء على أساس طبقي، وربطها بالمجالس العمالية والمهنية والطلابية في نسيج واحد يقود الإضراب والعصيان والمقاومة، فإن ذلك سيؤدي إلى نشوء سلطة طبقية بديلة حقيقية، قادرة على قيادة الجماهير في مواجهة الدولة البرجوازية وتحطيم أركانها.

لقد أثبتت التجارب السودانية نفسها صحة هذا المسار، فمن إضراب عمال السكة الحديد في عطبرة إلى الدور الطليعي للمعلمين والأطباء في ثورة ديسمبر، كان التنظيم الطبقي دوماً هو الذي يفتح الطريق أمام انتفاض الجماهير. واليوم، أمامنا الفرصة لاستعادة تلك الروح ولكن في صيغة أعلى، عبر تحويل المجالس الطبقية إلى سلطة بديلة تمارس القيادة المباشرة للصراع.

المعركة ليست جزئية ولا مؤقتة، بل هي معركة على مستقبل السودان نفسه. فلنحوّل كل حي ومصنع ومدرسة إلى حصن ثوري، ولنجعل من المجالس الطبقية سلاحنا الأشد مضاءً في مواجهة النظام.

وكما قال غرامشي: "من لا يستطيع صناعة أدوات سلطته، سيظل أسير أدوات الآخرين."

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 7. المجالس الطبقية كسلطة بديلة: الطريق الوحيد أمام الثورة ال ...
- 6. السودان بين الثورة والثورة المضادة: السوفييتات أو الهزيمة
- الانتهازية والانعزالية: وجهان لعملة واحدة في أزمة اليسار الث ...
- 5. أشكال بلا مضمون: كيف حوّلت الثورة المضادة أدوات النضال ال ...
- 4. السوفييتات - النموذج التاريخي والضرورة الراهنة
- 3. الجذور التاريخية للثورة: دروس من تجارب الشعوب
- 2. الوهم الإصلاحي ولجان الأحياء: آلية البرجوازية الصغيرة لسر ...
- على خط النار: الثورة السودانية بين الأوهام والسلطة 1. لماذا ...
- 21. إصلاحية مقنّعة، جذرية منهزمة
- 20. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 19. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 18. من الراديكالية الزائفة إلى الانحراف البيروقراطي
- 17. هيمنة البرجوازية الصغيرة: صراع طبقي داخل الحزب
- 16. استعادة القيادة البروليتارية: شرط البقاء الثوري
- 15. الأممية الشكلية والديمقراطية الشكلية: أدوات هيمنة البرجو ...
- 14. الريف الغائب: جغرافيا الصراع الطبقي المُهملة
- 13. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي
- 12. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي.
- 11. ​خزينة الحزب الثوري: البوابة السرية لهيمنة البرجوا ...
- 10. الاستعمار وتشكُّل البرجوازية الصغيرة: الجذور التاريخية ل ...


المزيد.....




- حماس تعلق على المقترح الأمريكي الجديد لاتفاق وقف إطلاق النار ...
- ظروف لجوء قاسية بتشاد يعانيها سودانيون فارون من دارفور
- صحف عالمية: الاعتراف بدولة فلسطينية رمزي وكاتس أضر بإسرائيل ...
- حماس تلقت أفكارا عبر الوسطاء من الطرف الأميركي وجاهزة للتفاو ...
- إسرائيل -تعمق- هجومها في مدينة غزة وترامب يوجه -إنذارا أخيرا ...
- محللون: المقترح الأميركي فضفاض ويضع حماس بموقف لا تُحسد عليه ...
- معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بعدة محاور في كر ...
- هجوم روسي واسع على كييف تضمن استهداف مبنى الحكومة
- مظاهرة في بروكسل تطالب بفرض عقوبات على إسرائيل
- مئات التونسيين يستقبلون -أسطول الصمود- بميناء سيدي بوسعيد


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 8. المجالس الطبقية من البناء التنظيمي إلى المعركة الشاملة