أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 2. الوهم الإصلاحي ولجان الأحياء: آلية البرجوازية الصغيرة لسرقة الثورة














المزيد.....

2. الوهم الإصلاحي ولجان الأحياء: آلية البرجوازية الصغيرة لسرقة الثورة


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8453 - 2025 / 9 / 2 - 04:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تطل الإصلاحية دوماً في لحظات المد الثوري بوجهٍ مخاتل، تقدم نفسها كخيار "عقلاني" و"واقعي" لإنقاذ الجماهير من "الفوضى"، لكنها في جوهرها ليست إلا أداة طبقية وظيفتها انتزاع الصراع من مجرى الثورة إلى قنوات النظام. الإصلاحية ليست خطأً عفوياً أو انحرافاً عرضياً، بل هي التعبير السياسي المنظم عن مصالح البرجوازية الصغيرة ورعبها التاريخي من القطيعة الجذرية مع سلطة رأس المال. في السودان، تجسدت هذه الظاهرة بوضوح في لجان الأحياء، التي حُوِّلت من بؤر نضال إلى أجهزة خدماتية ووسائط تفاوضية مع النظام، فتحولت طاقتها من الهدم إلى الترميم، ومن التسييس إلى إغراق الجماهير في تفاصيل الخدمات اليومية.

اللجان ليست عفوية ولا حيادية كما يروَّج لها، بل تعكس تركيباً طبقياً هجينا: البرجوازي الصغير يهرب إلى "الاستقرار" خوفاً على أملاكه الهشة؛ الموظفون يسعون وراء إصلاحات تحافظ على امتيازاتهم؛ العاطلون يبحثون عن حلول فورية دون أفق استراتيجي؛ بينما العمال والكادحون – أي القوة الثورية الحقيقية – يُستنزفون وقوداً لمشروع إصلاحي يعيد إنتاج قيودهم. هذا الخليط الطبقي يجعل اللجان عاجزة عن اتخاذ موقع مستقل، ويجعلها تتحول إلى أداة لتسكين التناقضات بدلاً من تفجيرها.

ما يُقدَّم على أنه "أفقية" و"ديمقراطية شعبية" سرعان ما ينكشف في الواقع كبنية فضفاضة مخترَقة، سهلة التلاعب بها أمنياً وسياسياً، وعاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة. ما نراه على الأرض هو انحدار هذه اللجان إلى فوضى تنظيمية وصراعات شللية. في أحياء عديدة من الخرطوم وأم درمان وبحري، ذابت الهياكل الثورية التي رفعت شعار "تسقط بس" في لجان خدمية متناحرة، بعضها صار يتوسط بين السكان وأجهزة النظام لتوزيع الخبز والمياه، بينما تُركت المواجهة الثورية تتلاشى.

أخطر وظيفة لهذه اللجان أنها تحوِّل الصراع الطبقي إلى مطالب حياتية مجتزأة. فبدلاً من مواجهة السلطة ككيان طبقي طفيلي يجب إسقاطه، يُعاد تعريف المواجهة كسلسلة من "المطالب الخدمية": ماء هنا، كهرباء هناك، تحسينات شكلية لا تمس جوهر النظام. بهذا التحويل، تُفرغ الثورة من مضمونها السياسي، ويُعاد إنتاج شرعية السلطة من خلال تنازلات صغيرة تمنح النظام وقتاً ثميناً لإعادة تنظيم صفوفه. في الجريف شرق تحولت اللجنة الثورية إلى بلدية تفاوض على إمداد المياه. في أم درمان تحولت اللجان إلى وسطاء بين الأهالي والدولة. في بحري جرى اختزال المطالب السياسية الكبرى إلى حملات إغاثة متفرقة. هكذا يصبح الثوار مجرد متسولين للفتات، لا فاعلين سياسيين يهددون وجود الدولة الطبقية.

هذا السيناريو ليس بدعاً في التاريخ. ففي روسيا 1905 نشأت السوفييتات كتجسيد مباشر لسلطة العمال، لكن غياب قيادة ثورية منظمة جعلها تنهار أمام هجوم البرجوازية. عام 1917 تكررت التجربة، لكن وجود البلاشفة بقيادة لينين قلب المعادلة: تحولت السوفييتات إلى أدوات للاستيلاء على السلطة، لا لإصلاح النظام. في السودان 1985 ظهرت لجان المقاومة ضد نميري، لكن غياب قيادة ثورية وبرنامج طبقي جعلها تُحتوى وتُختزل إلى هياكل خدماتية انتهت بتلاشيها مع عودة النظام القديم، ليبقى الدرس التاريخي: أي لجنة تظل تحت هيمنة البرجوازية الصغيرة تتحول إلى ما سماه لينين "ازدواجية سلطة مشلولة"، أي حالة وسطية مشلولة تسمح للنظام بالاستمرار بينما تُكبِّل الثورة.

مع ذلك، فإن الواقع السوداني لم يخلُ من ومضات طبقية ثورية حقيقية. عمال مصنع الأدوية في بحري نظموا الإنتاج ووزعوا الدواء مباشرة للجماهير متجاوزين جهاز الدولة. لجان الحماية في بعض أحياء أم درمان تولت تنظيم الحماية الذاتية ضد مليشيات النظام بشكل مستقل. اتحادات الفلاحين في الجزيرة أدارت الحصاد والتوزيع دون وسطاء التجار الطفيليين. هذه التجارب، رغم محدوديتها، تكشف بجلاء أن البديل ليس "إصلاح اللجان" أو جعلها "ديمقراطية"، بل تخطيها عبر بناء أدوات طبقية جديدة قادرة على قلب موازين القوى.

المطلوب إذن هو اجتثاث الوهم الإصلاحي من جذوره. إن "إصلاح اللجان" شعار مضلل، لأن هذه البُنى مشوَّهة بطبيعتها الطبقية، ولا يمكن أن تُستولد منها سلطة الثورة. ما نحتاجه هو مجالس عمالية في مواقع الإنتاج، اتحادات فلاحية مستقلة، لجان حماية شعبية ذات طبيعة طبقية صلبة، ترتبط جميعها بتنسيق مركزي ديمقراطي ثوري. هذه اللبنات وحدها هي ما يشكل سلطة الجماهير القادرة على انتزاع السلطة.

كما كتب غرامشي: "القديم يحتضر والجديد لا يستطيع أن يولد، وفي هذه الفترة تظهر الأمراض المستعصية." والإصلاحية في لجان الأحياء ليست سوى هذا المرض الذي لا بد من اجتثاثه. وكما قال لينين: "بدون نظرية ثورية، لا يمكن وجود حركة ثورية." لذلك فإن فضح الإصلاحية ليس تمريناً فكرياً، بل شرطاً لبناء حركة ثورية واعية بمهامها. وكما حذرت روزا لوكسمبورغ: "الإصلاحات ليست سوى ثمرات نضال الجماهير، لكن من دون الثورة، تصبح هذه الإصلاحات مجرد وسائل لتقوية النظام نفسه."

إن الثورة السودانية إما أن تتجاوز الوهم الإصلاحي وتبني أدواتها الطبقية المستقلة، أو أن تُختزل إلى لجان خدماتية تعيد إنتاج البؤس وتؤجل الانفجار. إما طريق الإصلاحية وهو طريق الانحدار، أو طريق الثورة وهو طريق التحرر.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على خط النار: الثورة السودانية بين الأوهام والسلطة 1. لماذا ...
- 21. إصلاحية مقنّعة، جذرية منهزمة
- 20. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 19. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 18. من الراديكالية الزائفة إلى الانحراف البيروقراطي
- 17. هيمنة البرجوازية الصغيرة: صراع طبقي داخل الحزب
- 16. استعادة القيادة البروليتارية: شرط البقاء الثوري
- 15. الأممية الشكلية والديمقراطية الشكلية: أدوات هيمنة البرجو ...
- 14. الريف الغائب: جغرافيا الصراع الطبقي المُهملة
- 13. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي
- 12. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي.
- 11. ​خزينة الحزب الثوري: البوابة السرية لهيمنة البرجوا ...
- 10. الاستعمار وتشكُّل البرجوازية الصغيرة: الجذور التاريخية ل ...
- 9. البرجوازية الصغيرة بين التأرجح الطبقي وعجز القيادة الثوري ...
- 8. التحالفات الطبقية: بين ضرورة الثورة وفخ الهيمنة البرجوازي ...
- 7. البيروقراطية كأداة للهيمنة الطبقية
- 6. الانفصال عن الجماهير: كيف تتحول الأحزاب الثورية إلى أجهزة ...
- 5. الانفصال عن الجماهير: حين تتحول الأحزاب إلى نخب سياسية
- 4. الهيمنة على الوعي الطبقي: أدواتها، آثارها، وسبل المواجهة ...
- 3. تسلل البرجوازية الصغيرة إلى الأحزاب الشيوعية: آليات وأدوا ...


المزيد.....




- -ضربته بالحذاء-.. كتاب يكشف كيف تصدت الملكة كاميلا لمتحرش
- ما رد روسيا بشأن -مزاعم- التشويش على طائرة رئيسة المفوضية ال ...
- بلجيكا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. وتفرض عقوبات على ...
- جحيم الملل.. كيف دفع البشر نحو الحرب أحيانا ولازمهم فيها طوي ...
- ترامب: تضاؤل قوة إسرائيل في الكونغرس -أمر مدهش-.. وحرب غزة ت ...
- حركة -تحرير السودان-: مصرع أكثر من ألف شخص في انهيار أرضي -د ...
- عاجل| المقررة الأممية بالأراضي الفلسطينية: إسرائيل قتلت من ا ...
- الاتحاد الدولي للصحفيين يطالب بدخول المؤسسات الدولية لتوثيق ...
- توقف مؤقت لأسطول الصمود بسبب الأحوال الجوية
- إيران تتهم أوروبا بـ-تسليم- ملفها النووي إلى -فيتو ترامب-


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 2. الوهم الإصلاحي ولجان الأحياء: آلية البرجوازية الصغيرة لسرقة الثورة