أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - 7. البيروقراطية كأداة للهيمنة الطبقية















المزيد.....

7. البيروقراطية كأداة للهيمنة الطبقية


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 08:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


البيروقراطية داخل الحزب الثوري ليست مجرد خلل إداري أو نتاج قصور تنظيمي، بل هي انعكاس مباشر لتغلغل مصالح البرجوازية الصغيرة في جسد الحركة الثورية، فتتحول الأداة التي كان يفترض أن تفتح الطريق أمام قيادة الطبقة العاملة إلى جهاز إداري منفصل ومهيمن، يعيد إنتاج نفس آليات السيطرة التي تقوم بها الدولة البرجوازية، بما يعني أن تحليل البيروقراطية يجب أن يبدأ من شروطها المادية لا من مظاهرها السطحية.

فالبنية المادية للبيروقراطية تتجلى في الاقتصاد السياسي للحزب ذاته: التمويل الخارجي الذي يحول التنظيم إلى أداة مرتهنة لمصالح الممولين، الاعتماد على موارد الدولة وما يولده من تبعية متبادلة مع أجهزتها، والرواتب والامتيازات التي تصرف للقيادات فتحولهم إلى طبقة بيروقراطية قائمة بذاتها تعيش بعيدًا عن واقع الطبقة العاملة، وتُراكم مصالحها الخاصة في مواجهة القواعد. هذه الشروط هي التي تجعل البيروقراطية أكثر من مجرد جهاز إداري، إنها طبقة داخل الحزب.

تفرض هذه الطبقة هيمنتها عبر آليات محددة: المركزية المفرطة التي تختزل القرار في يد لجان ضيقة مغلقة، تأبيد المناصب بتحويل القيادة إلى مهنة دائمة معزولة عن المحاسبة، تحويل اللوائح التنظيمية إلى سلاح لإقصاء المعارضين وقمع النقاش الداخلي، وبناء شبكات ولاء شخصية تقوم مقام الالتزام الطبقي والسياسي. كل ذلك يعيد تشكيل الحزب في صورة مؤسسة نخبوية بعيدة عن القواعد التي أنشأته.

لكن البيروقراطية ليست قوة مطلقة ولا قدرًا مفروضًا، إذ أثبت التاريخ أن الجماهير العمالية قادرة على مقاومة انحرافها. فقد تمثلت تلك المقاومة في مجالس العمال التي تصدت لهيمنة البيروقراطيين في روسيا 1917، وفي الإضرابات الداخلية لأعضاء الأحزاب الشيوعية الأوروبية ضد قيادات متخاذلة، وفي محاولات فرض لجان رقابية وصحافة مستقلة داخل التنظيمات الثورية. هذه الأمثلة تكشف أن الصراع ضد البيروقراطية هو نفسه امتداد للصراع الطبقي داخل الحزب، وأن ميزان القوى بين القواعد والقيادة يحدد اتجاه التطور.

وتتجسد آليات هذه المقاومة في تطبيق ديمقراطية داخلية ملموسة لا شكلية: انتخاب اللجان القيادية لفترات قصيرة (سنة واحدة مثلًا) مع منع إعادة الترشح المتتالي لتفادي تأبيد المناصب، انتخاب لجان مالية مستقلة من القواعد لمراقبة الصرف وضمان الشفافية، وإصدار صحافة حزبية مستقلة بأقلام الأعضاء مثل صحيفة إيزفيستيا التي لعبت دورًا محوريًا في الثورة البلشفية. والأهم هو إدارة هذا الصراع دون شق الحزب عبر موازنة دقيقة بين الديمقراطية والمركزية، بحيث تُحفظ وحدة العمل مع فتح الباب للنقد الحر من القواعد.

ويظهر البعد الأيديولوجي للبيروقراطية حين تعيد صياغة الصراع الطبقي في لغة إدارية محايدة، فتصبح الثورة مجرد "حوكمة"، ويتحول القادة إلى "خبراء" يبررون وجودهم كوسطاء لا غنى عنهم، ويتحول الحزب من أداة تحرر جماهيري إلى "مشروع" يتطلب إدارة. هذا التشويه لا يخفي فقط تناقض المصالح، بل يفرغ الحركة من مضمونها الثوري لصالح خطاب استقرار زائف، ويتعزز عبر إنتاج ثقافة خضوع داخل الحزب نفسه: عبادة شخصية القيادات بوصفهم "أبطالًا" أو "قديسين"، وتهميش الأعضاء الناقدين بوصمهم بالانشقاق أو التخريب. ولا سبيل لمواجهة ذلك إلا بتعميم النقد الذاتي في الاجتماعات الدورية، ومنع التكريم الفردي والتركيز على الإنجازات الجماعية التي تعكس قوة القواعد لا عظمة القادة.

والأمثلة التاريخية تكشف تنوع أشكال البيروقراطية: ففي الاتحاد السوفيتي تحولت القيادة إلى طبقة مرتبطة بجهاز الدولة وقامعة لأي نقد داخلي، فيما اتخذت الأحزاب الشيوعية العربية شكل بيروقراطيات تابعة للأنظمة ومتحالفة مع أجهزتها القمعية ضد الجماهير، أما في بلدان الجنوب العالمي فقد ظهر شكل آخر يقوم على تبعية للتمويل الدولي ونخب مدينية منفصلة عن العمال والفلاحين. وفي العصر الراهن برزت البيروقراطية الرقمية، حيث يحتكر إداريّو المنصات والنشطاء المحترفون الخطاب باسم الحزب، ويقصون الجماهير عبر الخوارزميات والمتابعات، مكررين آليات الإقصاء التقليدية لكن بثوب جديد.

هذه البيروقراطية الرقمية تستند إلى آليات محددة: احتكار المعلومات عبر تحكم إداريي الصفحات بمفاتيح الخطاب، تحويل النضال إلى وظيفة تقاس بالتفاعل وعدد المتابعين بدلًا من الانغراس الطبقي، وتسليع النشاط السياسي كمنتج في سوق الرأي. لكن مقاومتها ممكنة عبر مجالس عمالية رقمية تُدار ذاتيًا مثل مجموعات واتساب مصنعية لا تخضع للإشراف المركزي، وربط أي نشاط افتراضي بإثبات الحضور الميداني بحيث لا يُعتبر العضو نشطًا ما لم يشارك في إضرابات أو فعاليات ملموسة. هذا الربط بين الرقمي والميداني هو الكفيل بكسر احتكار "النشطاء المحترفين" وتحويل التقنية إلى أداة بيد القواعد.

ولتعميق هذا التمايز يمكن القول إن لكل نوع من البيروقراطية آلية هيمنة خاصة وطريقة مقاومة مقابلة: فبيروقراطية الدولة كما في التجربة السوفيتية ارتكزت إلى التحالف مع أجهزة القمع، ومواجهتها لا تكون إلا باستقلالية الحزب التامة عن الدولة. وبيروقراطية التمويل التي عرفتها أحزاب الجنوب العالمي ارتبطت بتبعية للمانحين الأجانب، ومواجهتها تقتضي التمويل الذاتي عبر اشتراكات العمال. أما البيروقراطية الرقمية فتعتمد على احتكار المنصات الإلكترونية، ومواجهتها تستوجب بناء إعلام حزبي قاعدي مثل بودكاست عمالي أو صحافة مصنعية ناطقة باسم العمال أنفسهم.

إن مقاومة البيروقراطية لا تنفصل عن مواجهة شروطها المادية: وقف التمويل الخارجي الذي يحول التنظيم إلى رهينة، إلغاء الرواتب الثابتة التي تجعل القيادة طبقة قائمة بذاتها، وتفعيل ديمقراطية القواعد عبر مؤتمرات دورية تنتخب لجانها وتملك حق إقالتها في أي لحظة. فالحزب الذي لا تعود فيه السلطة إلى القواعد، وتُفعّل فيه آليات الرقابة الشعبية الداخلية، يتحول إلى جهاز مغلق يلتهم نفسه ويخون طبقته. البيروقراطية إذن ليست قدرًا محتومًا، بل هي نتاج لاختلال ميزان القوى الطبقية داخل الحزب، ومعركة تحطيمها هي جزء أصيل من معركة تحرر الطبقة العاملة ذاتها.

"البيروقراطية هي القلعة التي يحتمي فيها الانتهازيون من غضب الجماهير"
ماو تسي تونغ

"البيروقراطية هي الطفيلي الذي ينمو على جسد الحركة العمالية حين تفقد جذورها"
ليون تروتسكي

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 6. الانفصال عن الجماهير: كيف تتحول الأحزاب الثورية إلى أجهزة ...
- 5. الانفصال عن الجماهير: حين تتحول الأحزاب إلى نخب سياسية
- 4. الهيمنة على الوعي الطبقي: أدواتها، آثارها، وسبل المواجهة ...
- 3. تسلل البرجوازية الصغيرة إلى الأحزاب الشيوعية: آليات وأدوا ...
- 2. التناقض البنيوي: لماذا تتأرجح البرجوازية الصغيرة بين الثو ...
- 1. البرجوازية الصغيرة: الموقع الطبقي ووظيفتها في الصراع الاج ...
- دم الشهداء لا يجف: من تفكيك منظومة القتل والنهب إلى بناء سلط ...
- من تفريغ الغضب إلى تصفية الوعي
- الثورة بين الشعارات والممارسة: تفنيد مزاعم التطبيع
- 30. نحو وعي نقابي طبقي جذري
- 29.الحياد النقابي: شعار فارغ لتصفية المعركة الطبقية
- 28. ترويض العمل النقابي عبر القوانين الدولية: وهم الحماية
- ماركسية بلا ماركس: تفكيك المنهج الزائف في خطاب تاج السر عثما ...
- 27. الماركسية ليست إصلاحًا: مراجعة نقدية لخطاب تاج السر عثما ...
- 26. من هندسة الانقسام إلى بناء التنظيم القاعدي
- 25. تحالف القامعين: كيف تواطأت قوى الهبوط الناعم مع قانون قم ...
- من صراع الطبقات إلى واقعية الترويض: سقوط النظرية في فخ التكي ...
- من -الطنين- إلى -الإنكار-: تفنيد ماركسي لمقال تاج السر عثمان
- 24. إتحاد فوقي: كيف يخدم النظام الأساسي قمع الطبقة العاملة
- 23. قانون تنظيم الاتحادات المهنية 2004: أداة السلطة لعزل الط ...


المزيد.....




- اليسار خارج المنافسة في الجولة الثانية من رئاسيات بوليفيا
- بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني
- ثالوث الهيمنة: الرأسمالية المتوحشة والأبوية والشعبوية ضدّ تح ...
- محذرًا من تكرار مآسي 7 أكتوبر..نتنياهو: التظاهرات المطالبة ب ...
- استمرار المواجهات بين المتظاهرين والشرطة في صربيا لليلة الخا ...
- تأسيس الحركة السودانية للتحرر الوطني (1946-1947)
- سوريا ـ مئات المتظاهرين في السويداء يطالبون بـ-حق تقرير المص ...
- في اليوم الرابع... صدامات جديدة بين الشرطة وآلاف المتظاهرين ...
- مروان البرغوثي مانديلا فلسطين .. تاريخ نضال الأسير القائد في ...
- احتجاجات ورفض لتقسيم أوكرانيا.. متظاهرون غاضبون من قمة ألاسك ...


المزيد.....

- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - 7. البيروقراطية كأداة للهيمنة الطبقية