أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - 28. ترويض العمل النقابي عبر القوانين الدولية: وهم الحماية














المزيد.....

28. ترويض العمل النقابي عبر القوانين الدولية: وهم الحماية


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8425 - 2025 / 8 / 5 - 02:27
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


يمثل الاستناد المتكرر إلى المواثيق الدولية في الخطاب النقابي الإصلاحي إحدى أخطر آليات ترويض الوعي الطبقي. حين يضع الكاتب تاج السر عثمان – ومن معه من تيار يساري إداري – اتفاقية "الحرية النقابية" رقم 87 الصادرة عن منظمة العمل الدولية كمرجعية مركزية للنضال العمالي، فإنه لا يعبّر عن انحياز قانوني فقط، بل يكرّس رؤية ترى الصراع الطبقي كقضية حقوقية قابلة للمعالجة في أروقة المنظمات الدولية. هذه الرؤية لا تشوّه طبيعة النقابة فحسب، بل تُفرغ الماركسية من محتواها الثوري، لتُعيد إنتاجها كخطاب إداري متصالح مع النظام الرأسمالي العالمي.

لم تنشأ منظمة العمل الدولية بوصفها أداة تضامن مع الطبقة العاملة، بل كآلية لاحتواءها. تأسست عام 1919 في أعقاب الحرب العالمية الأولى والثورة البلشفية، كاستجابة برجوازية دولية للزحف الشيوعي المتسارع، والانتفاضات العمالية التي اجتاحت أوروبا. صُمّمت المنظمة لتُقدّم "تنازلات مُدارة" تُفرغ الثورة من محتواها، وتحوّل العمال إلى شركاء في الإنتاج، لا إلى قوى تهدف إلى السيطرة عليه. كل مفردات "التمثيل الثلاثي" التي تتفاخر بها المنظمة – الحكومات، أصحاب العمل، والعمال – ليست سوى هندسة بيروقراطية لتجفيف التناقض الجذري بين رأس المال والعمل، ووضعه ضمن منطق "التفاوض الاجتماعي".

الاتفاقية 87 نفسها، التي تُرفع كشعار دائم، لا تتضمن أي التزام فعلي بضمان التنظيم النقابي الثوري. هي وثيقة مبادئ أخلاقية، تُقرّ بحرية التشكيل النقابي، لكنها لا تُلزم الدول بشيء يتجاوز الصياغات العامة. وفي غالب الحالات، تُستخدم هذه الاتفاقيات كأداة للتمييز بين "النقابات المعترف بها" و"النقابات المتطرفة"، أي بين النقابات القابلة للتطويع وتلك الخارجة عن السيطرة.

حين يُطالب الخطاب الإصلاحي بتطبيق الاتفاقيات الدولية، فهو يُطالب فعليًا بدمج النقابة في النظام، لا بكسر بنيته. إنه يُناشد الدولة البرجوازية أن تمنح العمال إذنًا بالتنظيم، بدل أن يُنظموا أنفسهم كقوة مستقلة تفرض وجودها بالصراع.

لا توجد تجربة ثورية واحدة في تاريخ الطبقة العاملة انتزعت حقوقها عبر المواثيق الدولية. حقوق العمال لم تُمنح من فوق، بل انتُزعت من تحت. في فرنسا 1968، اقتحم العمال المصانع وشكلوا مجالس إدارة عمالية لم تنتظر "اعترافًا قانونيًا". في بوليفيا، أقامت النقابات الثورية تحالفًا مباشرًا مع الفلاحين لتقويض الدولة من الأطراف. وفي السودان، لم تُحرر الطبقة العاملة في أكتوبر 1964 أو ديسمبر 2018 عبر اللوائح النقابية، بل عبر الإضرابات العامة، التي دفعت بجماهير العمال إلى موقع الفعل السياسي الثوري.

إن اختزال النقابة إلى مجرد كيان قانوني يعمل تحت سقف الاتفاقيات الدولية هو تزييف كامل لموقعها الطبقي. النقابة ليست وسيطًا تفاوضيًا، بل أداة صراع. كلما اقتربت من "الشرعية القانونية" ابتعدت عن وظيفتها التاريخية.

النقابة التي تنتظر اعترافًا من الدولة أو من منظمة العمل الدولية هي نقابة بيروقراطية، إدارية، استسلامية، تخلّت عن أن تكون سلاحًا طبقيًا، وتحوّلت إلى أداة من أدوات السيطرة الناعمة.

هذه البيروقراطية النقابية، التي تتغذى على الاعتراف القانوني والتمويل الدولي، لا تنمو في فراغ، بل في سياق عالمي هندسته المؤسسات الإمبريالية لتُعيد دمج الطبقة العاملة في مشروع السيطرة الرأسمالية المعولمة. البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لا يعاديان النقابات على وجه العموم، بل يعاديان النقابة الثورية تحديدًا.

النقابة التي تفاوض على تحسين شروط الاستغلال لا تُشكل خطرًا، بل ضرورة لاستدامة النظام. أما النقابة التي تُعلن القطيعة مع النظام وتبني تنظيمًا من تحت، فهذه تُدرج على قوائم الإرهاب.

وفي السودان، يتجلّى هذا الترويض في الدعوات المتكررة لإلغاء "نقابة المنشأة" والعودة إلى "القانون النقابي القديم". هذه الدعوة، التي تبدو ظاهريًا تقدمية، هي في الواقع جزء من المنظومة نفسها. القانون، أيًا كان شكله، ليس أداة تحرير في سياق دولة برجوازية تابعة، بل أداة تكييف وضبط وتحكّم. حتى لو بدا أن القانون "يضمن" الحرية النقابية، فإنه يضمنها فقط ضمن حدود لا تُهدد البنية الطبقية للنظام. وهنا جوهر الوهم: الإصلاحي لا يرفض القيد، بل يفاوض على مرونته.

البديل لا يكمن في صياغة قانون "أفضل"، بل في تمزيق منطق القانون ذاته. لا نحتاج إلى "تشريعات عمالية"، بل إلى تنظيمات قاعدية ثورية، تستمد شرعيتها من قوتها الفعلية في الشارع والمصنع والميدان. لا تنتظر إذنًا، ولا تطلب اعترافًا، بل تفرض وجودها من موقع الصراع. كما كتبت روزا لوكسمبورغ: "الحرية لا تُطلب، بل تُنتزع. والقانون لا يمنح الحقوق، بل يقيّدها بما يخدم بقاء النظام."

إنّ ترويض النقابات عبر القانون الدولي هو تكتيك ناعم من تكتيكات السيطرة الطبقية. إنه يقدّم الوهم على أنه حماية، والإدماج على أنه تمكين، والحياد على أنه تقدم. لكنه في جوهره عملية هندسة كاملة للوعي الطبقي، تُحوّل النقابي الثوري إلى إداري قانوني، وتُحول النقابة من خندق صراع إلى منصة تفاوض.

ولهذا، فإن الصراع مع هذا الخطاب لا يمكن أن يكون قانونيًا أو مؤسساتيًا. يجب أن يكون سياسيًا، جذريًا، ثوريًا. صراع يعيد تعريف النقابة لا كمؤسسة، بل كأداة في معركة أوسع: معركة تحطيم الدولة البرجوازية، لا التفاهم معها. هذا هو جوهر الماركسية، وهذا ما يُفرغه الإصلاحيون من مضمونهم كلما رفعوا راية "الشرعية الدولية".

وكما قال غرامشي:
"الدولة تبتلع المجتمع المدني حين تكون النقابات بلا مشروع سياسي ثوري."

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركسية بلا ماركس: تفكيك المنهج الزائف في خطاب تاج السر عثما ...
- 27. الماركسية ليست إصلاحًا: مراجعة نقدية لخطاب تاج السر عثما ...
- 26. من هندسة الانقسام إلى بناء التنظيم القاعدي
- 25. تحالف القامعين: كيف تواطأت قوى الهبوط الناعم مع قانون قم ...
- من صراع الطبقات إلى واقعية الترويض: سقوط النظرية في فخ التكي ...
- من -الطنين- إلى -الإنكار-: تفنيد ماركسي لمقال تاج السر عثمان
- 24. إتحاد فوقي: كيف يخدم النظام الأساسي قمع الطبقة العاملة
- 23. قانون تنظيم الاتحادات المهنية 2004: أداة السلطة لعزل الط ...
- 22. وثيقة بلا عمق ولا بوصلة: تفريغ للتاريخ الماركسي إلى سرد ...
- 21. البيروقراطية الخائنة: نقابة بلا طبقة، ووثيقة بلا ماركسية
- بين إنقلابين ووثيقة واحدة: الحزب الشيوعي خارج جبهة الوعي الث ...
- 20. صراع البرامج والطبقات: نقابة تابعة أم أداة تحرر؟
- 19. النقابة كجهاز في المنظومة الإمبريالية: وثيقة الحزب الشيو ...
- اللغة ليست نعناعًا: تفكيك ماركسي لبلاغة الامتياز في خطاب -دا ...
- كسلا التي لا ترد التحية: الحب كقهر طبقي في أغنية الحلنقي
- 18. من تنظيم الطبقة إلى طبقة التنظيم: انزلاق الوعي النقابي
- شيبوب: تمجيد الإنسان المغيَّب في بطولات السادة
- 17. مجاز العتمة والمرآة المعتمة: حين تكتب الوثيقة سرديتها عل ...
- لوركا: صوت الطبقة، سلاح ضد القمع
- 16. وحدة من؟ وبناء ماذا؟ تفكيك خطابي لمفاهيم غامضة بلا مضمون ...


المزيد.....




- موظفو مشاريع الجنوب يتظاهرون بالبصرة: نطالب بصرف الأرباح وكش ...
- -العمل النيابية- تبحث إنهاء عقود العمل غير محددة المدة والتد ...
- أبو مرجوب: 7 آلاف عامل مياومة في البلديات بحاجة لتحقيق العدا ...
- إضراب محمود بصل عن الطعام.. حين يحتجّ الجائع بالجوع في غزة
- عمال شركة -بوينغ- للصناعات الجوية يضربون عن العمل
- ما أسباب تدهور سوق العمل في الولايات المتحدة؟
- سوق العمل بألمانيا..استغلال لاجئين عرب من قبل أبناء جلدتهم
- حملة اعتقالات بجنوب أفريقيا ضد عمال التعدين غير القانوني
- كم يتقاضى موظفو -آبل- سنويا؟
- سكرتارية شباب اتحاد عمال مصر تطلق غرفة عمليات لمتابعة انتخاب ...


المزيد.....

- تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الحركة النقابية / الحزب الشيوعي السوداني
- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - 28. ترويض العمل النقابي عبر القوانين الدولية: وهم الحماية