أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - 18. من تنظيم الطبقة إلى طبقة التنظيم: انزلاق الوعي النقابي














المزيد.....

18. من تنظيم الطبقة إلى طبقة التنظيم: انزلاق الوعي النقابي


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 08:39
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


النقابة التي تُفصل عن سياقها الطبقي تتحول إلى مؤسسة بلا ذاكرة، وإلى جهاز يُدوِّر العجز بلغة الأرشفة. الوثيقة الموسومة بـ"تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الحركة النقابية" لا تُعيد بناء تاريخ الحركة بل تُدجّنه. تسرد باسم التنظيم لا باسم القواعد، وتعيد سرد الهزيمة بلغة الإنجاز. إنها ليست كتابة من موقع الاشتباك، بل من موقع الجهاز؛ جهازٌ يرى ذاته مركز الفعل، ويحوّل الصراع إلى إحصاء.

في هذا النص، النقابة لا تُستعاد كأداة صراع طبقي، بل كمسار إداري مضبوط من فوق. تسقط المعركة لحساب المحضر. العمال يُذكرون كمجموعات وظيفية، والنضال يُختزل في تقارير ولوائح وانتخابات. كل ما يُربك البناء يُقصى، وكل ما يُهدد الصورة يُطمس. تقول الوثيقة مثلًا: "استطاع الحزب أن يؤسس وجودًا نقابيًا راسخًا..."، دون مساءلة شروط هذا "الرسوخ"، ولا الكلفة الطبقية التي دُفعت مقابل الاعتراف القانوني به.

تُهيمن على الوثيقة لغة ملطّفة، تمتص التناقض وتحيله إلى “ظروف”، بينما تُدار الوقائع بمنطق التعميم الغامض: "تعرضت الحركة النقابية لمؤثرات سلطوية..."، "تم تقييد نشاطها في بعض الفترات...". لكن لا حديث عن كيف تم استخدام بعض قيادات الحزب لتبرير اندماج الاتحاد العام في جهاز الدولة المايوية. لا ذكر لتحوّل النقابة في 1971 إلى هيئة بيروقراطية تحت سلطة الدولة. لا اعتراف بوقائع التواطؤ، بل تبريرها باسم الحفاظ على "وحدة الحركة النقابية".

إن الصمت التنظيمي هنا ليس حيادًا بل خيارًا طبقيًا. كما كتب ماركس في "رأس المال": "البنية الفوقية لا تكتفي بإخفاء القاعدة، بل تعيد تشكيلها على صورتها." والوثيقة تعيد تشكيل النقابة لا كأداة تنظيم للطبقة، بل كطبقة تنظيمية قائمة بذاتها، ذات مصالح وشرعية داخلية منفصلة عن القاعدة.

ما تسميه الوثيقة "ذكاء التعامل مع القوانين المقيدة"، ليس إلا قبولًا بشروط الدولة. لا تفكيك لقانون العمل كنظام ضبط للطبقة، ولا تساؤل عن سبب قبول الحزب بقانون النقابات لعام 2010. تُمحى تفاصيل تقهقر النقابة أمام اختراق الإسلاميين، وتُسكت تجربة فصل نقابيين عن الحزب وعن مقاومة عمال الجزيرة لقانون الإنتاج، وإضرابات المعلمين بلا غطاء، وانتفاضات عطبرة، ولجان الميناء، والنقابات البديلة في التعليم. كل هذه الوقائع لا تدخل إلى "السيرة"، لأن هذا النص ليس سردًا طبقيًا، بل خطاب جهاز.

تُعيد الوثيقة تأويل النقابة كنظام إدارة، لا كأداة فعل طبقي. النقابي الناجح فيها هو الذي ينتج تقارير، لا من يخلق إضرابات. تُحتفى المؤتمرات، ويُغيب العصيان. تتبنى الوثيقة هندسة الدولة، لا حركية الجماهير. تُقدّم التنظيم فوق القاعدة، والخط فوق التجريب، والقيادة فوق التاريخ.

وحين تُذكر النجاحات، فهي دوماً محسوبة على "حرص القيادة"، لا على اندفاع الجماهير. لا يُفكك التناقض بين القيادة والقاعدة، بل يُدار لغويًا: "ظلت القيادة في تواصل دائم مع القواعد...". ولكن أين تحليل الفجوة؟ أين مساءلة قمع المبادرات المستقلة؟ أين محاسبة المركزية التي عطّلت المبادرات القاعدية؟ كما كتب لينين: "الانتهازية لا تبدأ بالخيانات الكبرى، بل بالصمت عن الأسئلة المحرجة."

كل ما يُربك خطاب الانسجام يُُقصى من السرد. لا ذكر لاحتلال مقار النقابات أثناء ثورة ديسمبر، ولا لظهور التنسيقيات القاعدية كبديل عن النقابات الرسمية، ولا لفشل الاتحاد في استيعاب الحراك العمالي في لحظات مفصلية. هذا التعتيم ليس عرضًا جانبيًا، بل هو جوهر الخطاب، كما وصفه والتر بنيامين: "من يكتب من موقع الانتصار يطمس موقع الهزيمة."

النقابة هنا تُفرَّغ من مادتها الحية، وتُقدَّم كجهاز مفارق. لم تعد نتاج فعل جماعي، بل بنية تعلو على القاعدة. وهي، بهذا الشكل، تتحول إلى "طبقة تنظيم" لا "تنظيم طبقة". إلى تمثيل مفارق، لا تمثيل عضوي. إلى سلطة من فوق، لا سلطة من تحت. كما كتب غرامشي: "كل تمثيل سياسي يخلو من التنظيم القاعدي يُحوِّل الكتلة إلى جمهور." والوثيقة تكتب الجماهير كمستقبِل لا كفاعل. كأن التنظيم يتحدث نيابة عن العمال وليس إليهم.

النقابة التي لا تخضع إلى النقد الطبقي تتحوّل إلى جهاز يبرر ذاته، والنص الذي لا يُسائل التنظيم لا يُحرر التاريخ، بل يُعيد إنتاجه كسردية سلطوية. إعادة الوعي النقابي لا تبدأ من كتابة سيرة، بل من تفكيك بنيتها، ومساءلة خريطة صمتها، وتفجير سلطتها الرمزية.

"لا يحرر العمال سوى تاريخ يكتبونه بأنفسهم، لا تقارير تُرفع عنهم."

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيبوب: تمجيد الإنسان المغيَّب في بطولات السادة
- 17. مجاز العتمة والمرآة المعتمة: حين تكتب الوثيقة سرديتها عل ...
- لوركا: صوت الطبقة، سلاح ضد القمع
- 16. وحدة من؟ وبناء ماذا؟ تفكيك خطابي لمفاهيم غامضة بلا مضمون ...
- المؤسسة الكنسية كأداة طبقية في -زوربا اليوناني-
- 15. أزمة البرنامج والنظرية: غياب المشروع النقابي الثوري
- 14. كتابة بلا صراع، سرد بلا مساءلة: مأزق الذاكرة النقابية ال ...
- قمع الطبقات الصاعدة بأدوات متبدلة
- يا ظريف الطول: الأغنية التي حملت الوطن على كتفيها
- 13. من يكتب تاريخنا؟ دراسات بلا قاعدة وتنظير بلا جذور
- فلوت الطبقة لا النخبة
- 12. تأريخ ناقص، وعي مأزوم: في نقد التصور التاريخي لتجربة الح ...
- 11. رافعة وليس بديلا
- قدمت لهم الوعي ما استطعت
- مشروع بلا طبقة: وهم التغيير الجذري في خطاب النخبة التنموية
- 10. نقابات الظل: التنظيم في اقتصاد اللا-نظام
- قصائد تشبه الناس
- 9. من التمثيل النسائي إلى التنظيم الجندري الثوري
- 8. من النقابة إلى الجبهة الطبقية: وحدة القطاعات في وجه الرأس ...
- عرائس ضد الخضوع


المزيد.....




- مظاهرات غاضبة في عدة دول احتجاجا على تجويع غزة
- انخفاض أسطول مركبات التطبيقات الذكية بنسبة 7%.. ومطالبات بتر ...
- -تطبيقا لمبدأ التعامل بالمثل- الجزائر تسحب امتيازات من سفارة ...
- الدفاع المدني بغزة يحذر من توقف كامل لمركباته العاملة في الت ...
- موجة حر تعطل السياحة في روما.. المرشدون يطالبون بتعديل ساعات ...
- وزير الزراعة اللبناني: العدوان الإسرائيلي كبّد المزارعين 800 ...
- إضراب عام بمناطق في الضفة والاحتلال يصعد حملات الاعتقال
- النسخة الألكترونية من العدد 1859 من جريدة الشعب ليوم الخميس ...
- الاتحاد العام لنقابات عمال مصر يستقبل وفدًا لبنانيًا لتعزيز ...
- قيادي في حماس: مصر وقطر تبذلان جهودا كبيرة للتوصل لاتفاق.. و ...


المزيد.....

- تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الحركة النقابية / الحزب الشيوعي السوداني
- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - 18. من تنظيم الطبقة إلى طبقة التنظيم: انزلاق الوعي النقابي