أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - قصائد تشبه الناس














المزيد.....

قصائد تشبه الناس


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8407 - 2025 / 7 / 18 - 08:08
المحور: الادب والفن
    


الشاعر السر دوليب، نشأ في حي الركابية بأم درمان، تشكّل وعيه الأول وسط بيئة تتقاطع فيها الطبقة والتصوف، وتنبض فيها الذاكرة الشعبية بروح المقاومة. حمل منذ البدايات حسًّا خاصًا باللغة، إحساسًا بالشعر لا كترف بل كضرورة. تشكّلت رؤيته في معاهد السودان ومدارسه، وتوسّعت أدواته الفكرية في الجامعة الأمريكية ببيروت، حيث تبلور لديه فهمٌ مركّب للذات والجماعة، للمعاناة الإنسانية كأرضية للمعرفة لا كموضوع للشفقة.

عاد إلى السودان ليبني مشروعًا. أسّس قسم الإرشاد النفسي بجامعة الخرطوم، وساهم في إنشاء مدرسة علم النفس ورياض الأطفال في جامعة الأحفاد، مؤمنًا بأن الصحة النفسية ليست خدمة فردية بل مسألة سياسية وتربوية، مرتبطة ببنية التعليم والثقافة والسلطة. في مؤلفاته حول التوجيه والإرشاد، عالج مشاكل الشباب بوصفها نتاجًا لتناقضات المجتمع، لا أعراضًا سطحية. جعل من علم النفس أداة تفكيك لا أداة ضبط، سلاحًا ناعمًا لتعرية القهر الذي يُمارَس باسم النظام، باسم الأسرة، باسم المدرسة.

ما يميز السر دوليب حقًا هو انخراطه العضوي في الثقافة الشعبية، دون ادعاء ولا تنصّل. في أغنياته لا تجد لغة مقعّرة ولا استعارات ميتة، بل صدقًا نابعًا من معايشة، ومن وعيٍ بأن الأغنية الجيدة لا تُنتج في عزلة بل في رحم التجربة الجمعية. كتب بعين العالِم وقلب العاشق، فخرجت كلماته تشبه الناس، لا تستعلي عليهم ولا تتودد إليهم، بل تنبع منهم.

نماذج من شعره الذي يشبه الناس:

"مسامحك يا حبيبي"
قصيدة التسامح الأيقونية، التي تتجاوز الخصام الظاهري لترى نقاء القلب، وتؤكد على أن الحب الحقيقي هو القادر على الغفران والفهم العميق، وأن اللوم الحقيقي يقع على القدر لا على المحبوب:

مسامحك يا حبيبي مهما قسيت عليَّا
قلبك عارفو أبيض وكلك حسن نية

ونجد في أغنية "داوم على حبي"
دعوة للوفاء والاستمرارية، تجسد الارتباط الوجودي بين المحب ومحبوبه، وتجعل من العاطفة جوهر الحياة:

داوم على حبي
واسأل على قلبي
ما تفكر تنساني
الجنة يا غرامي قربك
الدنيا تحلالي جنبك
حبيبي خلقوني أحبك
وخلقوك علشان تهواني

وفي أغنية "مين فكرك يا حبيب"
عتاب رقيق يمزج الألم والشوق بالثقة بأن الحب أقوى من الفراق، ويرسخ فكرة أن الجروح تلتئم بالعودة والوصل:

مين فكرك يا حبيبي مين الهداك اليَّا
وجرحى قرب يطيب جددته تاني عليَّا

لكني رغم البين رغم الفراق الطال
كانت مشاعري تقول أبدًا فراقنا محال

وفي أغنية "هدية"
تتجاوز مفهوم الهدية المادي لتعكس قيمة الحب كذكرى خالدة ومشاعر حقيقية، تجعل من الدبلة رمزًا للحب الذي يبارك الأهل والجماعة:

هدية فيها حرفي وحرفك
وذكرى حبنا مكتوبة
مكانها إيدينك الحلوة
تزيد لبنانك المخضوبة
تخليك تفرحي وتقولي
شوفوني أنا مخطوبة

هذه النصوص ليست فقط رومانسية، بل تمارين في التحليل العاطفي الاجتماعي. تسامحٌ ينبني على القوة، ووفاءٌ لا ينكسر أمام خيبة، وعلاقة تُبنى على اعتراف متبادل. القصيدة عنده ليست حيلة بل موقف، ليست زخرفًا بل كشفًا، تعبيرٌ عن الفرد ككائن اجتماعي، وعن الحب كقيمة مضادة للأنانية، وعن العاطفة كمجال للوعي لا كغياب له.

ارتبط اسمه بعمالقة مثل عثمان حسين، محمد وردي، سيد خليفة، محمد ميرغني، وغيرهم، لكنه لم يكن تابعًا لأحد. لم يكتب من أجل الشهرة، بل من أجل إيصال شعور مُعقّد في لغة بسيطة، دون تسطيح أو افتعال. لم تكن له نبرة واحدة، بل مزاجٌ متنوع ينطلق من إنسان يرى في الفن شكلاً من أشكال المعرفة. قصائده لا تُستقبل كرسائل مغلقة، بل كبذور تُثمر في قلب المتلقي، لأن من كتبها لم يكن يتكلم من فوق، بل من جوف التجربة.

في الرياضة، في النشاط المجتمعي، في معركة تنظيم الأسرة، في تأسيس الجمعيات النسوية، في رئاسة لجنة النصوص،
اسمه وإسهاماته كانت حاضرة كعلامة فارقة في الذاكرة الجمعية، ذلك أنه مثقف منحاز للناس، وعالم نفس لا يرى في النفس انعزالًا عن البنية، بل مفتاحًا لفهم المجتمع. ظل السر دوليب منحازًا للنوعية، للناس، للأغنية كقوة لا كسلعة، وللثقافة كمسؤولية لا كزينة. لا خطاب فوقي، لا تذمر من "ذوق الجمهور"، بل سعي لتحسينه عبر النص، عبر الصوت، عبر التربية الشعورية.

رحيله جاء بصمت، لكنه لم يكن غيابًا. فقد بقي في الإذاعة، في الأغنية، في ذاكرة العشاق، في دفاتر الطلاب، وفي أعين من عرفوه. الاسم لا يُنسى، لأن التجربة لم تكن عابرة، ولأن القصائد خرجت من القلب الجماعي. لم يكن شاعرًا للمناسبات، بل شاعرًا للمعنى، للزمن العاطفي الطويل، للحياة كما يعيشها الناس، لا كما تُروى عنهم.

"من لا يحطم صوته بصراخه، يسمع صوت المظلومين حتى في قصيدة حب."

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 9. من التمثيل النسائي إلى التنظيم الجندري الثوري
- 8. من النقابة إلى الجبهة الطبقية: وحدة القطاعات في وجه الرأس ...
- عرائس ضد الخضوع
- حينما يصبح صوت المرأة أداة للثورة
- 7. مستقبل النقابات: لا إصلاح بلا ثورة ولا ثورة بلا تنظيم طبق ...
- الأب فاريا: المعرفة المصادَرة وبذرة الوعي الطبقي في «الكونت ...
- 6. النقابات والثورة: من أكتوبر إلى ما بعد ديسمبر
- «بيت برناردا ألبا»: المأساة الطبقية في عباءة الشرف
- 5. البيروقراطية النقابية: طبقة طفيلية تعيش على تناقضات العما ...
- من العجز إلى البصيرة الطبقية: قراءة في القوقعة الفارغة للمجذ ...
- 4. اللجان التمهيدية: اختراق الدولة لجسد الطبقة العاملة
- عندما تغيب شمس الحق: ديالكتيك الثورة في أغنية الجنوب اللبنان ...
- 3. القانون النقابي – عندما يصبح التشريع أداة قمع برجوازية
- تشريح الحلم الممنوع: -قارئة الفنجان- كمرآة للهزيمة الجماعية
- 2. النقابة في مرآة الهيمنة الدولية - من الشرعية الأممية إلى ...
- النقابات في السودان – من أدوات الترويض إلى جبهات الثورة
- -البيضاء-: الغموض كتكتيك مقاومة ضد الحداثة التشخيصية
- الفراغ المعبأ بالحزن
- خطاب الكراهية الجزء العاشر والأخير: من الكلمات إلى السلطة: ا ...
- آلة الوعي الزائف: وسائل التواصل كأداة قمع طبقي


المزيد.....




- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...
- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...
- اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير ...
- كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - قصائد تشبه الناس