أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - تشريح الحلم الممنوع: -قارئة الفنجان- كمرآة للهزيمة الجماعية














المزيد.....

تشريح الحلم الممنوع: -قارئة الفنجان- كمرآة للهزيمة الجماعية


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8400 - 2025 / 7 / 11 - 07:58
المحور: الادب والفن
    


"قارئة الفنجان" نص مكثف يُشرّح علاقات السيطرة الطبقية، ويعيد صياغة الوجداني بوصفه ساحة صراع بنيوية. حيث تتحول العاطفة إلى سلعة، والرغبة إلى علاقة إنتاج، والمصير الفردي إلى مرآة للهزيمة الجماعية. في عالم نزار قباني، العشق ليس اختيارًا، بل هو سجن طبقي. المحب ليس فردًا حرًا، بل هو كائن مُستلب في قصر مسوّر بالحراس والامتيازات. هذه رؤية حادة تجعل الحب نفسه أداة لإعادة إنتاج الاغتراب والهيمنة، مشرحًا علاقات السيطرة الطبقية، ومعيدًا صياغة الوجداني بوصفه ساحة صراع بنيوية، حيث تتحول العاطفة إلى سلعة، الرغبة إلى علاقة إنتاج، والمصير الفردي إلى مرآة للهزيمة الجماعية.

يبدأ النص من لحظة الغوص في "الفنجان المقلوب". الفنجان لا يقدّم أداة للتبصير، وإنما هو تمثيل رمزي لوهم الأيديولوجيا المهيمنة. فالفنجان، بما يحويه من رسوم مشوشة، يتحول إلى قيمة تبادلية للمعنى، يتماهى مع السلع في الاقتصاد الرأسمالي، حيث تُخفى علاقات الاستغلال خلف واجهات رمزية. القهوة التي تُقرأ لا تُشرب، تتحول إلى بنية فوقية تدّعي كشف المستقبل بينما تُخفي الحاضر، وهي بهذا تعبّر عن آلية "تشيؤ الرغبة" كما عرّفها ماركس، حيث تُختزل المشاعر في علامات قابلة للاستهلاك. قول العرّافة: "فنجانك دنيا مرعبةٌ وحياتك أسفارٌ وحروب" ليس تنبؤًا، إنه تشخيص طبقي؛ فرعب الفنجان هو انعكاس مباشر لرعب القاعدة الاقتصادية، حيث علاقات الإنتاج تنتج اغترابًا لا يمكن ترجمته إلا كـ"قدر فردي". العرّافة في هذا السياق لا تمثّل الطقوس الشعبية فحسب، بل تُجسد المثقف العضوي (بالمعنى الغرامشي) الذي يخدم الهيمنة عبر تكريس خطاب غيبي يُحوّل الشقاء الجماعي إلى نبوءة، ويُقنّع العجز الطبقي بأقنعة الميتافيزيقا. هي جهاز أيديولوجي شعبي، كما يصف ألتوسير الأيديولوجيا بوصفها ممارسة مادية تُعيد إنتاج الواقع الاجتماعي، عبر التكرار الطقوسي للقدر، لا عبر كشف آليات القمع.

أما القصر الذي تسكنه الحبيبة، فهو ليس فضاء غراميًا، إنه جهاز دولة أيديولوجي بامتياز، تحرسه الكلاب والجنود، أي: الشرطة والمؤسسة العسكرية، ويحيطه سور رمزي لا يُعبر عن المسافة الجغرافية، بل المسافة الطبقية. جملة: "من يطلب يدها.. مفقود / من يدنو من سور حديقتها.. مفقود" تعبر عن العقاب الجماعي لكل من يتجرأ على اختراق التراتبية الطبقية. إنها ذات الجملة التي ترددت بأشكال أخرى في تاريخ الانتفاضات الاجتماعية، من كومونة باريس حتى الانتفاضات العربية المعاصرة، حين يُحاصر العاشق/المواطن بحرس الامتيازات الطبقية. الحبيبة ذاتها، رغم جمالها الأسطوري، ليست ذاتًا حرة، هي تجسيد للبرجوازية الغارقة في وعي زائف (لوكاتش)، تعيش داخل امتيازاتها دون وعي بواقع من يتطلعون إليها من خارج الأسوار. تحويلها إلى "أميرة نائمة" ليس استبطانًا لضعفها، بل هو تعبير عن خضوعها هي الأخرى لآليات الامتلاك الرمزي، حيث يُعاد إنتاج الأنوثة كسلعة داخل نظام الملكية، تمامًا كما أشار إنجلز في "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" إلى أن الزواج البرجوازي يمثل أعلى درجات تملك المرأة كأصل طبقي.

العاشق في النص ليس ذاتًا رومانسية مفردة، بل يُمثّل البروليتاري العاطفي الذي يعاني من استلاب مزدوج: جسدي، إذ يمشي "على حد الخنجر" كعامل في مصنع العواطف، ووجداني، إذ "يحب ملايين المرات" دون أن يُنتج سوى فائض من الشعور غير القابل للتحقق. "الملك المخلوع" الذي يعود إليه النص، ليس عنوانًا لفرد تعيس، وإنما استعارة للطبقة الوسطى العربية التي سُلبت سلطتها الرمزية بعد انكسار المشروع القومي، وتُركت عارية أمام عنف السوق وتوحش النيوليبرالية. وكما في "البيان الشيوعي"، يتحول العاشق من سيدٍ محتمل إلى مخلوع، في سردية تعكس صعود الرأسمالية وسقوط أحلام العدالة والاندماج الاجتماعي.

وظيفة قارئة الفنجان، ضمن هذه المنظومة، لا تختلف عن وظيفة الدين الشعبي كما حللها ماركس في "نقد فلسفة الحق عند هيغل"، حيث يتحول البؤس الواقعي إلى بؤس ديني، وتُختزل الأزمة في الفرد لا في النظام. "لم أقرأ فنجانًا يشبه فنجانك": هذه الجملة التي تبدو احتفائية بالفرادة، هي اعتراف ضمني بفشل الأيديولوجيا في تبرير ما لا يمكن تفسيره داخل المنطق الطبقي. العرافة، هنا، تُعيد إنتاج "ثقافة زائفة" (بحسب مدرسة فرانكفورت)، تمنح المُستَلَب قصصًا بديلة عن حياته كي لا يثور.

النص لا يمكن فصله عن سياقه التاريخي: منتصف سبعينيات القرن العشرين، بعد هزيمة 1967، حين تحوّلت السماء "الممطرة" والطريق "المسدود" إلى استعارات لهزيمة المشروع التحرري العربي. الحب في "قارئة الفنجان" وجه آخر للهزيمة القومية. استحالة اللقاء هي استحالة الثورة، والملك المخلوع هو المهزوم في الميدانين: العاطفي والسياسي. كما أشار مهدي عامل، فإن انكسار البنية السياسية القومية أنتج وعيًا عاطفيًا عاجزًا، يحوّل العاطفة إلى ساحة عزاء جماعي.

جماليًا، يعيد النص إنتاج تشظي الذات المقهورة بلغة شعرية عالية الكثافة، حيث تصبح الصور ("كالأصداف"، "بحر بلا قلوع") تشخيصًا للاغتراب، وتُحوّل الذات إلى شيء محايد داخل واقع لا يتغير. بهذا المعنى، القصيدة تعبّر عن جماليات الاغتراب، حيث لا يتحقق الجمال إلا في الفقد، ولا يصبح الحب ممكنًا إلا كاستعارة مستحيلة.

في جوهرها، "قارئة الفنجان" هي بيان شعري ضد تشيؤ العواطف. الحب فيها يُنتج كسلعة نادرة، يُوزع امتيازيًا داخل تراتبية اجتماعية مغلقة، ويُستهلك كوجع فردي يُخفي خلفه بنية الاستغلال. العاشق فيها ليس عاشقًا، إنه مستهلك فاشل في سوق الحب. القصيدة ليست عن الحب، هي عن استحالته في ظل نظام اقتصادي-اجتماعي يُخضع المشاعر لمنطق الربح والخسارة. نزار قباني، وإن كتب من موقع بورجوازي، فقد رسم بكلماته مأساة البروليتاريا العاطفية.

"في مجتمع قائم على الملكية، لا يُسمح حتى للمشاعر أن تكون حرة."

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 2. النقابة في مرآة الهيمنة الدولية - من الشرعية الأممية إلى ...
- النقابات في السودان – من أدوات الترويض إلى جبهات الثورة
- -البيضاء-: الغموض كتكتيك مقاومة ضد الحداثة التشخيصية
- الفراغ المعبأ بالحزن
- خطاب الكراهية الجزء العاشر والأخير: من الكلمات إلى السلطة: ا ...
- آلة الوعي الزائف: وسائل التواصل كأداة قمع طبقي
- 9. نحو خطاب تحرري بديل: من هندسة الكراهية إلى هندسة الوعي
- 8. خطاب الكراهية والعدالة الانتقالية: من طمس الجريمة إلى إعا ...
- كشة (1) لم يمت: الوعي الماركسي في وجه الثورة المضادة
- يامنة: تطواف على جناح الحنين المقاوِم
- 7. البرجوازية الصغيرة وخطاب الكراهية: بين الخوف والانتهازية
- 6. مناهضة خطاب الكراهية: من الوعي إلى السلطة
- المثقف الطرفي في فضاء ما بعد الاستعمار
- اللاعنف كأداة إمبريالية: تفكيك وهم التغيير السلمي في الثورة ...
- 5. اقتصاد الكراهية: كيف تتحول الأيديولوجيا إلى سلعة في السوق ...
- صمت الفلوت وهستيريا العنف
- 4. بنية إنتاج الكراهية في السودان
- 3. خطاب الكراهية ضد النساء: الجندر كساحة للصراع الطبقي في ال ...
- 2. لجان المقاومة وتفكيك الكراهية: من الوعي الشعبي إلى الفعل ...
- تفكيك ٱلة الكراهية: المهمة الثورية للوعي الطبقي


المزيد.....




- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...
- الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب ...
- مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- الإعلام الإسباني يرفض الرواية الإسرائيلية ويكشف جرائم الاحتل ...
- صدور نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس 2025 تجاري وصناعي وز ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - تشريح الحلم الممنوع: -قارئة الفنجان- كمرآة للهزيمة الجماعية