أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 7. البرجوازية الصغيرة وخطاب الكراهية: بين الخوف والانتهازية














المزيد.....

7. البرجوازية الصغيرة وخطاب الكراهية: بين الخوف والانتهازية


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 08:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما يُنتج المجتمع خطاب كراهية، لا يكون الفاعل دومًا هو النظام الرسمي وحده، بل تشارك في ذلك، عن وعي أو بدون وعي، طبقات اجتماعية تخشى السقوط، وتتوسل البقاء بأي ثمن. في السودان، تلعب البرجوازية الصغيرة – بما فيها من مثقفين، فنانين، نشطاء، وأصحاب مهن – دورًا متناقضًا في بنية الصراع: فهي طبقة وسيطة، معلّقة بين الرغبة في التغيير والخوف من نتائجه. ولأنها بلا قاعدة إنتاجية صلبة، فإنها كثيرًا ما تندفع لتبني خطاب الكراهية، لا كقناعة أيديولوجية، بل كوسيلة دفاع وجودي.

هذه الطبقة، المهددة في وضعها الاجتماعي، تجد نفسها في لحظات الثورة أمام مفترق طرق: إما أن تنخرط في التحول الجذري وتنحاز للفقراء، أو تلتف حول الدولة والنظام القائم حفاظًا على فتات الامتياز. حين تضعف الثورة، تنكفئ البرجوازية الصغيرة على ذاتها، وتُبرر التراجع بخطاب مزدوج: إدانة “الفوضى”، والتحذير من “الانقسام”، والدعوة لـ“العقلانية”، وهي كلها مصطلحات تُستخدم لتبرير إعادة الهيمنة.

ولعل أخطر ما تنتجه هذه الطبقة هو الخطاب النخبوي التحريضي، الذي يلبس الكراهية ثوب “الاستنارة”. فنجد بعض المثقفين يروّجون لسرديات تزدري الجماهير، وتختزلهم في “قطيع”، وتُحمّلهم مسؤولية فشل الثورة. كما نجد بعض الفنانين ينسحبون من الميدان بحجج “الابتذال”، أو ينتجون أعمالًا تمجّد “الاستقرار” وتُجرّم الغضب الشعبي. إنهم لا يستخدمون لغة الدولة، بل يصيغون كراهيتهم بلغة الثورة ذاتها، مما يجعل خطابهم أكثر خطورة، لأنه يحوّل الثورة على ذاتها.

كما أن انخراط بعض هذه الشرائح في مشاريع المانحين والمؤسسات الدولية، يؤدي إلى إنتاج نسخة “نيو-كولونيالية” من خطاب الكراهية، يتم فيها تصنيف المجتمعات إلى متقدم/متخلف، مدني/بدائي، متسامح/متطرف، وهي تصنيفات تُعيد إنتاج المركزية الثقافية الغربية بوسائط محلية. وهكذا يتحول خطاب “حقوق الإنسان” إلى أداة فرز طبقي وثقافي، ويُستخدم لتبرير إقصاء قطاعات كاملة من الحراك الشعبي.

هذا النمط ليس جديدًا. فقد لعبت شرائح مماثلة في أوروبا عشية صعود الفاشية دورًا كبيرًا في التمهيد لها، عبر تسويق “الخطر البلشفي”، والدعوة لـ“الانضباط”، واعتبار الشيوعيين “أعداء النظام العام”. وفي أمريكا اللاتينية، كثيرًا ما وظّفت الأنظمة العسكرية فنانين ومثقفين لتسويق “الحملات ضد الإرهاب”، وهي حملات كانت في جوهرها ضد الفقراء والمطالبين بالعدالة.

إن خطورة هذه الطبقة لا تكمن في قوتها المادية، بل في قدرتها على إنتاج الرمزية. فهي تصنع اللغة التي يتكلم بها الحقل الإعلامي، وتؤثر في تشكيل الذوق العام، وتُطبع الكراهية في شكل أدبي أو فني أو ساخر. وهنا تكمن الخيانة: حين تُصبح الكلمات سكينًا ناعمة تبرر الانسحاب أو التحريض أو التجريم، تحت عباءة الجمال أو الثقافة.

كما أشار غرامشي، فإن “كل طبقة تحاول أن تهيمن، تسعى إلى بناء نموذجها الثقافي”، والبرجوازية الصغيرة، في لحظات الأزمة، تخلق نموذجًا هجينًا، لا هو ثوري، ولا هو رجعي، لكنه عمليًا يصب في مصلحة النظام القائم لأنه يفتت الوعي الجماعي.

مواجهة خطاب الكراهية لا تقتصر على فضح السلطة ومؤسساتها، بل تقتضي تفكيك دور البرجوازية الصغيرة كمنتج خفي لهذا الخطاب، سواء بوعي أو بانتهازية. الثورة لا تنتصر فقط حين تُهزم الدولة، بل حين يُهزم أيضًا الخوف المتلفّع بثياب التنوير. لا حياد في المعركة الطبقية: إما أن تكون مع الجماهير، أو تُسهّل ذبحها بلغة ناعمة.

"من لا يتحرك لا يشعر بسلاسله.”

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 6. مناهضة خطاب الكراهية: من الوعي إلى السلطة
- المثقف الطرفي في فضاء ما بعد الاستعمار
- اللاعنف كأداة إمبريالية: تفكيك وهم التغيير السلمي في الثورة ...
- 5. اقتصاد الكراهية: كيف تتحول الأيديولوجيا إلى سلعة في السوق ...
- صمت الفلوت وهستيريا العنف
- 4. بنية إنتاج الكراهية في السودان
- 3. خطاب الكراهية ضد النساء: الجندر كساحة للصراع الطبقي في ال ...
- 2. لجان المقاومة وتفكيك الكراهية: من الوعي الشعبي إلى الفعل ...
- تفكيك ٱلة الكراهية: المهمة الثورية للوعي الطبقي
- لا ثورة بلا قطيعة، ولا يسار بلا عدو طبقي
- القذيفة لا تُنهي الدرس
- 30 يونيو: لحظة الوعي الطبقي وحدود الثورة في السودان
- وعي طبقي في جسد طفلة
- عنف بلا حدود، مقاومة بلا تنازلات
- الفن في مواجهة اغتراب الرأسمالية: صرخة الجمال ضد قبح الاستغل ...
- التعاونيات في السودان: بذور الاشتراكية في مواجهة الرأسمالية ...
- الوعي الطبقي والجهل المُنَظَّم في الصراع السوداني: تحليل مار ...


المزيد.....




- مديرة الاستخبارات الأمريكية تتهم مسؤولين بإدارة أوباما بـ-فب ...
- بريطانيا تفرض عقوبات على ضباط استخبارات روس.. وتوجه رسالة إل ...
- ما هي خلفية الأزمة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر؟
- المرصد السوري: السويداء أفرغت من سكانها
- من هم العشائر في السويداء؟
- سفير أميركا بتركيا: إسرائيل وسوريا تتوصلان لوقف إطلاق النار ...
- سوريا وإسرائيل تتوصلان لوقف لإطلاق النار بدعم أردني تركي
- استطلاع: غالبية الإسرائيليين يؤيدون صفقة تبادل شاملة وإنهاء ...
- رويترز: الكونغو ستوقع بالدوحة اتفاق لإنهاء القتال مع المتمرد ...
- أنغام تفتتح مهرجان العلمين بعد تجاوز أزمتها الصحية


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 7. البرجوازية الصغيرة وخطاب الكراهية: بين الخوف والانتهازية