أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - القذيفة لا تُنهي الدرس














المزيد.....

القذيفة لا تُنهي الدرس


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 11:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين تسقط القذائف على القاعات وتُحرق المكتبات، تتوهج الأسئلة تحت الرماد. في السودان، يُشن الهجوم على الجامعات لأن كل حصة مؤجلة، وكل كتاب محترق، وكل أستاذ مشرّد، ضربة موجهة للوعي الجمعي.

المعركة لا تدور حول جدران وسقوف، بل بين طبقة تخشى التفكير وطبقات تصرّ على طرح الأسئلة تحت النار.

"حين يُنهب العمال مجدهم، وحين يُسرق الفلاحون أرضهم، يُسرق تاريخ الشعوب عبر تدمير تعليمها." هذه المقولة تلخص جوهر الحرب الطبقية الجارية في السودان. الجامعات لم تعد منشآت مهددة بالقذائف، بل أهدافًا استراتيجية لمشروع مضاد للثورة يستهدف قتل الوعي وتجريد الأجيال من أدوات التفكير النقدي وتحويلهم إلى أدوات مطواعة في خدمة النظام الرأسمالي التابع.

الحرب ضد الجامعات بدأت منذ عقود من التدهور الممنهج. التعليم تحوّل إلى سلعة تُباع تحت شعارات "الإصلاح" و"الشراكة مع القطاع الخاص"، كما وصفه باولو فريري في تعليم المقهورين. التعليم العالي كأداة لترويض العقل لا لتحريره، كما أشار ألتوسير، أنتج مؤسسات تمتص التناقض الاجتماعي وتحوله إلى قبول بالواقع بدل الثورة عليه.

في جامعة الخرطوم، التي وصفها فانون بـ"أكسفورد أفريقيا"، كليات الطب تُخرّج موظفين في خدمة النهب الصحي الخاص. خريجو الهندسة يصممون بنى تحتية تخدم الشركات العابرة للقارات ومخططات التهجير القسري. هذا الانزلاق النيوليبرالي سياسة لإعادة إنتاج الهيمنة الطبقية عبر التعليم، كما حلل غرامشي في حديثه عن الأزمة الثقافية للبرجوازية.

الحرب تُكمل ما بدأته السوق: تحويل الجامعات إلى أطلال. أكثر من 85% من البنية التحتية للتعليم العالي تعرّض للتدمير أو النهب أو الإغلاق. أساتذة في مخيمات النزوح، طلاب بلا مستقبل، مكتبات تحترق كما احترقت كتب ماركس في ساحات تشيلي بعد انقلاب بينوشيه. هذا ليس دمارًا عشوائيًا، بل "تاريخ يُكتب من وجهة نظر المنتصر"، كما كتب والتر بنيامين، حيث تُمحى الذاكرة الثورية ويُصاغ خطاب جديد للرضوخ.

في مخيمات النزوح ومعسكرات الفارين، ينظّم طلاب وأساتذة دوائر معرفية أشبه بكومونات تعليمية. يقرؤون فانون وفريري، يناقشون الوجود تحت القصف، ويحلمون بجامعة تخرّج مناضلين. هذه الكومونات تشبه ما جرى في جامعة كوردوبا بالأرجنتين عام 1918، حين قاد الطلاب تمردًا ضد التعليم الكنسي مطالبين بتعليم علماني، ديمقراطي، ومجاني.

ترميم الجامعة لا يتم في ظل البنية الطبقية التي جعلتها عرضة للانهيار. إعادة بناء التعليم العالي تتطلب بيئة سياسية تحترم التفكير الحر والتنظيم. الجامعة التابعة تعيد تدوير خطاب القوة الإمبريالية، ولا تنتج معرفة، كما وضّح سمير أمين في نقده لـ"الاستعمار الأكاديمي".

معركة الجامعة ليست معركة أسوار محطمة أو مناهج معلقة، بل معركة على مستقبل الوعي في بلد مُستهدف بالمحو. إعادة تعريف الجامعة هو المدخل. ليست مؤسسة محايدة، بل أداة نضالية في يد الجماهير. و"الثورة الدائمة تحتاج إلى مدرسة دائمة"، وهذه المدرسة هي الجامعة التي تنتمي لشعبها، لا لجلاديه.

فانون نبّه إلى ضرورة "صياغة عقول جديدة". من يطالب اليوم بعودة الجامعات دون مساءلة النظام الطبقي، يطالب بعودة القفص لا الطائر. المطلوب فتح أفق الثورة، لا فقط أبواب القاعات.

القذيفة لا تُنهي الدرس، لأن الوعي لا يُقصف ولا يُهجّر. طالما يقرأ طالب فانون في الخندق، ويشرح أستاذ فريري في الظل، فالجامعة لم تسقط. الجامعات الثورية تُبنى من الحطام، لا من القصور. المناهج تُكتب في زمن الحرب بالدم والطباشير. ما يُخيف النظام ليس عودة المحاضرات، بل عودة التفكير. ما يُرعب الطبقات الحاكمة ليس فتح القاعات، بل فتح العقول.

التعليم لا يغيّر العالم، التعليم يغيّر الناس، والناس هم من يغيّرون العالم.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 30 يونيو: لحظة الوعي الطبقي وحدود الثورة في السودان
- وعي طبقي في جسد طفلة
- عنف بلا حدود، مقاومة بلا تنازلات
- الفن في مواجهة اغتراب الرأسمالية: صرخة الجمال ضد قبح الاستغل ...
- التعاونيات في السودان: بذور الاشتراكية في مواجهة الرأسمالية ...
- الوعي الطبقي والجهل المُنَظَّم في الصراع السوداني: تحليل مار ...


المزيد.....




- إسرائيل تستهدف مقر رئاسة الأركان في دمشق وتحذر من مغبة مواصل ...
- إسرائيل تستهدف محيط مقر الأركان العامة في دمشق وتحذر من -ضرب ...
- هل ينبغي لزيلينسكي أن يستهدف موسكو.. بماذا أجاب ترامب؟
- مصور بلغاري يُطلق مشروعًا بصريًّا مبتكرًا: صالون تجميل تحت ا ...
- 20% من الذكور الإسرائيليين تعرضوا لاعتداء جنسي في صغرهم وبيئ ...
- ثوران بركان في آيسلندا يؤدي لإخلاء المناطق القريبة من منتجع ...
- حماية الهوية الشخصية من التزييف: قوانين تتسابق مع الذكاء الا ...
- -لماذا تتدخّل إسرائيل في سوريا؟- - صحيفة بريطانية
- السويداء ـ تجدد الاشتباكات وإسرائيل تطلب من النظام السوري - ...
- فرنسا: هل تستطيع الحكومة تمرير مشروع الموازنة؟


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - القذيفة لا تُنهي الدرس