أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - عماد حسب الرسول الطيب - عنف بلا حدود، مقاومة بلا تنازلات














المزيد.....

عنف بلا حدود، مقاومة بلا تنازلات


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8388 - 2025 / 6 / 29 - 10:03
المحور: ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
    


في السودان، كما في كل بؤر الصراع الرأسمالي الطرفية، يتحول الجسد الأنثوي إلى ساحة حرب مفتوحة، حيث تتقاطع أدوات القمع الأبوي مع آليات الاستغلال الطبقي في وحشية نادرة وبنية متجذرة في النظام العالمي الذي يحوّل الأجساد إلى سلع، والمجتمعات إلى ساحات نهب. النساء السودانيات يدفعن ثمن هذا النظام المضاعف: كعاملات غير مرئيات في الاقتصاد غير الرسمي، وكأداة لإخضاع المجتمعات عبر العنف الجنسي المنظم، وكوقود لآلة الحرب التي تخدم مصالح النخب المحلية والعالمية.

في دارفور، وكردفان، والخرطوم، يتخذ العنف الجنسي طابعًا استراتيجيًا، يُستخدم لتفكيك المجتمعات الأصلية، تمهيدًا للسيطرة على الذهب، والمياه، والأراضي الزراعية. إذ لا يمكن اقتلاع الناس من أرضهم دون سحق روابطهم الجماعية، وتهشيم هياكلهم الاجتماعية، وهنا يصبح اغتصاب النساء أداة تطهير ديموغرافي، يتقاطع فيها الاستعمار الداخلي مع الرأسمال الإمبريالي.

هذا التواطؤ بين العنف الجنسي والرأسمال العالمي يتكرّر عبر خرائط العالم: في الكونغو الديمقراطية استخدمت الميليشيات الاغتصاب لتأمين مناطق الكولتان لصالح الشركات الدولية، وفي البوسنة تحول العنف الجنسي إلى سياسة تطهير عرقي رأسمالي الطابع، وفي أفغانستان، لم يكن العنف الذي ارتكبته المليشيات الموالية للغرب إلا أداة تفكيك اجتماعي تُعيد إنتاج الخضوع. العبرة هنا ليست بتكرار الجريمة، بل بوحدة بنيتها الطبقية: المرأة تُغتصب عندما تعيق الربح.

تُظهِر الماركسية النسوية، كما في تحليل سيلفيا فيديريتشي، أن رأس المال لا يكتفي بتسليع قوة العمل، بل يسعى إلى ما قبل ذلك: إلى السيطرة على الجسد نفسه، على الخصوبة، على الإنجاب، وعلى كل ما يُعيد إنتاج القوى العاملة. في هذا السياق، يتحول جسد المرأة إلى ملكية سياسية، يتحكم بها الرجال ليس كأفراد، بل كطبقة. وحين تُغتصب النساء في الحرب، لا يُخرجن خارج النظام، بل يُعاد إدماجهن ضمن منطق السيطرة على العمل والسلطة والعقاب.

الحرب في السودان ليست صراعًا قبليًا كما تدّعي الخطابات الاستشراقية، بل تنافسًا بين برجوازيتين مسلحتين: الجيش الذي يمثل تحالف الضباط وكبار الرأسماليين المرتبطين بشركات التعدين والمؤسسات الأمنية، والدعم السريع بوصفه واجهة لرأسمالية عسكرية غير رسمية، مدعومة من شبكات تهريب الذهب وحلفاء إقليميين. وبين هذين المشروعين، تُسحق النساء والفقراء بوصفهم المادة الخام للحرب ووسائل إعادة إنتاجها.

في المخيمات وفي أطراف المدن، تتحول النساء إلى عمالة غير مدفوعة، تُستخدم في الزراعة والخدمة والرعاية، بلا حقوق أو أجور. وفي هذا العنف المركّب، تُستغل المرأة مرتين: كأداة قمع، وكأداة إنتاج غير مرئية. أما المؤسسات الدولية، فتقف متواطئة عبر دعم السياسات النيوليبرالية التي تقوض الخدمات العامة، وتترك الناجيات بلا رعاية صحية أو نفسية.

لكن الدولة ذاتها - تلك التي يُفترض بها أن تحمي - ليست سوى جزء من جهاز القمع الطبقي-الأبوي. قوانينها تبرئ الجناة، وتُدين الضحايا، وتعيد المرأة إلى سلطة الرجل باسم الدين والعرف والمصلحة الوطنية. حتى الثورة نفسها في ديسمبر 2018 لم تُفضِ إلى تغيير جذري، بل أُعيد احتواؤها عبر قوى البرجوازية الصغيرة التي لبست قناع الديمقراطية، وهمّشت النساء العاملات والنازحات والريفيات.

ومع ذلك، تتولد مقاومات جديدة من قلب هذا الركام. لجان المقاومة النسائية، الإضرابات العمالية، شبكات التضامن الأهلي، كلها تبذر بذور نضال طبقي نسوي يربط بين الجسد والعمل والأرض. من هنا تبدأ إمكانية التغيير.

غير ان هذا التغيير لا يأتي بالتمنّي، إذ لا بديل حقيقي إلا عبر تفكيك تحالف العسكر والرأسمال، وتأميم الموارد لصالح المجتمعات المحلية، وبناء هياكل مقاومة نسوية طبقية مستقلة، ومحاكمة مجرمي الحرب في محاكم شعبية. وحدها هذه الخطوات الجذرية قادرة على كسر الحلقة الجهنمية التي تربط العنف الجنسي بالاستغلال الطبقي والنظام الأبوي بالرأسمال العالمي.

الثورة الحقيقية لن تكتمل إلا بتحرير المرأة، وهذا التحرر لن يتحقق إلا بقلب النظام الاقتصادي الذي يستند إلى استغلالها. المعركة واحدة: ضد الرأسمالية والأبوية معًا. وإن لم تكن الثورة اشتراكية نسوية جذرية، فهي لن تكون ثورة على الإطلاق.

العنف الجنسي ليس خللاً أخلاقيًا، بل أداة سلطة. السلطة ذاتها لا تُواجه بالاستنكار، بل تُقتلع من جذورها. وما يحدث في السودان ليس عرضًا جانبيًا لحرب، بل جوهر الرأسمالية حين تتعرى: اغتصاب الجسد، اغتصاب الأرض، واغتصاب المستقبل.

المرأة السودانية ليست ضحية صامتة، بل قوة تاريخية تتشكّل في عمق القهر. جسدها المُهان يحمل بذور الثورة، وصوتها المقموع يُعيد صياغة الوعي الطبقي. لا تحرر بدون العدالة، ولا عدالة دون الاشتراكية، ولا اشتراكية دون نضال نسوي جذري يعيد تعريف الثورة من الأساس.

إما أن يكون النضال الطبقي نسويًا، أو يبقى ناقصًا، معطوبًا، يُعيد إنتاج القهر تحت رايات جديدة. هذا هو اختبارنا التاريخي: أن نحطم بنية العنف، لا نُرممها. أن نبني مجتمعًا يُحرر الإنسان من كل علاقات الاستغلال، ولا يُجمّل السلاسل.

لا ثورة اجتماعية كبرى دون وجود القوة الدافعة للنساء.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن في مواجهة اغتراب الرأسمالية: صرخة الجمال ضد قبح الاستغل ...
- التعاونيات في السودان: بذور الاشتراكية في مواجهة الرأسمالية ...
- الوعي الطبقي والجهل المُنَظَّم في الصراع السوداني: تحليل مار ...


المزيد.....




- ما قصة المرأة التي طلبت من أبنائها عدم اللعب لتوفير مصاريف ا ...
- سجلي الآن..خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت بالجز ...
- مهاجراني.. استشهاد 72 امرأة وطفل جراء العدوان الصهيوني على ا ...
- “شغال” رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت 2025 بال ...
- بادري بالتسجيل” رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت ...
- “خدلك راتب شهري” رابط التقديم في منحة المرأة الماكثة بالبيت ...
- هيني سرور: -المرأة هي التي تدفع أكبر ثمن في الحروب..-
- نحو انتكاسة خطيرة لحقوق المرأة في تونس: تعديل مجلة الأحوال ا ...
- قبل الأوان … قتل العاملات بين تواطؤ الدولة واستغلال السوق
- “7000 دج تنتظرك!” تعرفي على تفاصيل منحة المرأة الماكثة بالجز ...


المزيد.....

- جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي / الصديق كبوري
- إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل / إيمان كاسي موسى
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- الناجيات باجنحة منكسرة / خالد تعلو القائدي
- بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê / ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
- كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي / محمد الحنفي
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر / فتحى سيد فرج
- المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟ / مريم نجمه
- مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد ... / محمد الإحسايني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - عماد حسب الرسول الطيب - عنف بلا حدود، مقاومة بلا تنازلات