أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 2. لجان المقاومة وتفكيك الكراهية: من الوعي الشعبي إلى الفعل الثوري














المزيد.....

2. لجان المقاومة وتفكيك الكراهية: من الوعي الشعبي إلى الفعل الثوري


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8391 - 2025 / 7 / 2 - 07:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليست لجان المقاومة ظاهرة تنظيمية عابرة، بل تجلٍّ لنفي جدلي لمنظومة الهيمنة الطبقية التي يتغذى عليها خطاب الكراهية. ففي مواجهة سرديات التفتيت الجهوي والعرقي، تقدّم لجان المقاومة نموذجًا للتنظيم الأفقي الذي يعيد تعريف السياسة، لا كمنافسة نخب، بل كممارسة جماعية للمجتمع المنتج. وكما كتب أنطونيو غرامشي: "إن كل إنسان مثقف، ولكن لا يُمنح الجميع وظيفة المثقف في المجتمع... فالثورة تحتاج إلى جماهير تُنتج مثقفيها العضويين من قلب نضالها." وبينما تعمل الدولة البرجوازية على إعادة إنتاج ذاتها عبر رموزها القومية والدينية والجهوية، تصوغ اللجان من تحت، في الأحياء والأسواق والمراكز، خطابًا بديلًا ينطلق من الحاجة والعدالة والمساواة.

التضامن الذي تنتجه هذه اللجان ليس شعارًا تجميليًا، بل ممارسة مادية تُعيد توزيع الرمزية والمشروعية. من خلال الوجبات الجماعية، التأمين الطبي، الحماية المجتمعية، والتنسيق السياسي، تتمفصل اللجان كمؤسسات مضادة داخل قلب المجتمع. وكما وصفت روزا لوكسمبورغ: "كل ممارسة تضامن هي لبنة في بناء الثورة." وكما وصف غرامشي “حرب المواقع”، فإن هذه اللجان لا تتصدى فقط للدولة الأمنية، بل للأجهزة الرمزية التي تنتج الكراهية: الإعلام، الدين، التعليم، والأسرة.

التحول الكبير الذي أحدثته لجان المقاومة لا يكمن فقط في كسر هيبة السلطة، بل في إنتاج وعي طبقي جديد يُفكك مفردات الهيمنة، ويؤسس لرمزية بديلة تستند إلى التضامن الطبقي بدلًا من الولاءات الانتمائية الضيقة. هذا القاموس الناشئ لم يكن مثاليًا، لكنه شكل أول نواة لتحرير الرمزية من يد الطبقة الحاكمة عبر ممارسات يومية وشعارات تنبض بتجربة الحي والشارع.

لكن هذا البناء لم يكن محصنا، فسرعان ما بدأت الثورة المضادة في تشويه هذه اللجان، عبر الحملات الإعلامية، التضييق الأمني، والاختراقات الحزبية. وبدلًا من أن تتطور إلى نقابات شعبية أو مجالس أحياء ثورية، ظلت أغلبها في حالة من السيولة التنظيمية. وكما أشار لينين في "ما العمل؟": "دون تنظيم، تتحول الطاقة الثورية إلى فوضى؛ ودون نظرية، ينتهي الحماس إلى الارتداد." وهذا ما سمح للخطابات المعادية أن تعود وتتمكن، وأن يُعاد تأطير العمل الشعبي كفوضى، والانتماء إلى المقاومة كخيانة.

لقد مورِس ضد لجان المقاومة خطاب كراهية مُمَنهج، لم يأتِ فقط من السلطة العسكرية، بل من تحالف طبقي-أيديولوجي أوسع شمل إعلاميين، رموزا دينية، نخبا حزبية، وناشطين على منصات التواصل. اتُّهِمت اللجان بـ"العمالة"، "الشيوعية"، "الإلحاد"، و"الانفلات الأخلاقي"، وهي نعوت لم تكن بريئة، بل ذات وظيفة مزدوجة: نزع المشروعية السياسية عن اللجان، ونزع الإنسانية عن أعضائها لتسهيل قمعهم. وكما قال ألتوسير، فإن الدولة تستخدم أجهزتها الأيديولوجية لتصنيع الإذعان لا عبر القمع فقط، بل عبر اللغة ذاتها. لقد أُنتِجت خطابات تفتيتية تحرض الأحياء على أبنائها، وتخلق في وعي الجماهير صورة اللجان كجسم غريب مموّل خارجيا. هكذا تُعاد صياغة الانتماء الوطني في خدمة السلطة، ويُعاد تعريف "الخطر" لا كنهب الدولة، بل كتنظيم الجماهير ضد النهب.

في هذا السياق، تصبح مفردات الشتم أدوات مادية للهيمنة: حين يُوصف عضو اللجنة بـ"قحاتي"، أو "عميل"، لا تُطلق الكلمة كشتم فقط، بل كوصمة تُفكك التضامن الاجتماعي حوله. يشبه هذا ما فعله نظام مايو حين شيطن الشيوعيين، أو ما فعلته الأنظمة العربية بعد 2011 بوصف لجان التنسيق بـ"الخونة والمندسين". هذا الخطاب لا يُنتج الكراهية فقط، بل يُشرعن القمع ويخلق مناخًا من الخوف يزرع العزلة داخل صفوف المقاومة نفسها.

لجان المقاومة لم تكن يومًا خارج تناقضات المجتمع، لكنها مثلت الإرادة الأكثر وضوحًا لكسر المنظومة الرمزية للهيمنة. وقدّمت بذرة لما يمكن أن يكون بديلًا مؤسسيًا للسلطة البرجوازية: لا في الشكل فقط، بل في المحتوى، من حيث أنها تبني على أسس جماعية، وتحطّم الثنائية الكاذبة بين المثقف والجمهور، بين المدينة والهامش، بين السياسي واليومي. وكما أشار بيير بورديو: "تقسيمات المركز والهامش، المثقف والشعب، ليست طبيعية، بل تُنتجها الحقول الرمزية للسلطة، وتُعاد شرعنتها عبر الإعلام والتعليم."

من هذا المنظور، فإن خطاب التضامن الشعبي الذي تنتجه هذه اللجان يُعتبر أعلى أشكال المواجهة ضد خطاب الكراهية. إنه لا يرد عليه من موقع الدفاع الأخلاقي، بل يهدم أسسه الرمزية بإعادة تعريف من هو “نحن”. فبدلًا من “الوطني” كهوية إقصائية، تُعيد اللجان تعريف الوطنية على أساس الإنتاج، الحماية، والرعاية. وبدلًا من “الآخر” كعدو، يُعاد تعريفه كشريك في المعركة. وكما كتب فرانز فانون في "معذبو الأرض": "الوعي الوطني الحقيقي ليس تكرارًا لهوية استعمارية معكوسة، بل إنتاج لذات جماعية في لحظة تحررها من شرطها المادي القمعي."

وكما كتب لينين أيضا: “لا توجد حركة ثورية بدون نظرية ثورية”، فإن بناء هذه اللجان لا يكتمل بدون تأطير نظري جذري يُخرجها من العفوية إلى التنظيم، ومن الخدمة إلى السلطة البديلة. وكما أكد مجددًا: "الوعي الطبقي لا ينشأ عفويا، بل يُدخَل إلى الحركات الشعبية عبر حزب ثوري يمتلك النظرية والمنهج." فالثورة التي لا تُنظَّم تُختطف، والصوت الذي لا يتحول إلى سلطة يُسحق.

"كل خطوة من خطوات الحركة الواقعية أهم من دزينة من البرامج".

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك ٱلة الكراهية: المهمة الثورية للوعي الطبقي
- لا ثورة بلا قطيعة، ولا يسار بلا عدو طبقي
- القذيفة لا تُنهي الدرس
- 30 يونيو: لحظة الوعي الطبقي وحدود الثورة في السودان
- وعي طبقي في جسد طفلة
- عنف بلا حدود، مقاومة بلا تنازلات
- الفن في مواجهة اغتراب الرأسمالية: صرخة الجمال ضد قبح الاستغل ...
- التعاونيات في السودان: بذور الاشتراكية في مواجهة الرأسمالية ...
- الوعي الطبقي والجهل المُنَظَّم في الصراع السوداني: تحليل مار ...


المزيد.....




- مصير الرئيس التنفيذي بعد كشفه بفيديو يعانق موظفة بحفل كولدبل ...
- إصابة عدة أشخاص بدرجات متفاوتة بعدما صدمت -سيارة مجهولة- حشد ...
- فضيحة العناق خلال حفل كولدبلاي.. شاهد كيف سخرت مواقع التواصل ...
- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على قطاع غزة معظمهم من منتظري ا ...
- بدء انتشار القوات الأمنية.. الشرع: نتبرأ من جميع المجازر وال ...
- تطمينات أمريكية وإسرائيلية قبل بدء العمليات.. هكذا خدعت واشن ...
- وسط خلافات داخل الحكومة.. استطلاعات الرأي تظهر تأييد الإسرائ ...
- استطلاع: لهذا يرفض غالبية الألمان حظر حزب -البديل-!
- رسالة واتساب تساهم في إفشال انتقال نيكو وليامس إلى برشلونة
- مروحيات إسرائيلية تهبط بخان يونس وتجلي جنودا مصابين


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 2. لجان المقاومة وتفكيك الكراهية: من الوعي الشعبي إلى الفعل الثوري