أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - خطاب الكراهية الجزء العاشر والأخير: من الكلمات إلى السلطة: الثورة كمنظومة رمزية مضادة














المزيد.....

خطاب الكراهية الجزء العاشر والأخير: من الكلمات إلى السلطة: الثورة كمنظومة رمزية مضادة


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8398 - 2025 / 7 / 9 - 06:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا تبدأ الثورات من الرصاص، بل من اللغة. لا تُشعلها البنادق قبل أن تشعلها الكلمات، ولا تُهزم إلا حين تنكسر سردياتها في الوعي الجمعي. وفي السودان، كما في كل سياق طبقي تتراكم فيه المظالم، لا يمكن فصل النضال ضد السلطة السياسية عن النضال ضد بنيتها الرمزية. فخطاب الكراهية، الذي فصّلنا آلياته الطبقية في الأجزاء السابقة، لم يكن مجرد انفعال اجتماعي، بل جزءًا من منظومة متكاملة لتفكيك الجماهير وتمزيق وحدتها التاريخية عبر التلاعب بالرموز، والهويات، والمعاني.

إن أخطر ما فعله النظام، على اختلاف أشكاله، لم يكن فقط قمع الجماهير ماديًا، بل محو قدرتها على قول ذاتها بذاتها. فحين يحتكر النظام اللغة، يحتكر الفعل. وحين ينجح في جعل الجماهير تتكلم بلغته – لغة الخوف، الإقصاء، الشك، والعداء – يكون قد انتصر قبل أن يطلق رصاصة. لذلك، لم تكن المعركة على السلطة في السودان مجرد معركة برامج، بل معركة رمزية شاملة حول من يعرّف "الوطن"، و"العدو"، و"الهوية"، و"الإنسان"، وحول من يمتلك الحق في الكلام والتمثيل.

وقد كان خطاب الكراهية في قلب هذه المعركة. فهو لم يُستخدم فقط لتبرير العنف الطبقي أو العنصري، بل لتقسيم الضحايا إلى معسكرات متناحرة، تُقاتل بعضها البعض بينما يواصل رأس المال الطفيلي النهب باسم "الأمن"، و"الدين"، و"الوحدة الوطنية". وهكذا، أصبح الخطاب ذاته أداةً من أدوات الإنتاج – ينتج الخوف، ويُعيد إنتاج التبعية، ويُسَوِّق الخنوع على هيئة استقرار.

لكن الثورة، حين اندلعت، أعادت للغة وظائفها التحررية. فقد انكسرت هيبة الخطاب السلطوي أمام شعارات الشوارع، وانتصرت تعابير الهامش على بلاغة النخبة، وتحوّلت جدران المدن إلى دفاتر مفتوحة تكتب فيها الجماهير قصتها. ما كان يُقال همسًا صار يُقال جهارًا، وما كان يُمحى من كتب التعليم كتبته الأجساد في الميادين. لقد اخترعت الثورة رمزية جديدة، تحررت من قواميس السلطة، ونسجت قاموسها من دماء الشهداء، وضحكات الفقراء، وهتافات المهمّشين.

غير أن اللغة وحدها لا تكفي. فالخطاب الثوري الذي لا يتحول إلى تنظيم، يظل عرضة للاحتواء أو التشظي. الكلمة التي لا تجد جسدًا جماعيًا يحملها، تذوب في السوق الرمزي الذي تسيطر عليه الدولة والرأسمالية. من هنا، فإن المعركة ليست فقط على ما نقوله، بل على البنية التي تتيح لنا القول: التنظيمات الثورية، الإعلام الشعبي، التعليم البديل، الثقافة المقاومة، والفن الجماهيري. هذه هي الحقول التي يجب أن تُستعاد، وتُعاد هندستها لتصبح مصانع لوعي مضاد.

لقد أثبتت التجربة السودانية أن السلطة لا تَسقط إذا لم تُسقط رمزيًا أولًا. وحين تفقد الجماهير قدرتها على تعريف ذاتها، تسقط في فخ خطاب عدوها، وتتحول إلى أداته دون أن تدري. لذا، فإن مهمة القوى الثورية ليست فقط أن تفضح خطاب الكراهية، بل أن تطرح بديلًا رمزيًا جذريًا، يُعرّف الإنسان من خلال موقعه في علاقات الإنتاج، لا من خلال انتمائه العرقي أو الجغرافي أو الجندري. أن تُعيد بناء المعنى لا ان تكتفي برفض المعنى السائد.

وفي هذا السياق، لا بد من تأميم الخيال. فكما تُؤمم الثروات لتُعاد إلى أصحابها، يجب أن يُؤمم المعنى من يد السلطة التي صاغته لخدمتها. هذا يعني أن تُستعاد اللغة، الصورة، الموسيقى، التعليم، الدين، المسرح، وحتى النكتة، من قبضة رأس المال، وتُعاد صياغتها بأدوات الجماهير، لأجل الجماهير. المعركة الرمزية ليست ترفًا نخبويًا، بل شرطًا أوليًا لتحرير الإنسان من بنيته الاجتماعية.

إن الثورة التي لا تُنتج نظامًا رمزيًا بديلًا، تظل مُهددة بالانقلاب عليها حتى من داخلها. فكم من حركات تحرر سقطت لأنها لم تُحرر لغتها، وكم من شعوب هُزمت لأنها استمرت في استخدام أدوات تفكير جلاديها. لذلك، فإن مهمة الجيل الثوري في السودان لا تقتصر على إسقاط النظام السياسي، بل على بناء منظومة رمزية جديدة تُخرج الإنسان من موقع الضحية إلى موقع الفاعل، وتُعيد ترتيب الخريطة الاجتماعية على أسس التضامن والعمل، لا على أسس الكراهية والتقسيم.

إن المعنى نفسه ساحة نضال. ومن يمتلك المعنى يمتلك القدرة على تحديد الممكن، والممنوع، والمُباح، والمقدس. ومن لا يمتلك المعنى، حتى لو امتلك الشارع، سيُهزم في النهاية. لذلك فإن الثورة التي لا تعيد تعريف "الوطن" و"العدو" و"العدالة"، ستُعاد تعريفها من قبل خصومها، وتُختزل إلى لحظة احتجاج لا إلى عملية تحوّل.

والسؤال الذي يجب أن نختم به هو: من يُنتج خطابنا اليوم؟ من يكتب أسماء شهدائنا؟ من يروي قصص الناجين؟ من يُعلّم أطفالنا كيف ينظرون إلى بعضهم البعض؟ من يُضحكنا؟ من يُبكينا؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة ليست فلسفية، بل تنظيمية، طبقية، ومادية.

فلنعمل ليس فقط على فضح خطاب الكراهية، بل على إسقاطه بمنظومة رمزية تحررية، تزرع في الناس شجاعة المعنى، وتمنحهم أدوات القول، وموقع الفعل، وكرامة الانتماء إلى ذاتهم. فالثورة لا تنتصر بالشعارات فقط، بل بالقدرة على إعادة كتابة الواقع، بأيدي من حُرموا من كتابته طويلًا.

"الثورة لا تبدأ عندما يُغيَّر الحاكم، بل عندما تُعاد صياغة شروط الكلام ذاته."

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آلة الوعي الزائف: وسائل التواصل كأداة قمع طبقي
- 9. نحو خطاب تحرري بديل: من هندسة الكراهية إلى هندسة الوعي
- 8. خطاب الكراهية والعدالة الانتقالية: من طمس الجريمة إلى إعا ...
- كشة (1) لم يمت: الوعي الماركسي في وجه الثورة المضادة
- يامنة: تطواف على جناح الحنين المقاوِم
- 7. البرجوازية الصغيرة وخطاب الكراهية: بين الخوف والانتهازية
- 6. مناهضة خطاب الكراهية: من الوعي إلى السلطة
- المثقف الطرفي في فضاء ما بعد الاستعمار
- اللاعنف كأداة إمبريالية: تفكيك وهم التغيير السلمي في الثورة ...
- 5. اقتصاد الكراهية: كيف تتحول الأيديولوجيا إلى سلعة في السوق ...
- صمت الفلوت وهستيريا العنف
- 4. بنية إنتاج الكراهية في السودان
- 3. خطاب الكراهية ضد النساء: الجندر كساحة للصراع الطبقي في ال ...
- 2. لجان المقاومة وتفكيك الكراهية: من الوعي الشعبي إلى الفعل ...
- تفكيك ٱلة الكراهية: المهمة الثورية للوعي الطبقي
- لا ثورة بلا قطيعة، ولا يسار بلا عدو طبقي
- القذيفة لا تُنهي الدرس
- 30 يونيو: لحظة الوعي الطبقي وحدود الثورة في السودان
- وعي طبقي في جسد طفلة
- عنف بلا حدود، مقاومة بلا تنازلات


المزيد.....




- فيديو للحظة استهداف مبنى وزارة الدفاع السورية على الهواء مبا ...
- مباشر: ضربات إسرائيلية في دمشق وارتفاع حصيلة أعمال العنف في ...
- إسرائيل تُنفذ غارات عنيفة على دمشق.. ووزير دفاعها: بدأت -الض ...
- كلوب يُعلق على صفقة فيرتز: لاعب استثنائي ومركز هو التحدي!
- لا أمطار في العراق.. الجفاف يضرب البلاد ورائحة حقول أرز العن ...
- خامنئي : إسرائيل هدفت خلال الحرب إلى إسقاط النظام وإيران مست ...
- مهندس سابق في -أوبن إيه آي- يكشف عن أسرار العمل بها
- ما قصة الشبح واللون الأصفر اللذين يظهران في شعار سناب شات؟
- روسيا تتهم أوروبا بممارسات عسكرية عدوانية وتلمح مجددا للخيار ...
- خط الدفاع الأول في كشف انتهاكات قوانين الحرب


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - خطاب الكراهية الجزء العاشر والأخير: من الكلمات إلى السلطة: الثورة كمنظومة رمزية مضادة