أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - آلة الوعي الزائف: وسائل التواصل كأداة قمع طبقي















المزيد.....

آلة الوعي الزائف: وسائل التواصل كأداة قمع طبقي


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 09:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في زمن الرأسمالية الرقمية المتأخرة، تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي من أدوات تواصل إنساني إلى أجهزة أيديولوجية إمبريالية تعمل على تشويش الوعي الجماعي، إعادة إنتاج الاغتراب، وقمع أي إمكانية لتحرر طبقي أو فعل ثوري منظم. لم تعد هذه المنصات فضاءات "حرة"، بل تحولت إلى البنية الفوقية الرقمية للهيمنة، حيث تتقاطع سلطة رأس المال مع السلطة المعلوماتية، ويُعاد فيها تشكيل العالم على مقاييس السوق لا حاجات البشر. وكما لاحظ غرامشي في تحليله للهيمنة، فإن السيطرة لا تمرّ عبر القمع فقط، بل عبر صياغة الحس العام نفسه، وجعل الاضطهاد يبدو طبيعيًا، والتسلية بديلاً عن التمرد.

إن منصات مثل فيسبوك، تويتر (X)، إنستغرام، وتيك توك، لا توفّر خدمات مجّانية كما يُشاع، بل تُنتج فائض قيمة رقمي عبر تحويل المستخدم إلى عامل غير واعٍ. فكل نقرة، إعجاب، تعليق أو مشاركة، تمثّل عملًا غير مدفوع الأجر، وتُحوّل إلى بيانات تُباع للمعلنين وتُستخدم لتدريب الخوارزميات. وكما شرح ماركس في "رأس المال"، فإن الرأسمالية لا تقوم فقط على بيع المنتجات، بل على استغلال قوة العمل البشرية لاستخراج فائض القيمة. واليوم، تحوّل هذا الاستغلال إلى ما يمكن تسميته بـ"العمل الرقمي المجرد"، حيث يتمّ استغلال وقت الانتباه، السلوك، التفاعل، والمشاعر نفسها بوصفها مواد أولية لإنتاج الربح. المستخدمون ليسوا مستهلكين، بل عمال في مصانع بيانات معولمة لا يعلمون أنهم يعملون، تمامًا كما كان العامل في بدايات الرأسمالية لا يدرك علاقته الحقيقية بوسائل الإنتاج.

وهذا الاستغلال الرقمي لا يحدث في فراغ. بل هو جزء من مشروع هيمنة طبقية شامل، حيث أصبحت البيانات "النفط الجديد"، والمنصات الرقمية "آبار التنقيب"، والخوارزميات هي اليد الخفية للسوق النيوليبرالي. كما بيّن لينين في تحليله للإمبريالية، فإن مرحلة الاحتكار الرأسمالي تستلزم السيطرة على كل مجالات الحياة، من الإعلام إلى المعرفة، ومن العمل إلى الوعي. وفي عالم اليوم، أصبح الفضاء السيبراني جزءًا من المجال الذي تُفرض فيه هذه السيطرة، لا بوصفه وسيلة اتصال فقط، بل بوصفه أرضًا جديدة للاستغلال، وإحدى جبهات الصراع الطبقي المعاصر.

إن البنية الفوقية الرقمية التي تنتجها هذه المنصات تؤدي وظيفة أيديولوجية خطيرة. فهي تغمر المستخدمين بفيض من المعلومات السطحية، والميمات، والإشعارات، وصور الترفيه، بما يؤدي إلى شلل تحليلي يمنع فهم البنية العميقة للأزمات الاقتصادية والسياسية. وكما قال ماركس، فإن الوعي الزائف لا يعني الجهل، بل هو تشويه منظم للواقع، يجعل من المستحيل رؤية النظام الرأسمالي بوصفه أصل الاستغلال. وهذه المنصات تبرع في إنتاج هذا التشويه. فهي تصوغ لنا من هو العدو ومن هو الصديق، من يُحتفى به ومن يُقمع، من يُسمع ومن يُدفن صوته تحت خوارزميات الإخفاء (Shadow Banning). إنها لا تسكت فقط، بل تنتج وعيًا مزيّفًا، فردانيًا، استهلاكيًا، يستبدل الفعل بالتفاعل، والتنظيم بالمتابعة، والثورة بالهاشتاغ.

في السودان مثلًا، رأينا كيف تم توجيه النقاش العام بعيدًا عن البنية الطبقية للحرب، لصالح استقطابات جهوية وعنصرية تُبث عبر منشورات ممولة أو محسوبة خوارزميًا. لجان المقاومة التي قادت النضال الثوري على الأرض، أصبحت ضحية لحملات تشويه رقمية ممنهجة، وأصواتها غالبًا ما تُخنق، فيما يُروّج لخطاب الكراهية والفرقة بوصفه “رأيًا آخر” يستحق الظهور. هذا ما يعنيه القول بأن الفضاء الرقمي قد تحوّل إلى أداة قمع ناعمة، لا ترى فيها الشرطة، ولكن ترى فيها كل خيوط السلطة.

وهذه السلطة تعمل على تفكيك الوعي الجماعي من خلال تغليب الهوية على الطبقة، والنزعة الفردانية على التضامن. فكرة "العلامة التجارية الشخصية"، و"المؤثر"، و"صناعة الذات"، تُرسّخ أن النجاح مسألة شخصية، لا مسألة بنية اجتماعية، وتحوّل الأفراد من عناصر في صراع جمعي إلى منافسين على فتات الانتباه. وبدل أن يكون هناك جمهور منظم يُطالب بحقوقه، هناك جماهير تائهة تُلهى بالمقاطع القصيرة، والمواسم الموسمية لـ"التعاطف"، وحروب لا تنتهي حول قضايا فرعية. إنها هندسة رقمية للاستقطاب والتمزيق. كما لاحظ ديبور في "مجتمع الفرجة"، لم يعد الواقع يُعاش مباشرة، بل يُمثّل عبر صور. وكل ما كان نضالًا مباشرًا على الأرض، يُعاد إنتاجه الآن كصور رمزية وتفريغات عاطفية، لا تغيّر شيئًا في علاقات القوة.

لكن السيطرة الرقمية لا تكتفي بالتشويش والتمويه، بل تمارس القمع الخوارزمي الصريح. يُراقب المستخدمون، تُتبع تحركاتهم، تُجمّع بياناتهم وتُستخدم إما لتضليلهم أو لتسليمها للأنظمة القمعية. ولعل أبرز تجليات ذلك هي عسكرة المعلومات، حيث تتحالف الشركات مع الدول لتسويق الاستقرار الزائف، وقمع أي حركة جماهيرية منذ ولادتها. الجيوش الإلكترونية، الحسابات المزيفة، الهجمات المنظّمة على الناشطين، ليست حوادث عرضية، بل جزء من منظومة أمنية-رأسمالية هدفها كسر الروح الجماعية ومنع تشكّل الوعي الثوري.

لكن هذا لا يعني أن الفضاء الرقمي يجب التخلي عنه. فكما كانت الطبقة العاملة تستخدم أدوات الرأسمالية لصالحها في لحظات نهوضها، يمكن اليوم تحويل هذه الأدوات إلى وسائل تعبئة وتنظيم. إن المطلوب هو كسر حاجز الاغتراب الرقمي عبر نشر وعي خوارزمي، يفضح آليات السيطرة والرقابة، ويدفع الجماهير إلى التعامل مع المنصات لا كمجال ترفيهي بل كميدان صراع طبقي. المطلوب هو دعم المنصات التعاونية والمفتوحة المصدر، التي لا تحكمها الخوارزميات الربحية، وخلق بنى رقمية تخدم النضال، لا رأس المال.

والأهم من كل ذلك هو إعادة ربط النضال الرقمي بالنضال المادي. لا يكفي أن "نشارك" في منشور، بل أن نحوله إلى دعوة لتنظيم فعلي. لا يكفي أن نكتب "يسقط النظام" على تويتر، بل أن نُنظم إضرابًا أو مظاهرة. لا يكفي أن نُظهر وعينا، بل أن نُعيد إنتاجه جماعيًا في أشكال سياسية واقتصادية موازية. فكل "متابع" يجب أن يتحول إلى عنصر في كتلة ثورية واعية. وكل "تفاعل" يجب أن يُترجم إلى عمل ثوري محسوس.

إننا أمام مرحلة جديدة من الصراع الطبقي، حيث أصبحت الرقابة ناعمة، والهيمنة لامركزية، والوعي ساحة معركة. وكما كتب ماركس: "ليس للبروليتاريين ما يخسرونه سوى قيودهم. والعالم لكسبه." واليوم، هذه القيود أصبحت رقمية، مفروضة لا بالسلاسل بل بالبيانات، لا بالهراوة بل بالخوارزمية. وكما كانت معركة التحرر الطبقي تمرّ عبر السيطرة على وسائل الإنتاج، فإن معركة اليوم تمرّ عبر استعادة السيطرة على وسائل المعرفة، والتواصل، والتعبئة. لا بد من بناء إنترنت بروليتاري، لا إمبريالي، يخدم الجماهير لا يراقبها، ينظّمها لا يستهلكها، ويكون سلاحًا في يد الثورة، لا أداة لقمعها.

"الأفكار السائدة في كل عصر هي أفكار الطبقة السائدة."

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 9. نحو خطاب تحرري بديل: من هندسة الكراهية إلى هندسة الوعي
- 8. خطاب الكراهية والعدالة الانتقالية: من طمس الجريمة إلى إعا ...
- كشة (1) لم يمت: الوعي الماركسي في وجه الثورة المضادة
- يامنة: تطواف على جناح الحنين المقاوِم
- 7. البرجوازية الصغيرة وخطاب الكراهية: بين الخوف والانتهازية
- 6. مناهضة خطاب الكراهية: من الوعي إلى السلطة
- المثقف الطرفي في فضاء ما بعد الاستعمار
- اللاعنف كأداة إمبريالية: تفكيك وهم التغيير السلمي في الثورة ...
- 5. اقتصاد الكراهية: كيف تتحول الأيديولوجيا إلى سلعة في السوق ...
- صمت الفلوت وهستيريا العنف
- 4. بنية إنتاج الكراهية في السودان
- 3. خطاب الكراهية ضد النساء: الجندر كساحة للصراع الطبقي في ال ...
- 2. لجان المقاومة وتفكيك الكراهية: من الوعي الشعبي إلى الفعل ...
- تفكيك ٱلة الكراهية: المهمة الثورية للوعي الطبقي
- لا ثورة بلا قطيعة، ولا يسار بلا عدو طبقي
- القذيفة لا تُنهي الدرس
- 30 يونيو: لحظة الوعي الطبقي وحدود الثورة في السودان
- وعي طبقي في جسد طفلة
- عنف بلا حدود، مقاومة بلا تنازلات
- الفن في مواجهة اغتراب الرأسمالية: صرخة الجمال ضد قبح الاستغل ...


المزيد.....




- داخل أطول الأودية الضيقة في العالم على شكل أفعى في أمريكا
- السعودية الثانية.. أعلى 10 دول في احتياطيات النفط عالميا بعا ...
- الملل: ما الأسباب التي تجعل البعض أكثر عرضة للشعور به؟
- مؤكدة وفاته انتحارًا.. وزارة العدل الامريكية: لا يوجد قائمة ...
- روسيا تزيد من وجودها العسكري في أرمينيا.. ما الهدف؟
- مدريد تستضيف القمة الثالثة مع أفريقيا لتعميق الاستثمار والتج ...
- رائد الصالح من قيادة -الخوذ البيضاء- إلى وزارة لإدارة الطوار ...
- -إسرائيل تقوم بالعمل القذر من أجل الغرب-.. ما معنى ذلك وما ت ...
- محكمة بريطانية تنظر في اعتداء مزعوم على ضباط شرطة بمطار مانش ...
- -يا إلهي!-.. فتيات تم إجلاؤهن من فيضانات تكساس يُصعقن بالدما ...


المزيد.....

- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي
- صندوق الأبنوس / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - آلة الوعي الزائف: وسائل التواصل كأداة قمع طبقي