أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 8. خطاب الكراهية والعدالة الانتقالية: من طمس الجريمة إلى إعادة إنتاجها














المزيد.....

8. خطاب الكراهية والعدالة الانتقالية: من طمس الجريمة إلى إعادة إنتاجها


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8396 - 2025 / 7 / 7 - 09:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تقدَّم العدالة الانتقالية، في أغلب خطابها الرسمي، كوسيلة لتحقيق السلم الأهلي ومداواة الجراح، لكنها كثيرًا ما تتحوّل، في السياقات الطبقية غير المتوازنة، إلى أداة لإعادة إنتاج خطاب الكراهية ذاته الذي يُفترض أن تُعالجه. ففي السودان، ومنذ توقيع أول اتفاق سلام إلى محاولات التسوية الأخيرة، جرى توظيف شعارات العدالة لتكريس الإفلات من العقاب، وتجميل وجوه الجناة، وتحميل الضحايا مسؤولية العنف، لا بوصفهم ضحايا طبقيين، بل كعناصر مشاغبة يجب تأديبها.

في خطاب الدولة والنخب المتحالفة معها، لم تُطرح العدالة الانتقالية أبدًا كسياق لتفكيك البنية الطبقية أو محاسبة آليات الدولة الأمنية، بل كمنصة للتوازن بين الجناة وتطبيع الكراهية. هذا ما جعل لجنة نبيل أديب، مثلًا، تُحوَّل من آلية للتحقيق إلى غرفة لتدوير الأدلة، وتسويق المصالحة كبديل عن المحاسبة. فكما قال فرانز فانون: "لا يُعالج الاستعمار بتسوية قانونية، بل بثورة تاريخية"، فإن خطاب الكراهية لا يمكن تسويته ضمن منظومة لا تعترف بأصوله الطبقية.

لقد تكررت هذه المفارقة في نماذج عالمية: في البوسنة، أفضت اتفاقيات دايتون إلى تقسيم عرقي دستوري كرّس الكراهية بدل تفكيكها، وفي رواندا، رغم إنشاء محاكم الغاتشاكا، ظلت القبائل تُعرّف ذاتها ضمن خطاب الضحية والجلاد في غياب عدالة اقتصادية. وفي جنوب إفريقيا، رغم النجاح النسبي للجنة الحقيقة والمصالحة، إلا أن البنية الرأسمالية التي أبقت الفقر في مواقع السود لم تتغير. العدالة الانتقالية، حين لا تُبنى على عدالة طبقية، تعيد إنتاج خطاب الكراهية بأدوات قانونية.

في السودان، يتضح ذلك في ترويج فكرة "الحياد" الإعلامي، الذي يساوي بين المعتدي والمعتدى عليه، ويطالب الضحية بالصمت من أجل السلم الاجتماعي. يتم تخويف الجماهير من “الفتنة”، ويُطلب منها أن تسامح دون اعتراف ولا إصلاح، بينما يجري تأهيل قَتَلة الثورة إعلاميًا كقادة محتملين. هذا النوع من الخطاب يعيد تعريف الكراهية كمجرد خصومة، ويمنح المجرم صك العفو دون أن يعيد للضحايا كرامتهم أو حقوقهم.

إن استقرارًا يُبنى على طمس الجريمة هو بالضرورة استقرار طبقي زائف، يبرر العنف ويهيئ له عودة أكثر ضراوة. وكما كتب لينين: "المصالحة الطبقية خدعة برجوازية لتفتيت وعي الجماهير"، لذا فإن التسويات التي لا تقوم على تفكيك شروط العنف، تُمهّد لعنف جديد.

خطاب الكراهية لا يُهزم بالمصالحات الشكلية، بل بالعدالة الجذرية. وكل مشروع عدالة انتقالية لا يُفكك الدولة الأمنية، ولا يحاسب الإعلام التحريضي، ولا يُعيد الاعتبار للجماهير بوصفها فاعلًا طبقيًا، يظل مجرد أداة لتدوير الكراهية، لا لمحوها. الثورة التي تطوي الجراح قبل الاعتراف، إنما تُهيئ الأرض لانفجار جديد.

"العدالة التي لا تمس البنية الاقتصادية والاجتماعية للاضطهاد ليست سوى مرحلة أخرى من الظلم."

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كشة (1) لم يمت: الوعي الماركسي في وجه الثورة المضادة
- يامنة: تطواف على جناح الحنين المقاوِم
- 7. البرجوازية الصغيرة وخطاب الكراهية: بين الخوف والانتهازية
- 6. مناهضة خطاب الكراهية: من الوعي إلى السلطة
- المثقف الطرفي في فضاء ما بعد الاستعمار
- اللاعنف كأداة إمبريالية: تفكيك وهم التغيير السلمي في الثورة ...
- 5. اقتصاد الكراهية: كيف تتحول الأيديولوجيا إلى سلعة في السوق ...
- صمت الفلوت وهستيريا العنف
- 4. بنية إنتاج الكراهية في السودان
- 3. خطاب الكراهية ضد النساء: الجندر كساحة للصراع الطبقي في ال ...
- 2. لجان المقاومة وتفكيك الكراهية: من الوعي الشعبي إلى الفعل ...
- تفكيك ٱلة الكراهية: المهمة الثورية للوعي الطبقي
- لا ثورة بلا قطيعة، ولا يسار بلا عدو طبقي
- القذيفة لا تُنهي الدرس
- 30 يونيو: لحظة الوعي الطبقي وحدود الثورة في السودان
- وعي طبقي في جسد طفلة
- عنف بلا حدود، مقاومة بلا تنازلات
- الفن في مواجهة اغتراب الرأسمالية: صرخة الجمال ضد قبح الاستغل ...
- التعاونيات في السودان: بذور الاشتراكية في مواجهة الرأسمالية ...
- الوعي الطبقي والجهل المُنَظَّم في الصراع السوداني: تحليل مار ...


المزيد.....




- ترامب يؤكد رغبة حماس في هدنة بغزة ويعلن إرسال أسلحة دفاعية ل ...
- -شهر واحد لتدمير كل شيء-.. ما العملية الأوكرانية السرية لإبا ...
- ليبيا - بنغازي: ماذا وراء استقبال المشير الليبي خليفة حفتر و ...
- هل التقى الرئيس السوري فعلاً بنتنياهو؟
- موريتانيا: خطوة مفاجئة من حزب تواصل قبل الحوار الوطني المرتق ...
- الحوثيون يعلنون غرق ناقلة بضائع عقب هجومهم عليها قبالة اليمن ...
- نتنياهو يسلم ترامب رسالة ترشيحه لجائزة نوبل ويؤكد: نعمل مع و ...
- تلغراف: مركز أبحاث بلير عمل على خطة -ريفييرا ترامب- لغزة
- خبير عسكري: المقاومة تعتمد خططا محكمة وتتفوق بهندسة الواقع ا ...
- عاجل | نتنياهو: التقيت وزير الخارجية روبيو وأجريت معه محادثة ...


المزيد.....

- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي
- صندوق الأبنوس / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 8. خطاب الكراهية والعدالة الانتقالية: من طمس الجريمة إلى إعادة إنتاجها