أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - النقابات في السودان – من أدوات الترويض إلى جبهات الثورة














المزيد.....

النقابات في السودان – من أدوات الترويض إلى جبهات الثورة


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 10:23
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


مقدمة

ليست النقابة في السودان مؤسسة تقنية تُعنى بتحسين شروط العمل، بل هي موقع مادي ورمزي يتكثف فيه الصراع الطبقي في أكثر تجلياته مباشرة. فبقدر ما تسعى البرجوازية للسيطرة على أدوات العُمّال التنظيمية، بقدر ما تدرك الطبقة العاملة أن النقابة ليست مجرد هيكل إداري، بل هي سلاح تنظيمي، ورافعة تاريخية لتحطيم آليات الهيمنة لا التكيف معها. لقد نشأت النقابات في السودان منذ الحقبة الاستعمارية كجزء من مقاومة مشروع رأسمالي عنصري ينهب البلاد ويحوّل سكانها إلى أدوات عمل مجردة. ومنذ أن تشكّل أول اتحاد عمالي في السكك الحديدية، لم تكن النقابة إلا مرآةً دقيقة لتوازن القوى بين الطبقات، وساحة تُدار فيها معارك تُحدّد مصير الطبقة العاملة لا في شروط عملها فقط، بل في قدرتها على الوجود بوصفها فاعلًا سياسيًا مستقلاً.

إنّ تقسيم السلطة لأجهزتها إلى أدوات قمع مباشر كالعسكر والشرطة، وأخرى ناعمة كالمؤسسات الثقافية والدينية والنقابية، لم يكن يوماً بريئاً. فحين تُختزل النقابة في مجرد هيئة مطلبية تدير الفقر ولا تُهدد أسبابه، فإنها تنقلب من أداة تحرر إلى وسيلة لإعادة إنتاج السيطرة الطبقية. وهذا هو بالضبط الدور الذي أدّته النقابات الرسمية في ظل الدولة السودانية التابعة، خصوصاً تحت حكم الجبهة الإسلامية القومية، حيث تم تدجينها بالكامل وتحويلها إلى أذرع بيروقراطية تخدم النظام، وتُفرغ التنظيم العمالي من كل مضامينه الثورية. وقد شكّل قانون 2010 ذروة هذا الانقلاب على الاستقلالية النقابية، حين منح الدولة سلطة تشكيل النقابات وحلّها، وفرض وصايتها على مجمل العملية التنظيمية، عبر آلية اللجان التمهيدية. لم يكن هذا القانون وليد الحاجة إلى تنظيم، بل وليد الحاجة إلى كسر كل تنظيم مستقل.

إن الوظيفة السياسية لهذا القانون تتجاوز النصوص إلى البنية الطبقية التي يمثلها، فهو يُعبّر عن منطق دولة رأسمالية طفيلية تعادي التنظيم المستقل لأنه يُهدد جوهرها، لا إدارتها. وقد تواصل هذا المنطق خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط البشير، حين تم الالتفاف على قانون 2020 الذي صاغته لجان محامين تقدميين وناشطون نقابيون مستقلون، وظلّ حبيس الأدراج، بينما استُعيدت عملياً البنية الترويضية ذاتها: لجان غير منتخبة، نقابات صورية، وبيروقراطية نقابية تربت في حضن النظام القديم. ومع اندلاع الحرب في أبريل 2023، تضاعف هذا الاتجاه، فتمّت تصفية مساحات التنظيم القاعدي، وترويج الخطاب الخدمي – الإصلاحي، ومنع أي محاولة لبناء نقابات مقاتلة.

في ضوء ذلك، لا يمكن النظر إلى المعركة النقابية كمعركة مطلبية، أو كصراع قانوني محض. إنها معركة على من يُنظّم مَن، ولأي غرض. من هذا المنطلق، لا يكون النضال من أجل نقابة مستقلة نضالًا في الهامش، بل في قلب المشروع الثوري. فإما نقابة مقاتلة تنبثق من وعي طبقي جذري، وتربط بين الأجر والسلطة، بين المطلب السياسي والاجتماعي، وإما تكرار لنفس دائرة الترويض المفرغة. ولهذا، فإن النقابات في الموانئ، وفي السكة حديد، والتعليم، والصحة، والنقل، ليست قطاعات مشتتة، بل جبهات يمكن لها – إذا ما توحدت – أن تُحدث صدعًا في بنية الهيمنة.

السلسلة التي نقدمها لا تستهدف استعادة النقاش حول الإصلاح النقابي أو تحسين الأداء المؤسسي، بل تسعى إلى تفكيك بنية النقابة كجهاز سياسي طبقي، وإلى إعادة تعريف دورها في المشروع الثوري. وهي تُكتب انطلاقًا من مسلمات لا بد من إعلانها منذ البدء: أن النقابة ليست محايدة بل تعكس ميزان القوى، وأن القانون لا يُصلح بل يُنتزع، وأن التنظيم العمالي لا يولد من رحم الدولة بل في مواجهتها، وأن فصل النضال الاقتصادي عن السياسي جريمة تاريخية تُعيد إنتاج الخضوع، وأن الاستقلالية الطبقية ليست موقفًا أخلاقيًا، بل ضرورة مادية لبناء أداة تحرر. فحين لا تملك الطبقة العاملة تنظيمها المستقل، فإنها تُستخدم ضد مصالحها باسم التمثيل، وحين لا يكون للنقابة مشروع سياسي تحرري، فإنها تصبح مجرد وسيط بين العامل وجلاده.

إن معركة النقابات في السودان اليوم، هي معركة ضد المنظومة الرأسمالية الطفيلية بكاملها، لا ضد بعض ممثليها. ولذلك، فإن مستقبل الحركة النقابية لن يُحسم في البرلمان، بل في الشارع، وفي مواقع العمل، وفي قدرات العمال على التنظيم من أسفل. إنها ليست معركة تحسين شروط الاستغلال، بل معركة تحرير شامل من نظام يُنتج الفقر، ويُحرّم التنظيم، ويُشيطن الثورة. من هنا تبدأ السلسلة، ومن هنا يجب أن يُعاد التفكير في كل ما يسمى "إصلاحًا نقابيًا".

"لا يمكن تحرير الطبقة العاملة إلا بوسائل الطبقة العاملة ذاتها، وبقيادة تنظيمها المستقل، وباستقلالها عن الدولة."

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -البيضاء-: الغموض كتكتيك مقاومة ضد الحداثة التشخيصية
- الفراغ المعبأ بالحزن
- خطاب الكراهية الجزء العاشر والأخير: من الكلمات إلى السلطة: ا ...
- آلة الوعي الزائف: وسائل التواصل كأداة قمع طبقي
- 9. نحو خطاب تحرري بديل: من هندسة الكراهية إلى هندسة الوعي
- 8. خطاب الكراهية والعدالة الانتقالية: من طمس الجريمة إلى إعا ...
- كشة (1) لم يمت: الوعي الماركسي في وجه الثورة المضادة
- يامنة: تطواف على جناح الحنين المقاوِم
- 7. البرجوازية الصغيرة وخطاب الكراهية: بين الخوف والانتهازية
- 6. مناهضة خطاب الكراهية: من الوعي إلى السلطة
- المثقف الطرفي في فضاء ما بعد الاستعمار
- اللاعنف كأداة إمبريالية: تفكيك وهم التغيير السلمي في الثورة ...
- 5. اقتصاد الكراهية: كيف تتحول الأيديولوجيا إلى سلعة في السوق ...
- صمت الفلوت وهستيريا العنف
- 4. بنية إنتاج الكراهية في السودان
- 3. خطاب الكراهية ضد النساء: الجندر كساحة للصراع الطبقي في ال ...
- 2. لجان المقاومة وتفكيك الكراهية: من الوعي الشعبي إلى الفعل ...
- تفكيك ٱلة الكراهية: المهمة الثورية للوعي الطبقي
- لا ثورة بلا قطيعة، ولا يسار بلا عدو طبقي
- القذيفة لا تُنهي الدرس


المزيد.....




- للعراقيين 25 مليون دينار سلفة بالتقسيط طويل الأجل 5 سنوات لل ...
- “جددها الآن بدوسة واحدة” خطوات تجديد منحة البطالة الجزائر 20 ...
- كيفية التقديم في منحة البطالة بالجزائرية 2025 والشروط اللازم ...
- اكبر نقابة بريطانية تصوت لصالح حظر تصدير الأسلحة لكيان الاحت ...
- تداعيات حرق العمال الكردستاني أسلحته على -قسد-
- نقابة المعلمين الأميركيين تصوت على قطع علاقاتها مع رابطة مكا ...
- تبكير صرف مرتبات الموظفين شهر يوليو 2025 بالزيادة السنوية ال ...
- السودان: نتعامل بجدية وشفافية مع مزاعم واشنطن باستخدامنا الأ ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد صياغة سوق العمل العالمي
- مقاتلو العمال الكردستاني يبدؤون تسليم أسلحتهم في العراق


المزيد.....

- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - النقابات في السودان – من أدوات الترويض إلى جبهات الثورة