أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - «بيت برناردا ألبا»: المأساة الطبقية في عباءة الشرف














المزيد.....

«بيت برناردا ألبا»: المأساة الطبقية في عباءة الشرف


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 08:18
المحور: الادب والفن
    


لا يمكن قراءة مسرحية فيدريكو غارثيا لوركا الأخيرة قراءة جمالية منفصلة عن سياقها الماديّ، فكل تفصيلة في النص تفضح جهازًا أيديولوجيًّا يُعيد إنتاج القمع الطبقي عبر سلطةٍ أبويةٍ متخشّبة. المنزل المغلق الذي تُحتجز فيه بنات برناردا تحت ثمانية أعوام من الحِداد يمثّل مجتمعًا إقطاعيًّا-برجوازيًّا يدّعي النقاء بينما تراكم داخله تناقضات جندرية-اقتصادية قابلة للاشتعال. ما يبدو صراعًا على «الشرف» ليس إلا غطاءً فوقيًّا لحماية علاقات الملكية (الميراث) التي تحدّد نصيب كلِّ فردٍ من السلطة والثروة، مؤكِّدًا أطروحة ماركس عن أن البنية التحتيّة الاقتصاديّة توجّه الوعي الاجتماعي.

في قلب هذا البناء تقف برناردا ألبا، ممثِّلة البرجوازية الريفية الصغيرة (مالكو الأراضي المتوسطة الذين يستمدّون مكانتهم من السمعة لا من رسملةٍ صناعية). تمسك بالحِداد الطويل بوصفه تقنيةَ ضبطٍ تسدّ منافذ التغيير أمام البنات وتحافظ على «رأس المال الرمزي» للعائلة. حتى حين تدفع أمَّها العجوز إلى العزلة القسرية إنّما تفعل ذلك لتحصين صورة واجهتها الطبقية من أي صدعٍ يكشف هشاشتها.

غير أن بنات برناردا، وبخاصة أصغرهن أديلا، يقبعن في موقع اضطهاد مزدوج: قهرٌ داخلي تمارسه الأم، وقهرٌ خارجي يجسّده المجتمع الكنسي-الأبوي. وفي غياب استقلالٍ اقتصاديٍّ تتحوّل الأنثى إلى «سلعة» تُساوِم بها العائلة على مزيد من الثبات الطبقي. هنا تومض الرغبةُ الجنسية بوصفها وعيًا طبقيًّا أوّليًّا: فتمرد أديلا إدراكٌ بأن الحرية لا تُمنَح بل تُنتَزع. لكنها تُناضل وحدها، فلا طبقةً تحتضن ثورتها ولا جماعةً تسند صرختها، فيغدو انتحارها صرخةً أخيرة ضد نظامٍ لا يترك خيارًا للحرية سوى الموت. هكذا يكشف فعلها حدود التحرر الفردي داخل بنيةٍ تستمد سطوتها من تحويل المتمردين إلى جثثٍ أو أشباحٍ يُنكَر وجودها.

الربط بين اضطهاد المرأة واستغلال الطبقة العاملة يبرز عبر شخصية بونسيا والعاملات في الحصاد: فبونسيا ــــ وهي خادمةٌ فلاحية تتعرّف إلى مظالم البيت ــــ تحمل وعياً مشوشًا (ما يسميه غرامشي «الوعي التوفيقي») يتيح لها انتقاد بنية القهر والاضطلاع، في الوقت نفسه، بدور الرقيب الذي يؤمّن استمراريتها. هكذا تتجلّى وحدة مصلحة النظام في إخضاع المرأة والبروليتاريّ على حدّ سواء، فكلاهما يُحرَم من السيادة على جسده ونتاج عمله، وإن اختلفت أدوات القمع.

«بيبي إل رومانو» بدوره وجهٌ للذكورة البرجوازية الانتهازية؛ يخطب الابنة الكبرى أنغوستيا من أجل مهرها بينما يلاحق أديلا بدافع الرغبة، قبل أن يفرّ عند أول اختبار. إنّه تحوّل جسديّ للمنطق الرأسمالي: انتهاز الفرص وتعظيم الربح بلا محاسبة في ظل تحالف غير مكتوب بين البطريركية والملكية.

على مستوى أبعد، ترتبط المأساة بمصير لوركا نفسه الذي اغتاله الفاشيون صيف 1936، أي بعد أشهرٍ من إتمام المسرحية. مثل أديلا، دفع الشاعر حياته ثمنًا لتمرده على نظامٍ طبقي-قومي-ذكوريّ يخشى الصوت المختلف؛ وهو ما يضفي على النص بعدًا ذاتيًّا يربط الفنّ بالصراع الاجتماعي وصلابة السلطة بنزعتها التدميرية.

تُغلق المسرحية على صرخة برناردا: «ابنتي ماتت عذراء!». إنها محاولةٌ يائسة لإعادة كتابة الواقع وفق منطق السيطرة الذي يفضّل دفن الحقيقة على الاعتراف بانهيار شرعيته. وهنا يتجلّى جوهر النص: مجتمعٌ يحتضر لأنه يختار الإنكار والقمع بدل مواجهة تناقضاته البنيوية. من البيت-السجن في ريف الأندلس ينبثق تحذيرٌ عالميّ: كل بنيةٍ تمنع الأجساد من الاحتفاء بالحياة ستشهد عاجلًا أم آجلًا انفجارًا يقضّ أركانها.

"حين تُقمع الرغبة، لا يموت الجسد فقط، بل تموت معه إمكانية الثورة."

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 5. البيروقراطية النقابية: طبقة طفيلية تعيش على تناقضات العما ...
- من العجز إلى البصيرة الطبقية: قراءة في القوقعة الفارغة للمجذ ...
- 4. اللجان التمهيدية: اختراق الدولة لجسد الطبقة العاملة
- عندما تغيب شمس الحق: ديالكتيك الثورة في أغنية الجنوب اللبنان ...
- 3. القانون النقابي – عندما يصبح التشريع أداة قمع برجوازية
- تشريح الحلم الممنوع: -قارئة الفنجان- كمرآة للهزيمة الجماعية
- 2. النقابة في مرآة الهيمنة الدولية - من الشرعية الأممية إلى ...
- النقابات في السودان – من أدوات الترويض إلى جبهات الثورة
- -البيضاء-: الغموض كتكتيك مقاومة ضد الحداثة التشخيصية
- الفراغ المعبأ بالحزن
- خطاب الكراهية الجزء العاشر والأخير: من الكلمات إلى السلطة: ا ...
- آلة الوعي الزائف: وسائل التواصل كأداة قمع طبقي
- 9. نحو خطاب تحرري بديل: من هندسة الكراهية إلى هندسة الوعي
- 8. خطاب الكراهية والعدالة الانتقالية: من طمس الجريمة إلى إعا ...
- كشة (1) لم يمت: الوعي الماركسي في وجه الثورة المضادة
- يامنة: تطواف على جناح الحنين المقاوِم
- 7. البرجوازية الصغيرة وخطاب الكراهية: بين الخوف والانتهازية
- 6. مناهضة خطاب الكراهية: من الوعي إلى السلطة
- المثقف الطرفي في فضاء ما بعد الاستعمار
- اللاعنف كأداة إمبريالية: تفكيك وهم التغيير السلمي في الثورة ...


المزيد.....




- دنيا سمير غانم تعود من جديد في فيلم روكي الغلابة بجميع ادوار ...
- تنسيق الجامعات لطلاب الدبلومات الفنية في جميع التخصصات 2025 ...
- -خماسية النهر-.. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد
- لهذا السبب ..استخبارات الاحتلال تجبر قواتها على تعلم اللغة ا ...
- حي باب سريجة الدمشقي.. مصابيح الذاكرة وسروج الجراح المفتوحة ...
- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - «بيت برناردا ألبا»: المأساة الطبقية في عباءة الشرف