أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عماد حسب الرسول الطيب - قدمت لهم الوعي ما استطعت














المزيد.....

قدمت لهم الوعي ما استطعت


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8409 - 2025 / 7 / 20 - 08:17
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


كان عبد الخالق محجوب قامة لا تنحني أمام الفواجع، ومشهداً متمرداً على كسل اللغة، وشعلة أضاءت لأجيال كاملة درب التحول من العبودية إلى الحرية. لا يُختصر في لقب ولا يُؤرخ له كحدث، ولكن يُروى كما تُروى الأساطير التي تصير تاريخاً حين تتجذر في وعي الجماهير. هو الرفيق الذي لم يُرِد مجداً شخصياً، بل أراد للشعب أن يعانق مجده الجمعي بالوعي، وبالوعي فقط.

كان عبوره في الزمن السوداني عميقاً كجذر، يراكم المعنى داخل كل خلية في جسد الكادحين. لم يكن صانعاً للشعارات بل مفككاً لأقفاصها، لم يكن عرّاباً للخطابة، وإنما مهندساً للمعنى في خطاب الجماهير. حين كتب، كتب مثل من ينقّب في صخر الأوهام ليُخرج الماركسية من قوالب التبعية ويزرعها في تربة السودان. ماركسيته لم تكن صدىً لما كُتب في موسكو، بل كانت تجربة فكرية نحتها من صراع الطبقة العاملة في السكة الحديد، من تمرد المزارعين على السخرة، ومن أغاني البنات في أزقّة العباسية.

رآه الشعراء قبل أن تراه الدولة. كتب فيه أسامة الخوّاض: "كان عبد الخالق جملة من الضوء، جملة من الوعي المتّقد، رجلٌ يتقدّم الصفوف دون أن يعلو الصوت." رثاه محجوب شريف لا كميت، بل كذاكرة لم تمُت: "وسط الناس نزل بالحزب الشيوعي، ومن كل الزوايا، ولّي ما لا نهاية." أما جيلي عبد الرحمن، فقد جعله ساريةً للناس الذين لا يهابون المشنقة لأنهم ولدوا ليصنعوا التاريخ لا ليرثوا جثثه.

خرج عبد الخالق من عَرق العمال، من اعتصامات عمال السكة حديد في عطبرة، من تمرد عمال الغزل والنسيج، من تماهيه مع تلاميذ المدارس وهم يتهجون أبجديات الثورة على هوامش الكراسات. لم يكن منظرًا من برج عاجي، بل صانعًا لتكتيك الجماهير، لا يفاوض على نصف الحقوق، ولا يؤمن بأنصاف الحلول.

حين سئل: "ماذا قدمت لشعبك؟"، أجاب كما يجيب من يعرف الفرق بين الفعل والضجيج: "قدمت لهم الوعي ما استطعت." لم تكن الإجابة دفاعاً، بل مشروعاً بأكمله في سطر. لم يَعِدهم بالثورة، بل علّمهم أدواتها. لم يمنحهم النصر، بل مهّد لهم الطريق إليه. وحين ارتقى إلى المشنقة، فعلها بكرامة المفكر، وببسالة المقاتل، وبصمت العارف أن موت الوعي مستحيل ما دامت الطبقة موجودة.

لقد كان في كلماته ما هو أكثر من البلاغة، كان فيها نبض ماركس وهو يعيد صياغة الواقع عبر أدوات التحليل الطبقي. في كتاباته كان التناقض الأساسي واضحًا كالشمس، وكان انحيازه للفقراء ليس انفعالًا ولا حسًا أخلاقيًا بل موقعًا ماديًا في الصراع. حتى في لحظة الشهادة، لم ينكسر، لم يساوم، لم يُطالب بالعفو، بل صعد للموت كما يصعد المقاتل لآخر معركة.

تجلّت صورته في قصائد أمل دنقل حين كتب: "المجد للشيء الذي لا يموت"، وفي صوت سميح القاسم حين صرخ: "أنت تبدأ حين ينتهي الآخرون"، وفي صبري شامخ وهو يهمس: "من قال أن المشنقة تُنهي الحكاية؟ هي تفتح السطر الأول في كتاب الثورة".

عبد الخالق لم يكن ذلك الشهيد الذي يُبكى، بل الذي يُستدعى كلما احتجنا إلى قنديل في النفق. لم يمنحنا أجوبة جاهزة، بل أعطانا أدوات النقد، منهج التحليل، وشرارة الشك المبدع. علمنا أن لا ثورة بلا نظرية ثورية، ولا نضال بلا تنظيم، ولا نصر بلا وعي طبقي يقلب موازين السيطرة من أسفل.

وهكذا ظلّ بعد موته حيًّا بيننا. فقد كان فكرة. فكرة التحرر، وفكرة التنظيم، وفكرة أن الإنسان لا يولد حرًا بل ينتزع حريته عبر النضال.

من أراد أن يفهم عبد الخالق، فعليه أن ينزل إلى لجان المقاومة، إلى ورش النقابات، إلى اجتماعات التثقيف، إلى النقاشات الحادة حول التكتيك والاستراتيجية، هناك فقط يُمكنه رؤية الرفيق.

في كل عامل يمد يده نحو "الوعي"، في كل عاملة تنظّم زميلاتها، في كل طالب يصرخ ضد الإمبريالية، في كل زنزانة يُكتب فيها منشور … هناك، يتجلى عبد الخالق.

"لا تحفروا لي قبراً... سأصعد مشنقتي وأغسل بالدم رأسي وأطبعها نجمة فوق واجهة العصر"

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروع بلا طبقة: وهم التغيير الجذري في خطاب النخبة التنموية
- 10. نقابات الظل: التنظيم في اقتصاد اللا-نظام
- قصائد تشبه الناس
- 9. من التمثيل النسائي إلى التنظيم الجندري الثوري
- 8. من النقابة إلى الجبهة الطبقية: وحدة القطاعات في وجه الرأس ...
- عرائس ضد الخضوع
- حينما يصبح صوت المرأة أداة للثورة
- 7. مستقبل النقابات: لا إصلاح بلا ثورة ولا ثورة بلا تنظيم طبق ...
- الأب فاريا: المعرفة المصادَرة وبذرة الوعي الطبقي في «الكونت ...
- 6. النقابات والثورة: من أكتوبر إلى ما بعد ديسمبر
- «بيت برناردا ألبا»: المأساة الطبقية في عباءة الشرف
- 5. البيروقراطية النقابية: طبقة طفيلية تعيش على تناقضات العما ...
- من العجز إلى البصيرة الطبقية: قراءة في القوقعة الفارغة للمجذ ...
- 4. اللجان التمهيدية: اختراق الدولة لجسد الطبقة العاملة
- عندما تغيب شمس الحق: ديالكتيك الثورة في أغنية الجنوب اللبنان ...
- 3. القانون النقابي – عندما يصبح التشريع أداة قمع برجوازية
- تشريح الحلم الممنوع: -قارئة الفنجان- كمرآة للهزيمة الجماعية
- 2. النقابة في مرآة الهيمنة الدولية - من الشرعية الأممية إلى ...
- النقابات في السودان – من أدوات الترويض إلى جبهات الثورة
- -البيضاء-: الغموض كتكتيك مقاومة ضد الحداثة التشخيصية


المزيد.....




- حول قرار ما يسمى “بالعباءة الزينبية” زياً رسمياً في بغداد، ا ...
- حول قرار ما يسمى “بالعباءة الزينبية” زياً رسمياً في بغداد، ا ...
- صفحات من التأريخ: الحزب الشيوعي العراقي ، 14 / تموز /1958 و ...
- محتجون في ميلان يطالبون بمقاطعة إسرائيل ووقف المجاعة بقطاع غ ...
- محتجون في ميلان يطالبون بمقاطعة إسرائيل ووقف المجاعة بقطاع غ ...
- الشرطة الألمانية توقف متظاهرين مؤيدين لفلسطين في برلين
- اعتقال متظاهرين مؤيدين لـ-بالستاين أكشن- في بريطانيا بعد تصن ...
- آيت بوكماز: دفاعا عن حق رئيس الجماعة المنتَخب في قيادة الاحت ...
- لماذا لا تحتج نساء الريف على قانون الأحوال الشخصية؟
- بين الحصانة والمطاردة: كيف تُشرعن السلطة الذكورية القمع وتكم ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عماد حسب الرسول الطيب - قدمت لهم الوعي ما استطعت