عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)
الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 08:06
المحور:
الادب والفن
جاء صوت فلوت حافظ عبد الرحمن من صميم الشقاء، من عمال الموانئ، من الشوارع المغبرة، من أنين الأسر الكادحة. تعلّم من قسوة الواقع، علّمه صوت القهر معنى النغمة الحادة والنافذة. استنطق حافظ الفلوت فانساب صادحا بالتمرّد وشاديا بالحرية.
كانت "الأيام الخالدة" صرخة مكثّفة ضد المحو، وقفة احتجاج مضمّخة بحنين طبقي. كل نغمة فيها تحمل ذكرى شهداء، وتجارب منفية، وصبر قادم من الهامش ليمثل ذاكرة نضال مفتوحة على المعركة.
لم ينفصل الفن في تجربته عن الشارع، فحمل الفلوت روحه إلى التجمعات، إلى المخابز، إلى نداءات المعتقلين. سلك طريقًا معاكسًا للسائد بلا جوقة خلفه، ولا مهرجانات، ولا تمجيد فرداني. وقف حافظ بشغف الهاوي وإيمان الثوري، وصنع جمالًا لا يُجامل أحدًا.
وصلت نغماته إلى قاعات الغرب دون وساطة تصالُحية، ودون سعيٍ للاندماج في ذائقة المستعمِر القديم، فقد ظل يحمل لهجة الأرض بوضوحٍ لا يُغري السوق، ويُصرّ على إيقاع الرفض كتوقيع لا يُزيّف. لم يدخل مهرجانات التصنيف العالمي، لم يُقايض فنه على موائد المؤسسات الثقافية، لم يشارك في ألعاب التلميع. كل نغمة كانت تمرّدًا على النظام الموسيقي السائد، ومواجهةً مفتوحة مع مركز القرار الثقافي العالمي.
الفلوت، في يده، صار أداة احتجاج. لا أداة للتزويق، بل آلية إدانة. مثل شجن الفلوت رغبة جذرية في قلب الكائن. لم ينفصل الصوت عن اليد العاملة، عن المزارع والمصانع، عن النضال الطلابي والنسوي والمطلبي. حمل الفلوت كأنه يحمل منشورًا ثوريًا لا تُقرأ كلماته، بل تُسمَع.
"همس الأنامل" و"حتى نلتقي" تحوّلت إلى شعارات داخلية للآلاف. بقيت كانها لحظات تحريض عاطفي حارق. الفن عند حافظ كان التزامًا يوميًا في معسكر الضعفاء. الجمال امتزج بالفعل. لم يعرض حساسية مجردة، بل كشف شراسة الروح الشعبية.
لم يسعَ للاحتراف، ولم يحتج إلى نجومية، فقد كرّس نفسه لمهمّة أوضح: تجذير الأمل عند المهمّشين. اختار صفًا لا يغفر التردّد، صفًا يواجه ولا يُناور. لا حياد في صوته، لا توافقات، لا منطقة رمادية.
اختار حافظ أن يكون فنه سلاحًا، أن يربك، أن يثير، أن يعاند، ان يفجر نقطة الالتقاء بين الجمال والمقاومة.
"الثقافة التي لا تُزعزع، لا تنتمي إلى شعبٍ حر"
النضال مستمر،،
#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)
Imad_H._El_Tayeb#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟