أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - شيبوب: تمجيد الإنسان المغيَّب في بطولات السادة














المزيد.....

شيبوب: تمجيد الإنسان المغيَّب في بطولات السادة


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 08:30
المحور: الادب والفن
    


شيبوب بن زبيبة، الأخ غير الشقيق لعنترة، هو أحد المنسيين، فاعل حاسم في كل مفترق، خاض معركته ضد المحو بإخلاص نادر، وعقل يقظ، وولاء يحدّده الوعي الطبقي المتجذر. وُلد عبدًا من رحم جارية، في مجتمع يرى في الأمّ وصمة وفي ابنها عبئًا. لم يستسلم لوصمة المولد، بل أعاد تشكيل موقعه، من تابع إلى حارس، من مسحوق إلى من يحول دون سحق الآخرين. رسمت الأسطورة عنترة بينما كان شيبوب واقفًا خلف المشهد يراقب، يُنذر، يُخطط، يُنقذ، ويُطلق السهم الأخير الذي يقلب الموازين. كلما خرج عنترة من موت محقق، كان خلفه شيبوب. لم تُمنح له الفروسية، صنع لنفسه سلاحًا آخر: القوس والسهم، أداة المهمّشين، من لا يُسمح لهم بالمبارزة، ولا يغادرون ميدان الصراع. في إحدى الروايات، حين غدر فرسان عبس بعنترة، اخترق سهم شيبوب صدر أحدهم من بعد، فانقلبت الموازين، وخرج عنترة حيًا من المأزق. ذلك السهم كان إعلان وجود مدوٍّ، وجود لا تعترف به القبيلة، تثبته الوقائع الميدانية التي لا يمكن إنكارها.

كل لحظة صمت من شيبوب كانت فعلًا واعيًا ومقصودًا. أدرك حجم فخاخ البطولة التي يُساق إليها العبيد ليُقتلوا دون أن تُذكر أسماؤهم أو بطولاتهم. في حوار بينه وبين عنترة، قال له: "هؤلاء لا يهمّهم أن تكون بطلًا، بل يريدونك قتيلًا في ميدان لا يليق بك." جملة طبقية صريحة: المرويات الرسمية تعلي من يُقتل من أجلها، لا تذكر من أنقذها أو صنع انتصارها في الخفاء.

ماركسيًا، يمثل شيبوب الصورة الحقيقية للبروليتاري داخل ملحمة تمجيد الفارس الأرستقراطي. عنترة، رغم عبوديته، كان استثناءً فرض نفسه بالقوة، فانتزع الاعتراف من أسياده. شيبوب ظل خارج كل أشكال الاعتراف الرسمي. لم يقهر، بل حمى، وخطّط بعناية، وأنقذ الأسطورة. هو المُنتج المنسي، الركيزة الخفية التي تقوم عليها البطولة الفردية دون أن تُشاد لها قصيدة أو تُبنى لها تماثيل. وكما حمل العمّال عبء الثورة الصناعية دون أن تُنسب لهم النهضة، حمل شيبوب عبء صمود عنترة دون أن يُذكر اسمه أو يظهر وجهه في أي تمثال ينسب إليه المجد.

قرر عنترة خوض معركة عبثية ضد أسياد القبيلة، فوقف شيبوب بوعي وثبات بينه وبين الموت. قال له: "لن يكتبوا عنك إن قُتلت، سيقولون مات عبد، ولن يبكوك كما تبكيك أمي." في هذا القول، تنكشف آليات محو الضعفاء من سرديات القوة. ذلك التحذير فهم جذري لمعادلة التضحية والاستثمار الرمزي الطبقي: الدم لا يكفي لصناعة المجد إن لم يكن دمًا نبيلاً، والبطولة تسويق طبقي لصورة المنتصر المُهيمن. لا يهم من أنقذته، بل من زفّته القصائد.

شيبوب هو عامل النظافة الذي يموت في حرب الجنرالات، والعامل الموسمي الذي يُسحق في معسكرات الثوار، والممرضة التي تنقذ المصابين في انتفاضة لا يذكرها البيان الختامي. هو من يدفع الكلفة دون أن يُقرن اسمه بشرف، فالنظام الطبقي لا يرى البطولة إلا من موقع السادة.

شيبوب هو البنية التحتية لصمود عنترة والحقيقة النقيضة للأسطورة الرسمية، الفعل الجماعي الصامت الذي ينهض بغير اسم، مقابل المجد الفردي الزائف الذي يُصدَّر بالدم والنسب. شيبوب، وإن أنكرت القبيلة صنيعه، فقد فضحها بجلاء: أظهر أن البطولة لا تحتاج نسبًا، وأن الوفاء لا ينتظر تمجيدًا، وأن أقوى من في الساحة قد يكون من لا تُكتب عنه الأبيات، بل من يصنع التاريخ بصمته وفعله.

"لا نبحث عن أبطال، بل عن جماهير لا تخون وعيها."

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 17. مجاز العتمة والمرآة المعتمة: حين تكتب الوثيقة سرديتها عل ...
- لوركا: صوت الطبقة، سلاح ضد القمع
- 16. وحدة من؟ وبناء ماذا؟ تفكيك خطابي لمفاهيم غامضة بلا مضمون ...
- المؤسسة الكنسية كأداة طبقية في -زوربا اليوناني-
- 15. أزمة البرنامج والنظرية: غياب المشروع النقابي الثوري
- 14. كتابة بلا صراع، سرد بلا مساءلة: مأزق الذاكرة النقابية ال ...
- قمع الطبقات الصاعدة بأدوات متبدلة
- يا ظريف الطول: الأغنية التي حملت الوطن على كتفيها
- 13. من يكتب تاريخنا؟ دراسات بلا قاعدة وتنظير بلا جذور
- فلوت الطبقة لا النخبة
- 12. تأريخ ناقص، وعي مأزوم: في نقد التصور التاريخي لتجربة الح ...
- 11. رافعة وليس بديلا
- قدمت لهم الوعي ما استطعت
- مشروع بلا طبقة: وهم التغيير الجذري في خطاب النخبة التنموية
- 10. نقابات الظل: التنظيم في اقتصاد اللا-نظام
- قصائد تشبه الناس
- 9. من التمثيل النسائي إلى التنظيم الجندري الثوري
- 8. من النقابة إلى الجبهة الطبقية: وحدة القطاعات في وجه الرأس ...
- عرائس ضد الخضوع
- حينما يصبح صوت المرأة أداة للثورة


المزيد.....




- احتجاجًا على الرقابة... فنانة أمريكية تُلغي معرضها في المتحف ...
- نصف قرن من الإبداع - وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني
- البشر يتبنون لغة الذكاء الاصطناعي دون أن يشعروا
- وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني ...ظاهرة فنية فريدة
- المغنّي والمسرحي والمؤلف الموسيقي ونجل فيروز.. رحيل الفنان ا ...
- بانكوك تستضيف مؤتمرا دوليا لتعزيز مكانة اللغة العربية
- وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني عن 69 عاما
- وزير الثقافة اللبناني يحكي الأيام الأخيرة لزياد الرحباني: تض ...
- وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني نجل فيروز عن عمر ناهز 69 ...
- وفاة الفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - شيبوب: تمجيد الإنسان المغيَّب في بطولات السادة