أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - كسلا التي لا ترد التحية: الحب كقهر طبقي في أغنية الحلنقي














المزيد.....

كسلا التي لا ترد التحية: الحب كقهر طبقي في أغنية الحلنقي


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 08:39
المحور: الادب والفن
    


لا توجد مشاعر بريئة في مجتمعٍ تراتبي، حتى الحب يخضع لقوانين غير مرئية تُعيد إنتاج اللامساواة في أبسط تعبيراتها. في قصيدة إسحاق الحلنقي "حبيت عشانك كسلا"، لا نتلقى خطابًا غنائيًا عن الفقد فحسب، بل نواجه نصًا يشفّ عن بنية اجتماعية تنكّرت للمحبّ بذات الأسلوب الذي يتنكّر فيه النظام الطبقي للفرد حين يتجرأ على الحلم. ما يبدو بوحًا عاطفيًا، يُقوّض داخله لغة السيطرة، ويُفصح عن تفاوت شعوري لا يرجع لفشل العلاقة، بل لعدم تكافؤ الموقع الرمزي بين من يُحب ومن يُحب.

"حبيت عشانك كسلا وخليت دياري عشانك"، إعلان خضوع لسلطة جمالية لم تَعِد إلا بالخذلان. الشاعر أُجبر على التخلّي عن طبقته الرمزية. الديار الأولى، في معناها الاجتماعي، كانت موقعه الطبيعي، لكن الحنين دفعه إلى التضحية بها من أجل مدينة يراها أعلى. في هذا الانتقال، لا يحصد سوى النكران. كسلا المدينة، بوصفها تمثيلاً رمزيًا لجمالٍ فوقيّ، ترفض الانتماء لمن لا يملك سوى العاطفة. "جفيت حبيب ما خانك" تعبر عن وعي مشروخ بموقعٍ عاطفي هش، تُدار فيه المشاعر بمنطق غير متكافئ، يهيمن فيه الطرف الأجمل، الأغنى رمزيًا، ويُقصى فيه من يملك الحب ولا يملك الامتياز.

القصيدة تنطق من موقع مغلوب، لا يحتج لكنه ينسحب. "أنا تاني ما بتلقاني يوم في طريقك ماش" فيما يمثّل موقفًا سياسيًا من التهميش العاطفي. المغادرة نفسها فعل تفكيك لعلاقة لا يمكن لها أن تُعاد إنتاجها في شروطها الأولى. حتى حين يعود الشاعر إلى الطبيعة، لا يجد فيها عزاءً، بل شواهد على الانكسار. "صوت السواقي الحاني" تحوّل إلى تذكيرٍ بماضٍ بلا مقابل، و"علي الرمال آثارك" تقف كبصمة قوة هجرت وخلّفت أثرها في أرض لا تخصها.

القصيدة تسير في انحدار تدريجي نحو الانطفاء. البهجة تنقلب إلى ندم، والزمن إلى عبء، والمكان إلى جرح مفتوح. كل مفردة تمثّل مفصلًا من مفاصل الخسارة. "المني قلبك يقسى يرخص غلاوة الريد"، والرخص هنا ليس مجازًا بل إعادة إنتاج حرفية للعنف الرمزي، حيث تُداس العاطفة لأنها لم تصدر عن موقع مسموع. الحب يُهان لأنه جاء من خارج منظومة الامتياز العاطفي، وحين يقول "والحب عذاب في كسلا"، فإنه لا يصف ألمًا وجدانيًا، بل يعلن أن المدينة الجميلة ليست محايدة، وأن الجمال حين يحتكر موضع السلطة يُحوّل العاطفة إلى عذاب طبقي.

ما يُستدعى من رموز المكان — القاش، التاكا، السواقي — لا يُفعل كشعرية جمالية، بل كمؤشرات على تراتبية صامتة. المدينة تظلّل النص لكنها لا ترحّب بصاحب الصوت، تمامًا كما يفعل النظام الطبقي مع من يحلمون بأدوار أكبر مما يُراد لهم. البسمة في القصيدة ليست وعدًا، بل فخ، و"فرحة ليالي الريد" ليست فرحة، بل لحظة وعي مرير بأن "علي عمر عدى وفات" دون مقابل، دون اعتراف، دون حتى تحيّة.

في نظام كهذا، لا يمكن للحب أن ينجو، لأنه لا يُنتج في فضاء متكافئ. العاطفة تتحوّل إلى أداة لتثبيت التفاوت، لا لتجاوزه. القصيدة لا تحتفل بالحبيبة ولا بالمدينة، بل تشيّع الحلم المكسور، وتعلن أن حتى الحب، حين يُولد في ظروف غير عادلة، لا يُكتب له البقاء. إسحاق الحلنقي لا يكتب عن امرأة، بل عن نظام رمزي لا يقبل سوى من يأتون من داخل امتيازاته، ويقصي من يحاول الدخول إليه من الخارج، ولو كان ذلك باسم الحب.

"في عالم محكوم بتراتبية لا ترحم، يكون الجمال وسيلة للإقصاء، والحب شكلًا من أشكال القهر الرمزي."

النضال مستمر،،

القصيدة:

كلمات إسحاق الحلنقي
لحن وغناء التاج مكي

حبيت عشانك كسلا
خليت دياري عشانك
وعشقت أرض التاكا
الشاربة من ريحانك
ظلم الزمان الخاني
ياريتو لو كان خانك
ليه جرت وإتنكرت
لي الساب ديارو عشانك
قدر عشانك كسلا

كلمني قول ليا
فاكر ليالي القاش
لما الحنين عاودني
بعطفك الجياش
جفيت حبيب ما خانك
من نور بسيمتك عاش
أنا تاني ما بتلقاني
يوم في طريقك ماش
قاصد مكان في كسلا

صوت السواقي الحاني
ذكرني ماضي بعيد
وعلى الرمال ٱثارك
طرتني ليلة عيد
ألمني قلبك يقسى
يرخص غلاوة الريد
باقي الطريق بمشيهو
خليني فيهو وحيد
الحب عذاب في كسلا

فرحة ليالي الريد
ونداوة البسمات
خلتني أبكي وأندم
على عمر عدي وفات
حسرة سنيني الراحت مابترحمها الجايات
ندمان عليك يا عمري
ندمان علي الكلمات
على كل ريد في كسلا



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 18. من تنظيم الطبقة إلى طبقة التنظيم: انزلاق الوعي النقابي
- شيبوب: تمجيد الإنسان المغيَّب في بطولات السادة
- 17. مجاز العتمة والمرآة المعتمة: حين تكتب الوثيقة سرديتها عل ...
- لوركا: صوت الطبقة، سلاح ضد القمع
- 16. وحدة من؟ وبناء ماذا؟ تفكيك خطابي لمفاهيم غامضة بلا مضمون ...
- المؤسسة الكنسية كأداة طبقية في -زوربا اليوناني-
- 15. أزمة البرنامج والنظرية: غياب المشروع النقابي الثوري
- 14. كتابة بلا صراع، سرد بلا مساءلة: مأزق الذاكرة النقابية ال ...
- قمع الطبقات الصاعدة بأدوات متبدلة
- يا ظريف الطول: الأغنية التي حملت الوطن على كتفيها
- 13. من يكتب تاريخنا؟ دراسات بلا قاعدة وتنظير بلا جذور
- فلوت الطبقة لا النخبة
- 12. تأريخ ناقص، وعي مأزوم: في نقد التصور التاريخي لتجربة الح ...
- 11. رافعة وليس بديلا
- قدمت لهم الوعي ما استطعت
- مشروع بلا طبقة: وهم التغيير الجذري في خطاب النخبة التنموية
- 10. نقابات الظل: التنظيم في اقتصاد اللا-نظام
- قصائد تشبه الناس
- 9. من التمثيل النسائي إلى التنظيم الجندري الثوري
- 8. من النقابة إلى الجبهة الطبقية: وحدة القطاعات في وجه الرأس ...


المزيد.....




- فنان جزائري: أحاول بلوحاتي إنقاذ أرواح شهداء غزة من النسيان ...
- غابور ماتي يفضح -الصدمة المستمرة- في فلسطين وينتقد الصمت الغ ...
- -عالم الديناصورات: إحياء-… حين تصبح العودة إلى الماضي موتًا ...
- من إسطنبول إلى عمّان.. هكذا تصنع زينب وعيا معرفيا بقضية القد ...
- مهرجان اللغة العربية الثامن في الخليل.. عين على غزة وعين على ...
- إطلاق خطة شاملة لإحياء السينما المصرية.. ما تفاصيلها؟
- رضوان لفلاحي: -لا شيء ممهَّد لشباب الضواحي في فرنسا كي يدخلو ...
- غاليري 54.. بورتريهات من ضوء، ألوان تتسابق وذاكرة تتمهل الزم ...
- رحيل فنان لبناني كبير والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تنعاه!
- احتجاجًا على الرقابة... فنانة أمريكية تُلغي معرضها في المتحف ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - كسلا التي لا ترد التحية: الحب كقهر طبقي في أغنية الحلنقي