أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - 4. الهيمنة على الوعي الطبقي: أدواتها، آثارها، وسبل المواجهة الثورية














المزيد.....

4. الهيمنة على الوعي الطبقي: أدواتها، آثارها، وسبل المواجهة الثورية


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8435 - 2025 / 8 / 15 - 11:07
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الوعي الطبقي هو ميدان صراع حيّ تتواجه فيه الطبقة العاملة وحلفاؤها ضد الدولة البورجوازية في صيغتها الكلاسيكية أو الكمبرادورية التابعة، وضد البيروقراطيات الحزبية وأذرعها الإعلامية والتعليمية، ومنصاتها الرقمية التي تعمل على تفكيك التضامن الطبقي وتدجين النزعات الثورية، في حين ان تمثل الهيمنة على الوعي نتاجا مباشرا للصراع الطبقي ووسيلة لحماية مصالح الرأسمال، عبر إبقاء الجماهير في حالة قبول سلبي لواقع القهر والاستغلال، حسبما يوضح أنطونيو غرامشي أن الهيمنة الثقافية تقوم على إقناع الطبقات المضطهدة بشرعية النظام، فيما يبين لويس ألتوسير كيف تعمل أجهزة الدولة الأيديولوجية – من المدرسة إلى الإعلام – على إعادة إنتاج نفس علاقات السيطرة، ووفق تيودور أدورنو الذي يحدد أن صناعة الثقافة تحوّل النقد إلى سلعة استهلاكية فاقدة للقدرة على التغيير، بينما يكشف إريك فروم آلية تحويل القضايا الجماعية إلى أزمات فردية تُحمَّل مسؤوليتها للضحايا أنفسهم.

تتجلى هذه الهيمنة في الإعلام المعاصر الذي يضخ رسائل تعزل الفرد عن أي انخراط جماعي، فتدفعه للانشغال بإنقاذ ذاته بدل النضال مع طبقته. وذلك من البرامج التي تمجّد الوهم الليبرالي للصعود الفردي مثل "Shark Tank"، إلى مسابقات الغناء التي تبيع حلمًا شخصيًا منزوعًا من أي سياق اجتماعي، وصولًا إلى هاشتاقات على شاكلة (انقذ_نفسك_بنفسك) التي تعيد صياغة التضامن في صورة نصائح فردية للتنمية الذاتية. ويتكامل هذا مع منظومة التعليم التي تُقصي الماركسية وأدوات التحليل النقدي، وتستبدلها بخطاب ريادة الأعمال والتنافسية الفردية، في تكريس مباشر لقيم السوق الرأسمالي. هذا الربط بين الإعلام والتعليم ليس صدفة، بل هو آلية متعمدة لإعادة إنتاج قيم الخضوع والقبول بالنظام، تمهيدًا لترجمتها سياسيًا عبر منظومة القوانين القمعية.

الدولة البورجوازية – أو الطبقة الكمبرادورية التابعة – توظف هذه السيطرة الفكرية لتثبيت بنيانها القمعي، عبر تشريعات "مكافحة الإرهاب" و"تنظيم التظاهر" التي جرى تمريرها في مصر بعد 2013 وتونس والجزائر بعد 2011، فصارت كل محاولة للتعبير الطبقي أو الاحتجاج الجماهيري مهددة بالتجريم والعقاب. هذه البنية القانونية ليست مجرد رد فعل، بل جزء من هندسة أيديولوجية شاملة تبدأ من المدرسة وتمر عبر الشاشات وتنتهي في مراكز الشرطة والمحاكم.

النقابات، التي كانت أدوات نضال تحرري، تم احتواؤها داخل البنية الرأسمالية عبر البيروقراطية النقابية، فاختزلت النضال في تحسين الأجور بدل ربطه بالتحرر الاجتماعي والسياسي. هذه النزعة النقابية الضيقة، التي حذر منها فلاديمير لينين في ما العمل؟، تُبقي الوعي أسير المطالب الاقتصادية وتمنع تطوره إلى وعي ثوري شامل. والتجارب التاريخية تقدم شواهد صارخة: الاتحاد السوفيتي بعد الستالينية حوّل الماركسية إلى عقيدة رسمية جامدة وقمع النقاشات العمالية الديمقراطية، كوبا واجهت عزلة الثورة بتضخم بيروقراطية الحزب، الساندينيستا في نيكاراغوا تخلوا عن شعاراتهم الاشتراكية تحت مسمى "الواقعية الاقتصادية" وصولًا لخصخصة القطاع الصحي؛ حزب العمال البرازيلي انزلق من حزب جماهيري إلى جهاز بيروقراطي متوافق مع مصالح الرأسمال؛ بينما حافظ الزاباتيستا في المكسيك على تواصل مباشر مع القاعدة الشعبية. وفي أفريقيا، تحوّل حزب المؤتمر الوطني في جنوب أفريقيا إلى نخبة مدينية منفصلة عن فقراء الأرياف، أما في العالم العربي، فاستُخدمت شعارات "الوحدة الوطنية" و"الاستقرار" بعد 2011 لتبرير قمع الإضرابات والاحتجاجات العمالية والفلاحية.

الهيمنة الطبقية تمتد كذلك إلى قضايا الجندر والهوية، حيث يتم إبراز "تمكين النساء" في الطبقات الثرية كنموذج وحيد، بينما تُهمَّش العاملات في المصانع والمزارع اللواتي يشكلن القاعدة الحقيقية للنضال التحرري. ويتم الدفع بالفردانية إلى أقصى حدودها عبر ثقافة "أنت سبب فشلك" التي تحمّل الأفراد مسؤولية أزمات خلقها النظام الطبقي نفسه، فتُفرغ قضايا القهر من مضمونها البنيوي وتحولها إلى مشكلات نفسية أو خيارات شخصية، في إعادة إنتاج متجددة لمنطق الرأسمالية النيوليبرالية.

مواجهة هذه المنظومة تتطلب إستراتيجية ثورية متعددة المستويات، لا تكتفي بفضح أدوات السيطرة، بل تبني أدوات بديلة من القاعدة الطبقية نفسها. هنا تكتسب أفكار عبد الخالق محجوب في وثيقة الستينيات "إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير" قيمة متجددة، ليس كأرشيف تاريخي، بل كخطة عملية لتجديد الصلة العضوية بين الحزب والجماهير. النقد الذاتي الصارم، والديمقراطية الداخلية الحقيقية، وربط النظرية بالممارسة، كلها أسلحة فكرية وتنظيمية ضد التكلس البيروقراطي والعزلة عن القواعد الشعبية. تفعيل هذا النهج اليوم يعني إنشاء آليات مراجعة دائمة لكل خطوة تنظيمية، إشراك الجماهير في تقييم القرارات، وفتح المجال لكل صوت ناقد داخل الحركة الثورية، بحيث يتحول النقد من أداة شكلية إلى أداة تغيير فعلي.

إستعادة المبادرة الثورية تمر عبر الإعلام التعليمي المقاوم، المجالس العمالية، الجامعات الشعبية، وإنتاج المثقف العضوي والمثقف الثوري معًا: الأول متجذر في طبقته ينقل وعيها، والثاني يسلحها بالنظرية الثورية والأفق السياسي، كما جسده باولو فريري في البرازيل وعبد الله الحريف في المغرب وفاطمة المرنيسي في مقاربة الجندر من منظور تحرري.

هذه الأدوات لا تنفصل عن مهام الأجزاء اللاحقة من هذه السلسلة، حيث سيتم تحليل آليات البيروقراطية السياسية والنقابية، وسبل إعادة بناء الحركة العمالية على أسس اشتراكية ثورية.

"الحزب الذي لا يتعلم من أخطائه لا يتعلم شيئًا، والحزب الذي لا يستمع إلى الجماهير لا يعرف طريق الثورة."
فلاديمير لينين

"الثقافة هي ساحة المعركة، والمثقفون هم جنودها."
أنطونيو غرامشي

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 3. تسلل البرجوازية الصغيرة إلى الأحزاب الشيوعية: آليات وأدوا ...
- 2. التناقض البنيوي: لماذا تتأرجح البرجوازية الصغيرة بين الثو ...
- 1. البرجوازية الصغيرة: الموقع الطبقي ووظيفتها في الصراع الاج ...
- دم الشهداء لا يجف: من تفكيك منظومة القتل والنهب إلى بناء سلط ...
- من تفريغ الغضب إلى تصفية الوعي
- الثورة بين الشعارات والممارسة: تفنيد مزاعم التطبيع
- 30. نحو وعي نقابي طبقي جذري
- 29.الحياد النقابي: شعار فارغ لتصفية المعركة الطبقية
- 28. ترويض العمل النقابي عبر القوانين الدولية: وهم الحماية
- ماركسية بلا ماركس: تفكيك المنهج الزائف في خطاب تاج السر عثما ...
- 27. الماركسية ليست إصلاحًا: مراجعة نقدية لخطاب تاج السر عثما ...
- 26. من هندسة الانقسام إلى بناء التنظيم القاعدي
- 25. تحالف القامعين: كيف تواطأت قوى الهبوط الناعم مع قانون قم ...
- من صراع الطبقات إلى واقعية الترويض: سقوط النظرية في فخ التكي ...
- من -الطنين- إلى -الإنكار-: تفنيد ماركسي لمقال تاج السر عثمان
- 24. إتحاد فوقي: كيف يخدم النظام الأساسي قمع الطبقة العاملة
- 23. قانون تنظيم الاتحادات المهنية 2004: أداة السلطة لعزل الط ...
- 22. وثيقة بلا عمق ولا بوصلة: تفريغ للتاريخ الماركسي إلى سرد ...
- 21. البيروقراطية الخائنة: نقابة بلا طبقة، ووثيقة بلا ماركسية
- بين إنقلابين ووثيقة واحدة: الحزب الشيوعي خارج جبهة الوعي الث ...


المزيد.....




- بيان صادر عن القوى والفصائل الفلسطينية من القاهرة
- القوى والفصائل الفلسطينية: الأولوية لوقف العدوان ورفع الحصار ...
- بلاغ الكتابة التنفيذية للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الاتح ...
- القوى والفصائل تؤكد أن الأولوية القصوى في هذه المرحلة هي الو ...
- الاشتراكي الديمقراطي ”الحكومة فشلت في ادارة الاقتصاد” - يطال ...
- محمود عباس يؤكد ضرورة تسليم الفصائل الفلسطينية سلاحها للسلطة ...
- بنعبد الله يعزي في وفاة الرفيق حاتم المسيح عضو المكتب الإقلي ...
- م.م.ن.ص// أجنحة الغضب: شهداء غشت والثورة التي لا تموت
- بلاغ المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي بشأن وضعية ...
- مشروع توسعي يكشف النوايا الخبيثة للكيان الصهيوني ويمثل تهديد ...


المزيد.....

- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - 4. الهيمنة على الوعي الطبقي: أدواتها، آثارها، وسبل المواجهة الثورية