أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - 30. نحو وعي نقابي طبقي جذري















المزيد.....

30. نحو وعي نقابي طبقي جذري


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 11:56
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


النقابة هي تعبير حي عن تناقض غير قابل للاحتواء بين من ينتجون العالم ومن يملكونه. هي ليست دائرة خدمات اجتماعية، ولا وسيطًا بين العامل ورب العمل، بل شكل من أشكال التنظيم الذاتي للطبقة، ينهض كلما بلغ القهر حد الانفجار. لا معنى لنقابة تنفصل عن جوهر الصراع الطبقي، ولا جدوى من أي محاولة لفصلها عن المسألة السياسية، فهي في أصلها جزء من الصراع حول من يسيطر على شروط الحياة والعمل والإنتاج. النقابة في المنظور الثوري ليست امتدادا مؤسسيا للدولة أو السوق، بل نقيض لهما، قفزة في الوعي تراكمها التجربة وتفجرها الضرورة. إنها ليست مجرد انعكاس للتناقض، بل مطرقة تسرع حسمه وتدفع به نحو التغيير النوعي. كما أثبتت كومونة باريس عام 1871، حين تحولت النقابات من أجهزة مطلبية إلى نواة لسلطة العمال، أن الوعي لا يلقن من فوق بل يتفجر من قلب الصراع.

نحن لا نطرح تطويرًا تقنيًا لنقابة مألوفة، بل نعلن القطيعة معها، مع مفهومها التقليدي كشريك اجتماعي أو أداة تفاوضية. النقابة الثورية نقيض الترويض المؤسسي، إعلان تمرد دائم على شروط الإنتاج الرأسمالية، تنبثق من المواجهة لا من الرضا، من الصدام لا من التفاوض، من الشارع لا من مكاتب الوزارة.

النقابة التي نريدها لا تولد بمرسوم قانوني، ولا تتأسس تحت سقف التوافق الطبقي، بل تقوم على شرعية الفعل الثوري، على حق الطبقة في التنظيم لكسر قيدها. لقد علمتنا لجان المصانع في روسيا 1917 أن التنظيم القاعدي لم يكن صدفة، بل ضرورة تاريخية فرضها الانهيار العام للرأسمالية القيصرية. وحين تتفاقم التناقضات: تصاعد الفصل، سحق الأجور، إهانة الكرامة، قمع الصوت، لا يبقى أمام العامل سوى خيارين: التنظيم أو الموت الرمزي. هنا، يتكون الوعي لا كمادة تعليمية تلقن، بل كتجربة معاشة، كاصطدام مباشر بين من يبيعون جهدهم ومن ينهبونه. كما كتبت روزا لوكسمبورغ: "تتعلم الجماهير النضال بالنضال ذاته". النواة الطليعية ليست مجموعة مثقفين منعزلين، بل أولئك الذين خاضوا المعارك، وذاقوا القمع، ووعوا أن لا خلاص فردي في نظام ينتج القهر الجماعي. هذا الوعي لا يستورد ولا يزرع، بل ينتج في صلب التناقضات: في الإضراب، في الطرد، في مقاومة الاستغلال. لذلك، الطليعة لا تعني نخبة منفصلة، بل الطيف الواعي من الطبقة، القادر على تحويل الخبرة اليومية إلى فعل جماعي ثوري.

التأسيس لا يبدأ بخطاب، بل بفعل. يرصد الموقع الأكثر احتقانا، حيث تتقاطع شروط الانفجار، ويبنى من هناك. لا يبدأ التنظيم بالشعارات الكبرى، بل بالمطالب العاجلة: الأجر، الحماية، الأمان وذلك كبداية للعمل كرافعة نحو وعي أشمل بجذر الاستغلال، وتحويل النضال المطلبي إلى نضال سياسي. فالمطالب اليومية، حين تربط بجذرها، تتحول إلى ما سماه ماركس: "الحركة الواقعية التي تلغي الوضع القائم". هنا نكتشف أن كل معركة على الأجر، هي معركة ضد منطق السوق؛ وكل دفاع عن العامل، هو نفي عملي لرأس المال. النقابة الثورية لا تبنى من فوق، بل من داخل القاعدة. تصاغ المبادئ في قلب الاشتباك، ويبلور البرنامج بالحوار مع القواعد. لا أحد ينوب عن العمال في صياغة مصيرهم، ولا أحد ينقذهم من فوق حيث الديمقراطية هنا ليست هيكلًا إداريًا، بل طريقة تفكير جماعي واتخاذ قرار وتجذير مسؤولية مشتركة. تنتخب لجنة التنسيق كأداة تنفيذية للمجموعة، في انتظار انعقاد المؤتمر التأسيسي القاعدي، الذي يحول التجربة إلى بنية مستقلة. كما فعل عمال المناجم في بريطانيا خلال إضراب 1984، حين أسسوا لجانًا قاعدية تجاوزت النقابات الرسمية التي باعت المعركة.

الاستقلال ينتزع، فلا وجود لنقابة مستقلة إذا كانت تمول من الدولة، أو تتلقى دعمًا من أرباب العمل، أو تدجن عبر القوانين. وأي تمويل أجنبي يفرغ الاستقلال من معناه، ويحوله إلى أداة اختراق طبقي بواجهة إنسانية. لا نقابة مستقلة دون استقلال مالي يضمن القرار المستقل، لذلك تبنى صناديق التضامن من اشتراكات طوعية، لا بهدف التراكم المالي، بل لضمان البقاء في لحظة المواجهة. كما كتب لينين: "لا ثورة دون موارد ثورية". فعندما يفصل العامل، يحتاج لراتب بديل لا لتعاطف لفظي. وعندما تهدد أسرة بالانهيار، التضامن لا يكون بمؤتمر صحفي، بل بخبز على الطاولة.

النقابة الثورية لا تنفصل عن قضايا التحرر الوطني. في فلسطين، كانت النقابات الجذرية حاضرة في الانتفاضات، لا كأصوات داعمة بل كفاعلين مباشرين. وفي جنوب أفريقيا، لعب اتحاد عمال المناجم دورًا حاسمًا في إسقاط الأبارتايد. النقابة هنا جزء من جبهة التحرر ضد الاستعمار، وضد الشركات العابرة للحدود التي تنهب الأرض والعمل والموارد. هي جزء من الصراع ضد الإمبريالية، وضد منطق السوق العالمي، وضد كل منظومة تنتج التبعية. كما كان الحال في أمريكا اللاتينية، حين تحولت النقابات الجذرية في بوليفيا وفنزويلا إلى رافعة لحركات تحرر كسرت الهيمنة النيوليبرالية.

الطبقة العاملة لا وطن لها. فمعاناة عامل في طنجة مرتبطة مباشرة بربح شركة في برلين، ومعركة عمال الموانئ في بيروت تتقاطع مع معارك عمال النفط في نيجيريا. التضامن الأممي ليس شعارات، بل ضرورة استراتيجية. يعاد تفعيل الروابط مع النقابات الجذرية حول العالم، ينسق العمل، تنشر البيانات، وتبنى الجسور بين جنوب مضطهد وعالم يعاد بناؤه على أنقاض الرأسمالية. كما أكدت تجربة الأممية الأولى أن قوة الطبقة تكمن في تجاوز الحدود القومية. هنا تستعاد روح الأممية التي أسس لها ماركس وإنجلز، والتي كتب فيها ماركس: "يا عمال العالم، اتحدوا!". النقابة الثورية تبني تحالفاتها لا مع الأحزاب البرجوازية، بل مع الحركات الاجتماعية الجذرية: الطلاب، النساء الكادحات، المزارعين، والتحالفات الطبقية الأخرى. كلهم ضحايا البنية ذاتها، وكلهم شركاء في تفكيكها. لا يفكك النظام بقطاعات معزولة، بل بجبهة واسعة تعي ترابط مصالحها. كما أن النقابة الثورية تخوض حربا مزدوجة: من جهة مع رأس المال والدولة، ومن جهة أخرى ضد النقابات الصفراء التي تروج للوهم الإصلاحي وتجهض الوعي. تفضح القيادات البيروقراطية، تكشف صفقاتها، وتنتزع القواعد منها، لا من باب الحقد، بل من باب الضرورة التاريخية. كما فعلت القواعد العمالية في فرنسا 1968 حين كسرت بيروقراطية النقابات التقليدية بالاحتلال المباشر للمصانع.

تستخدم النقابة وسائلها العملية الغير رمزية: الإضراب الكامل والجزئي، الاعتصام، احتلال أماكن العمل، الحجب الرقمي، تعطيل الإنتاج، المقاطعة، فضح التحالفات. وهي في ذلك لا تختار الوسيلة بناء على "ما يسمح به"، بل على أساس الجدوى، لتبتكر دوما تكتيكا جديدا يربك العدو الطبقي، لأن الصراع ليس جامدًا بل يتحرك بمرونة تكتيكية وفق ميزان القوى. النقابة ليست جمعية سلمية، بل أداة صراع، لا تتردد في خوضه بكل أشكاله طالما كان في خدمة الطبقة. الغاية ليست النضال لأجل النضال، بل دفع التناقض نحو حسمه، وبناء سلطة بديلة، لا تكتفي بإصلاح الشروط، بل تقطع مع منطق العبودية ذاته.

ليست النقابة الثورية جسدًا إداريًا، بل ممارسة ثورية دائمة. هي فعل ضد النظام، لا داخله. لا تعترف بشرعية غير شرعية الصراع، ولا تنتمي إلا للطبقة، ولا تخضع لقانون سوى قانون الثورة. كلما سقط وهم الشراكة، كلما انفتح أفق المواجهة. وكلما تطور الوعي، كلما انتقل التنظيم من الدفاع إلى الهجوم، من الاحتجاج إلى بناء السلطة المضادة، من النقابة إلى مجلس العمال، من التنسيق إلى التسيير الذاتي. كما فعلت مجالس العمال في بطرسبورغ 1917، وكما أنشأت الثورة الإسبانية مجالسها في كاتالونيا. هذا الانتقال ليس خيارًا طوباويًا، بل ضرورة تاريخية في مواجهة انسداد الأفق الإصلاحي، وتحويل الأزمة إلى فرصة للقطيعة الثورية.

"مهمة النقابة ليست تحسين شروط العبودية، بل تنظيم الطريق نحو كسر سلاسلها."
كارل ماركس

تنتهي هذه السلسلة التي تناولت التحول التاريخي والمفاهيمي للنقابات في السودان، من كونها أدوات ترويض في قبضة الأنظمة إلى جبهات ثورية صلبة في وجه القهر. لقد أثبت النضال النقابي في سياقه السوداني أنه لم يكن مجرد معركة على الحقوق المطلبية، بل كان دائمًا جزءًا من الصراع الأوسع نحو التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية. تجربة الحركة النقابية السودانية، من مواجهة القوانين القمعية منذ الاستعمار مرورًا بعهد عبود وصولًا إلى صدامها مع دكتاتورية مايو والإنقاذ، تؤكد أن النقابة الثورية لا تبنى في فراغ، بل تصنع في رحم الأزمة، وتتطور بفعل الصراع، وتستمد شرعيتها من إرادة الطبقة العاملة والجماهير الكادحة. إنها بداية طريق طويل يعبده وعي متجذر وإيمان بأن القوة الحقيقية تكمن في وحدة الصف والتنظيم الثوري.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 29.الحياد النقابي: شعار فارغ لتصفية المعركة الطبقية
- 28. ترويض العمل النقابي عبر القوانين الدولية: وهم الحماية
- ماركسية بلا ماركس: تفكيك المنهج الزائف في خطاب تاج السر عثما ...
- 27. الماركسية ليست إصلاحًا: مراجعة نقدية لخطاب تاج السر عثما ...
- 26. من هندسة الانقسام إلى بناء التنظيم القاعدي
- 25. تحالف القامعين: كيف تواطأت قوى الهبوط الناعم مع قانون قم ...
- من صراع الطبقات إلى واقعية الترويض: سقوط النظرية في فخ التكي ...
- من -الطنين- إلى -الإنكار-: تفنيد ماركسي لمقال تاج السر عثمان
- 24. إتحاد فوقي: كيف يخدم النظام الأساسي قمع الطبقة العاملة
- 23. قانون تنظيم الاتحادات المهنية 2004: أداة السلطة لعزل الط ...
- 22. وثيقة بلا عمق ولا بوصلة: تفريغ للتاريخ الماركسي إلى سرد ...
- 21. البيروقراطية الخائنة: نقابة بلا طبقة، ووثيقة بلا ماركسية
- بين إنقلابين ووثيقة واحدة: الحزب الشيوعي خارج جبهة الوعي الث ...
- 20. صراع البرامج والطبقات: نقابة تابعة أم أداة تحرر؟
- 19. النقابة كجهاز في المنظومة الإمبريالية: وثيقة الحزب الشيو ...
- اللغة ليست نعناعًا: تفكيك ماركسي لبلاغة الامتياز في خطاب -دا ...
- كسلا التي لا ترد التحية: الحب كقهر طبقي في أغنية الحلنقي
- 18. من تنظيم الطبقة إلى طبقة التنظيم: انزلاق الوعي النقابي
- شيبوب: تمجيد الإنسان المغيَّب في بطولات السادة
- 17. مجاز العتمة والمرآة المعتمة: حين تكتب الوثيقة سرديتها عل ...


المزيد.....




- ارتفاع معدل البطالة في مناطق وانخفاضها في مناطق اخرى
- كيف أثر إضعاف النقابات على حراك الشارع الفلسطيني؟
- كيف أثر إضعاف النقابات على حراك الشارع الفلسطيني؟
- كيف أصبح سوق المزارعين في لوس أنجلوس ملتقى النجوم والمنتجات ...
- التخطيط تتوقع انخفاض معدلات البطالة إلى ما دون الـ10% والفقر ...
- موظفو مشاريع الجنوب يتظاهرون بالبصرة: نطالب بصرف الأرباح وكش ...
- -العمل النيابية- تبحث إنهاء عقود العمل غير محددة المدة والتد ...
- أبو مرجوب: 7 آلاف عامل مياومة في البلديات بحاجة لتحقيق العدا ...
- إضراب محمود بصل عن الطعام.. حين يحتجّ الجائع بالجوع في غزة
- عمال شركة -بوينغ- للصناعات الجوية يضربون عن العمل


المزيد.....

- ملامح من تاريخ الحركة النقابية / الحاج عبدالرحمن الحاج
- تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الحركة النقابية / الحزب الشيوعي السوداني
- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - 30. نحو وعي نقابي طبقي جذري