أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - 13. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي















المزيد.....

13. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8443 - 2025 / 8 / 23 - 04:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الجزء الثاني: استراتيجية المواجهة- كيف نستعيد الخطاب والجغرافيا؟

​هذه المعركة المزدوجة—على الخطاب والمكان—تتطلب استراتيجية متكاملة، فلا يمكن تحرير اللغة دون تحرير الجغرافيا، ولا يمكن تحرير الجغرافيا دون تحرير اللغة، الثورة تحتاج إلى لغة تفهم في الريف كما في المدينة، وإلى تنظيم يمتد إلى أبعد قرية، لذلك لا يكفي النقد، بل لا بد من خطة مواجهة عملية تعيد الخطاب إلى طبقته والجغرافيا إلى شعبها، وهذه الخطوط التالية ليست توصيات بل مهام ثورية عاجلة.

​أول الطريق: تبسيط من دون تسطيح، الكلمات المباشرة التي تفهمها الورديات والحراثات لا تُعادي العمق، بل تفتحه، ماو حارب "أسلوب الثمانية" لأنه يقطع الصلة بالجماهير، نحن نحارب كل ما يحجب الفكرة عن الوصول، وكل ما يعلّقها في سقف القاعة بدل أن يُنزِلها إلى الأرض، فالتبسيط ليس تفاهة بل هو وضوح يضمن الانتشار والتأثير.

​ثانيا: تغيير أدوات الإنتاج اللغوي، تُنتزع الصحف والمنصات من قبضة اللجان المغلقة، وتُفتح أبوابها لمن يكتب من خطوط الإنتاج ومن الحقول، تُبعث الصحف الجدارية، وتُطلق نشرات قصيرة للورديات والمواسم الزراعية، وتُقام إذاعات عمالية وفلاحية، ويُستعاد البيان القصير الصارم الذي يُقرأ ويُتداول ويُلصق، فالأداة الثورية يجب أن تكون في يد الثوار.

​ثالثا: وصل الثقافي بالاقتصادي وصلاً لا فكاك منه، تحرر المرأة يُكتب في جدول الأجور وفي خطوط التجميع وفي دور الحضانة في المصانع والحقول، لا في صالونات منفصلة، قضية البيئة تُكتب في رئات عمّال المناجم وحوافز الإنتاج الآمن، لا في شعارات تجميلية تُباع في معارض التنمية، فالفصل بين الثقافي والاقتصادي هو أحد أساليب تفكيك النضال.

​رابعا: تفكيك رأسمال الرموز، تُعاد سيرة الشهداء والمناضلين إلى سياقها الطبقي: لماذا قاتلوا، كيف نظّموا، ماذا بنوا، وما الذي يجب أن نلتقطه منهم الآن، لا أيقونات بلا برنامج، ولا صور بلا مهام، فالثورة ليست متحفاً للرموز بل استمرار لمسيرتها.

​خامسا: إنتاج المثقف العضوي من صفوف العمّال والفلاحين، يُفتح مسار تنظيمي للتكوين الكتابي والخطابي لمن يعيشون الاستغلال يومياً، تُكسر ثنائية "يكتب عنا" لصالح "نكتب نحن عن أنفسنا ولأنفسنا"، يُربط التثقيف بالنشاط: من يكتب يقود ورشة، ومن يخطب ينظم نوبة إضراب، فالمعرفة تولد من الممارسة وليس من خارجها.

​سادسا: ضبط العلاقة مع التمويل بقاعدة صلبة: لا تمويل يُعدّل لغتنا، ولا منحة تُبدد هدفنا، تُعلن قواعد شفافة: ما يُموَّل هو ما يخدم التنظيم القاعدي والتثقيف الشعبي والبنية الإعلامية للجماهير، أي اشتراط لغوي أو سياسي يفرغ الخطاب من حدته يُرفض مهما كانت الإغراءات، فالاستقلال المالي شرط للاستقلال السياسي.

​سابعا: معايير جديدة للنص الحزبي، طولٌ مضبوط، مفردات محددة، هدف تعبوي واضح، اختبار مسبق على عيّنة من العمال والفلاحين، كما كانت البيانات البلشفية تُقرأ في الورش وتُلصق على جدران المصانع، يجب أن يُختبر النص بمدى قابليته للتداول بين العمال والفلاحين، النص الذي لا يُقرأ في الورشة أو الحقل ولا يُشرح في لجنة الحي أو القرية نص ناقص مهما كان "أكاديمياً".

​ثامنا: تحويل كل نص إلى فعل، لكل بيان مهمة، لكل مقالة ورشة نقاش، لكل كُتيّب دورة تثقيف، لكل تصريح خطة ميدانية، تُقاس فعالية اللغة بما تُحرّك لا بما "تُعجب"، فالكلمات التي لا تتحول إلى أفعال هي كلمات ميتة.

تاسعا: مراجعة استراتيجية مستمرة للغة المستخدمة. فالكلمة التي تُلهم اليوم قد تُصبح غداً مهترئة. يجب أن يبقى القاموس الثوري متجدداً، متأهباً، متيقظاً. اللغة كالسلاح، إن لم تُشحذ تصدأ.
من هنا تصبح المراجعة واجباً تنظيمياً دائماً: خلق تقليد حزبي يجعل من نقد اللغة جزءاً من نقد الممارسة، ومن تطوير الخطاب جزءاً من تطوير التنظيم.

​عاشرا: ربط المدينة بالريف في لغة واحدة، لا تُكتب لغة للخرطوم وأخرى لدارفور وكردفان والجزيرة، تُكتب لغة تُسمّي الأرض والزرع والمياه والمحاصيل والضرائب والديون وطرق الإمداد وسلاسل التسويق، وتُحوّل ذلك إلى برنامج صراع يتحدث بلسان من يُنتجون الثروة، فاللغة الموحدة هي أساس الوحدة النضالية.

​حادي عشر: إعادة توزيع الموارد التنظيمية، تُوجه الكوادر إلى المناطق الريفية، وتُخصص ميزانيات للعمل الفلاحي، وتُبنى قيادات من أبناء الريف، لا يمكن كسر احتكار المدينة دون نقل الثقل التنظيمي إلى حيث تتجذر الثورة، فالثورة لا تُصنع في العواصم وحدها.

​ثاني عشر: بناء تحالفات عمالية-فلاحية حقيقية، ليست شعارات للاستهلاك، بل برامج نضالية مشتركة، عمال المدن وفلاحو الريف يواجهون نفس العدو: الرأسمالية والإمبريالية، توحيد نضالهم هو الطريق إلى السلطة، فهذا التحالف هو القوة الضاربة للثورة.

​ثالث عشر: تطوير أدوات اتصال تلائم الريف، إذاعات محلية، صحف جدارية بلغات محلية، منشورات بلغة بسيطة، استخدام للفنون الشعبية في التعبئة، اللغة الثورية يجب أن تتكيف مع بيئتها لا أن تفرض من الخارج، فالثورة التي لا تحترم خصوصيات الريف لن تجد لها موطئ قدم فيه.

​رابع عشر: تدريب كوادر قادرة على العمل في الريف، فهم الثقافات المحلية، اللغات، العادات، أشكال التنظيم التقليدية، الثوري ليس مبشراً يأتي من الخارج، بل منظم ينبع من الداخل، فالعمل الريفي يحتاج إلى كوادر تفهم وتعيش واقع الريف.

​خامس عشر: ربط القضايا المحلية بالصراع العام، معركة الفلاح ضد الشركة الزراعية جزء من معركة الطبقة العاملة ضد الرأسمالية، معركة الريف ضد الإهمال جزء من معركة الشعب ضد الدولة الطبقية، فلا انفصال بين الخاص والعام في المعركة الثورية.

​هذه الخطوط ليست "توصيات تحريرية" بل خطة مواجهة مع طبقة تحاول احتلال ألسنتنا وجغرافيتنا، كل تنازل في اللغة تنازل في السياسة، وكل إهمال للريف تنازل عن أغلبية الشعب، ومن هنا، فإن استعادة الخطاب والجغرافيا هي استعادة البوصلة الثورية، وهي مهمة لا تحتمل التأجيل.

​نعود إلى نقطة البدء: من يملك الكلمة يملك القدرة على تسمية العدو، وعلى حشد الطاقات ضده، وعلى اقتراح الطريق إلى السلطة، ومن يملك الجغرافيا يملك القدرة على تنظيم القوى المنتجة للثروة، وتحويلها إلى قوى منتجة للثورة، فالهيمنة على الخطاب والجغرافيا هي هيمنة على حاضر الثورة ومستقبلها.

​لذلك تحارب البرجوازية الصغيرة في الحقل الرمزي والجغرافي بضراوة؛ لأن خسارتها هناك تعني بداية خسارتها في الشارع والمصنع والحقل، فهي تدرك أن السيطرة على الخطاب والجغرافيا هي خط الدفاع الأول عن امتيازاتها.

​إن طرد النخبوية من الخطاب، ورد اللغة إلى أهلها، وتعميد الكلمات بعرق العمّال وأتربة الحقول، ومد التنظيم إلى أبعد قرية، ليست قضايا شكلية، بل مفاتيح لفتح الباب المغلق بين الحزب وطبقته، وحين يُفتح الباب، تصبح النظرية ذخيرة في يد الجماهير لا مادة في رفّ المانحين، فتتحول الثورة من مشروع نخبوي إلى حركة جماهيرية حقيقية.

​"بدون نظرية ثورية لا يمكن أن تكون هناك حركة ثورية."
فلاديمير إليتش لينين.

​ولهذا فإن بناء خطاب طبقي ثوري ليس ترفاً فكرياً، بل شرط لبقاء الحركة الثورية ذاتها، إن هذا النص ليس سوى خطوة في معركة أوسع، معركة تُحسم في الورش والحقول والمصانع، لا على الورق وحده، فالمعركة الحقيقية هي على أرض الواقع وليس في صفحات الكتب.

​النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 12. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي.
- 11. ​خزينة الحزب الثوري: البوابة السرية لهيمنة البرجوا ...
- 10. الاستعمار وتشكُّل البرجوازية الصغيرة: الجذور التاريخية ل ...
- 9. البرجوازية الصغيرة بين التأرجح الطبقي وعجز القيادة الثوري ...
- 8. التحالفات الطبقية: بين ضرورة الثورة وفخ الهيمنة البرجوازي ...
- 7. البيروقراطية كأداة للهيمنة الطبقية
- 6. الانفصال عن الجماهير: كيف تتحول الأحزاب الثورية إلى أجهزة ...
- 5. الانفصال عن الجماهير: حين تتحول الأحزاب إلى نخب سياسية
- 4. الهيمنة على الوعي الطبقي: أدواتها، آثارها، وسبل المواجهة ...
- 3. تسلل البرجوازية الصغيرة إلى الأحزاب الشيوعية: آليات وأدوا ...
- 2. التناقض البنيوي: لماذا تتأرجح البرجوازية الصغيرة بين الثو ...
- 1. البرجوازية الصغيرة: الموقع الطبقي ووظيفتها في الصراع الاج ...
- دم الشهداء لا يجف: من تفكيك منظومة القتل والنهب إلى بناء سلط ...
- من تفريغ الغضب إلى تصفية الوعي
- الثورة بين الشعارات والممارسة: تفنيد مزاعم التطبيع
- 30. نحو وعي نقابي طبقي جذري
- 29.الحياد النقابي: شعار فارغ لتصفية المعركة الطبقية
- 28. ترويض العمل النقابي عبر القوانين الدولية: وهم الحماية
- ماركسية بلا ماركس: تفكيك المنهج الزائف في خطاب تاج السر عثما ...
- 27. الماركسية ليست إصلاحًا: مراجعة نقدية لخطاب تاج السر عثما ...


المزيد.....




- م.م.ن.ص// الرفيق: المفهوم، المضمون، والوجود الثوري
- -كان ديكتاتورا-.. عمرو موسى يشعل ضجة بانتقاده جمال عبدالناصر ...
- اليمين المتطرف يقود موجة احتجاجات منظمة أمام فنادق اللاجئين ...
- الإهمال الطبي في السجون جريمة.. أفرجوا عن مروة عرفة
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- الفصائل الفلسطينية: سلاحنا باقٍ ما دام الاحتلال.. هذا ما جرى ...
- الحزب الشيوعي العراقي: نحو إجماع وطني للأنهاء الكامل لأي وجو ...
- الفصائل الفلسطينية في لبنان تنفي بدء تسليم سلاح المخيمات
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل 8 متظاهرين ضد الحرب على غزة في حيفا ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل 8 متظاهرين في حيفا احتجوا ضد الحرب ...


المزيد.....

- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - 13. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي