أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 3. الجذور التاريخية للثورة: دروس من تجارب الشعوب














المزيد.....

3. الجذور التاريخية للثورة: دروس من تجارب الشعوب


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 04:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الثورات ليست وليدة الصدفة ولا تنفجر في فراغ. إنها لحظة تراكم تاريخي طويل حيث تتقاطع تناقضات البنية الاجتماعية مع فعل الجماهير المنظمة أو غير المنظمة. لكن الفرق بين ثورة تُفتح على أفق التغيير الجذري، وثورة تُجهض وتُستلب، هو دائماً وجود أو غياب أدوات التنظيم الثوري التي تُترجم الطاقة الشعبية إلى سلطة بديلة. هنا يكمن درس التجارب التاريخية التي علينا أن نستوعبها بصرامة مادية، بعيداً عن التمجيد أو الرثاء، لنضع أمامنا خريطة طريق لا تكرر أخطاء الماضي.

في روسيا 1905، انفجرت الثورة بعد عقود من الاستبداد القيصري وبؤس الفلاحين وبداية صعود الطبقة العاملة الصناعية. الإضرابات العمالية ترافقت مع التمرد الفلاحي والاضطراب العسكري، فظهرت لأول مرة "السوفييتات" كأداة جديدة لم يعرفها العالم من قبل: مجالس منتخبة مباشرة من العمال والجنود، قادرة على قيادة الإضراب وتنظيم الحياة اليومية. لم تنتصر ثورة 1905 لكنها أطلقت الفكرة التي ستغيّر مجرى القرن العشرين. لقد أثبتت أن الجماهير قادرة على خلق أشكال حكمها الذاتي حين تفقد الشرعية القديمة قدرتها على السيطرة. هذا الميلاد الأول للسوفييتات صار البذرة التي نضجت لاحقاً.

في 1917، عاد المشهد الروسي في صورة أعظم. هزيمة الحرب، الجوع، تحلل الدولة القيصرية، كلها خلقت فراغاً سياسياً ملأته السوفييتات. لكن الدرس الأهم هنا أن وجود الأداة وحدها لا يكفي. فالسوفييتات في بدايتها كانت خاضعة لهيمنة الأحزاب الإصلاحية (المناشفة والاشتراكيين الثوريين) الذين أرادوا احتواءها داخل النظام البرجوازي. فقط تدخل البلاشفة، ببرنامجهم الواضح حول "كل السلطة للسوفييتات"، وبقيادتهم الصلبة المتجذرة في الطبقة العاملة، هو ما حسم الصراع. من دون هذا الوضوح، كانت ستُختزل السوفييتات في جهاز إصلاحي. إن انتصار ثورة أكتوبر لم يكن معجزة بل نتيجة تلاقح بين الشكل التنظيمي الجديد وبين حزب ثوري مسلح برؤية طبقية واضحة. هذا هو الدرس المركزي: أن التنظيم الذاتي للجماهير لا يتحول إلى سلطة إلا إذا اقترن بقيادة ثورية حقيقية.

في السودان 1964، سقط حكم عبود بفعل انتفاضة طلابية-نقابية واسعة. لكن غياب قيادة ثورية طبقية جعل السلطة تعود سريعاً إلى أيدي الأحزاب التقليدية التي أعادت إنتاج نفس البنية القديمة. مرة أخرى، الجماهير صنعت المعجزة وأسقطت الديكتاتورية، لكنها لم تجد الأداة التي تنقلها من لحظة السقوط إلى بناء نظام بديل. التاريخ هنا يثبت أن الثورة التي تتوقف عند حدود "تغيير الوجوه" محكومة بالانكسار. لم تتعلم الطبقة العاملة السودانية وقتها درس التنظيم المستقل، فدُفعت الحركة الثورية إلى التراجع. ما حدث في 1985 كان نسخة متكررة من نفس المأساة: هبة شعبية ضخمة، نقابات قوية، لكن دون أفق ثوري منظم، فاستُعيدت الدولة من قِبل التحالف البرجوازي القديم، وتكررت الحلقة المفرغة.

أما في ثورة ديسمبر 2018، فقد أظهرت الجماهير السودانية بطلاً جديداً: لجان المقاومة. هذه اللجان جسّدت روح التمرد الشعبي وقدمت أشكالاً بدائية للتنظيم الذاتي. لكنها بقيت محصورة في حدود الأحياء، بلا مركزية، بلا برنامج طبقي واضح، وبلا آلية للانتقال إلى سلطة شعبية بديلة. هكذا تحولت تدريجياً إلى وسيلة لتصريف الغضب الجماهيري وإدارته، أكثر من كونها أداة لتفجيره نحو السلطة. إننا هنا نلمس مباشرة خطورة التاريخ: إما أن تتطور اللجان إلى سوفييتات حقيقية، أي مجالس عمالية وشعبية تمتلك سلطة فعلية في الاقتصاد والسياسة والأمن، أو تُستلب كما استُلبت النقابات والانتفاضات السابقة، ويُعاد تدوير الأزمة إلى أجل غير مسمى.

التجربة السودانية المعاصرة ليست معزولة عن هذه السلسلة التاريخية. إنها تحمل في داخلها نفس التناقض: طاقة هائلة من التضحية الشعبية، مقابل غياب القيادة الطبقية الثورية. إن موقعها الطبيعي في هذا السياق هو أن تكون حلقة بين الانتفاضات المجهضة والسوفييتات التي لم تولد بعد. وهنا يفرض السؤال نفسه بحدة: هل سنسمح بأن يعاد إنتاج مصير 1964 و1985، أم سنحوّل لجان المقاومة إلى جنين لسلطة جديدة، سوفييتات سودانية تكون نواة دولة العمال والفلاحين والفقراء؟

هذا يرجع إلى لجان المقاومة، إلى من يحملون اليوم شعلة الثورة السودانية ويشكّلون العمود الفقري لكل تحرك جماهيري منذ ديسمبر. لستم لجان خدمات ولا مجرد منسقي مواكب، بل أنتم النواة الأولى لسلطة شعبية بديلة، على أن تتحلوا بجرأة الانتقال من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، من الإصلاح إلى الثورة، من الاحتجاج إلى بناء أدوات السلطة الجديدة. إن اللحظة الراهنة تضعكم أمام مفترق طرق: إمّا أن تبنوا سوفييتاتكم وتنتزعوا السلطة من أيدي العسكر والرأسماليين والإسلاميين، أو يُعاد إنتاج الهزيمة وتُسرق تضحياتكم كما سُرقت كل الانتفاضات السابقة. ولن يتحقق هذا البناء إلا بمد الجسور مع العمال في المصانع، والفلاحين في الحقول، والطلاب في الجامعات، والموظفين الكادحين في أجهزة الدولة، حتى تتشكل جبهة طبقية ثورية موحدة قادرة على خوض معركة الحسم ضد النظام بكامل أجهزته.

لقد قال لينين يوماً: "من دون نظرية ثورية لا توجد حركة ثورية". ونحن نقول اليوم: من دون سلطة ثورية لا توجد ثورة.

النضال مستمر،،

المراجع:

1. لينين، "الدولة والثورة" (1917)
2. تروتسكي، "تاريخ الثورة الروسية" (1930)
3. روزا لوكسمبورغ، "الإصلاح الاجتماعي أم الثورة؟" (1900)
4-غرامشي، "دفاتر السجن" (1929-1935)
4. تجربة سوفييتات بطرسبورغ 1905 (بروتوكولات الجلسات)
5. وثائق مؤتمرات الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني 1918-1919
6. أرشيف لجان المقاومة السودانية 1985
7. دراسات حول "الكوردونيس" الصناعية في تشيلي 1970-1973
8. وثائق مؤتمرات اتحادات العمال السودانيين 1964-1985
9. مقالات صحفية حول لجان الأحياء في الثورة السودانية 2018- 2023



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 2. الوهم الإصلاحي ولجان الأحياء: آلية البرجوازية الصغيرة لسر ...
- على خط النار: الثورة السودانية بين الأوهام والسلطة 1. لماذا ...
- 21. إصلاحية مقنّعة، جذرية منهزمة
- 20. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 19. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 18. من الراديكالية الزائفة إلى الانحراف البيروقراطي
- 17. هيمنة البرجوازية الصغيرة: صراع طبقي داخل الحزب
- 16. استعادة القيادة البروليتارية: شرط البقاء الثوري
- 15. الأممية الشكلية والديمقراطية الشكلية: أدوات هيمنة البرجو ...
- 14. الريف الغائب: جغرافيا الصراع الطبقي المُهملة
- 13. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي
- 12. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي.
- 11. ​خزينة الحزب الثوري: البوابة السرية لهيمنة البرجوا ...
- 10. الاستعمار وتشكُّل البرجوازية الصغيرة: الجذور التاريخية ل ...
- 9. البرجوازية الصغيرة بين التأرجح الطبقي وعجز القيادة الثوري ...
- 8. التحالفات الطبقية: بين ضرورة الثورة وفخ الهيمنة البرجوازي ...
- 7. البيروقراطية كأداة للهيمنة الطبقية
- 6. الانفصال عن الجماهير: كيف تتحول الأحزاب الثورية إلى أجهزة ...
- 5. الانفصال عن الجماهير: حين تتحول الأحزاب إلى نخب سياسية
- 4. الهيمنة على الوعي الطبقي: أدواتها، آثارها، وسبل المواجهة ...


المزيد.....




- ابنة كيم تشعل تكهنات بأول رحلة علنية لها خارج كوريا الشمالية ...
- بوتين وكيم في الصين: بكين تكشف عن أسلحة جديدة في عرض عسكري ض ...
- أفغانستان: الاستعانة بقوات كوماندوز في البحث عن ناجين من الز ...
- -شمال بلا حماية-.. تقرير يكشف إهمال الحكومة الإسرائيلية لسكا ...
- -الموساد كان هناك-.. خفايا جديدة عن عملية اغتيال نصرالله في ...
- اليونيفيل تندد بهجوم إسرائيلي -خطير- على جنودها جنوبي لبنان ...
- -فوضى- باير ليفركوزن -تفاجئ- نجم بايرن ميونيخ!
- هزة أرضية جديدة تضرب أفغانستان وارتفاع حصيلة ضحايا الزلزال إ ...
- مصر: معلمة توزع -دولارات- على طلابها.. ما القصة؟
- بايرو يواصل مشاوراته مع زعماء الأحزاب السياسية الفرنسية في م ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 3. الجذور التاريخية للثورة: دروس من تجارب الشعوب