أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 7. المجالس الطبقية كسلطة بديلة: الطريق الوحيد أمام الثورة السودانية














المزيد.....

7. المجالس الطبقية كسلطة بديلة: الطريق الوحيد أمام الثورة السودانية


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 04:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تكن أزمة الثورة السودانية أزمة في الشجاعة أو التضحية، فقد أثبتت الجماهير عبر الانتفاضات والاعتصامات والمواكب أنها مستعدة للبذل حتى النهاية. إنما تكمن الأزمة في غياب الأداة الثورية القادرة على تحويل هذه البطولات إلى سلطة بديلة، فكل الدماء التي سالت جرى تفريغها عبر قنوات إصلاحية أو بيروقراطية عاجزة عن مواجهة جوهر الدولة الرأسمالية. لقد نجحت الثورة المضادة، بأذرعها العسكرية والإسلامية والإصلاحية، في عزل الجماهير داخل أشكال خدماتية ضيقة لا تتجاوز مطالب المياه والكهرباء، محرومة من مضمونها الطبقي، فتحولت اللجان إلى هياكل عرجاء. من هنا يصبح طرح المجالس الطبقية (السوفييتات) ليس ترفاً ولا استعارة تاريخية، بل الخلاص الوحيد الممكن، لأنها التعبير الحي عن سلطة العمال والفلاحين والطلاب وسائر المحرومين، وصيغة التنظيم التي لا تقبل الترويض.

إن السؤال الحقيقي ليس هل نبني المجالس الطبقية، بل كيف نبنيها في واقعنا السوداني الملموس؟ والجواب لا يأتي عبر وصفة جاهزة ولا عبر مخطط جامد، بل من خلال خطة جدلية مرنة تتطور مع إيقاع الصراع الطبقي. البداية تكون بتشكيل نوى ثورية صغيرة داخل مواقع العمل والأحياء والجامعات، لا في عزلة ولا في غربة، بل عبر اختراق النسيج الاجتماعي القائم وزرع الوعي الطبقي وسط الجماهير. مهمة هذه النوى ليست تقديم خدمات ولا إدارة شكلية، وإنما ربط المعاناة اليومية بالبنية الرأسمالية الطفيلية: انقطاع الماء ليس عطلاً عرضياً بل نتيجة الخصخصة، وانقطاع الكهرباء ليس صدفة بل انعكاس لفساد الشركات، والغلاء ليس قدراً بل سياسة يفرضها البنك الدولي وتحالف العسكر مع البرجوازية. بهذا الشكل ينكسر وعي الحياد الزائف، ويُفتح الطريق نحو إدراك أن لا حل إلا بانتزاع السلطة.

إن التجريب النموذجي يظل خطوة مركزية، حيث يمكن اختيار بؤر محددة ذات تاريخ نضالي وصمود، كالمصانع أو الأحياء العمالية، لتطبيق فكرة المجالس الطبقية عملياً. التجربة الناجحة هناك تصبح أداة دعاية عملية، أكثر قوة من أي منشور أو بيان، لأنها تقدم نموذجاً حياً لما يمكن أن تكون عليه السلطة الجماهيرية. هذا النموذج لا يُعرض كحالة مثالية مكتملة، بل كمنارة تُلهم الأحياء الأخرى ومواقع العمل الأخرى للسير على ذات النهج، وتؤسس لتراكم خبرة ثورية متجذرة.

حين تتجاوز الحركة طور البذور، يصبح لزاماً إعادة هيكلة اللجان القائمة وفق مضمون طبقي. هنا تتحول اللجنة من جهاز خدماتي عام إلى مجلس شعبي–طبقي يضم لجاناً فرعية للعمال والكادحين والنساء والشباب والطلاب. بهذا الشكل يتبلور تمثيل حقيقي للمكونات الاجتماعية داخل التنظيم، ويخرج كل مكون من الذوبان في العموميات. في هذه المرحلة يصبح التوسع نحو الريف حتمياً، لأن الثورة التي تنغلق في المدن تظل مبتورة. لذا لا بد من إرسال الكوادر الثورية إلى المشاريع الزراعية الكبرى، لتأسيس اتحادات فلاحية ومجالس ريفية، وربط الصراع ضد كبار الملاك والمهربين بالمعركة الوطنية العامة. حينها يمكن تحويل النزاعات المحلية من شكلها العرقي إلى مضمونها الطبقي، فتتجاوز الانقسامات المصنوعة وتُصوّب البوصلة نحو العدو المشترك.

الصراع في هذه المرحلة لن يخلو من مواجهة مباشرة مع الإصلاحيين والبرجوازية الصغيرة، الذين يسعون إلى ترويض الحركة الشعبية وإبقائها في حدود الممكن داخل النظام. لا بد هنا من معارك سياسية وفكرية مفتوحة، تستند إلى التجربة العملية للجماهير، حيث يثبت عبر الممارسة أن قيادة العمال والكادحين وحدها القادرة على دفع الثورة إلى الأمام. إن هذه المواجهة لا تُحسم بالشعارات، بل بالقدرة على التنظيم، بالصمود في المعارك، وبإظهار بديل ملموس أمام الجماهير.

إن التحول النوعي يأتي حين تنتقل المجالس الطبقية من الحي إلى موقع الإنتاج. هنا تتجسد المجالس العمالية في المصانع والموانئ والمدارس والمستشفيات، حيث يُنتخب المندوبون ديمقراطياً ويكونون عرضة للعزل في أي وقت. هؤلاء المندوبون يقودون النضال الاقتصادي ويربطونه بالسياسي، ويشرعون في تجربة الإدارة الذاتية التي تُظهر للجماهير قدرتها على إدارة المجتمع دون الحاجة إلى الدولة الطفيلية. في هذه اللحظة، يصبح الدفاع الذاتي ضرورة، إذ لا يمكن لأي سلطة شعبية ناشئة أن تظل مكشوفة أمام هجمات المليشيات وأجهزة الدولة المضادة.

إن هذه المجالس الطبقية لا يمكن أن تبقى معزولة، بل يجب أن تنتظم في شبكة واحدة، تبدأ من الأحياء والمدن وصولاً إلى مؤتمر عام يمثل السلطة الثورية العليا. العلاقة بينها قائمة على المركزية الديمقراطية، حيث النقاش مفتوح والقرار ملزم، وحيث يكون كل مندوب قابلاً للعزل في أي لحظة. الإعلام الثوري هنا ليس مجرد أداة مرافقة، بل هو العمود الفقري للتنظيم، وسيلة للتعبئة والدعاية وكسر هيمنة الإعلام البرجوازي، ومنبر لنقل قرارات المجالس الطبقية وتبادل الخبرة.

إن دروس التاريخ واضحة: الثورة التي لا تبني سلطتها البديلة تُختطف أو تُهزم. من روسيا 1905 و1917 إلى السودان في 1964 و1985، تتكرر الحقيقة ذاتها. لا خلاص إلا ببناء المجالس الطبقية للتحرير، لا كفكرة رومانسية بل كحاجة عملية وحاسمة. فلنبدأ من اليوم، من حيّنا ومصنعنا وجامعتنا، بتشكيل النواة الأولى. فمن شرارة صغيرة تشتعل النيران، ومن مجلس واحد تنبثق سلطة الشعب. وكما قال لينين: "من دون سلطة مجالس طبقية، فإن الثورة ستظل نصف ثورة".

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 6. السودان بين الثورة والثورة المضادة: السوفييتات أو الهزيمة
- الانتهازية والانعزالية: وجهان لعملة واحدة في أزمة اليسار الث ...
- 5. أشكال بلا مضمون: كيف حوّلت الثورة المضادة أدوات النضال ال ...
- 4. السوفييتات - النموذج التاريخي والضرورة الراهنة
- 3. الجذور التاريخية للثورة: دروس من تجارب الشعوب
- 2. الوهم الإصلاحي ولجان الأحياء: آلية البرجوازية الصغيرة لسر ...
- على خط النار: الثورة السودانية بين الأوهام والسلطة 1. لماذا ...
- 21. إصلاحية مقنّعة، جذرية منهزمة
- 20. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 19. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 18. من الراديكالية الزائفة إلى الانحراف البيروقراطي
- 17. هيمنة البرجوازية الصغيرة: صراع طبقي داخل الحزب
- 16. استعادة القيادة البروليتارية: شرط البقاء الثوري
- 15. الأممية الشكلية والديمقراطية الشكلية: أدوات هيمنة البرجو ...
- 14. الريف الغائب: جغرافيا الصراع الطبقي المُهملة
- 13. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي
- 12. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي.
- 11. ​خزينة الحزب الثوري: البوابة السرية لهيمنة البرجوا ...
- 10. الاستعمار وتشكُّل البرجوازية الصغيرة: الجذور التاريخية ل ...
- 9. البرجوازية الصغيرة بين التأرجح الطبقي وعجز القيادة الثوري ...


المزيد.....




- بجانب زوجة ماكرون.. فيديو رد فعل الأمير السعودي تركي الفيصل ...
- ترامب يشعل قلقا بعد تدوينة -شيكاغو ستعرف سبب تسمية وزارة الح ...
- الأزهر يحذر ويدعو الآباء لـ-تحصين- أبنائهم من لعبة إلكترونية ...
- 12 صورة من بين الأبرز خلال عام 2025
- هجوم روسي على كييف يتسبب بقتلى وانقطاع الكهرباء
- الاحتلال يقتحم رام الله ونابلس ومستوطنون يضرمون النار بمساحا ...
- زلزال الحوز.. كارثة طبيعية تضرر منها نحو 2.8 مليون مغربي
- شهداء بقصف مدرسة وخيمة تؤوي نازحين بغزة والاحتلال يصعّد نسف ...
- تورط رئيس سابق للشاباك بقضية خطف في ألمانيا
- مظاهرات في عواصم أوروبية دعما لفلسطين ومطالبة بمعاقبة إسرائي ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 7. المجالس الطبقية كسلطة بديلة: الطريق الوحيد أمام الثورة السودانية