أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 5. أشكال بلا مضمون: كيف حوّلت الثورة المضادة أدوات النضال الشعبي إلى أسلحة لإجهاض الثورة؟














المزيد.....

5. أشكال بلا مضمون: كيف حوّلت الثورة المضادة أدوات النضال الشعبي إلى أسلحة لإجهاض الثورة؟


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 02:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد شهدت الثورة السودانية واحدة من أعظم المفارقات في تاريخ الحركات الثورية: تحوّل أدوات النضال الجماهيري إلى أسلحة بيد أعداء الثورة. الإضراب الذي كان في روسيا عام 1917 سلاحاً للبلاشفة لاقتحام قصر الشتاء، تحوّل في السودان إلى أداة في يد الثورة المضادة لشل الاقتصاد وتقويض شرعية الحكومة الانتقالية. العصيان المدني الذي كان يجب أن يفتح الطريق أمام سلطة الشعب، أصبح مجرد وسيلة ضغط داخل النظام القائم.

هذه المفارقة المأساوية لا تعني أن الجماهير عاجزة عن النضال، بل تكشف عن أزمة القيادة والبرنامج. فالأشكال التنظيمية وحدها، مهما كانت ثورية في مظهرها، تبقى قشرة فارغة دون مضمون طبقي ثوري. السوفييتات في روسيا لم تكن مجرد "لجان إضراب"، بل كانت أجهزة سلطة موازية تطرح نفسها بديلاً عن دولة البرجوازية. كانت قيادتها بلشفية وبرنامجها ثورياً: "كل السلطة للسوفييتات"، "المصانع للعمال"، "الأرض للفلاحين". أما في السودان، فقد هيمنت على قيادة اللجان شرائح البرجوازية الصغيرة التي قدّمت رؤية إصلاحية تقوم على فكرة "تغيير النظام" دون الاستيلاء على السلطة.

هذا الفراغ في القيادة الطبقية والبرنامج الثوري هو الذي سمح للثورة المضادة أن تتحكم في أدوات النضال الشعبي. لقد فهمت قوى النظام القديم أن الإضراب العام، عندما يفتقر إلى قيادة ثورية وبرنامج واضح للاستيلاء على السلطة، يمكن تحويله إلى أداة لشل الاقتصاد وإضعاف أي حكومة انتقالية. وهكذا رأينا كيف تحوّلت إضرابات الموانئ في بورتسودان وإضرابات سائقي الشاحنات إلى ذرائع قدمتها الثورة المضادة كدليل على "فشل" التجربة الديمقراطية، ممهدة الطريق للانقلاب العسكري.

لينين حذرنا من هذه الآلية عندما أكد أن "السوفييتات بذاتها ليست ضمانة للثورة". ففي غياب القيادة الثورية والبرنامج الطبقي الواضح، يمكن لأشكال التنظيم الذاتي أن تتحول إلى مجرد أدوات ضغط داخل النظام القائم. الطبيعة الطبقية وبرنامجها السياسي هما ما يحولان هذه الأشكال إلى أدوات للثورة وليس أدوات للإصلاح.

غرامشي يقدم لنا المفتاح لفهم هذه المعضلة عندما يتحدث عن "الأزمة العضوية" - حين يموت القديم دون أن يولد الجديد بعد. سقوط نظام البشير لم يصاحبه ولادة قيادة ثورية قادرة على ملء الفراغ السلطوي. وهذا الفراغ هو الذي سمح للثورة المضادة أن تعيد إنتاج نفسها بأشكال جديدة.

التجربة السودانية تثبت أن النضال الجماهيري لا يكفي أن يكون واسعاً وعفوياً. يجب أن يكون موجهاً بوعي طبقي ثوري. فبدون الحزب الثوري، وبدون البرنامج السياسي الذي يربط المطالب الاقتصادية بالاستيلاء على السلطة، تتحول أدوات النضال إلى أسلحة تستخدم ضد مصلحة الجماهير ذاتها.

المهمة اليوم ليست في التخلي عن الإضراب والعصيان، بل في ملء هذه الأشكال بالمضمون الثوري. وهذا يتطلب بناء القيادة الثورية في مواقع العمل، وتحويل اللجان من منظمات للاحتجاج إلى نوى للسلطة العمالية، وربط النضال الاقتصادي اليومي بالصراع من أجل الاستيلاء على السلطة.

فقط بهذه الطريقة يمكننا تحويل أدوات النضال من أسلحة بيد الثورة المضادة إلى أدوات لتحرير الطبقة العاملة والجماهير الكادحة. فقط بتحويل الأشكال الجوفاء إلى سوفييتات حقيقية يمكننا أن نحول الهزيمة إلى نصر، والاستلاب إلى تحرر.

"الثورة لا تُصنع بالشعارات، بل بتنظيم الجماهير وتسليحها بالوعي والبرنامج."
تشي جيفارا

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 4. السوفييتات - النموذج التاريخي والضرورة الراهنة
- 3. الجذور التاريخية للثورة: دروس من تجارب الشعوب
- 2. الوهم الإصلاحي ولجان الأحياء: آلية البرجوازية الصغيرة لسر ...
- على خط النار: الثورة السودانية بين الأوهام والسلطة 1. لماذا ...
- 21. إصلاحية مقنّعة، جذرية منهزمة
- 20. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 19. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 18. من الراديكالية الزائفة إلى الانحراف البيروقراطي
- 17. هيمنة البرجوازية الصغيرة: صراع طبقي داخل الحزب
- 16. استعادة القيادة البروليتارية: شرط البقاء الثوري
- 15. الأممية الشكلية والديمقراطية الشكلية: أدوات هيمنة البرجو ...
- 14. الريف الغائب: جغرافيا الصراع الطبقي المُهملة
- 13. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي
- 12. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي.
- 11. ​خزينة الحزب الثوري: البوابة السرية لهيمنة البرجوا ...
- 10. الاستعمار وتشكُّل البرجوازية الصغيرة: الجذور التاريخية ل ...
- 9. البرجوازية الصغيرة بين التأرجح الطبقي وعجز القيادة الثوري ...
- 8. التحالفات الطبقية: بين ضرورة الثورة وفخ الهيمنة البرجوازي ...
- 7. البيروقراطية كأداة للهيمنة الطبقية
- 6. الانفصال عن الجماهير: كيف تتحول الأحزاب الثورية إلى أجهزة ...


المزيد.....




- استطلاع: ثلثا الفرنسيين يؤيدون استقالة ماكرون
- محمد الفايد.. إدارة -هارودز- تطلب من السلطات البريطانية إزال ...
- ترامب يوقع اليوم أمرا بتغيير اسم وزارة الدفاع إلى -وزارة الح ...
- مصدر يكشف لـCNN عن آخر التطورات بشأن اعتزام ترامب تغيير اسم ...
- مالي ترفع دعوى ضد الجزائر بمحكمة العدل الدولية بسبب إسقاط مس ...
- الولايات المتحدة - تونس: مشروع قانون في مجلس النواب الأمريك ...
- المغرب: مندوبية السجون تسمح لناصر الزفزافي قائد -حراك الريف- ...
- الإعلان عن خضوع بايدن لجراحة لإزالة ورم سرطاني.. ومتحدث باسم ...
- حفيد مانديلا: محنة الفلسطينيين أسوأ من نظام الفصل العنصري
- الهجري يجدد المطالبة بـ-كيان مستقل- لدروز سوريا ويشكر نتنياه ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 5. أشكال بلا مضمون: كيف حوّلت الثورة المضادة أدوات النضال الشعبي إلى أسلحة لإجهاض الثورة؟