أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر التقليدية














المزيد.....

12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر التقليدية


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 22:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تشكل الأزمة السودانية المستمرة دليلاً صارخاً على الإفلاس التاريخي للأطر السياسية التقليدية، من أحزاب حاكمة ومعارضة، التي استندت في وجودها إلى ذات البنى الطبقية والفكرية التي أوصلت البلاد إلى حافة الانهيار [1]. لقد تحولت هذه الأطر إلى نخب مغلقة، تمارس صراعاتها على المواقع ضمن الحدود التي يرسمها تحالف الإسلام السياسي والعسكر والطائفية، ذلك التحالف التاريخي الذي يحكم السودان منذ الاستقلال. في هذا السياق، انفصلت تلك التنظيمات عن الطاقات الحية التي فجرت ثورة ديسمبر، وعن المطالب المباشرة للنساء والشباب والفئات المهمشة. وهكذا، أصبحت جزءاً من الأزمة لا من حلها، لأنها أعادت إنتاج منطق التبعية والوصاية، بينما استمرت الدولة الطفيلية في إحكام قبضتها عبر الحرب والنهب.

لكن من بين ركام هذا الفشل، وفي خضم الحرب الأهلية المدمرة التي يشهدها السودان اليوم، تنبثق حركات اجتماعية من صميم القاعدة الشعبية، تتشكل بعيداً عن الأضواء والخطاب السياسي المنمق [2]. هذه الحركات تمثل الوجه الآخر للمقاومة في مواجهة تحالف العسكر والإسلام السياسي الذي أشعل الحرب لتحقيق مكاسب طبقية جديدة تحت غطاء الأيديولوجيا. جذور هذه المقاومة تمتد إلى تاريخ طويل من الصراع بين المركز والهامش منذ الحقبة الاستعمارية [3]، حيث رُبطت الأطراف بالاقتصاد الموجه للمركز، وقُمعت محاولات التنظيم المستقل عبر آلة القمع التي ورثتها الدولة الوطنية عن الاستعمار. ومع تعاقب الأنظمة، استمر هذا النهج في تهميش دارفور، جبال النوبة، النيل الأزرق، والشرق، ليصبح الإفقار والحرمان شرطاً لتراكم الثروة في المركز.

في واقع الحرب الحالي، حيث يستخدم تحالف العسكر والإسلام السياسي الميليشيات والعنف العرقي كأدوات لتحقيق أهدافه الطبقية، برزت لجان المقاومة بالأحياء كنموذج أكثر وضوحاً للحركات الاجتماعية البديلة. هذه اللجان لم تعد مجرد أدوات للاحتجاج، بل تحولت إلى فضاءات للتضامن الاجتماعي وإدارة الحياة اليومية في مواجهة الميليشيات المسلحة [4]. ففي ذروة القتال، تولت تنظيم توزيع الماء، إنشاء نقاط علاج طارئة، وبناء أنظمة إنذار مبكر ضد هجمات الميليشيات. بهذا المعنى، أعادت اللجان تعريف المقاومة كممارسة مجتمعية يومية، وليست مجرد فعل سياسي موسمي. إلى جانبها، تطورت حركات النازحين التي شكلت شبكات تضامن ذاتي في مواجهة التهجير القسري الذي تمارسه ميليشيات الإسلام السياسي والعسكر، وجمعيات المزارعين والرعاة التي دافعت عن موارد الحياة نفسها ضد نهب الميليشيات المسلحة. أما النساء، خاصة في الأحياء الشعبية ومخيمات النازحين، فقد أنشأن شبكات بديلة للأمان الاجتماعي، تعتمد على التمويل الذاتي والتضامن المحلي، متحديات بذلك منطق الدولة الأبوية والعنف الممنهج الذي تمارسه الميليشيات.

ما يميز هذه الحركات في ظل الحرب أنها ابتكرت شكلاً تنظيمياً مغايراً يتناقض مع النموذج الهرمي التقليدي، إذ تتبنى بنية أفقية قائمة على تداول المهام وتجنب تركيز السلطة [5]. هذه الديمقراطية المباشرة حصّنتها نسبياً من الاختراق، ووفرت لها مرونة عالية في مواجهة القمع المزدوج من النظام والميليشيات، عبر التحول بين العمل العلني والسري حسب الظروف. كما أنها ربطت بشكل عضوي بين مقاومة الحرب ومقاومة النظام الاقتصادي الطفيلي، إدراكاً أن الحرب هي أداة من أدوات التراكم الرأسمالي الطفيلي.

رغم ذلك، تواجه هذه الحركات تحديات جسيمة في ظل الحرب. الطبيعة اللامركزية التي تمثل مصدر قوتها قد تتحول إلى عائق أمام صياغة استراتيجية وطنية موحدة قادرة على مواجهة تحالف العسكر والإسلام السياسي بمشروع بديل متماسك. كما أنها مستهدفة باستمرار من قبل الميليشيات المسلحة التي تعتبرها تهديداً لنموذج السيطرة الذي تفرضه عبر العنف. وتعاني من محدودية الموارد مقارنة بالآلة المالية والعسكرية للنظام والميليشيات، ما يفرض ضغوطاً هائلة على قدرتها على الاستمرار. إضافة إلى ذلك، يظل التحدي الأعمق هو الانتقال من الوعي المناطقي إلى الوعي الطبقي، أي من الدفاع عن جماعة محلية إلى طرح مشروع تحرري يربط نضال الهامش بالصراع ضد الطفيلية ككل [6].

إمكانات تحول هذه الحركات إلى قوة ثورية في واقع الحرب المرير مرهونة بقدرتها على تجاوز هذه العقبات، والانخراط في بناء مشروع بديل وطني–طبقي يقطع مع الطائفية والوصاية والنخب. عندها فقط يمكن للهامش أن يتحول من موقع المقاومة السلبية إلى مركز إشعاع ثوري، يفتح أفق إعادة تعريف وحدة السودان على أسس طبقية–تحررية. إن ما يجري اليوم في الأحياء الشعبية والمعسكرات والقرى هو مختبر حي لإنتاج بدائل أكثر جذرية من كل ما تقدمه النخب التقليدية، وتجسيد عملي لروح ثورة ديسمبر التي لم تُهزم بل أعادت تشكيل نفسها في مستويات جديدة. وكما كتب فرانتز فانون: "إن المهمشين، المحرومين من كل شيء، حين يثورون لا يملكون إلا أن يغيروا كل شيء."

النضال مستمر،،
-------------------------
المراجع:
[1] Frantz Fanon, The Wretched of the Earth.
[2] V. I. Lenin, The State and Revolution.
[3] E. P. Thompson, The Making of the English Working Class.
[4] C. L. R. James, The Black Jacobins: Toussaint Louverture and the San Domingo Revolution.
[5] Ernesto Laclau and Chantal Mouffe, Hegemony and Socialist Strategy: Towards a Radical Democratic Politics.
[6] Howard Zinn, The People s History of the United States.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي و ...
- 10. معضلة القيادة الثورية: أزمة اليسار والتحالفات المشبوهة
- 9. ثورة ديسمبر: انفجار التناقضات الطبقية
- 8. الهيمنة الطفيلية: التعليم والإعلام والدين في السودان
- 7. البعد الجندري للأزمة: النساء بين القهر والمقاومة
- 6. استعمار الداخل: الحرب كآلية للنهب المنظم في السودان
- 5. إمبراطورية العسكر
- 4. الإنقاذ وتكثيف الطفيلية: من الأيديولوجيا إلى آلة النهب
- 3. التحول النيوليبرالي في عهد نميري: تفكيك القاعدة المنتجة
- 2. التأسيس الطائفي للرأسمالية الطفيلية في السودان (1898–1956 ...
- الأزمة البنيوية للرأسمالية الطفيلية التابعة في السودان
- 12. من الاحتجاج إلى بناء البديل الثوري في السودان
- التحديات والحلول الثورية
- 11. التحديات والحلول الثورية
- 10. الوهم الإصلاحي والواقع الطبقي
- 9. تفكيك إخفاق النماذج الجنينية في الثورة السودانية
- 8. المجالس الطبقية من البناء التنظيمي إلى المعركة الشاملة
- 7. المجالس الطبقية كسلطة بديلة: الطريق الوحيد أمام الثورة ال ...
- 6. السودان بين الثورة والثورة المضادة: السوفييتات أو الهزيمة
- الانتهازية والانعزالية: وجهان لعملة واحدة في أزمة اليسار الث ...


المزيد.....




- ملك الأردن: خطاب إسرائيل حول الأقصى سيُشعل حربًا دينية تتجاو ...
- الأردن: تهم جنائية جديدة بغسل أموال لنائب في حزب جبهة العمل ...
- نازحو غزة: الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يغيّر واقع الجوع و ...
- من أجل ربط المقاومات الاجتماعية بمناهضة التطبيع والاستبداد
- دولـة فـلـسـطـيـن: أتيحت الفرص فهل تحضر المسؤوليات؟
- إسرائيل تغلق معبر الكرامة بين الضفة الغربية والأردن حتى إشعا ...
- حماس ترفض اتهامات ترامب وتشيد بمخرجات مؤتمر حل الدولتين
- خامنئي: لسنا بحاجة لصنع أسلحة نووية.. ودفعنا ثمنًا باهظًا لت ...
- هل اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية قرار يملكه ماكرون وحده؟ -مقال ...
- منعوه من عبور الشارع بسبب موكب ترامب.. ماكرون يردّ باتصال مب ...


المزيد.....

- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر التقليدية