أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - الأزمة البنيوية للرأسمالية الطفيلية التابعة في السودان














المزيد.....

الأزمة البنيوية للرأسمالية الطفيلية التابعة في السودان


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 00:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1. الجذور وآليات التبعية

لا تزال التحليلات التقليدية لأزمة السودان عاجزة عن تجاوز التفسيرات السطحية التي تختزل المشكلة في إطار الفساد الفردي أو سوء الإدارة، متجاهلةً الجذور البنيوية العميقة المتجذرة في تاريخ التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية للبلاد. فالأزمة هنا ليست مجرد خلل عابر في الأداء، بل هي تعبير صارخ عن طبيعة نمط تراكم قائم على الريع والنهب والتبعية، حيث يصبح الفساد ليس استثناءً من القاعدة، بل الآلية الأساسية التي يدار بها هذا النظام.

تقدم المادية الجدلية إطاراً تحليلياً متكاملاً يسمح بسبر أغوار هذه الأزمة متعددة الأبعاد، حيث يتجلى التناقض الرئيسي ليس في صراع بين حداثة وتخلف، بل في صدام بين تحالف طفيلي مسيطر يعتمد على الريع والتبعية، وقوى إنتاج حقيقية تعاني من التهميش والإقصاء المنظم. لقد تشكلت البنية الفوقية السياسية والأيديولوجية عبر تاريخ السودان كأدوات فعالة لتكريس هذه الهيمنة الطبقية، سواء عبر آليات الطائفية أو العسكر أو الإسلام السياسي.

تتجلى مظاهر التشوه البنيوي في هيمنة أنشطة الريع والمضاربة والاستيراد على حساب الإنتاج الوطني، حيث يساهم قطاع الخدمات غير المنتجة بأكثر من 45% من الناتج المحلي، بينما لا تتجاوز مساهمة القطاع الصناعي 8% وفقاً لتقرير البنك الدولي، مما يعكس اختلالاً عميقاً في هيكل الاقتصاد يولد ثروة طفيلية غير منتجة ويعيد إنتاج دوامة التخلف والتبعية.

يكمن جوهر الأزمة في الارتباط العضوي لهذه الرأسمالية الطفيلية بالمراكز الإمبريالية، حيث تم تكريس السودان منذ الحقبة الاستعمارية كمصدر للمواد الخام وسوق للسلع المصنعة، واستمر هذا النمط عبر سياسات المؤسسات المالية الدولية التي فرضت برامج التكيف الهيكلي، مما أدى إلى تفكيك القطاع العام وخصخصة الخدمات الأساسية ورفع الدعم عن السلع الحيوية.

تعمل آليات التبعية على مستويات متعددة مترابطة، فمالياً أصبح السودان رهينة للديون الخارجية، وسياسياً تحولت النخب الحاكمة إلى وسيط لتطبيق أجندات خارجية، وثقافياً عملت المناهج التعليمية والإعلام على ترسيخ قيم الاستهلاك والتبعية وإضعاف الوعي الوطني المستقل.

تكشف التجربة التاريخية أن طبيعة الطبقة الحاكمة تجعل أي إصلاح حقيقي ضمن النظام مستحيلاً، فمن الأحزاب الطائفية التي أسست لنموذج الريع الزراعي، إلى النظام العسكري الذي أعاد إنتاج التحالف بثوب قومي، وصولاً إلى تجربة الإنقاذ التي مثلت ذروة النهب الممنهج تحت غطاء أيديولوجي ديني، حيث تغيرت الأقنعة لكن الجوهر بقي قائماً.

تشير المؤشرات إلى أن أكثر من 70% من الاستثمارات الأجنبية تتجه نحو القطاعات الاستخراجية، بينما لا يحصل القطاع الزراعي سوى على 5% وفقاً للتقرير الاقتصادي العربي الموحد، مما يؤكد أن الاقتصاد أعيد تشكيله ليكون اقتصاداً ريعياً تابعاً يتخصص في تصدير المواد الخام واستيراد كل شيء.

ما يواجهه السودان ليس أزمة حكم عابرة، بل أزمة نموذج تراكم قائم على الطفيلية والتبعية، مما يجعل الثورة ضرورة تاريخية لتحرير قوى الإنتاج وبناء اقتصاد وطني قائم على الإنتاج والعدالة الاجتماعية، وهو ما سنحاول تناوله في المقالات القادمة عبر تشريح جذور الأزمة من الطائفية إلى العسكرة وصعود الإسلام السياسي، وصولاً إلى لحظة الثورة الراهنة وما تطرحه من مهام جذرية لبناء سلطة طبقية بديلة.

"الأزمات ليست سوى الانفجارات العنيفة للتناقضات الكامنة في النظام الرأسمالي"
كارل ماركس

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 12. من الاحتجاج إلى بناء البديل الثوري في السودان
- التحديات والحلول الثورية
- 11. التحديات والحلول الثورية
- 10. الوهم الإصلاحي والواقع الطبقي
- 9. تفكيك إخفاق النماذج الجنينية في الثورة السودانية
- 8. المجالس الطبقية من البناء التنظيمي إلى المعركة الشاملة
- 7. المجالس الطبقية كسلطة بديلة: الطريق الوحيد أمام الثورة ال ...
- 6. السودان بين الثورة والثورة المضادة: السوفييتات أو الهزيمة
- الانتهازية والانعزالية: وجهان لعملة واحدة في أزمة اليسار الث ...
- 5. أشكال بلا مضمون: كيف حوّلت الثورة المضادة أدوات النضال ال ...
- 4. السوفييتات - النموذج التاريخي والضرورة الراهنة
- 3. الجذور التاريخية للثورة: دروس من تجارب الشعوب
- 2. الوهم الإصلاحي ولجان الأحياء: آلية البرجوازية الصغيرة لسر ...
- على خط النار: الثورة السودانية بين الأوهام والسلطة 1. لماذا ...
- 21. إصلاحية مقنّعة، جذرية منهزمة
- 20. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 19. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 18. من الراديكالية الزائفة إلى الانحراف البيروقراطي
- 17. هيمنة البرجوازية الصغيرة: صراع طبقي داخل الحزب
- 16. استعادة القيادة البروليتارية: شرط البقاء الثوري


المزيد.....




- نيبال تشهد تعيين أول سيدة كرئيسة وزراء في تاريخها بعد احتجاج ...
- مالذي يعنيه خفض التصنيف الإئتماني لفرنسا؟
- أي مسار بعد إعلان -نيويورك- نحو دولة فلسطينية؟
- أول لقاء بين رئيس وزراء قطر مع نائب ترمب ووزير خارجيته بعد ه ...
- أسامة حمدان: محاولة اغتيال وفد حماس إطلاق نار مباشر على ورقة ...
- فيدان: الاعتراف بجرائم إسرائيل في غزة خطوة نحو العدالة الدول ...
- جنوب لبنان.. إصابة شخصين جراء استهداف مسيرة إسرائيلية
- عشرات القتلى في غزة بغارات ونيران إسرائيلية
- لغز الرصاصة البعيدة.. أميركا تبحث عن -القناص الشبح-
- الإمارات تستدعي نائب السفير الإسرائيلي


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - الأزمة البنيوية للرأسمالية الطفيلية التابعة في السودان