أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي والعسكر (معدلا)














المزيد.....

11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي والعسكر (معدلا)


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 23:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن انتصار الثورة السودانية، حين يتحقق، لن يكون خاتمة النضال بل بدايته الفعلية. فالتحدي الأكبر الذي سيقف أمام الحزب الثوري هو مواجهة وتفكيك البنى الطبقية التي كبّلت مشروع التحرر الوطني والاجتماعي منذ الاستقلال، وعلى رأسها الطائفية، الإسلام السياسي، والعسكر. هذه القوى الثلاث ليست مجرد انحرافات في مسار السياسة السودانية، بل هي التعبير الأكثر وضوحاً عن موقع محدد داخل علاقات الإنتاج والسيطرة، وهي الضامن التاريخي لبقاء الاستغلال وتكريس تبعية السودان للرأسمالية العالمية. لذلك فإن تحطيمها ليس مسألة جزئية بل هو شرط لبقاء الثورة نفسها [1].

فالطائفية لم تكن مجرد مؤسسة دينية، بل شكّلت لقرون جهازاً اجتماعياً-اقتصادياً لإعادة إنتاج السيطرة الطبقية. عبر الملكية العقارية الواسعة وعلاقات شبه الإقطاع، حوّلت ملايين الفلاحين إلى أتباع مسلوبي الإرادة، يخضعون للولاء الشخصي والشرعية الروحية التي غذّت تديين الفقر وتبرير الطاعة. لم يكن الفقر قدراً بل أداة حكم، ولم يكن الولاء الروحي سوى قيداً مادياً في يد البيوت الطائفية. لذلك فإن الثورة المنتصرة لا يمكن أن تكتفي بتفكيك الهياكل التنظيمية لهذه الطوائف، بل عليها أن تضرب في جذرها المادي: مصادرة الأراضي الكبيرة وإعادة توزيعها على الفلاحين، تأسيس التعاونيات الزراعية، وتحويل الفلاحين من أتباع إلى منتجين أحرار. فهنا فقط ينهار الأساس الذي يقوم عليه الولاء الطائفي، ويولد مجتمع جديد [2].

أما الإسلام السياسي فقد كشف منذ انقلاب الجبهة الإسلامية في 1989 أنه ليس إلا الوجه الأكثر صفاقة للرأسمالية الطفيلية السودانية. تحت غطاء الدين، حيث أُطلقت أوسع عمليات النهب والخصخصة والفساد، وتحول جهاز الدولة إلى أداة للإثراء الشخصي. لم يكن ذلك انحرافاً، بل التعبير الصريح عن أزمة برجوازية عاجزة لم تستطع أن تبني اقتصاداً مستقلًا، فلجأت إلى الدين كستار [3]. مواجهة هذا التيار لا يمكن أن تُختزل في ملاحقة قياداته أو حظر تنظيمه، بل تتطلب اقتلاع الأساس الاجتماعي الذي يقف عليه: مصادرة البنوك والشركات التي راكم عبرها ثروته، إسقاط القوانين التي شرّعت استغلال النساء والعمال باسم الإسلام السياسي، وبناء ثقافة ثورية علمانية تحرر وعي الجماهير من سطوة الخطاب الإسلاموي. وكما قال لينين، حين يتحول الدين إلى أدة للطبقات السائدة يصبح أفيوناً يقتل القدرة على الثورة — والإسلام السياسي حين يُستخدَم بهذا الشكل يؤدي الدور ذاته، لذا، يجب سحقه بلا مساومة [4].

أما المؤسسة العسكرية فقد شكّلت على الدوام الذراع الحديدي لهذه البنى. منذ الاستقلال وحتى اليوم، فقد كان الجيش السوداني حارساً لمصالح الرأسمالية المحلية والهيمنة الإمبريالية تحت لافتة الوطنية. كل انقلاب عسكري، من 1958 إلى 1969 إلى 1989، لم يكن سوى محاولة لإنقاذ جهاز الدولة الطبقي من خطر التغيير الثوري. الجيش لم يكن أبداً محايداً، بل ظل أداة قمع طبقي بامتياز [5]. لذلك فإن الثورة المنتصرة لا يمكن أن تترك هذا الجهاز قائماً كما هو، بل عليها أن تعيد بناءه من جذوره: تكوين قوة دفاع عمالية وفلاحية، ودمج الضباط والجنود أبناء الكادحين في جهاز جديد يقوم على الدفاع عن السلطة الثورية لا على قمعها [6]. إن تجربة الثورة الروسية والكومونة الباريسية أثبتت أن الطبقة العاملة لا تستطيع أن تستولي على آلة الدولة الجاهزة وتديرها لمصلحتها، بل عليها أن تحطمها وتبني جهازاً جديداً من صلب الجماهير [7].

إن الطائفية والإسلام السياسي والعسكر ليست قوى متوازية بل أركان شبكة واحدة: الأولى تصنع الولاءات، والثاني يوفّر الغطاء الأيديولوجي، والثالث يحرسها بالقمع. لذلك لا يكفي هدم أحدها منفرداً، بل يجب أن يُقابل ذلك ببناء بدائل ثورية متكاملة من صلب الجماهير، كي لا تملأ قوى الردة فراغ الثورة. إن الربط بين هذه المهام الثلاث يكشف جوهر الاستراتيجية الثورية: لا طائفية تبقى، ولا إسلام سياسي يستعاد، ولا عسكر يُترك كما هو. فكل تهاون مع الطائفية يعني إعادة إنتاج ولاءات ما قبل الطبقة [8]، وكل تسوية مع الإسلام السياسي تعني إعادة تدوير الرأسمالية الطفيلية [9]، وكل تراجع أمام العسكر يعني ترك السلاح في يد الجلاد. عندها تتحول الثورة إلى ذكرى، والانتصار إلى هزيمة مقنّعة [10].

الثورة السودانية إذن مطالبة بإنجاز ما عجزت عنه كل التجارب الإصلاحية السابقة: مصادرة الثروة وإعادة توزيعها [11]، تحطيم آلة الدولة القديمة وبناء جهاز جديد، تحرير الوعي الشعبي من قيود الماضي، وفتح الطريق أمام سلطة العمال والفلاحين والكادحين. هذا ليس خياراً بين بدائل، بل شرط لبقاء الثورة. وكما قال ماو تسي تونغ: "الثورة ليست حفلة عشاء، ولا كتابة مقالة، ولا رسم صورة، ولا تطريز قطعة قماش؛ الثورة انتفاضة، فعل عنف تلجأ إليه طبقة لتحطيم طبقة أخرى" [12].

النضال مستمر،،

المراجع:
𔁯. Miliband, Ralph. The State in Capitalist Society.
2. Gramsci, Antonio. Selections from the Prison Notebooks.
3. Fanon, Frantz. The Wretched of the Earth.
4. Lenin, Vladimir. Socialism and Religion.
5. Engels, Friedrich. The Origin of the Family, Private Property and the State.
6. Marx, Karl. The Civil War in France.
7. Lenin, Vladimir. The State and Revolution.
8. Althusser, Louis. On the Reproduction of Capitalism.
9. Harvey, David. A Brief History of Neoliberalism.
10. Luxemburg, Rosa. The Mass Strike, the Political Party and the Trade -union-s.
11. Trotsky, Leon. The Revolution Betrayed.
12. Mao Zedong. Report on an Investigation of the Peasant Movement in Hunan.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 10. معضلة القيادة الثورية: أزمة اليسار والتحالفات المشبوهة
- 9. ثورة ديسمبر: انفجار التناقضات الطبقية
- 8. الهيمنة الطفيلية: التعليم والإعلام والدين في السودان
- 7. البعد الجندري للأزمة: النساء بين القهر والمقاومة
- 6. استعمار الداخل: الحرب كآلية للنهب المنظم في السودان
- 5. إمبراطورية العسكر
- 4. الإنقاذ وتكثيف الطفيلية: من الأيديولوجيا إلى آلة النهب
- 3. التحول النيوليبرالي في عهد نميري: تفكيك القاعدة المنتجة
- 2. التأسيس الطائفي للرأسمالية الطفيلية في السودان (1898–1956 ...
- الأزمة البنيوية للرأسمالية الطفيلية التابعة في السودان
- 12. من الاحتجاج إلى بناء البديل الثوري في السودان
- التحديات والحلول الثورية
- 11. التحديات والحلول الثورية
- 10. الوهم الإصلاحي والواقع الطبقي
- 9. تفكيك إخفاق النماذج الجنينية في الثورة السودانية
- 8. المجالس الطبقية من البناء التنظيمي إلى المعركة الشاملة
- 7. المجالس الطبقية كسلطة بديلة: الطريق الوحيد أمام الثورة ال ...
- 6. السودان بين الثورة والثورة المضادة: السوفييتات أو الهزيمة
- الانتهازية والانعزالية: وجهان لعملة واحدة في أزمة اليسار الث ...
- 5. أشكال بلا مضمون: كيف حوّلت الثورة المضادة أدوات النضال ال ...


المزيد.....




- توم هولاند يأخد استراحة من تصوير -Spider Man- بسبب إصابة
- ماكرون يعلن اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية
- -كيف وصلت من القاعدة لرئاسة سوريا؟- هكذا رد الشرع على سؤال م ...
- القسام تبث فيديو رهينة إسرائيلي يهاجم نتنياهو.. وإسرائيل تحذ ...
- وسط خلاف تجاري مع واشنطن.. كوريا الجنوبية تحذر من أزمة مالية ...
- مناورات -بحر الصداقة-: مصر وتركيا تعيدان تشكيل المشهد في شرق ...
- دولة فلسطين: كيف سيترجم الاعتراف بها عمليا؟
- السعودية تعتمد ضوابط جديدة للمحتوى الإعلامي والرقمي لحماية ا ...
- قطر: الهجوم الإسرائيلي يهدد كل الاتفاقات المبرمة بالمنطقة
- إسرائيل تتوعد أسطول الصمود


المزيد.....

- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي والعسكر (معدلا)