أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح في السودان














المزيد.....

1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح في السودان


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 00:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تمهيد

تقدَّم الأزمة السودانية منذ اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل 2023 نفسها كواحدة من أعقد تجليات التناقضات في الرأسمالية الطرفية. فالمشهد ليس مجرد حرب بين جنرالين أو صراع بين مؤسستين عسكريتين، بل هو انفجار لتناقضات اجتماعية–طبقية تراكمت عبر عقود من سياسات النهب والتبعية، منذ الاستقلال الشكلي وحتى لحظة الثورة الشعبية في ديسمبر 2018 وما تلاها من انتفاضات. غير أن الخطاب الإصلاحي السائد، المدعوم من المؤسسات الدولية والإقليمية، يحاول أن يختزل هذه الأزمة الوجودية إلى شعارات إنسانوية سطحية مثل "الحياة أولاً"، وإلى مقولات عن "السلام" و"الانتقال المدني الديمقراطي"، وكأن جوهر الأزمة هو غياب إدارة رشيدة أو سوء تفاهم سياسي يمكن تجاوزه عبر اتفاق بين النخب.

إن التحليل الماركسي لا يقبل هذه الاختزالات. فالأزمة السودانية، مثلها مثل أزمات الهامش العالمي الأخرى، هي أزمة بنيوية ناتجة عن طبيعة التراكم الرأسمالي التابع وعن التكوين الطبقي المشوَّه الذي أفرزته. لذلك فإن أي محاولة لتقديم "السلام" أو "الحياة" أو "الانتقال" كحلول قائمة بذاتها، دون المساس بأساس البنية الطبقية، ليست سوى إعادة إنتاج لنفس الأزمة بوجوه جديدة. إنها مشاريع لإدارة الأزمة، لا لتجاوزها، وهي في الجوهر أدوات للطبقة السائدة وحلفائها الإمبرياليين لإجهاض الثورة وإعادة الجماهير إلى دائرة الخضوع.

هذه ليست هذه المرة الأولى التي يُستخدم فيها خطاب السلام أو الإنسانية كغطاء في الواقع السوداني. ففي تجربة دارفور، حين علت الأصوات الدولية مطالبة بـ"حماية المدنيين" و"التدخل الإنساني"، كان الواقع أن معسكرات النزوح تحولت إلى أدوات للسيطرة وإدارة السكان، بينما استمرت عمليات النهب الممنهج للموارد. وفي الجنوب، رفعت اتفاقية نيفاشا شعار "السلام" لتغطي على إعادة إنتاج السيطرة الإمبريالية عبر تقسيم البلاد وتكريس سلطة أوليغارشية جديدة متحالفة مع الشركات النفطية. كلا التجربتين تُظهران أن السلام الليبرالي لا يوقف الحروب، بل يضمن ديمومتها في شكل جديد، ويحولها من صراع مفتوح إلى أزمة مزمنة.

هذه الظاهرة ليست سودانية خالصة، بل هي جزء من دينامية عالمية. في فلسطين، تحولت القضية من حركة تحرر وطني إلى "أزمة إنسانية" يتم التعامل معها عبر المساعدات والإغاثة، بينما بقي الاحتلال الاستعماري في جوهره دون مساس. في أمريكا اللاتينية، استخدمت الولايات المتحدة خطاب "حقوق الإنسان" لتبرير تدخلاتها العسكرية والاقتصادية، بحيث أصبح الدفاع عن "الحياة" غطاءً لإدامة أنظمة الاستغلال والتبعية. وفي العراق وأفغانستان، رُفعت شعارات "إعادة الإعمار" و"الديمقراطية" بينما كانت النتيجة هي الفوضى المستدامة والنهب الإمبريالي للموارد.

إن شعار "الحياة أولاً" لا ينفصل عن هذين الخطين: الخط المحلي للإصلاحية الليبرالية التي تريد احتواء الثورة السودانية داخل حدود "انتقال مدني" محكوم بقواعد السوق العالمي، والخط الدولي للإمبريالية التي توظف الخطاب الإنساني لإعادة تشكيل الهامش بما يخدم مصالحها. بهذا المعنى، فإن "الحياة" ليست حياة الكادحين والفقراء، بل هي حياة النظام نفسه، الذي يسعى إلى إنقاذ ذاته من السقوط عبر حقنة إنسانوية تُطيل عمره قليلاً. وكما قالت روزا لوكسمبورغ: "إما الاشتراكية أو البربرية"، فإن هذه الشعارات، بظاهرها المسالم، ليست إلا دعوة إلى البربرية المؤجلة.

أما شعار "الانتقال"، فهو الوجه السياسي لهذه اللعبة. فالانتقال الذي يُطرح ليس انتقالاً اجتماعياً يطيح بالبنية الطفيلية ويضع أسس الإنتاج على قاعدة اشتراكية، بل هو انتقال ليبرالي ضيق، ينقل السلطة من جناح إلى جناح داخل نفس الطبقة، ويمنح الوهم للجماهير بأن الديمقراطية الشكلية تكفي لتحقيق العدالة. هذا ما حدث في تجارب كثيرة من "الانتقالات الديمقراطية" في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، حيث لم يتغير جوهر النظام الطبقي رغم الانتخابات والدساتير الجديدة.

إذن، المدخل الصحيح لفهم هذه الشعارات ليس أخذها في ظاهرها، بل تفكيكها جدلياً. فـ"السلام" الليبرالي هو أداة لإعادة إنتاج الحرب في شكل إداري؛ و"الحياة" الإنسانية المجرّدة هي أداة لتغطية موت الجماهير تحت الاستغلال؛ و"الانتقال" المدني الديمقراطي هو أداة لإجهاض الثورة وتحويلها إلى إصلاح ليبرالي محدود. هذه الأوهام الثلاثة، حين تتجمع، تُشكّل مشروعاً إصلاحياً كاملاً يسعى إلى إغلاق أفق الثورة السودانية وإعادة دمج البلاد في النظام العالمي التابع.

إن الثورة السودانية، إذاً، تقف اليوم أمام مفترق طرق: إما الانخداع بأوهام "السلام، الحياة، الانتقال" التي لا تعني سوى استدامة البؤس، أو الانطلاق في طريق ثوري واضح يقود إلى الاشتراكية، بوصفها الحل الوحيد الذي يحقق السلام الحقيقي والحياة الإنسانية الكاملة والانتقال الجذري نحو مجتمع جديد.

"إما أن تُحرز الطبقة العاملة النصر، وإما أن نهلك جميعاً معاً."
روزا لوكسمبورغ

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 14. الخاتمة: نحو بديل ثوري
- بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس
- الحدود كجهاز قمع طبقي في عصر الإمبريالية
- 13. المهام الطبقية للثورة السودانية: من الوطني إلى الاشتراكي
- 12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر الت ...
- 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي و ...
- 10. معضلة القيادة الثورية: أزمة اليسار والتحالفات المشبوهة
- 9. ثورة ديسمبر: انفجار التناقضات الطبقية
- 8. الهيمنة الطفيلية: التعليم والإعلام والدين في السودان
- 7. البعد الجندري للأزمة: النساء بين القهر والمقاومة
- 6. استعمار الداخل: الحرب كآلية للنهب المنظم في السودان
- 5. إمبراطورية العسكر
- 4. الإنقاذ وتكثيف الطفيلية: من الأيديولوجيا إلى آلة النهب
- 3. التحول النيوليبرالي في عهد نميري: تفكيك القاعدة المنتجة
- 2. التأسيس الطائفي للرأسمالية الطفيلية في السودان (1898–1956 ...
- الأزمة البنيوية للرأسمالية الطفيلية التابعة في السودان
- 12. من الاحتجاج إلى بناء البديل الثوري في السودان
- التحديات والحلول الثورية
- 11. التحديات والحلول الثورية
- 10. الوهم الإصلاحي والواقع الطبقي


المزيد.....




- ماذا نعرف عن -خطة ترامب للسلام- في غزة؟
- الحكم بسجن ساركوزي يثير مجددا الجدل حول تسييس القضاء في فرنس ...
- -معا من أجل غزة- ـ مظاهرة حاشدة في برلين تطالب بوقف الحرب في ...
- لماذا أثارت خطة ترامب لوقف إطلاق النار في غزة انقساما في حكو ...
- لماذا يشعر البعض بالبرد أكثر من غيرهم؟
- وداعا للنظارات.. السلطات الصحية الأميركية تجيز أول قطرة لعلا ...
- نبض أوروبا: مالذي يجعل انتخابات مولدافيا توصف بالحاسمة؟
- وزير خارجية سان مارينو: نعلن الاعتراف بدولة فلسطين
- 5 قتلى في فيضانات جنوب الجزائر
- الناتو يستعرض قوته في بحر الشمال بالتزامن مع تصاعد التوتر مع ...


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح في السودان