محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 09:48
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
إذا أردنا أن نقرأ تاريخ الجزائر بموضوعية، وبأسلوب مبسط يشبه معادلة "واحد زائد واحد يساوي اثنين"، فإننا نعرف جميعًا ـ تاريخيًا وأنثروبولوجيًا وتراثيًا وأركيولوجيًا ـ أن الأمم التي غزت الجزائر قد تركت بصماتها، ودوّنها التاريخ في كتبنا وفي كتب غيرنا. فقد تعاقبت عليها الإمبراطورية الرومانية، ثم الوندال، فالبزنطيون، ثم جاء العرب، فالأتراك، وأخيرًا الاستعمار الفرنسي.
والمعلوم أن هؤلاء الغزاة كانوا في معظمهم جيوشًا من الفرسان والجنود الذكور، لم تصحبهم عائلات ولا نساء. ومن الطبيعي، وفق منطق التاريخ والاجتماع، أن تكون بعض جداتنا قد تعرضن لاعتداءات أو اغتصاب في تلك الحقب، وهو أمر محتمل جدًا، كما يحدث في كل الحروب عبر التاريخ.
غير أن السؤال الجوهري هو: هل يمكن أن يكون أبناء تلك الحالات أكثر عددًا من أبناء الأرض الأصليين الذين يمتد وجودهم إلى آلاف السنين، منذ حضارة نوميديا العريقة ومؤسسها ماسينيسا؟ إن المنطق والتاريخ معًا يؤكدان أن الأغلبية الساحقة ظلت مندمجة في أصولها الأمازيغية الراسخة، وأن ما نتج عن تلك الحوادث يبقى محدودًا مقارنة بالامتداد العميق للشعب في أرضه.
ويكفي أن نتذكر القادة العظماء الذين حملوا لواء هذه الأرض، من ماسينيسا ويوغرطة إلى أكسيل حامي الحمى، الذي جسّد روح المقاومة والثبات، ووقف سدًّا منيعًا في وجه الغزاة، ليؤكد أن الجزائر لم تكن يومًا أرضًا مستباحة، بل حصنًا لأهلها وهويتهم.
ولا يأتيني أحد ليقول إن هجرات جاءت من الشرق الأوسط أو الخليج أو الشام أو الأندلس أو حتى من فرنسا، فذلك لا يُغيّر من الحقيقة شيئًا؛ فهذا يسمى اغترابًا أو لجوءًا. ومن استقر في الجزائر صار جزائريًا بلا أي خلاف، مرحبًا به في أرضٍ تتسع للجميع.
إن قراءة التاريخ بهذا الشكل البسيط، بعيدًا عن المبالغات والتهويل، تجعلنا نميز بين الأحداث الطارئة والجذور الراسخة. فالجزائر ليست ابنة الغزو، وإنما وريثة حضارة ضاربة في عمق الزمن.
وهنا تكمن الحقيقة العظمى: أن الجزائر ابنة ماسينيسا ويوغرطة وديهيا وأكسيل، وحفيدة نوميديا العريقة، وأمّ نوفمبر المجيد. جذورها أمازيغية أصيلة، وهوية شعبها عصيّة على الطمس، أقوى من الغزاة وأبقى من كل العواصف.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟