محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8470 - 2025 / 9 / 19 - 09:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجزائر ليست مجرد أرض، ولا تاريخًا يُنسى بسهولة، بل هي كيان حضاري ضارب في أعماق الزمن. من يشعر بانتمائه للوطن، يشعر بانتمائه لتاريخه العريق، لتلك الأرض التي شهدت حضارات متعاقبة منذ إنسان عين الحنش، تيغنيف، الحضارة العاترية، الماصيل والماصيصيل، ونوميديا، وصولاً إلى يومنا هذا. الجزائر لم تولد بالأمس، ولم تُختصر في حقبة واحدة، بل صاغتها التربة والجبال والبحار، وشهدت على صمود شعبها منذ فجر التاريخ.
أما الإنسان المقهور، فاقد البوصلة، الكاره لذاته، فهو لا يميز بين الوطن وأسياده. يجعل انتماءه لأرض الغزاة الوافدين من الشرق أو الغرب، ويرتاح حين تُذكر له أصول اليمن أو تركيا أو الفينيقيين، لكنه ينفجر غضبًا إذا تطرق الحديث إلى تاريخ وطنه العريق، فلا يجد إلا الشتائم للدفاع عن أطروحته المبرمجة مسبقًا. هذا الصراع النفسي والاجتماعي يعكس غياب الوعي الوطني، ويدفع البعض إلى تزوير الواقع وإضعاف الانتماء الحقيقي.
قبل عام 1962، كانت الجزائر تحت نير الاستعمار. تعاقبت على بلادنا أجناس مختلفة، كل جنس حاول طمس هويتنا، لكن الشعب الجزائري الأصيل تمسك بجذوره العميقة، وصمد أمام كل محاولات الاندثار. وعندما نلنا استقلالنا، ظن الشعب أنه استرجع هويته، لكن من تولى الحكم بعد الاستقلال في 1962 زاد من محاربة الهوية الجزائرية، التي صمدت رغم العواصف، ولم تُستطع قلعها إلا بعد دستورها في عهد الرئيس بوتفليقة رحمه الله.
ومع ذلك، ما زال هناك من يطعن في هذه الهوية: من ينسبنا إلى اليمن أو الفينيقيين أو الفرنسيين أو الأتراك، ناسوا أن مؤتمر الصومام أكد بشكل قاطع: الجزائر جزائرية، لا غربية ولا شرقية. هذه الحقيقة يجب أن تكون راسخة في ذهن كل جزائري، لأنها الضمانة لاستمرار الأمة واستقلالها النفسي والثقافي والسياسي.
الجزائر ليست فقط وطنًا جغرافيًا، بل هي أمانة شهداء، وحصن الأجداد، وصوت التاريخ الذي لا يُسكت. من يحب الجزائر حقًا ويريد العيش فيها، مرحب به بشرط واحد: أن يؤمن بأن الجزائر جزائرية، بكل تاريخها، بكل دماء شهدائها، بكل تضحيات مجاهديها.
إن الدفاع عن الهوية هو واجب مقدس، ليس فقط مسؤولية الدولة، بل مسؤولية كل مواطن جزائري. فالأمة الجزائرية لم تُخلق لتتبع أحدًا، ولم تُصنع لتكون تحت وصاية أو أن تكون مجرد ظل لأمة أخرى. هوية الجزائري هي هويته الذاتية، والتاريخ شاهده الأبدي.
فلنرفع صوتنا عاليًا، ولنصون ما غرسه الأجداد في أرضنا ودماء الشهداء في حاضرنا. الجزائر أكبر من كل محاولات التزييف، أسمى من كل الغزاة، وأبقى من كل الأوهام.
تحيا الجزائر، جزائرية حرة، أبية، لا تُباع ولا تُقهر.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟