محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 10:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صرخة أجيال بلا صوت
لا شيء أقسى على الوطن من أن يرى أبناءه يفرّون منه، بحثًا عن أملٍ افتقدوه في أرضه، وكرامةٍ عجزوا عن صونها داخله. ليست الهجرة نزوة عابرة أو رغبة في مغامرة مجهولة؛ بل هي صرخة مكتومة لشبابٍ وجدوا في أوطان الآخرين ما حُرموا منه في وطنهم: التعليم النافع، والفرص الحقيقية، والأفق المفتوح.
إنّ الحرمان من التعليم الجادّ، القادر على صناعة العقول لا استنساخها، يخلّف مجتمعًا هشًّا، تتقاذفه الأمواج، ويصبح شبابه فريسة للتيه والاغتراب. إنّه جرحٌ غائر في جسد الجزائر، جرحٌ يزداد اتساعًا كلما استُبدل العقل الحيّ بالتلقين، وكلما أُهملت الطاقات الواعدة في دهاليز البيروقراطية والإقصاء.
لقد اتخذت بعض التيارات الفكرية والدينية أداةً لتنويم الشعب، وتثبيت الجهل، وإعاقة وعي الأجيال. المدخلية، السلفية الوهابية، والإخوانية ليست مجرّد اتجاهات، بل صارت ــ في كثير من الأحيان ــ مخدّرًا يسكّن غضب الناس، ويغذّي الانقسام، ويصرف العقول عن التفكير في الحقوق والعدالة والتنمية. وحين يسبق نضج الشعب حكّامه، ينشأ خللٌ خطير يهدّد استقرار الدولة، إذ لا يمكن للأمة أن تنهض بعقولٍ مكبّلة، ولا بأحلامٍ مسروقة.
إنّ الشباب الجزائري لا يطلب المستحيل؛ إنهم يطلبون فرصًا عادلة، تعليمًا نافذًا إلى الواقع، ومؤسسات تحتضن قدراتهم بدل أن تفرّط فيهم. إنهم يريدون وطنًا يصغي إلى نبضهم، لا أن يُخدَّر بوعودٍ لا تتحقق، ولا بخطاباتٍ تتكرّر حتى تفقد معناها.
اليوم، لم يعد السؤال: لماذا يهاجر الشباب؟ بل: كيف نصنع وطنًا يجعلهم يتمسّكون به؟ الجواب يبدأ من مراجعة السياسات، من إصلاح التعليم، ومن إعادة الاعتبار للعدالة الاجتماعية، ومن حماية الأجيال القادمة من مصيرٍ أسوأ. الجزائر ليست فقيرة في مواردها، لكنها مهدّدة بالفقر في عقول أبنائها إذا ظلّت رهينة الجهل والتنويم.
ختامًا، هذه صرخة أجيال بلا صوت، أجيال ترفض أن تُدفن أحلامها في صمت، وتصرّ على أن يُسمع صوتها قبل فوات الأوان. الجزائر تحتاج إلى مجتمعٍ واعٍ، عادلٍ وآمنٍ للجميع. وإلا فإنّ الأمل سيواصل الهروب، ولن يبقى في الأوطان سوى الفراغ.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟