محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8460 - 2025 / 9 / 9 - 21:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجزائر تضيع… ليس لأننا نفتقر إلى الثروات، ولا لأننا نجهل طريق النهضة، بل لأننا ما زلنا نرفض أن نرى الحقيقة وجهًا لوجه. العالم يمضي مسرعًا نحو الغد، أمم تصنع مستقبلها، تزرع عقول أبنائها بالعلم، تبني مراكز البحث، وتستثمر في المعرفة، بينما نحن نغرق في وحل صراعات عقيمة، نعيد تدوير نفس الأسئلة منذ عقود، ونستحضر نفس الأجوبة الميتة، ونظن أننا بذلك نصنع حاضرًا أو نحمي هوية.
مدارسنا تُهمل، ومستشفياتنا تئن، ومراكز البحث العلمي تذبل كما تذبل زهرة بلا ماء. شبابنا يقفون على أرصفة الانتظار، تائهين بين البطالة والهجرة واليأس. في الوقت ذاته، ننفق المليارات على مظاهر وطقوس متكررة، بينما ينهار التعليم، وتختنق الصحة، ويُحتضر العقل. نتصرف وكأن الشعارات تصنع الأوطان، بينما الأمم من حولنا تبني نهضتها بالتكنولوجيا، والابتكار، والعقل الحر.
هنا تتجلّى العلمانية، لا كترفٍ فكري أو خيار سياسي، بل كحتمية وجودية لا مفر منها. العلمانية ليست عدوة الدين كما صوّرها دعاة الخوف، بل هي الحارس الذي يحمي الدين من التوظيف السياسي، ويصون الدولة من الفوضى الفكرية. إنها النظام الذي يعيد ترتيب الأولويات: العلم قبل المظاهر، والمعرفة قبل العادات، والمستقبل قبل الماضي.
العلمانية تعني أن تكون ثرواتنا في خدمة الإنسان لا في خدمة الطقوس، وأن نضع طاقتنا في بناء مدارس تُعلّم لا تُلقّن، ومستشفيات تُداوي لا تُهمل، ومراكز بحث تُنتج المعرفة بدل أن تستهلكها. تعني أن نحرّر عقولنا من سلطة الأيديولوجيا، وأن نضع العقل في مكانه الطبيعي: بوصلة الإنسان في مواجهة مصيره.
لسنا أقل شأنًا من الأمم التي نهضت، لكننا أقل شجاعة في مواجهة أوهامنا. لسنا فقراء في الثروات، لكننا فقراء في ترتيب أولوياتنا. لسنا أمةً بلا ماضٍ، لكننا أسرى الماضي حتى صرنا غرباء عن المستقبل.
نحن اليوم عند مفترق طرق:
إما أن نختار طريق العقل والنهضة، فنستعيد مكاننا بين الأمم،
وإما أن نواصل الغرق في مستنقع التبعية والتخلف، حتى نصبح خارج التاريخ.
لا نهضة بلا علمانية… ولا حداثة بلا عقلانية… ولا مستقبل بلا شجاعة كسر القيود.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟