أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محفوظ بجاوي - الجزائر ونوميديا : هوية ضاربة في عمق الزمن














المزيد.....

الجزائر ونوميديا : هوية ضاربة في عمق الزمن


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 09:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ أقدم العصور، شكّلت الجزائر فضاءً حضاريًا أصيلًا في قلب شمال إفريقيا. وعلى أرضها قامت مملكة نوميديا التي أسّسها الملك العظيم ماسينيسا في القرن الثالث قبل الميلاد، وهو أوّل من وحّد القبائل الأمازيغية تحت راية دولة مركزية لها سيادة وقوانين وحدود وجيش. لم تكن نوميديا مجرّد كيان سياسي عابر، بل هي اللبنة الأولى التي أرست معنى الدولة في هذه الأرض، وجعلت من الجزائر قلبًا نابضًا للحضارة الأمازيغية.
لقد أدرك ماسينيسا أن أساس قوة الأمة يكمن في الأرض والهوية، ولذلك رفع شعارًا ظل خالدًا عبر القرون: «إفريقيا للأفارقة». لم يكن يستجدي نسبًا من الشرق أو الغرب، ولم يطلب اعترافًا من غزاة البحر المتوسط، بل بنى مجده على أصالته، فأقام الزراعة، وطوّر العمران، ووطّد أركان جيشٍ صار شوكة في حلق روما وقرطاجة على السواء.
هذا التاريخ العريق يبيّن لنا أن الجزائر لم تكن يومًا "دار أيتام للأنساب" كما يروّج البعض، ولم تنتظر سفيرًا أجنبيًا ليحدّد نسبها أو يوزّع عليها هوية مستوردة. فالأرض التي أنجبت ماسينيسا، وأنجبت من بعده يوغرطة، والمقاومات الشعبية من الملكة ديهيا الملقبة بالكاهنة، إلى أكسيل القلب العظيم، ثم الأمير عبد القادر، والمقراني، وبوعمامة، ورجال نوفمبر: عميروش، وديدوش، وبن مهيدي، وعبان، وبوضياف، وغيرهم… لا يمكن أن تُختزل في نسبٍ عابر أو غزوٍ طارئ.
صحيح أن الجزائر تعرّضت عبر القرون إلى موجات من الغزوات: الرومان، الوندال، البيزنطيون، العرب، الأتراك، فالفرنسيون. وصحيح أن هؤلاء تركوا بصماتهم بدرجات متفاوتة. لكنهم جميعًا ظلّوا عابرين، بينما بقيت الجذور الأمازيغية ضاربة في الأرض، تتجدّد وتعيد إنتاج ذاتها رغم كل العواصف. إنّ أبناء هذه الأرض لم يذوبوا في غزوات عابرة، بل استوعبوها وأذابوها في هويتهم العميقة.
ولذلك فإن أي محاولة اليوم لفرض نسب أجنبي على الجزائريين ـ سواء جاء من سفير تركي أو من أصوات تدّعي الانتماء إلى اليمن أو الشام أو الأندلس ـ ليست سوى إساءة إلى الذاكرة الجماعية. الجزائر لم تُخلق بلا جذر، بل لها أصل أوضح من الشمس: نوميديا، حضارتها الممتدة، وشهداؤها الذين ارتوت الأرض بدمائهم.
إن أخطر ما يواجهنا اليوم ليس خطاب السفراء، بل تلك التربة الهشّة التي وفّرها بعض الجزائريين حين صاروا يتسوّلون الأنساب: مرّة يزعمون أنهم يمنيون، وأخرى فينيقيون، أو كنعانيون… وكأن الأصل الأمازيغي لا يكفيهم! هؤلاء هم عرّابو الوهم، وباعة الهوية في سوق التاريخ الرخيص.
لكن الحقيقة التي يثبتها التاريخ والأنثروبولوجيا معًا هي أن الجزائر سيدة الحضارات، وليست لقيطة غزوات. جذورها تمتد آلاف السنين، من نوميديا العريقة وماسينيسا الحكيم، وصولًا إلى نوفمبر المجيد وشهداء الاستقلال الذين لُفّوا بعلم الهلال والنجمة.
ومن هنا، وجب على الدولة ومؤسساتها ـ من الخارجية إلى الثقافة والدفاع ـ أن تتحمّل مسؤوليتها في حماية الهوية الوطنية، وسنّ قوانين صارمة ضد كل من يتجرّأ على التشكيك في أصالتها. فالسكوت ليس حكمة، بل تقصير في حق وطن قدّم ملايين الشهداء ليبقى حرًّا مستقلًا.
الجزائر لا تحتاج شهادة نسب من أحد. الجزائر تُعرّف نفسها بنفسها: بتاريخها، بأرضها، بشعبها، وبحضارتها التي سبقت الغزاة وستظل بعد رحيلهم.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزائر... هوية لاتباع ولاتنسى
- هروب الأمل من الوطن : الجزائر بين الجهل وتنويم الشعب
- سليل نوميديا بين المجد والوعي : الجيش والشعب في ميزان التاري ...
- العقل ثورة... والبقية عبيد الأوهام
- الجزائر... حين يختنق المستقبل في حضن الماضي
- اغتيال الهوية الجزائرية: الغزو الفكري الذي تهمله الدولة
- المثقف العشائري... حين يتحوّل إلى أداة اصطفاف
- لعبة النار...بين النظام والتيارات المتطرفة في الجزائر
- النهضة لا جنس لها...من المانيا إلى الجزائر،الدرس الذي لم نتع ...
- الجزائر بين مطرقة الاستعمار القديم وسندان الوصاية الجديدة: ا ...
- الجزائر: وعي شعب يقطع الطريق على محاولات التلاعب وحكمة تقود ...
- رشيد بوجدرة والثورة الجزائرية: تصويب ضد التدليس الأيديولوجي
- العلمانية والإيمان : دعوا الدولة للناس،والدين لله
- عيد الاستقلال الجزائري : ذكرى المجد والتحدي
- التحرر من سجون الفكر.. دعوة إنسانية على خطى دوركايم
- محمد بوضياف....رجل حلم بدولة، فاغتالوه قبل أن يتم الحلم
- الحجاب: عادة اجتماعية أم فريضة دينية؟
- متى نتوقف عن الأدعاء بأن - الغرب منحل اخلاقيا -؟
- حينما يهدر الوطن ثرواته باسم العظمة
- الجزائر بين من حرروها... ومن حكموها: الحقيقة التي لاتقال


المزيد.....




- حزن أنثى حوت قاتل على نفوق عجلها يهزّ العالم.. كيف عبّرت عن ...
- قتله في الحمّام.. مواجهة مميته بين رجل ودب ضخم اقتحم منزله ف ...
- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على قطاع غزة، وبريطانيا والبرتغ ...
- مقتل 7 مدنيين في شمال سوريا.. قسد: فصائل موالية لدمشق وتركيا ...
- ريبورتاج: -لم يتبق شيء اسمه الدولة الفلسطينية-...رحلة فرانس ...
- طولها 14 مترا.. أوكرانيا تدمر مركبة روسية متعددة الاستخدامات ...
- روسيا تعيد إحياء مسابقة -إنترفيجن- الموسيقية والسعودية تستضي ...
- شهداء في يوم آخر من الإبادة بغزة وأونروا تحصي 1.9 مليون نازح ...
- مجلس مدينة ممفيس يرفض قرار ترامب نشر الحرس الوطني
- احتفاء بمشاهد نقل مركبات عسكرية تركية إلى سوريا.. ما حقيقة ا ...


المزيد.....

- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محفوظ بجاوي - الجزائر ونوميديا : هوية ضاربة في عمق الزمن