أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - محفوظ بجاوي - النهضة لا جنس لها...من المانيا إلى الجزائر،الدرس الذي لم نتعلمه بعد














المزيد.....

النهضة لا جنس لها...من المانيا إلى الجزائر،الدرس الذي لم نتعلمه بعد


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 11:02
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، كانت ألمانيا جرحًا مفتوحًا في قلب أوروبا؛ أرضٌ محروقة، مدنٌ مدمَّرة، اقتصاد منهار، وشعب مثقل بالخسائر والمآسي. ثلث رجالها قضوا في الحرب، والآخرون موزّعون بين الأسر والمنافي والمقابر، والبلاد مهدَّدة بالانهيار الكامل. في مثل هذا المشهد، كان يمكن للألمان أن يستسلموا للهزيمة وأن يتركوا رماد الدمار يبتلع حاضرهم ومستقبلهم، لكنهم اختاروا طريقًا آخر: طريق الإرادة والعمل، طريق بناء الإنسان قبل العمران، والنهضة قبل الندب على الأطلال.
لقد أدرك الألمان، منذ اللحظة الأولى، أن معركتهم الحقيقية لم تكن معركة جيوش وسلاح، بل معركة بقاء تتعلق بالقدرة على استنهاض الطاقات الكامنة في المجتمع، رجالًا ونساءً على حدّ سواء. لم يقفوا عند سؤالٍ عن دور المرأة ولا عند جدلٍ عقيم حول مكانتها؛ كانوا يعلمون أن الأوطان لا تُبنى بنصف طاقة ولا تنهض بنصف عقل. ففتحت المصانع أبوابها للنساء كما للرجال، واستقبلت الجامعات الطالبات كما تستقبل الطلاب، وشاركت المرأة الألمانية في كل تفاصيل الحياة، من إعادة تشييد البيوت المهدّمة إلى إدارة المختبرات العلمية والمساهمة في وضع أسس الاقتصاد الحديث.
كان وعيهم الجمعي واضحًا وبسيطًا في آن واحد: إذا لم تعمل كل يد، فلن تقوم للأمة قائمة. وإذا لم يُستثمر كل عقل، فلن يُكتب للوطن مستقبل. وهكذا تحوّلت المرأة الألمانية، في سنوات قليلة، من متلقٍّ للأحداث إلى صانعة للتاريخ، وارتقت بدورها من حدود الأسرة الصغيرة إلى فضاء المجتمع الكبير، لا من باب ترفٍ اجتماعي أو موضة عابرة، بل من باب الضرورة الوطنية. واليوم، بعد عقود قليلة من الانكسار، تقف ألمانيا بين أقوى اقتصادات العالم، بلا بترول ولا غاز ولا أراضٍ شاسعة، بل بما تملكه من عقول متّقدة وإرادة صلبة ورؤية واضحة لمستقبلها. لقد فهموا أن النهضة لا جنس لها، وأن الوطن لا يُبنى إلا حين تتكامل الطاقات لا حين يُقصى نصفها.
وعلى الضفة الأخرى، نقف نحن في الجزائر أمام مفارقة لا يمكن تجاهلها؛ بلد بحجم قارة، يزخر بالثروات الطبيعية، ويتكئ على إرث حضاري عريق، ويملك طاقات بشرية هائلة كان يمكن أن تصنع الفارق، ومع ذلك ما زلنا نتعثّر في خطواتنا الأولى نحو النهضة المنشودة. وليس سرًّا أن أحد أبرز أسباب هذا التعثّر هو تعطيل نصف قوة المجتمع، ذلك النصف المتمثّل في المرأة الجزائرية التي أثبتت، رغم كل القيود، كفاءتها العلمية وتفوّقها العملي في مجالات شتى، لكنها ما زالت تصطدم بجدار من النقاشات العقيمة التي تُستهلك فيها طاقاتها بدل أن تُستثمر.
ففي الوقت الذي سبقتنا فيه أمم عديدة إلى الحاضر والمستقبل، ما زلنا نغرق في أسئلة تجاوزها الزمن: هل مكان المرأة المطبخ أم المكتب؟ هل يجوز لها أن تتصدر منصبًا علميًّا أو سياسيًّا؟ هل عملها حقّ أصيل أم تنازل من المجتمع؟ هذه الأسئلة، التي حسمها العقل والواقع في بقاع أخرى من العالم، ما زالت عندنا مادة خصبة للجدل، في وقتٍ يحتاج فيه الوطن إلى كل يدٍ تبني، وكل عقلٍ يبتكر، وكل طاقةٍ تدفعه خطوة إلى الأمام.
لقد أثبتت المرأة الجزائرية قدرتها على الإسهام في ميادين الطب والهندسة والتعليم والبحث العلمي والفنون، وأظهرت من الكفاءة والالتزام ما يضعها في الصفوف الأمامية لأي مشروع وطني جاد. لكنها ما زالت، في كثير من الأحيان، رهينة تصورات اجتماعية جامدة تُقصيها عن مواقع القرار وتُهمّش دورها في بناء الاقتصاد والمجتمع. ومن هنا، فإن تجاوز هذه الذهنيات لم يعد رفاهية فكرية، بل شرطًا أساسيًّا للنهضة الحقيقية.
فالنهضة لا تتحقق بالشعارات ولا بالأماني، وإنما بالفعل الملموس والوعي العميق بأن المستقبل لا يُصنع بنصف عقل. إن الوطن الذي يُعطّل نصف طاقاته البشرية محكوم عليه بالتأخّر مهما امتلك من ثروات، ومجتمعٌ لا يؤمن بتكامل أدوار أفراده لا يمكنه أن ينافس في عالم تتحكم فيه العقول قبل الموارد.
إن المرأة الجزائرية ليست عبئًا يحتاج إلى معالجة، وليست قضيةً تنتظر الحسم، بل هي رصيد حضاري وثروة بشرية لا غنى عنها في معركة البناء. تمكينها ليس مِنّة من أحد، بل هو استثمار في مستقبل الوطن، وشرط لازم لنهضته واستقراره. وحين ندرك أن النهضة لا جنس لها، وأن الأوطان لا تُبنى بالتهميش والإقصاء، نكون قد وضعنا أقدامنا على أول الطريق الصحيح نحو جزائر قوية، مزدهرة، ومتصالحة مع ذاتها.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزائر بين مطرقة الاستعمار القديم وسندان الوصاية الجديدة: ا ...
- الجزائر: وعي شعب يقطع الطريق على محاولات التلاعب وحكمة تقود ...
- رشيد بوجدرة والثورة الجزائرية: تصويب ضد التدليس الأيديولوجي
- العلمانية والإيمان : دعوا الدولة للناس،والدين لله
- عيد الاستقلال الجزائري : ذكرى المجد والتحدي
- التحرر من سجون الفكر.. دعوة إنسانية على خطى دوركايم
- محمد بوضياف....رجل حلم بدولة، فاغتالوه قبل أن يتم الحلم
- الحجاب: عادة اجتماعية أم فريضة دينية؟
- متى نتوقف عن الأدعاء بأن - الغرب منحل اخلاقيا -؟
- حينما يهدر الوطن ثرواته باسم العظمة
- الجزائر بين من حرروها... ومن حكموها: الحقيقة التي لاتقال
- بين الجهل بالأرض وادعاء الوصاية على السماء: مأزق من لا يعرف ...
- النقد البناء ليس خيانة بل واجب وطني
- في حضرة الخوف....يولد الصمت وتنطفىء الأحلام
- من إستهلاك السلع إلى احتضار الفكر : حين نقتني كل شيء ونعرض ع ...
- التحرر من أسر الماضي: الطريق نحو نهضة حقيقية
- حين يُقصى العقل،وتُستبدل المعرفة بالوهم... يصبح الصمت جريمة.
- الممنوعات باسم الفضيلة: كيف تصنع القيود مجتمعا خائفًا ومقموع ...
- التعليم في أوطاننا... بين التلقين والجمود
- خراب العقول حين تغيب الفلسفة


المزيد.....




- امرأة قُتلت بدافع الشرف – وأحكام بالسجن على عدة من أفراد عائ ...
- توقيف بائع ملابس في الجزائر يُصور النساء داخل محله ويعرضها ع ...
- لماذا تثير اتفاقية سيداو الجدل دائماً، خاصة في الدول العربية ...
- انتصار تاريخي للفتيات الإيرانيات في كرة اليد
- ميرتس يدعو إلى انتخاب امرأة لمنصب رئيس جمهورية ألمانيا
- فيتامين -د- أثناء الحمل يعزز القدرات المعرفية للأطفال
- السعودية.. امرأة تنشل حقائب نسائية بمراكز تجارية والأمن يكشف ...
- عمل غير متوقع يجعل منه -بطلًا-.. فيديو ينتشر بسرعة هائلة لسا ...
- أنقذوا مروة عرفة.. مروة تستحق الحياة والحرية
- هبوط اضطراري لطائرة في ألمانيا.. بسبب امرأة -ثملة-


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - محفوظ بجاوي - النهضة لا جنس لها...من المانيا إلى الجزائر،الدرس الذي لم نتعلمه بعد