أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - من الجرح إلى المنار: قراءة ذرائعية في قصيدة «جُروح» للشاعر الأردني أمين أسعد زيد الكيلاني بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي















المزيد.....

من الجرح إلى المنار: قراءة ذرائعية في قصيدة «جُروح» للشاعر الأردني أمين أسعد زيد الكيلاني بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 07:45
المحور: الادب والفن
    


مقدمة القراءة
في حضرة الجرح الفلسطيني، لا تكون القصيدة مجرد نحيبٍ شعري، لكنها تتحوّل إلى منارةٍ لغوية تهدي الروح وسط ظلمة الفقد والمقاومة.
في قصيدته «جُروح»، ينسج الشاعر أمين أسعد زيد الكيلاني خريطةً شعورية تنطلق من لحظة مأساوية حدثت في طمرة — حيث سقطت أرواحٌ بريئة بين رماد المنازل والبحر المكلوم — لتصبح قصيدته سجلاً حيًّا للمقاومة والذاكرة الجمعية.
تتقدم هذه القراءة الذرائعية لتحلّل أبعاد النص في مستوياته المختلفة: البصري، اللغوي، الديناميكي، النفسي، والرمزي، في ضوء سياقه التواصلي والأخلاقي. تحاول أن تلتقط كيف ينجح الشاعر في تحويل الألم إلى قوة معنوية، والدمعة إلى صلاةٍ صافية، بحيث يصبح كل بيتٍ في القصيدة أشبه بمنارة تضيء درب الهوية الفلسطينية، وتعلن أن الأرض، مهما نزفت، ستبقى موثّقةً بدم أبنائها.
هكذا، تصبح قصيدة «جُروح» أكثر من نص؛ إنها وثيقة شعرية تتلاقى فيها الحقيقة والجمال، ليولد منها معنى أعمق: الجرح الذي لا يندمل إلا حين يتحوّل إلى منار، وإلى وعدٍ بالعودة.

أولًا – البؤرة الفكرية الواقعية والخلفية الأخلاقية:

القصيدة تنهض من حدثٍ طارئ ودامٍ: سقوط صاروخٍ على طمرة في 15 يونيو 2025 أودى بحياة أربع نساء من عائلة واحدة، بينهنّ الأم منار وابنتاها شذى وحلا، وقريبتهن منار ذياب خطيب .
مركز المعنى هنا هو جرحٌ جمعيٌّ يتجاوز حدود الألم الشخصي إلى صياغة رؤية تضحية وفداء من أجل الوطن الفلسطيني.

ثانيًا – المستوى البصري (التصويري)
«النَّايُ أضحى تائهًا» (ب٤) يرسم آلةً موسيقيّةً فقدت نَفَسها، فتتجسّد الغربة بصريًّا في صمت الناي.
«سقطت منارُ، ومِن شهابٍ حارقٍ / حَرَقَ الطموحَ…» (ب٨) تشخيصٌ مضاعف: الاسم «منار» = منارة/منارة بشرية. سقوطها يشبه انطفاء منارة بحرية، وتحوّل الشهاب إلى قذيفةٍ يحرق «الطموح» في لقطةٍ سينمائيّة خاطفة.
«صوتُ المآذنِ… مُتَهَدِّلٌ» (ب٥) يُحيل إلى مئذنةٍ منكسرةٍ أحالت نداءَ السماء إلى أنينٍ أرضي.

ثالثًا – المستوى اللغوي والموسيقي
اعتماد رويّ ثابت بـ«ـيقَه» يمنح النص إيقاعًا دائريًّا يكرّر صوت القافية كما يكرّر الألم.
الوزن يقترب من البحر الرجز (مُسْتَفْعِلُنْ) لكن الشاعر يكسر التفعيلات أحيانًا لصالح الدفقة الشعورية؛ ما يعكس ارتباك البوصلة في البيت الثالث نصًّا وموسيقى.
حقلٌ معجميٌّ للألم: «جرح – جراح – حريق – زفرة – غصّة – مأتم» يقابله حقلٌ تعلُّقي مضاد: «منار – طموح – فداء – جَنَّة». أسلوب التضاد يُبرِز صراع الذاكرة مع الحاضر.

رابعًا – المستوى الديناميكي (تنامي الحدث)
1. الانفجار الداخلي (ب١–٣): وصفٌ مفصل لعمق الجرح وفقدان البوصلة.
2. ارتباك الأصوات (ب٤–٦): تحوُّل أدوات الهوية (الناي، المئذنة) إلى رموزٍ مشروخة.
3. تشييع المنار (ب٧–٩): إعلان السقوط ثم تعداد الخسائر («ذوت زهورٌ في ربيع شبابها»)
4. العودة إلى البحر/الأرض (ب١٠–١٤): إعادة ترسيم حدود الانتماء («ذي أرضُنا… جذورُنا»).
5. أُفق الدعاء (ب١٥–١٦): إغلاق بنبرةٍ عرفانية ترفع الضحايا إلى «جَنَّةٍ مَغدوقَه».
التنامي يحوّل الجرح من محنةٍ فردية إلى حجّةٍ وطنية تُعيد إدخال الفداء في دورة الرمزية الفلسطينية.

خامسًا – المستوى النفسي

القصيدة تعرض مراحل الصدمة وفق نموذج Kübler-Ross (الإنكار لا يكاد يظهر، ينتقل سريعًا إلى غضبٍ مكتوم ثم حزنٍ عميق فتقبّلٍ مشروط بالدعاء).
البيت «ضَيَّعتُ بوصَلَتي» (ب٣) يكشف عن لحظة تفكّك إدراكي، بينما المناجاة الأخيرة («يا ربّ») تقترح إسقاط الأمل على الآخرة، وهو آلية دفاع جماعية في ثقافة المقاومة.

سادسًا – المستوى الإيحائي والرمزي
البحر يُذكّر بامتداد حيفا إلى عارة إلى طمرة؛ وهو خط مائي يشهد على اتصال الفلسطيني بأرضه رغم التهجير («للبحرِ بَرٌّ عِيقةً» ب١٠).
تكرار لفظ «منار» يوظّف لعبة الدالّ/المدلول: منارة = هداية، و«منار» الضحية = تجسيد تلك الهداية التي أُطفِئت.
تماهت «الجذور» في ب١٤ مع «الجراح» في ب١؛ إيحاء بأن الوجع نفسه متجذّر بعمق الأرض.

سابعًا – المستوى الحجاجي:
الحجّة الرئيسية: عِظَم الفداء يشرعن البقاء؛ فكلّ جرحٍ يُعيد تأكيد أحقيّة الأرض («عَظُمَ الفِداءُ لأجلِ نوركَ موطني» ب١٢).
الاستراتيجية الحجاجيّة تقوم على:
1. الاستعطاف (توصيف المأساة).
2. التقويم القيمي (رفع الضحية إلى مستوى المنارة).
3. الاستنتاج الأخلاقي (الدعاء لهم وللأرض).

ثامنًا – التجربة الإبداعية للشاعر
أمين أسعد زيد الكيلاني، مثقفٌ درس علم النفس واللغة العربية في الداخل الفلسطيني، ويكتب قصائد تجمع بين التراث العروضي والهمّ الوطني .
معرفته بعلم النفس تتجلّى في ضبط المشاعر وتدرّجها، بينما تكوينه الشرعي يُغذّي اشتغال القصيدة على المآذن والدعاء والآخرة.

خاتمة: تأويل ذرائعي مختصر
«جُروح» نصٌّ يُفعِّل الأبعاد الوظيفية للغة: يحتفظ بالوزن والقافية (البعد الجمالي)، يُعالج حدثًا عينيًّا (البعد التداولي/التواصلي)، ويوظّف الرمز الديني والبحري لتثبيت هويةٍ مقاومة (البعد الأخلاقي).
بهذا يحقِّق الشاعر أحد موجهات الذرائعية الأساسية: ترسيخ العلاقة بين النصّ وسياقه لتوجيه سلوك المتلقّي نحو التماسك والوفاء للأرض.
ملاحظة ختامية
يتسق البناء اللولبي للقصيدة مع «نظرية اللولب الذرائعية » التي ترى أن تداولية النص تنمو عبر مسار دائري يضاعف المعنى مع كل دورة. هنا يُعاد تلفّظ القافية «ـيقَه» ست عشرة مرّة، لتُذكّر المتلقّي، في كل التفاف، بغور الجرح وبثبات الجذور.
القصيدة

جروح:
شعر امين اسعد زيد الكيلاني(شن)
عاره: قضاء حيفا

١) جُرحٌ تَعَمَّقَ وَالجِراحُ عَمِيقَهْ
مِنها الجَديدُ، وَغَيرُها فَعَتِيقَهْ

٢) في" طَمرَةَ" الأَوجاعُ أَوْهَت مِعصَمِي
وَمَدامِعِي أُجَّتْ بِها، فَحَرِيقَهْ

٣) ضَيَّعْتُ بُوصَلَتِي، وَضِقْتُ بِأُفقِها
وَ تَبَدَّلَت أَلحانُها الموسِيقَهْ

٤) فَالنَّايُ أَضحَى تائِهاً فِي غُربَةٍ
وَالكَفُّ وَلَّى، ناشِداً إِبريقَهْ

٥) صَوتُ المَآذِنِ قَد عَلا مُتَهَدِّلاً
فِي زَفرَةِ الآلامِ، كانَ حَقِيقَهْ

٦) فَفِراقُ مَن كانُوا قُبَيْلَ سُوَيْعَةٍ
بَينَ الأَحِبَّةِ، فَغَصَّنا بِطَريقَهْ

٧) بِطَريقَةِ الآهاتِ وَالجُرحِ الَّذِي
شَقَّ الفُؤادَ بِمَأْتَمٍ وَصَفيقَهْ*

٨) سَقَطَتْ مَنارُ، وَمِنْ شِهابٍ حارِقٍ
حَرَقَ الطُّموحَ، أَحالَها مَعْتُوقَهْ

٩) وَذَوَتْ زُهورٌ في رَبِيعِ شَبابِها
نَضَبَ الحَلا، جَفَّ الشَّذا، وَرَفِيقَهْ

١٠) هذِي مَنارُ، حَليفَةٌ لِمَنارِها
وَكِلاهُمَا لِلْبَحرِ بَرٌّ عِيقَهْ*

١١) نَبَأٌ عَظيمٌ، وَالبَلاءُ نَوازِلٌ
عَظُمَ الفِداءُ، فَمُشْفِقٌ وَشَفِيقَهْ

١٢) عَظُمَ الفِداءُ، لِأَجْلِ نُورِكَ مَوطِنِي
كَمْ مِنْ مَنارٍ لِلْفِدَا مَسْبُوقَهْ

١٣) ذِي أَرْضُنَا، فَالأَرْضُ أَرضُ جُدُودِنَا
فيها نَمَتْ أَشجارُنا المَمْشوقَهْ

١٤) وَتَجَذَّرَتْ عَبرَ الزَّمانِ جُذورُنا
وَتَعَمَّقَتْ، ما بَدَّلَتْ تَوْثِيقَهْ

١٥) كَمْ مِنْ حَلَا، أَو مِنْ شَذَا في جَنَّةٍ
فَوقَ الأَرائِكِ، في العُلَا مَرمُوقَهْ

١٦) يا رَبِّ أَنزِلْ مَنْ فَقَدنَا جَنَّةً
يَنْعَمنَ فيها نِعمَةً مَغدُوقَهْ

المفردات
١) صفيقة : غلظة.
٢) عيقة : سواحل.

الأربعاء: 18/6/2025
طمرة: الجليل الغربي

#دعبيرخالديحيي الاسكندرية - مصر 6/22/ 2025



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السجين بين الرمزي والوجودي قراءة ذرائعية في قصة ( السجين) لل ...
- الغربة كجرح وجودي قراءة ذرائعية في مجموعة (شواطئ الغربة) للق ...
- المنتدى الاستثماري السعودي السوري: انتصار اقتصادي وسياسي في ...
- قراءة في الصراع السوري-الإسرائيلي ودور الدروز في المعادلة ال ...
- حين تغدو القصيدةُ وطنًا
- تدمر: حين انفجرت الأبجدية في عتمة الزنزانة في الذكرى 45 لمجز ...
- حين يُعيد الحزن كتابة اللغة: تشريح الحزن من الخارج إلى الداخ ...
- التحوّلات السيسيولوجية والتمظهرات النسوية في أدب الحرب رواية ...
- الحلم كفعل مقاومة دراسة ذرائعية في مجموعة (رؤى وأحلام) للشاع ...
- الأرض شاهدةً لا موضوعًا: دراسة ذرائعية في تطوّر البؤرة الفكر ...
- القصيدة التي لعنت الجميع
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ...
- بين البنية السردية والتشكّل القِيَمي: قراءة ذرائعية في رواية ...
- جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح ...
- طقس الأحفاد
- -ماذا تفعلُ الشاعرةُ بالعيد؟ (لُعبة شعرية)-
- طقس يوم عرفة
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ...
- مونودراما: -أنا القلعة -
- (حين انحنت السماءُ كجفنِ أمٍّ تبكي)


المزيد.....




- مهرجان الجونة السينمائي 2025.. إبداع عربي ورسالة إنسانية من ...
- تنزانيا.. تضارب الروايات حول مصير السفير بوليبولي بعد اختطاف ...
- باقة متنوعة من الأفلام الطويلة والقصص الملهمة في مهرجان الدو ...
- حريق دمر ديرا تاريخيا في إيطاليا وإجلاء 22 راهبة
- الإعلان عن 11 فيلما عربيا قصيرا تتنافس في مهرجان البحر الأحم ...
- هنا يمكن للمهاجرين العاملين في الرعاية الصحية تعلم اللغة الس ...
- قطر تطلق النسخة الدولية الأولى لـ-موسم الندوات- في باريس بال ...
- الممثل توني شلهوب يقدّم إكرامية بنسبة 340? إلى عربة طعام.. ش ...
- الموسيقى الكاميرونية.. أنغام متجذّرة وهوية نابضة
- جيل تيك توك: نهاية الأيديولوجيا أم تحولها؟


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - من الجرح إلى المنار: قراءة ذرائعية في قصيدة «جُروح» للشاعر الأردني أمين أسعد زيد الكيلاني بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي