أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح عنوز الشعرية الكاملة بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي















المزيد.....



جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح عنوز الشعرية الكاملة بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 08:48
المحور: الادب والفن
    


ملخص الدراسة Abstract
تسعى هذه الدراسة إلى قراءة تجربة الشاعر صباح عنوز، كما تتبدّى في أعماله الشعرية الكاملة، من منظور الذرائعية النقدية، مركّزةً على جماليات الجرح وتحولات الصوت الشعري عبر المراحل المختلفة لتجربته.
يُظهر التحليل أن صوت الشاعر ينتقل من قصائد الهوية الجمعية/الوطنية، إلى قصائد القلق الوجودي، ثم إلى قصائد جمالية الأثر، حيث يتحوّل الجرح إلى وشم شعري معلن.
تعتمد الدراسة المنهج الذرائعي بتفكيك المستويات:
النفسية، الجمالية، الرمزية، التداولية، واللغوية، بهدف كشف كيف تتحوّل الذات الشعرية إلى كينونة تكتب جراحها لا بوصفها نقصًا، بل بوصفها علامة فنية تُغني التجربة الإنسانية للقصيدة.
وخلصت الدراسة إلى أن جمالية الجرح تُعدّ أبرز ملامح النضج الشعري في أعمال صباح عنوز، حيث تتجسّد بلاغة الاعتراف وتحويل الألم إلى أثر جمالي، في لغةٍ غنية بالرمز والانزياح، تُؤسس لصوت شعري متفرّد في خارطة الشعر العربي الحديث.

الكلمات المفتاحية (Keywords)
جماليات الجرح
تحولات الذات
شعر صباح عنوز
القراءة الذرائعية
الشعر العربي الحديث
بلاغة الأثر
الرمزية النفسية في الشعر

1- مقدمة
حين نقترب من تجربة صباح عنوز الشعرية، كما تتبدّى في أعماله الكاملة، نجد أنفسنا أمام صوت شعري في تحوّل دائم.
هذه التجربة ليست ثابتة، ولا تدور في فلك تيار واحد، بل هي رحلة متنامية، تنتقل من إنشاد هوية جمعية مجروحة، إلى تفكيك الذات في فضاءات القلق الوجودي، ثم إلى صياغة جمالية للجرح، حيث يصبح الألم مادة شعرية خصبة.
هذه الدراسة، في منظورها الذرائعي، لا تقتصر على قراءة النصوص بوصفها "أصواتًا شعرية"، بل تتقصّى حركة الذات داخل النص، وتحلّل كيف يتشكّل الجرح لا كمجرد موضوع شعري، بل كـ بنية جمالية، تتداخل فيها:
المستويات النفسية، الرمزية العميقة، الوظيفة التداولية، وجماليات اللغة والانزياح.
من قصائد البدايات - حيث يُكتب الجرح القومي/التاريخي - إلى قصائد النضج - حيث يُعاد كتابة الجرح الوجودي/الشخصي -
يكشف شعر صباح عنوز عن تحوّل عميق في خطاب الذات:
من الخطابية إلى الهمس، من الهوية الجمعية إلى الأثر الشخصي، ومن النشيد إلى الوشم.
هكذا تُمسي الندبة علامة، ويغدو الوشم على خد العذراء —لغة جديدة للبوح، حيث الذات لا تنكر جراحها، بل تُعلنها فنًا وجمالًا.
في هذا الأفق، تسعى القراءة الذرائعية التي نقدمها هنا إلى إضاءة:
• كيف تُكتب جماليات الجرح،
• وكيف تتحوّل الذات الشعرية إلى حقل مفتوح للمعنى، في شعر صباح عنوز.

2- مدخل تنظيري:
"مفهوم الجرح في الشعر الحديث"
يُعدّ الجرح، بمستوياته المتعددة، من أقوى المحاور التي اشتغلت عليها القصيدة الحديثة.
فالحداثة الشعرية، منذ بداياتها، جاءت بوصفها ردًّا على انكسارات الذات، وعلى تحطّم المعنى القديم للعالم.
مع القرن العشرين وما شهده من: حروب، انهيارات سياسية، تحوّلات كبرى في الوعي
صار الجرح ليس مجرد تجربة شخصية، بل مكوِّنًا بنيويًا للذات الحديثة.
في هذا السياق، يقول بول ريكور في كتابه عن "الذاكرة والجراح":
"لم تعد الذات الحديثة تتعاطى مع الألم بوصفه قَدَرا عارضًا، بل كأفق تكويني: الجرح هو الذاكرة التي لا تمّحي، وهو ما يمنح للذات وعيها الحاد بحدودها."
والشعر الحديث، في مختلف تياراته، عبّر عن هذا بوضوح:
عند بول سيلان: الجرح يتحول إلى ندبة لغوية — كل قصيدة هي أثر لجرح لم يُشفَ.
عند أنسي الحاج: الجرح هو هوية الذات الحديثة.
عند محمود درويش في "جدارية": الجرح هو ما يبقي الذات يقظة أمام الفناء.
هكذا أصبحنا إزاء جمالية الجرح:
حيث النص لا يداوي الجرح، بل يُجمله.
حيث القصيدة تكتب أثر الألم، لا تنكره.
حيث الذات تعترف بجرحها كعلامة جمال وصدق.
في هذا الأفق، نجد في شعر صباح عنوز: انتقالًا عميقًا من الجرح القومي/التاريخي (قصائد النشيد)، إلى الجرح الوجودي/الشخصي (قصائد الاعتراف)، ثم إلى الجرح كأثر جمالي واعٍ (قصائد الوشم/العلامة).
وهذا ما تسعى القراءة الذرائعية في هذه الدراسة إلى تفكيكه:
كيف يتحول الجرح في قصائد صباح عنوز إلى:
• لغة شعرية جديدة،
• هوية شعرية ناضجة،
• وجماليات أثر لا يُمحى.

3- مسارات تطور الصوت الشعري
الصوت الشعري هنا ليس ثابتًا، بل هو كائن نامٍ يعيد تشكيل نفسه عبر التجربة الحياتية والتاريخية.
لماذا نقرأ صباح عنوز الآن؟
بين القصيدة الخطابية والقصيدة الأنطولوجية.
القارئ لأعمال صباح عنوز الكاملة يجد نفسه أمام شاعر في حالة نمو دائم: لندرس تحولات الصوت الشعري: من الهوية إلى الذات.
 𔀡.1 الجرح القومي / الجرح الجمعي:
لغة كلاسيكية خطابية، بين الجملة الكلاسيكية والصورة الحديثة. الكلاسيكية والأنا الجمعية، وهذا ما تمثّله بالعموم قصائد الجزء الأول من الديوان، مثال أنموذجي عليها قصيدة " بلدي... يا عابرًا لججًا"
تحليل قصيدة: "بلدي... يا عابرًا لججًا":

بلدي ... يا عابرًا لججًا

أولًا: العنوان
"بلدي... يا عابرًا لُججًا"
العنوان وحده يفتح أفقًا بحريًا-كونيًا:
"لُججًا" → جمع لُجّة = أعماق البحر / مياهه الهائجة.
ينادي الشاعر وطنه كـ كيان عابر للمجهول، عابر للأعاصير.
إذن منذ العنوان نحن أمام:
شخصنة للوطن: هو ليس أرضًا ساكنة، بل كائن بحّار، مغامر.
وبهذا ننتقل من قصيدة أرض → إلى قصيدة حركة ومخاض.

البؤرة الفكرية
القصيدة هي مرثية للنهوض — أي قصيدة تحاول أن تتذكّر الوطن كي تعيد بناءه:
ليس وطنًا في حالة عافية، بل وطن مريض بالتاريخ والظلم:
أُلمّ سنين العمر والتعبا → الوطن يحمل تراكم العناء.
أقسى من الظلم كفٌّ بات يعصرني → قوى القهر الداخلية/الخارجية.
لكن في الوقت نفسه:
هو وطن قادر على العبور:
العنوان ذاته عابرًا لُججًا → زمن الحركة/التحوّل.
إذن البؤرة هي: كيف يُعاد تصوّر هوية الوطن الجريح كـ كائن متحرك قادر على النجاة.
الخلفية الأخلاقية
القصيدة تتكئ على أخلاق المقاومة:
- لا قبول بالبكاء السلبي:
عدنا نُزيح سوادًا عن ملامحها ونظرة المجد ترنو أينا تعبا→ هناك فعل إرادي.
- إيمان بتجدد الروح الوطنية:
حدّث عن الطفل كيف اغتيل مفتخرًا أنى استمد شموخ الصبر ما هربا → هو الأمل القادم.
- رفض النسيان:
افتح سطورك يا تاريخ أمتنا واتلو نشيدك للأجيال ما كتبا
- رفض الرثاء الكسول:
فيمَ العتاب وليلي فكّه غضبٌ قد لاك بعضي حتى كنته غضبا
- دعوة إلى مقاومة ذاكرية ووجدانية:
لبيك يا وطني جاءتك أوردتي وفرّ نحوك قلب ينبض العربا

المستوى النفسي
القصيدة تنبع من ذات مجروحة — لكن ليست ذاتًا منكسرة:
بل ذات واعية بجرحها (دق العظام... التعبا).
لكنها تبحث عن الاحتواء القومي: (خذني إلى صدرك الفيّاض تجمعني.)
وهنا تداخل بين الخاص والعام: الذات الفردية (الشاعر كإنسان)، والوطن كـ أب/أم/حضن.
القصيدة في عمقها تعكس حالة وطن جريح يبحث عن معناه، وحالة شاعر يبحث عن انتمائه العميق وسط هذه الجراح.
المستوى الجمالي
القصيدة تشكّل طقسًا شعريًا:
1) حضور الطواف:
هذي تسابيح ابن جاء محتزما قد طاف حولك كي لا تمسك اللهبا→ طقس تقديس أرضي.
2) تكرار النداء:
لبيك يا وطني... جاءتني أوردتي → النداء الشعري يتحوّل إلى نشيد عميق.
كما أن البنية دائرية:
تبدأ بـ حتى أُلمّ سنين العمر → وتنتهي إليها → حركة دائرية للزمن.

المستوى الرمزي
في هذه القصيدة، تتكثف الرموز لتشكّل بنية تحتية عميقة تُعيد بناء صورة الوطن في المخيلة الشعرية.
العنوان ذاته "يا عابرًا لُججًا" يحوّل الوطن إلى كائن بحري، مسافر في أعماق المجهول، ما يمنحه ديناميكية حركة في مواجهة قوى القهر والسكون.
بلدي = كائن بحري
يا عابرًا لُججًا → الوطن ككائن يعبر أعماق البحر → استدعاء أسطورة الأرض العائمة أو البلاد البحرية.
ماء العراق دمي: رمز الذوبان الوجودي للذات في كينونة الوطن، حيث لا تعود هناك مسافة بين الفرد والأرض، بل يتحوّل الجسد الإنساني إلى امتداد للدم الوطني.
ذوبان الذات في الوطن → تجاوز الفردية → التحوّل إلى كائن قومي صرف.
سفينُ الله ترسو علينا: استدعاء لرمز الخلاص الميثولوجي (فلك نوح)، يوحي بأن الخلاص ليس دنيويًا فقط، بل له بعد غيبي مقدّس.
حضور الخلاص الميثولوجي → استدعاء فلك نوح.
الطواف حول الوطن: تحويل الفعل السياسي/الوطني إلى طقس شعري-روحي، يُعيد للوطن هيبته كـ مركز رمزي للهوية.
بهذه الرموز، تتجاوز القصيدة الخطاب المباشر، وتبني شيفرات جمالية تُخاطب الوعي العميق للمتلقي، وتُعيد وصل الذات الجمعية بجذورها الميثولوجية والوجدانية.

المستوى التداولي
القصيدة ليست فقط للتأمل الفردي، بل هي:
1) نداء إلى الذاكرة الجمعية: يا تاريخ أمتنا... افتح سطورنا.
2) وظيفة استنهاضية: تستنفر الطاقة الشعورية للأمة — ضد طمس الهوية.
المستوى الصوتي :
اختيار البحر الكامل (متفاعلن متفاعلن متفاعلن): بحر الخطاب الجمعي، بحر القصائد الكبرى/الإنشادية.
هذا يجعل القصيدة: قابلة للإنشاد، قابلة لأن تكون نشيدًا جمعيًا/وطنيًا.
السياق العام:
كتبت القصيدة بوضوح في زمن جراح العراق المتراكبة:
ما بعد حروب متوالية.
في ظل حصار تاريخي على الهوية العراقية.
الشاعر يعيد هنا: تصوّر الوطن ككائن غير مكسور، ككائن عابر للأعماق → أي قادر على النجاة رغم كل شيء.
الخلاصة:
"بلدي... يا عابرًا لُججًا" ليست مجرد قصيدة حب للوطن. هي:
طقس شعري → الوطن كجسد طقوسي.
قصيدة نجاة → الوطن ككائن بحّار، عابر المحن.
قصيدة جمالية عن الجرح → الجرح الذي يتحوّل إلى وشم وجودي في الذات (ماء العراق دمي).
نداء جمعي → استعادة الأمة لذاكرتها العميقة.


𔀡.2 الجرح الوجودي / أزمة الذات:
اللغة تبدأ بالانزياح، البنية تتخلخل، المعنى يغدو غامضًا/مفتوحًا
تحليل قصيدة:
"الخطيئة تنتحر"

البؤرة الفكرية والخلفية الأخلاقية
البؤرة الفكرية في هذا النص هي صراع الذات مع الخطية/الذنب.
لكن المفارقة أن العنوان "الخطية تنتحر" يوحي بإمكانية الخلاص، بينما حركة النص تقول العكس: الخطية لا تزال حاضرة، متجسدة، تُطارد الذات.
الذات هنا واعية بأنها أسيرة خطاياها، لكن لا تملك يقين الخلاص:
من باب التوبة عاد إلينا... لكنه لا يلقانا→ محاولة التوبة غير مكتملة.
الخلفية الأخلاقية:
دعوة إلى المجابهة الصريحة مع الذات.لا مكان هنا للزهو، بل لمواجهة النفس في هشاشتها الأخلاقية.
البؤرة العميقة التي تحكم هذا النص هي مواجهة الذات مع خطاياها الكامنة.
فالقصيدة ليست رحلة توبة صافية، ولا هي لحظة خلاص، بل هي حالة عيش وسط مأزق الندم واللايقين.
الذات تقول منذ البدء: في أفقي عش خطايا → أي أنها تحمل الخطيئة في قلب التعبير نفسه.
ثم يتعزّز هذا بظهور الليل كـ كائن معادٍ يرتدي "ثوب الحاضر":
الليل تمرد مكتسحًا غبش الأرض ومرتديًا ثوب الحاضر
أي أن الخطيئة ليست مجرد ذكرى ماضٍ، بل تلبّست الحاضر.
إذن الخلفية الأخلاقية العميقة هي:
وعي الذات بوزرها، ورفض التبرؤ منه بسهولة، بل قبوله كجزء من التكوين النفسي.

المستوى النفسي:
هذا المستوى هو القلب النابض للنص.
القصيدة تُظهر حالة قلق وجودي حاد، عبر:
تجسيم الليل كعدو داخلي، ظهور رجل يخرج من صدر الذات → صورة للضمير الذي يُحاكم الذات من الداخل.
إذ يرفع الليل مخالبه... فيمسك كرسي الليل ويستعمر زوجته.
هو ذا رجل يخرج من صدري الآن يسائل صمتي.
عبارات مثل: نجيع الأرق( بلّل مضجعه نجيع الأرق)،
يسائل صمتي( هو ذا رجل يخرج من صدري الآن يسائل صمتي)،
( يتمزّق صدر الأمل...) → كلها تعكس تشظي الذات بين:
رغبة في الاعتراف (إذ خرج الرجل)، وخوف من المصير المجهول (الليل المخالب، الأرق الدموي).
الذات هنا ليست مستقرة، بل هائمة وسط أزمتها النفسية.
وفي النهاية:
حين يُردّد الرجل: "يا ولدي"، نلمح توالدًا للألم:
هل الضمير يشفق؟
هل الأنا العليا تخاطب الأنا الدنيا؟
هل هو صوت الأب المفقود؟
الاحتمالات مفتوحة، مما يزيد تعقيد المشهد النفسي.

المستوى الجمالي
الجمالية هنا تقوم على مسرحة العالم الداخلي:
بدل أن تبقى المشاعر مجرد تأملات، تتحول إلى مشاهد محسوسة:
الليل له مخالب،
صدر الأمل يتمزق،
رجل يخرج ويتكلّم.
بهذا، تتحول القصيدة إلى دراما نفسية مصغّرة.
كذلك، القصيدة ترفض الخاتمة المغلقة: حتى ظهور الرجل الذي يقول "يا ولدي"، لا يُغلق النص، بل يُبقيه مفتوحًا على احتمالات التأويل:
هل الضمير يُعاتب؟
هل هو أب؟
هل هو صدى للنفس نفسها؟

المستوى الرمزي
الليل: هو الذنب المعيش، الزمن الذي تلبّسه الخطيئة.
الرجل الخارج من الصدر: هو الضمير المتجسد، أو الذات العليا المراقبة.
نجيع الأرق: نزيف النفس تحت ضغط الذنب.
الأوراد/الأوراق الخارجة من صدر الأمل: محاولات كتابة النفس أو إنقاذها عبر الحلم/اللغة.
القصيدة تتحرك إذن بين: ليل الخطيئة، انبعاث الضمير، نزيف الوعي.

المستوى التداولي
الوظيفة التداولية لهذا النص ليست دعوية، ولا خطابية:
إنها مونولوج داخلي تأملي.
القارئ لا يُطلب منه اتخاذ موقف، بل يُدعى إلى مشاركة الذات الشاعرة في محنتها.
النص أقرب إلى اعتراف شعري مفتوح، يُنتج أثرًا وجدانيًا عميقًا لدى المتلقي.
وظيفته التداولية:
أن يكشف، لا أن يعلّم أو يحاكم.
والقارئ يتحول إلى شاهد على أزمة داخلية، ويُدعى إلى التعاطف التأملي، لا إلى اتخاذ موقف.

المستوى اللغوي
اللغة في النص مكثفة، عالية الانزياح.
أول جملة: في أفقي عش خطايا → بناء شعري لا مباشر ولا مألوف.
تقطيع الجمل، كثرة الصور المجازية، تداخل الأزمنة → لغة تُحاكي التشظّي الداخلي للذات.
الأفعال كثيرة، لكنها لا تسير في خط سردي، بل محمولة على تقطيع في حلقات شعورية، كأن الشاعر يكتب وهو يلهث تحت وطأة القلق:
تمرّد الليل → يرفع مخالب → يطرق أبواب المدافن → يظهر الرجل... أي تيه زمني/شعوري.
الأفعال قصيرة، متلاحقة: تعكس الإيقاع النفسي المضطرب.

المستوى البصري
البُعد البصري للقصيدة قوي جدًا:
الليل ككائن ذي مخالب.
الرجل الخارج من الصدر → صورة سريالية/كابوسية.
نجيع الأرق → صورة جسدية للقلق.
الأوراق الخارجة من صدر الأمل → محاولة بصرية لتجسيد انهيار الأمل.
هذه الصور تُحوّل المشاعر إلى مشاهد محسوسة، ما يجعل القارئ "يرى" الصراع، لا يكتفي بقراءته.
إنها قصيدة مرئية جدًا، رغم أنها عن الداخل النفسي.

خلاصة
قصيدة "الخطيئة تنتحر" هي قصيدة نفسية وجودية بامتياز، ليست إعلان خلاص، بل كشف أزمة وجودية:
الذات تعيش في الحافة بين الندم والأمل.
الخطية لا تنتحر فعليًا — بل تُعيد إنتاج ذاتها في الداخل.
لتعطينا نصًا نفسانيًا رمزيًا من طراز راقٍ. أقرب إلى قصيدة ضمير حيّ، يراقب ذاته بقلق عميق. مع دراما الذات القلقة، وجمالية المسرحة الداخلية.
هي نص يرتقي من الشعور الفردي إلى التجربة الإنسانية العامة:
كل إنسان يمكن أن يجد في هذه القصيدة مرآةً لصراعه مع أعباء ضميره.



 𔀡.3 الجرح الكينوني / التفكيك الرمزي:
تفكيك العالم، إعادة بناء الذات، يدخل الشاعر فضاء ما بعد الحداثة

تحليل قصيدة:
"أوليات تحت هجرة البحور"
التركيز على تفكيك "الهوية الزمنية" و"الرمزية المائية" و"اللايقين الكوني"
البؤرة الفكرية والخلفية الأخلاقية
البؤرة هنا هي:
ما الذي يحدث للذات حين تعبر "هجرة كونية"، أي حين تفقد معالمها *في هجرة وجودية بلا مرسى؟
هجرة البحور ليست فقط رحلة مكانية، بل رحلة تفكيك هوية.
الذات هنا عابرة محيطات اللايقين.
الخلفية الأخلاقية:
موقف احتجاجي ضمني على التحجّر القيمي:
وجود ميدوزا = رمز الجمود القاتل للنظر/للرؤية/للحياة.
القصيدة لا تسعى للتصالح مع هذا التحجر، بل تسعى إلى:
الحركة، الهروب، الاستمرار في الهجرة رغم التهديد.

المستوى النفسي
الذات في حالة تشظي هويوي:
"هجرة البحور" نفسها صورة للفقد الكامل للثبات.
الذات لا تملك أرضًا صلبة تحتها — بل تسافر فوق/تحت بحور متحركة.
ظهور ميدوزا يشير إلى:
رعب التوقف → الخوف من أن تتحول الذات إلى تمثال ميت أمام هول التجربة.
ف ( ميدوزا) تعلن صفر هجوم الزمن الأزرق
أيضا حضور:
(رحى الصبر) التي ارتمى فيها الغطاس وهيتدور .
الرمل الذي (يشرب صوت العائدين)
→ كل هذه صور لـ نفس تبحث عن صوتها وسط صراع وجودي.

المستوى الجمالي
الجمالية في هذا النص قائمة على:
جمالية التشظي الزماني-المكاني: لا زمن واضح في النص — الحاضر، الماضي، المستقبل يتداخلون.
جمالية الأسطورة الحديثة: استحضار مدوزا في قلب بحر رمزي → تزاوج بين ميثولوجيا قديمة وأزمة حديثة.
جمالية الانزياح المائي:
كل المشهد سائل: بحور، رمل، أمواج، جزر → لا يوجد يابسة معنوية — وهذا يعكس أزمة المعنى.

المستوى الرمزي
القصيدة من أكثر نصوص المجموعة غنى بالرموز:
هجرة البحور = رحلة الذات في فضاء بلا يقين.
مدوزا = الخطر القاتل للنظر — الخوف من أن تتحجر الذات إن واجهت الحقيقة كاملة دفعة واحدة.
هكذا تتحول القصيدة إلى متاهة رمزية، حيث كل رمز يفتح على أزمة أعمق.

المستوى التداولي
النص ليس موجهًا إلى متلقٍّ خارجي، بل هو مونولوج كوني، أشبه بـ سفر داخلي شعري.
وظيفته التداولية:
نقل إحساس الضياع الوجودي إلى القارئ.
جعل القارئ يعايش "هجرة البحور" كمعادلة شعرية لحالته الخاصة.

المستوى اللغوي
اللغة شديدة الانزياح
الأفعال تُستخدم بشكل لا سردي بل إيحائي.
الأسماء تُحمل فوق طاقة معناها العادي:البحر ليس بحرًا فقط → هو رحم/قدر/مصير/أعماق.
البنية اللغوية: مشاهد متقطعة. لا وحدة سردية — بل تفكيك للمشهد النفسي.

المستوى البصري
المشهدية:
البحر = فضاء مفتوح لكن مرعب.
الرمل = الزمن الذي يُحاصر.
الرحى= الحياة التي تطحن
مدوزا = حضور الرعب الأقصى (من الموت الجمودي).
القصيدة تشكل لوحة متحركة لكنها مفتوحة النهايات — لا توصل إلى خلاص.

الخلاصة
"تحت هجرة البحور" هي قصيدة:
- عن هجرة الوعي في عالم غير ثابت.
- عن أزمة الذات الحديثة أمام تحجر القيم والمعاني.
- عن مواجهة الذات لأهوال مصيرها.
هي قصيدة: تفكيكية-رمزية بامتياز، تنتمي إلى أفق الحداثة الشعرية المعاصرة.







 𔀡.4 جماليات الجرح: الأثر الفني / الوشم
ذروة النضج الرمزي، الأثر الجمالي للجرح، من النزف إلى الوشم: مسار المعنى الشعري
تحليل قصيدة:
"ما دوّنته نور على خد العذراء"

البؤرة الفكرية والخلفية الأخلاقية
البؤرة الفكرية العميقة للنص هي:
مواجهة الذات مع بقايا الألم والعار، والسعي إلى تحويل الجرح إلى فعل جمالي/نور.
الذات هنا لا تسعى إلى تبرئة نفسها، بل تعترف:
"تربة روحي تتقشّر، أمسكها فتراودني".
لكنها في الوقت نفسه ترفض السكون السلبي:
"لكنك تنسى أقدامك، تأمرني أن أمسك( سكان) الوقت الأعزب، وتسوق بلا مقود".

الخلفية الأخلاقية إذن تقوم على:
- مواجهة الحقيقة الداخلية المؤلمة.
- تحويل الألم إلى طاقة شعرية/تحريرية.

المستوى النفسي
المستوى النفسي هنا مضطرب وخصب جدًا:
الذات تعيش بين القلق والألم:
" الريح تبعثر أوجاعي، وبقايا من ورد النعمان، القادم مدعورًا فرّ القادم من فكّ الريح، سِكّنتُه سَكينته، عكازته قلق الوادي"
هناك ثنائية نفسية واضحة:
بين الرغبة في الخروج من الألم، وبين الإدمان الخفي عليه.
الجمل مثل:
" الدنيا خلعت معطفها الأسود، هدأت تحت ذراعيها ألوان ضجيجي، فاض اللون الأبيض وشناشيل الثوب الأخضر، لكن الصمت الجائع يأكل ساقه،..... أشرب ظلي.... سأرافق ظلي"
→ تكشف عن نزاع داخلي عميق:
رفض الانغماس في الألم، لكن انجذاب مازوخي إلى لحظة النزف/الخلق.

المستوى الجمالي
جمالية النص تقوم على:
مسرحة الصراع النفسي: بين الظل والوقت والعرّاف والريحوالطوفان والثعبان والاغتراب .....

ديناميكية الحركة:
ليس نصًا ساكنًا، بل نص ينتفض:
صار غليظًا كالفضاضة، شرب الخواء وارتوى → حركة داخلية/ خارجية متوترة.
اللغة الشعرية المشحونة:
اعشوشب البعد وشاخ الاشتهاء، ولأن الطين لا يقبّل القدم ( ناخ) ... على بركة القلق→ جمالية تجمع الهرم + الانكسار+ القلق.

المستوى الرمزي
القصيدة مُثقلة بالرموز العميقة، المتراوح بين الرموز التقنية ورموز المعاني الإيحائية.

المستوى التداولي
الوظيفة التداولية للنص:
مونولوج تطهيري ممسرح: الذات تكشف جروحها علنًا أمام قارئ شاهد. ليس نصًا موجهًا للعالم أو للآخرين
بل خطاب داخل الذات للذات، يُنتج أثرًا تطهيريًا وتأمليًا في القارئ.

المستوى اللغوي
لغة النص: عالية الانزياح جدًا.
الصور مركّبة، الجمل مفتوحة: لا حركة سردية، بل حركة وجدانية.
الكثير من التشبيهات والانزياحات
هذه اللغة تخدم حالة التيه النفسي للمتكلم.

المستوى البصري
المشهدية:
مشاهد وجودي ميتافيزيقي
صور مسرحية/عنيفة
تحويل الألم إلى طقس جمالي.

الخلاصة
قصيدة "ما دونته نور على خد العذراء"
هي نص:
وجودي-نفسي-جمالي.
يقوم على تفكيك علاقة الذات بجراحها.
يكتب بلاغة الجرح — بلاغة الذات التي تريد تطهير لغتها من العار.
يستخدم صورًا مكثفة رمزية،
ويحمل نزاعًا نفسيًا عميقًا بين:
الرغبة في الانعتاق، وإدمان الحنين إلى النزف.



تحليل قصيدة: "وشم على خد العذراء"
ومقارنة نقدية بين القصيدتين
محور: من الجرح إلى الوشم، من الألم إلى الأثر الجمالي
مقارنة نقدية بين:
"ما دونته نور على خد العذراء"
"وشم على خد العذراء"
لأن هاتين القصيدتين فعلاً تشكّلان ثنائية جمالية/نفسية رائعة:
كلاهما يدور حول: كتابة أثر الجرح. لكن كل واحدة تستخدم رؤية شعرية مختلفة.

مقارنة ذرائعية نقدية بين:
"ما دونته نور على خد العذراء" و"وشم على خد العذراء"

البؤرة الفكرية
في "ما دونته نور على خد العذراء":
البؤرة هي: كيف تُحوَّل الكلمات الجريحة إلى جسور نور؟
الذات لا تزال في صراع مع رحم الألم، تحاول صوغ المعنى من الحيرة.
في "وشم على خد العذراء":
البؤرة أعمق في إدماج الجرح في الهوية:
ليس السعي إلى التطهير فقط، بل إلى تثبيت الأثر كوشم، أي أن الجرح يتحوّل إلى علامة جمال معترَف بها.

المستوى النفسي
في "ما دونته نور...":
النفس لا تزال تهتزّ بين الرغبة في الهروب من الألم، وبين افتتان سريّ بالنزف.
في "وشم على خد العذراء":
النفس أكثر نضجًا — فقد اعترفت بالجرح، وحوّلته إلى وشم معلن.
( أولادي: انظروا موضع حرفي ... عند بزوغ الوشم على أشرعة الأشياء...)
لا إنكار ولا هروب، بل قبول للندبة كجزء من الكينونة. ( .. وقبلت الضوء الروحي)

المستوى الجمالي
"ما دونته نور...": جماليات المسرحة الداخلية، صراع بين النور/الألم، لغة ذات طقس تطهيري.
"وشم على خد العذراء":
جماليات العلامة: كيف يصبح الجرح وشمًا شفافًا على وجه البراءة؟ لغة أكثر رقّة وهمسًا، لكنها محمّلة بعمق رمزي.

المستوى الرمزي
"ما دونته نور...":
جسور النور = السعي إلى تطهير الجرح.
نزف المذبحة العمياء = الخطر الكامن في الإدمان على الألم.
"وشم...":
الوشم = الأثر الجمالي للجرح.
العذراء = البراءة/الهوية المتألمة.
السديم = غموض الوعي. (الخبر ضباب وسديم)

المستوى التداولي
"ما دونته نور...": مونولوج تطهيري → محاولة تصفية الداخل أمام القارئ.
"وشم...": اعتراف جماليات الجرح → خطاب أهدأ وأكثر صفاء:
"ودّعتُ الوقت، وقبلت الضوء الروحي، الزمن القدسي، طوفان الإيمان لأرسم خارطة الوشم على خد العذراء".

خلاصة المقارنة
"ما دونته نور على خد العذراء" = قصيدة صراع داخلي → الذات بين الألم والتطهير.
"وشم على خد العذراء" = قصيدة اعتراف فني → الذات تعترف بندبتها، وتحولها إلى علامة جمال معلنة.

النتيجة الجمالية
هذان النصان يشكّلان:
ثنائية شعرية عن:
كتابة الأثر،
جمالية الجرح،
الاعتراف الشعري العميق.
تقييم نقدي عن "جماليات الجرح" في شعر صباح عنوز:
في قلب التجربة الشعرية لصباح عنوز، خصوصًا في مجموعته الشعرية الكاملة التي بين أيدينا، تتكشّف جمالية مركزية تزداد وضوحًا مع تقدّم الديوان:
جمالية الجرح — لا كموضوع عارض، بل كـ بنية شعرية وجودية.
في المراحل الأولى (القصائد الوطنية، مثل "بلدي... يا عابرًا لججًا")، كان الجرح جرح الأمة:
الجرح القومي، الجرح التاريخي، الجرح الجمعي.
لكن مع انتقالنا إلى القصائد الأكثر وجودية (في الفصلين الثالث والرابع)، يتحوّل الجرح إلى:
جرح الذات الفردية، جرح الكينونة، جرح الوعي الشعري.
كيف يُبنى الجرح شعريًا؟
في "ما دونته نور على خد العذراء": الجرح هو رحم الألم، الذات تكتب "جسور النور" فوق جسد الغيبوبة. أي أن الجرح هو مهد المعنى، وليس مجرد عارض.
في "وشم على خد العذراء": الجرح يصبح وشمًا شفافًا. ليس شيئًا يُمحى، بل شيئًا يُحتفى به كجزء من هوية الذات.
هنا تبلغ جمالية الجرح ذروتها:
من جرح إلى علامة، من نزف إلى أثر فني.
أدوات هذه الجمالية:
1. لغة الانزياح:
لا تُقال المعاناة مباشرة، بل تُبنى عبر صور مائية، هوائية، ضوئية.
الجرح يُكتب عبر: جسور النور، جسد الغيبوبة، الوشم، السديم....
2. غياب النهاية المغلقة:
الجرح لا يُشفى بالكامل — بل يبقى مفتوحًا كشاهد وجودي.
3. التركيب الرمزي:
كل صورة في هذه القصائد تُعيد قول الجرح بلغة الجمال المعتم: الوشم، السديم، نزف الكلمات،الطفل الضائع...
ماذا يعني هذا نقديًا؟
جماليات الجرح هنا ليست مجرد رومانتيكية معذّبة، بل هي:
صياغة موقف وجودي عميق: أن تقبل الذات جرحها، أن تُبدع من خلاله، أن تتركه علامة في اللغة.

ماذا يُضيف صباح عنوز للشعر الحديث؟
بهذه الجمالية، يدخل صباح عنوز في خط كبار شعراء الجرح الحديث:
قريب من بول سيلان (قصائد الندبة)،
قريب من أنسي الحاج (في "لن")،
قريب من درويش المتأخّر ("كزهر اللوز أو أبعد").
لكنه يُضيف:
رقة لغوية (لغة فيها ضوء شفيف رغم العتمة)،
رؤية لا مازوشية: لا تمجيد للجرح لأجل الألم، بل تطويع الجرح ليصبح أثرًا جماليًا واعيًا.

خلاصة التقييم:
جمالية الجرح في شعر صباح عنوز هي:
جمالية وعي الذات بحدودها، وبأثر آلامها. تحويل الألم إلى لغة، تحويل النزف إلى علامة شعرية.
وبهذا ترتقي تجربته الشعرية:من شعر الأمة المجروحة، إلى شعر الذات المجروحة التي تحتفل بندبتها كوشم جمال.
دراسة التجربة الإبداعية في شعر صباح عنوز
(المستوى الجمالي، اللغوي، الرمزي، النفسي، الفكري، وبصمة الشاعر)
تُظهر قراءة أعمال صباح عنوز الشعرية الكاملة أننا أمام تجربة إبداعية تتميّز بـ حركيّتها العميقة،
وبـ وعيها الدائم بتحوّل الذات واللغة.
ليست هذه التجربة "خارج الزمن"، بل هي منخرطة في أسئلة الشعر الحديث:
عن الهوية، عن المعنى، عن الجرح، وعن جماليات الأثر.
المستوى الجمالي:
صباح عنوز يبني جمالية تقوم على انزياح الصورة، حيث تتداخل المشاهد النفسية مع المشاهد الكونية.
ليس هناك جمال زخرفي، بل جمال مؤلم — جمالية "الجرح الجميل"، حيث يُعاد إنتاج الألم كلغة شعرية محمّلة بالضوء والظلال.
قصائده لا تبحث عن "النهاية"،بل عن فتح الجرح بوصفه أفقًا دائم الحضور.
المستوى اللغوي:
لغته تتحرّك من الخطابية الجمعية في البدايات، إلى اللغة النفسية الانزياحية في المراحل المتقدمة.
يعتمد على:
انزياح المجاز، تفكيك الزمن اللغوي، بناء الجملة المراوغة.
في قصائد مثل "ما دونته نور..." أو "وشم على خد العذراء"
نجد لغة كثيفة الرمز والانفتاح، حيث الكلمة لا تُقدّم معنى واحدًا، بل تفتح شبكة من الإيحاءات.
المستوى الرمزي:
الرمزية عند صباح عنوز ليست رمزية "شعارات"، بل رمزية وجودية.
الرموز الكبرى التي تتكرر: الجرح، الوشم، الماء/البحر، الليل/الظلام، الطفل الضائع، مدوزا (في "تحت هجرة البحور") — كرمز للجمود القاتل.
كل رمز يُعاد تأويله في كل قصيدة، فلا توجد مفاتيح جاهزة، بل لعبة رمزية مفتوحة.
المستوى النفسي:
لعلّ المستوى النفسي هو الأشد حضورًا في تجربته.
الذات الشعرية دائمًا: قلقة، في صراع مع ذنوبها، ممزّقة بين الأمل واليأس.
الجرح ليس فقط جرح المجتمع أو الأمة، بل هو جرح النفس العميق:
الذات المثقلة بالتاريخ، المثقلة بالخطايا، الباحثة عن معنى داخل رماد التجربة

المستوى الفكري
صباح عنوز ليس شاعر إيديولوجيا ولا حداثة شكلانية.
هو شاعر رحلة داخلية — يسعى إلى أنسنة اللغة.
التجربة تنطوي على رؤية فكرية واضحة:
لا خلاص سهل، لا تطهّر كامل، لا يقين نهائي.
الفكر الذي يُبنى هنا هو فكر: الاعتراف بالجرح، الاحتفاء بالأثر، الكتابة من داخل العطب لا من خارجه.
الذات ليست ذاتًا بطولية، بل ذات إنسانية هشّة، وهذا بالضبط ما يمنح التجربة صدقها العميق.

بصمة الشاعر
ما الذي يميّز صباح عنوز؟
أنه شاعر الأثر: لا يكتب عن "الأمل المصطنع"، ولا عن "الأمة المجيدة"، بل عن الندبة الإنسانية التي تبقى — كوشم على جسد اللغة.
وهو شاعر التحوّل: نراه يتحوّل من شاعر هوية قومية إلى شاعر قلق وجودي إلى شاعر يكتب جماليات الجرح.
وأخيرًا:
هو شاعر لا يخاف من هشاشته: وهذا ما يجعل قصيدته قابلة للمسّ — قابلة لأن تكون إنسانية عالميّة.

خلاصة
مشروعه الشعري يتميّز بـ: 1. تنويع طبقات الصوت 2. وعي جمالي حاد. 3. قدرة على تحويل الألم إلى معنى فني. 4. استثمار حكيم للتراث الرمزي (أسطورة، دين، جسد، لغة).
بذلك يكتب صباح عنوز شعرًا حديثًا بامتياز — لكنه متجذر في إنسانية عالية

خاتمة
"جماليات الجرح وتحولات الذات في شعر صباح عنوز"
تُظهر القراءة الذرائعية في أعمال صباح عنوز الشعرية الكاملة أن تجربة هذا الشاعر ليست تجربة ثابتة أو نمطية، بل هي رحلة تحول عميق للذات الشعرية، من قصيدة الهوية الجمعية، إلى قصيدة الجرح الشخصي، ثم إلى قصيدة الأثر الجمالي.
في قصائد البدايات، كان الجرح يُكتب كـ جرح الأمة/التاريخ:
في نشيد الوطن الجريح، في نداء الأمل القومي.
لكن مع تطور التجربة، نرى أن الذات:
تدخل في صراع مع خطاياها، تواجه أعماقها الهشة، وتُعيد تكوين لغتها من رحم الألم.
وفي الفصول الأخيرة، يبلغ هذا المسار ذروته:
حيث الجرح لا يعود موضوعًا يُخشى منه، بل يُحتفى به كوشم فني، كعلامة من علامات الهوية الشعرية الناضجة.
القصيدة الحديثة في شعر صباح عنوز تُصبح إذن:
فضاءً لكتابة الأثر، مساحة لتحويل الألم إلى جمال، ولصياغة هوية شعرية واعية بجرحها، منفتحة على العالم.
في هذا المعنى، تنتمي تجربة صباح عنوز إلى خط:
شعراء الجرح الحديث، حيث يُعاد تعريف الذات عبر كتابة ندبتها، لا عبر إنكارها.
وهكذا تكون جمالية الجرح في أعماله، ليست مجرد استجابة عاطفية، بل مشروعًا شعريًا ناضجًا
يتقاطع مع أسئلة الشعر الحديث:
عن المعنى، عن الهوية، عن الأثر، وعن الإنسان.
#دعبيرخالديحيي الإسكندرية- مصر 2/ 6/ 2025

المراجع

أولًا: مراجع في المنهج الذرائعي
1. الغالبي، عبد الرزاق عودة. "الذرائعية في التطبيق. طنطا: دار النابغة للنشر والتوزيع 2019
2. الغالبي، عبد الرزاق عودة."الذرائعية بين المفهوم الفلسفي والمفهوم اللغوي".طنطا: دارالنابغة للنشر والتوزيع 2019
3. الغالبي، عبد الرزاق عودة، ويحيى، عبير خالد."الذرائعية والعقل".منشورات اتحاد الكتاب العراقيين 2021
4. يحيى، عبير خالد. "قصيدة النثر العربية بمنظور ذرائعي". القاهرة: دار الحكمة 2020

ثانيًا: مراجع عن "مفهوم الجرح في الشعر الحديث"
5. ريكور، بول."الذاكرة، التاريخ، النسيان".ترجمة: جورج زيناتي. بيروت: دار الكتاب الجديد المتحدة، 2009.
6. سيلان، بول."قصائد مختارة". ترجمة: بسّام حجار. بيروت: منشورات الجمل، 2006.
7. الحاج، أنسي."لن". بيروت: دار النهار، الطبعة الرابعة، 2004.
8. درويش، محمود. "كزهر اللوز أو أبعد". بيروت: رياض الريّس للكتب والنشر، 2005.

ثالثًا: مراجع عامة عن الشعر الحديث والأسلوبية
9. فضل، صلاح."علم الأسلوب، مبادئه وإجراءاته".القاهرة: دار الشروق، 1998.
10. أبو ديب، كمال. "جدلية الخفاء والتجلي: دراسة في بنية الشعر العربي الحديث".القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1981.
11. أدونيس."زمن الشعر". بيروت: دار العودة، 1972.


فهرس الدراسة

"جماليات الجرح وتحولات الذات: قراءة ذرائعية في أعمال صباح عنوز الشعرية الكاملة"
الملخص (Abstract)
الكلمات المفتاحية (Keywords)
1. المقدمة
2. المدخل التنظيري: مفهوم الجرح في الشعر الحديث
3. تحولات الصوت الشعري: من الهوية إلى الذات
 𔀡.1 الجرح القومي / الجرح الجمعي
    تحليل قصيدة: "بلدي... يا عابرًا لججًا"
 𔀡.2 الجرح الوجودي / أزمة الذات
    تحليل قصيدة: "الخطية تنتحر"
 𔀡.3 الجرح الكينوني / التفكيك الرمزي
    تحليل قصيدة: " أوليات تحت هجرة البحور"
 𔀡.4 جماليات الجرح: الأثر الفني / الوشم
    تحليل قصيدة: "ما دوّنته نور على خد العذراء"
    تحليل قصيدة: "وشم على خد العذراء" مقارنة مع قصيدة " ما دوّنته نور على خد العذراء"
4. دراسة التجربة الإبداعية في شعر صباح عنوز
   المستوى الجمالي
   المستوى اللغوي
   المستوى الرمزي
   المستوى النفسي
   المستوى الفكري
   بصمة الشاعر
5. تقييم نقدي عام: جماليات الجرح في شعر صباح عنوز
6. الخاتمة
7. المراجع



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طقس الأحفاد
- -ماذا تفعلُ الشاعرةُ بالعيد؟ (لُعبة شعرية)-
- طقس يوم عرفة
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ...
- مونودراما: -أنا القلعة -
- (حين انحنت السماءُ كجفنِ أمٍّ تبكي)
- من الصدمة إلى المعنى سرد النجاة والهوية الجريحة دراسة ذرائعي ...
- حين يكتب الحنين رسائله: قراءة ذرائعية في نص/ لسنا قصة عابرة/ ...
- طقوس السياسة مسرحية شعرية رمزية غنائية – في طقسٍ واحد من الد ...
- من رماد الحرب ينهض الوطن... ومن بين الركام تتفتح زهرة اسمها ...
- طقوس النور
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ...
- تيه الذات واستعادة الكينونة دراسة ذرائعية مستقطعة في رواية ( ...
- حين تتغير الأصداء: هل تحيا الرسالة خارج زمكانها؟ بين الذرائع ...
- سرد الأحلام : آلية للتحوّل النفسي والتمرّد الاجتماعي في رواي ...
- الساحل السوري بين المؤامرة والانقلاب: حين كشف الغبار الحقيقة
- سوريا.. معركة الوحدة في مواجهة رياح التقسيم والعقوبات والتحر ...
- سوريا بين فكي العاصفة: تحديات الداخل والخارج
- بين المبدأ والانتهازية.. الفن حين يكشف الوجوه الحقيقية
- تجليات العزلة والاعتراف في السرد الوجداني : قراءة في بناء ال ...


المزيد.....




- فنان سوري يثير الجدل بعد تعليقه على لقاء وزير الثقافة مع طفل ...
- إيران: المحكمة العليا تؤيد حكم الإعدام ضد مغني الراب تاتالو ...
- كراسي ماري أنطوانيت.. كنوز ملكية تبيّن أنها مزيفة!
- قراءة شاملة لجذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور المؤر ...
- فنان عالمي شهير يواجه اتهامات بسلوك غير لائق ومغازلة فتيات ق ...
- فنانة أمريكية مثيرة تطلق صابونا من ماء الاستحمام الخاص بها.. ...
- مقدم كوميدي أمريكي شهير يعلّق على خلاف ترامب وماسك ويثير ضحك ...
- فنانة أمريكية مثيرة تطلق صابونا من ماء الاستحمام الخاص بها.. ...
- فيلم -فلو- يتجاوز 57 مليون دولار في إنجاز غير مسبوق للرسوم ا ...
- -سوذبيز- تطرح سترة سينمائية شهيرة من الثمانينيات بمزاد علني. ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح عنوز الشعرية الكاملة بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي