عبير خالد يحيي
الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 02:50
المحور:
الادب والفن
مشهد مونودرامي شعري
تتجسّد فيه قلعة حلب كشخصية أنثوية تتحدث على الخشبة، بحضورٍ أسطوريّ، وكأنها تخرج من الحجر لتتكلم، شاهدةً وراوية ومغنّية:
شخصية واحدة:
القلعة – (بصوت جليل لامرأة ناضجة، فيه طيف من القدود الحلبية، ونبرة من امرأة نجَت من كل شيء).
المشهد: ضوء خافت على كتلة صخرية تشبه القلعة.
تبدأ القلعة في التحرك ببطء كأنها تنهض من سبات آلاف السنين.
......
القلعة (تتقدم ببطء نحو الجمهور، بصوت رخيم):
"لستُ مدينة...
بل وترٌ مشدودٌ على حنجرة الحجر."
(تلتفت نحو السماء)
"اسمي؟
موالٌ ينزف نغمًا…
ينكسرُ على شفاه الشعراء
كندبةٍ تلمع، لا تحتاج مبررًا… كي تبقى."
(تفتح ذراعيها كمن يحتضن الزمن)
"أعمدتي؟
لا تخشى الزمان.
تنظر للحرب كمن يرى طفلًا عبث بلعبته…
ثم بكى."
(تضحك بخفة)
قالوا: "أين كنتِ؟"
"كنتُ أراقب.
أنا لا أغيب، أنا القلعة!"
......
(تتراجع قليلًا، تتنقل كمن يمشي في السوق)
"هنا،
كانت الأسواق القديمة تصرخ بالبضاعة،
تخبئ القصائد في أكياس التوابل،
والحنين بين رفوف الحرير…
في الجميلية؟
الباعة ينادون على الذكرى.
وفي باب الفرج؟
تمشي النساء بوقار يشبه الأغنية…
يحملن الخبز، والعنب، والتفاح، والمفتاح، والحنان.
يدندنّ بهمس أغنية ( الروزانا):
ع الروزنا، ع الروزنا كل الهنا فيها
شـو عملت الروزنا الله يجازيهـا
يا رايحين ع حلـب حبي معاكم راح
يا محملين العــنب تحـت العنب تفاح
كل من حبيبه معه وأنا حبيبي راح
يا رب نسمة هـوى ترد الولف ليّ
ع الروزنا، ع الروزنا كل الهنا فيها
شـو عملت الروزنا الله يجازيهـا
تضحك باستحياء وهي تغني ثمّ تكمل:
وفي باب الحديد…
تمشي البيوت على رؤوس أصابعها،
لا تصدق أنها نجَت.
تفتح نوافذها على الورد… والترقب."
.....
(تقترب من الجمهور، وتغني شطرًا من قدّ حلبي حزين)
"قدودي؟
ليست غناءً فقط.
بل طريقتي في النجاة،
أن أحوّل الدمعة إلى سُلَّم مقام،
وأن أبتسم كي لا أنطفئ."
.......
(تضع كحلًا على عينيها كأنها عروس في المرآة)
"اليوم؟
أنا عروس..
صفّفت شعري"
وتنظر إلى الرئيس…
ثم إلى الناس،
ثم تهمس:
أنا لست ذكرى في نشرة أخبار،
ولا مزارًا للمنكوبين…
أنا المفتاح..
أنا الباب."
......
(ترفع يدها عاليًا كأنها تحيي جماهير غفيرة في موكبً شعبي مهيب).
"باب الحديد… العزيزية… التلل… المشهد…
كلّ حيٍّ فيها
مقطعٌ من نشيد لم يكتمل،
مجزوءٌ بلحنٍ من دخان وورد…"
(تعود إلى موقعها الأول، تصمت لحظة، ثم تختم)
"أنا…
ضربة نايٍ في قلب الطين،
حين أشتعل… لا أحترق،
بل… أغني."
(صمت. إضاءة تنسحب ببطء عن جسدها حتى تعود القلعة إلى سكون الحجر)
#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟