عبير خالد يحيي
الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 15:19
المحور:
الادب والفن
تسرّبَ الليلُ من ثقوبِ الأبوابِ المرتجفة،
وأطفأَ قناديلَ السلامِ في عيونِ الصغار،
ربّتَ على أكتافِ الأعتابِ،
ثمّ فتحَ ذراعيهِ للريحِ…
ورحل،
وبكتِ الدروبُ يُتمَ الراحلين.
في الزاويةِ،
كانت (رشا) تخيطُ من خيوطِ حلمها قميصًا للغد،
تطيلُ جدائلَ الوقتِ كي يُزهرَ القمر،
تُذيبُ ضحكتَها في كأسِ حليب،
وتُخبّئُ قلبَها بين أهدابِ دُميةٍ
تشبهُ صديقتها الغائبة.
حين اقتربَ الليلُ أكثر،
انحنت السماءُ .. لامستْ وجعَ أمّها،
ومشى الخوفُ حافيًا على أطرافِ الصمت،
ينبّشُ عن الأسماءِ التي لم تنطفئ.
قالتْ بصوتٍ مرتجفٍ،
كارتعاشةِ ماءٍ في كفِّ وليد:
"عمو..أنا خايفة..السكين عم توجّعني..."
فانحنى الساطورُ يقبّلُ عنقَها،
ثمّ صمتتْ الحياةُ،
واختبأتْ صرختُها في تجاعيدِ الجدران.
في الزاويةِ الأخرى،
كان (عليّ) يطوي نفسَه كظلٍّ ممسوس،
يتقمّصُ برودةَ الحائطِ،
كي لا يُفضَحَ دفءُ دمعه،
تقمّص الموتَ،
فمرّ القاتلون به كما يمرّ الحنينُ بأبوابِ المسنين،
وتركوه ...
حيًّا يحملُ في عينيهِ مقبرةً مفتوحة على عار البشر.
في الصباح،
جاءت الشمسُ لتوقظَ الحياة،
تعثّرتْ بجثثٍ تتوسّدُ الرماد،
فانسكبَ نورُها باكيًا،
راسمًا على الحائطِ ظلالًا تنوح.
في الليلِ الثاني من عمر الموت،
جلسَ (عليّ)
يُعدّ أسماءَ الراحلين على أصابعه،
مع كلِّ اسمٍ، تخبو نجمةٌ في سماء روحه،
وحين فرغتْ يداه،
تسلّل الليلُ إلى قلبه،
أغلقَ عينيه..
ونام في وطن من ظلال مشوّهة .
#دعبيرخالديحيي
* قصيدة نثرية مهداة إلى روح الطفلة #رشا_السيد وأمها وأبيها، ومهداة لأخيها #علي_السيد #الناجي_الوحيد من #مجزرة_الحولة
مساء 25 أيار/مايو 2012
#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟