عبير خالد يحيي
الحوار المتمدن-العدد: 8339 - 2025 / 5 / 11 - 07:56
المحور:
الادب والفن
مدخل: عتبة الضوء
في الغرفة التي لم تُبْنَ بعد،
تجلس امرأة.
لا تحمل اسمًا،
ولا ظلًّا يُشبهها.
على ركبتها تفاحةٌ مقسومة،
نصفٌ أكلته الحياة،
والنصف الآخر
ينتظر أن يُشَم.
تُمسد الهواء كما لو أنها تربّي طفلًا شفافًا،
وتنصت لصوتٍ يأتي من عمق عظامها:
صوتٌ يشبه ضوءًا صغيرًا
يمشي على قدمين حافيتين
في ممرّ داخلي
لا يؤدي إلى الخارج.
تبتسم..
تغلق الباب
ثم تذوب فيه.
وتبدأ الطقوس
1. من جهةِ الماء
كان الضوء يلمسني... لا يدعوني
يمرُّ مثل فكرةٍ على أطراف جلد،
وأنا،
أقيس المسافة بين قلبي وقلبي.
الريحُ تعبر بي
تفتّش عن ظلٍّ نسيَ شكله،
وأنا أرتّب الغياب في صدري،
كوعدُ نبتةٍ لا تُزهر إلا إن نُسيَت.
ثمّة شيء فيّ
يحدثُ دون أن يحدث،
ينمو كما تنمو قصيدة
في حنجرةِ شجرة.
كان هناك غرفة صغيرة، نائمة تحت جلدي.
كلّما طرقتُها، سمعتُ صوت امرأةٍ تغنّي… لا بالكلمات، بل بما يشبه البخار،
كأنّ الحنين تعلّم الغناء، ثم نسي اللغة.
2. من جهةِ الخطى
لم أكن أتقدّم،
كنتُ أذوبُ في نُقطة.
كلما ضاق الجسد،
انفتح الصوت.
المرآةُ تخلّت عني،
وأنا لم أسألها: من؟
بل دسستُ وجهي في الضوء،
علّه يُعيد تكوينه.
صرتُ أكثر من امرأة،
أقلّ من صورة،
ظلٌّ بلا حائط،
جسدٌ بلا ذاكرة،
نورٌ يتذكّر نفسه،
ثم ينساه.
عند المنعطف، رأيتُ فتاة تلبس معطفي القديم.
كانت تمشي إلى الوراء،
لكنها لم تصطدم بشيء.
ربما كانت تتذكّر الطريق، لا تسلكه.
3. من جهةِ العتبة
ما من قسَمٍ،
ما من نذورٍ أطلقتُها نحو الغيب.
أنا
نفضتُ عن روحي معنى الوصول،
واستعرتُ من الماء لغتهُ العابرة.
كل ما فيّ كان يُغادر،
وأنا
أخفيتُني في الوميض.
لم يعد الضوء هدفًا،
ولا الصوت خلاصًا،
أنا
كما تركني الهواء:
خفيفة،
مُسالمة،
تتحدّثُ فقط حين لا يُنتظَر منها شيء.
جلستُ ذات مساء على حافة ظلّي،
وسألته: "هل كنتُ خفيفة بما يكفي؟"
فأشار إلى سماءٍ بلا نجوم،
وقال:
"أنتِ الغيمة التي عبرتْ دون أن تُبلّل أحدًا،
وهذا، هو النقاء."
#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟