أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - حين يكتب الحنين رسائله: قراءة ذرائعية في نص/ لسنا قصة عابرة/ للكاتبة اللبنانية إخلاص فرنسيس بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي















المزيد.....

حين يكتب الحنين رسائله: قراءة ذرائعية في نص/ لسنا قصة عابرة/ للكاتبة اللبنانية إخلاص فرنسيس بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 08:44
المحور: الادب والفن
    


في زمن تُختزل فيه المشاعر وتُختصر القصص في عناوين عابرة، تأتي رسالة إخلاص فرنسيس "لسنا قصّة عابرة" كنداء ناعم وموجِع يعيد الاعتبار للحب كذاكرة نابضة، لا تنطفئ. لا تكتب الكاتبة قصة حب، بل تسكنها، وتترك للحنين أن يخطّ رسائله على جسد الورق، ويصنع من الغياب حضورًا دائمًا.
هذه القراءة تسعى إلى تتبع خيوط النص وتفكيك مستوياته النفسية والجمالية، للكشف عن بنية الحنين حين يتجسّد لغةً، ورسالةً، وطقسَ خلود.
هو نصٌّ مزيج بين الرسالة الأدبية والنثر الشعري، ويتّخذ شكل مونولوج داخلي يُكتب لحبيب غائب، فيه تماهٍ واضح بين الذات الكاتبة واللغة، وبين الذكرى والحنين، بما يحمله من شعرية وجدانية غنائية، وتكثيف شعوري ولغوي يقترب من القصيدة النثرية، لكنه يظل أقرب إلى الرسالة النثرية الشعرية ذات الطابع التأملي الغنائي.
إذن:
تجنيس النص: رسالة نثرية شعرية (نثر غنائي)
ينتمي إلى جنس الرسائل الأدبية ذات الطابع الغنائي التأمّلي، ويمكن تصنيفه أيضًا ضمن أدب الحنين/الاعتراف/السيرة العاطفية المضمّنة.
ندرس النص وفق المستويات الذرائعية :
1. البؤرة والخلفية الأخلاقية:
البؤرة تدور حول: الحنين إلى حبيب غائب، والاعتراف بأن العلاقة ليست عابرة بل كيانية وجذرية في الوجدان.
الخلفية الأخلاقية تحمل مشاعر الوفاء، التوق، الصبر، وعدم التنكّر لتجربة الحب حتى في ظل الانفصال أو الجفاء. هناك وفاء لما كان، ولما لم يحدث أيضًا.

2. المستوى البصري:
يتجلّى في صور حسّية عالية، كالموسيقى الخارجة من النافذة، الناي، قارورة العطر، الكأس، المسودات المبعثرة، النافذة المغلقة، الضباب...
"الحنين يغمس ريشته في دمي"
"يدي ترتجف كالعصفور في يدك"
كلها صور تشكّل لوحة تشكيلية شعورية مشبعة بالرقة والاغتراب.

3. المستوى اللغوي:
لغة أدبية عالية، تحفل بالاستعارات والمجاز، تُمزج بين البساطة والانسياب الداخلي المعقّد.
تتكرر الموسيقى كحضور رمزي وعاطفي.
يتكرّر الفعل الحسي كـ: "أُقبّل"، "أعضّ"، "أفتح"، "أُقرّب"، "أصرخ"، مما يدل على تشظي النفس وتعبيرها المتواصل.
الأسلوب الإنشائي حاضر بكثرة: "هل أقول لك...؟"، "من يمسح؟"، "من ينقذني؟"، ما يعطي طابعًا تأمليًا، استبطانيًا.

4. المستوى الديناميكي:
النص قائم على الحركة النفسية الداخلية، لا أحداث فعلية خارجية، لكنه يتحرك عبر مشاعر متصاعدة:
(البدء بالحنين – التوتر – الانهيار – التماسك – الاعتراف النهائي بالحب).
يتحوّل الليل إلى رفيق للذات المحبّة.
ويتحوّل الحبيب الغائب إلى معادل موضوعي لفكرة الفقد والانتماء.

5. المستوى النفسي:
النص مرآة لذات مأزومة، تعيش على الأطلال، تتوسّل الماضي، تُنقّب في الذكرى، وتُغذّي الحبّ رغم وجعه.
الذات الكاتبة مصابة بما يشبه اضطراب الحنين المزمن، واحتراق الهوية في صورة الآخر، ويتضح من عباراتها:
"مرمية ومشلوحة بين الجدران العارية"
"أفتح درج مكتبي، أرفع إلى شفتي قارورة العطر"
"من يمسح آثار الزمن عن وجهي؟"
تحوّلت العلاقة العاطفية إلى مسكّن وألم في آن واحد.

6.التجربة الإبداعية لإخلاص فرنسيس:
ينبثق هذا النص من تجربة إبداعية تستند إلى كتابة الوجدان من عمق الشعور الشخصي، لا بوصفه حدثًا خارجيًا، بل كحدث داخلي متكرّر يتجدّد مع كل مساء. الكاتبة لا تروي قصة حب، بل تعيشها من خلال الكتابة، بحيث تصبح الكتابة نفسها امتدادًا للحب ووسيلةً للمقاومة ضد الفقد والغياب.
اللافت في التجربة أن إخلاص فرنسيس لا تكتب من موقع الضحية ولا من موقع البطلة الرومانسية، بل من موقع المرأة الذاكرة، التي تحمل حبيبها داخل تفاصيلها اليومية، وتحوّل الأشياء البسيطة (قارورة العطر، الراديو، النافذة) إلى رموز حيّة لوجوده.
تعتمد الكاتبة على التلقّي الموسيقي للألم، فالموسيقى ليست خلفية صوتية في النص، بل بنية شعورية تتكرر كأنها "ترانيم الحنين" التي ترافق الرسالة. كما أن اختيارها للصيغة الرسائلية يعكس ثقتها في أن الكلمات قادرة على جسر الهوة بين الذات والآخر، بين الذاكرة والواقع.
هذه التجربة لا تستمد قوتها من الحب وحده، بل من الإيمان بالكتابة كخلاص وجودي، حيث تذوب الذات في اللغة، وتتخلى عن الزمان والمكان، لتخلق وطنها الحميم على الورق.
بالختام:
نص "لسنا قصّة عابرة" هو طقس وجداني مكتوب بلغة مشحونة ومكثّفة، يمزج بين الحب والغياب، وبين العاطفة والصمت، حيث تصبح الكتابة رديفًا للحياة، والحبيب الغائب أكثر حضورًا من كلّ الحاضرين. إنّه نصّ لا يقرأ بعيون نقدية فقط، بل يُلمس بالقلب.

لسنا قصّة عابرة
وأنا أتهيّأ للنوم يطالعني صوت البيانو من خلف النافذة، فتنبت في داخلي أجنحة الحنين، يمسك بيدي، يسير بي إلى القلم والورقة لأكتب لك، الموسيقا تؤلّف سلّمها كلمات من حب، تقاسيم من أشواق، وكأنّها نهاوند، منفردة، متفرّدة على عود الحزن واللهفة. هل أقول لك: مساء الخير وأنت في طريق الشمس تسير؟ الآن وأنا في هذه الغربة المكهربة، تمسّ أطرافي الجنون، كلّ الكائنات أوت إلى مخادعها، أستعدّ للخلود إلى هذا الليل البارد الطويل، محتلّة بالتوق، ومسكونة بالوجع، أقول: أحبّك أو لا أحبّك، عواصف وصرخات وتناقضات تمتدّ على طول دفتري وعرضه، بذور منثورة من توهّج دمعة ناي، أفتح درج مكتبي، أرفع إلى شفتي قارورة العطر التي أهديتني، أقبّلها، الموسيقا ما زالت تعزف، والحنين يغمس ريشته في دمي، يسري في وريدي دمك، مرمية ومشلوحة بين الجدران العارية، أعضّ على جرحي، وخارجها أسوار المسافة تحول بيني وبينك ، كلماتك ترنّ في أذني، ويدي ترتجف كالعصفور في يدك.
الضباب يخفي دمعتي، أسير نحو الغياب بخطى وئيدة، وفي خضمّ يأسي أتفقّد صدري، جسدي بين مطرقة القلب وسندان العقل، أوراقي تعبّ الدمع كلما زارها طيفك. من يطلق الرصاصة الأخيرة، وينقذني من ضياعي. نظراتك ترجوني أن أبقى قليلا. من يمسح آثار الزمن عن وجهي، ويرتق الشرخ المغبر بالشيب؟
نار وريح وبشر، وكما في كلّ مساء، أصير للوقت تسلية، يبني لجسدي زورقاً من مئات الرسائل، وكفناً من الحروف، أمام ناظري تصطفّ كالنخل شامخة، أكاد أمدّ يدي لأصافحك ، علّها تسقط من كتبنا المسافة، أو أخرج من هذا التمثال الرخامي، لأعود إلى سجن ذاكرتي التي تدوّن في مفكّرتها يومياتي في منفاك، ترسم هزيمتي وصدى الأنين في همهمات مبهمة، مطعّمة بالصمت العتيق، والبكاء الطويل. هرمت جدائلي، والحنين ازداد مرارة، أحاول أن أقرّب الغد، لأنجو، فالعذاب شيطان أخرس، يفترسني بأنيابه. كلّ شيء حدث مثل ومض البرق، وكأنّنا لم نلتقِ، حلقات مفكّكة بدا المصير، والتفسير الوحيد أن أؤمن بالوجود، وأن ألهث خلف حدسي. يقودني ساعي البريد إلى كوكب آخر، في كلّ مرة يفتح جعبته على باب غير بابي، يفتح جرحي، يشحذ السكين، كلما قلت اقترب الأمل، ازددت بعدًا، أرقبه يبتعد، ألعنه كيف غفل عن بابي، ربما أخطأ في كتابة العنوان. أدير قرص الراديو، أبحث عن أغنيات هشّة، لأتحرّر من الإحساس بالفشل، ألملم مسوّدات الرسائل المبعثرة، أملأ كأسي، وأجلس معها نتسامر، تنام على الطاولة، وبين الذكريات الغابرة والكلمات، ألتصق بها، تصرفني فارغة، تسلب منّي القدرة على الرؤيا، أنفض عنّي الموت.
حبيبي.. لسنا قصّة عابرة.
إخلاص فرنسيس



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طقوس السياسة مسرحية شعرية رمزية غنائية – في طقسٍ واحد من الد ...
- من رماد الحرب ينهض الوطن... ومن بين الركام تتفتح زهرة اسمها ...
- طقوس النور
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ...
- تيه الذات واستعادة الكينونة دراسة ذرائعية مستقطعة في رواية ( ...
- حين تتغير الأصداء: هل تحيا الرسالة خارج زمكانها؟ بين الذرائع ...
- سرد الأحلام : آلية للتحوّل النفسي والتمرّد الاجتماعي في رواي ...
- الساحل السوري بين المؤامرة والانقلاب: حين كشف الغبار الحقيقة
- سوريا.. معركة الوحدة في مواجهة رياح التقسيم والعقوبات والتحر ...
- سوريا بين فكي العاصفة: تحديات الداخل والخارج
- بين المبدأ والانتهازية.. الفن حين يكشف الوجوه الحقيقية
- تجليات العزلة والاعتراف في السرد الوجداني : قراءة في بناء ال ...
- مي سكاف: نجمة الحرية التي أبت أن تنطفئ
- حسن نصر الله: زيف إيران الذي احترق بنيران الحقيقة
- أدب الرحلات المعاصرة: سفر في الجغرافيا والذات دراسة ذرائعية ...
- اغتيال الحريري: الرصاصة التي فجّرت لبنان
- (ألفيّة القس جوزيف إيليا) بين هندسة الشكل وجمالية القيَم في ...
- مجزرة حماة 1982: إبادة جماعية بأوامر الأسد وجرح لم يندمل
- الروح الضائعة في اللحن المكسور : بين الشغف والتضحية دراسة ذر ...
- مأساة الأطفال المختطفين من أبناء المعتقلين في سوريا: جريمة إ ...


المزيد.....




- مهرجان أفلام المقاومة.. منصة لتكريم أبطال محور المقاومة
- بعد أشهر من قضية -سرقة المجوهرات-.. الإفراج عن المخرج عمر زه ...
- الإمارات.. إطلاق أول نموذج ذكاء اصطناعي باللغة العربية
- 6 من أبرز خطاطي العراق يشاركون في معرض -رحلة الحرف العربي من ...
- هنا أم درمان.. عامان من الإتلاف المتعمد لصوت السودان
- من هنّ النجمات العربيّات الأكثر أناقة في مهرجان كان السينمائ ...
- كان يا ما كان في غزة- ـ فيلم يرصد الحياة وسط الدمار
- لافروف: لا يوجد ما يشير إلى أن أرمينيا تعتمد النموذج الأوكرا ...
- راندا معروفي أمام جمهور -كان-: فلسطين ستنتصر رغم كل الظلم وا ...
- جبريل سيسيه.. من نجومية الملاعب إلى عالم الموسيقى


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - حين يكتب الحنين رسائله: قراءة ذرائعية في نص/ لسنا قصة عابرة/ للكاتبة اللبنانية إخلاص فرنسيس بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي