أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - السجين بين الرمزي والوجودي قراءة ذرائعية في قصة ( السجين) للقاصّة المصرية نيرمين دميس بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي














المزيد.....

السجين بين الرمزي والوجودي قراءة ذرائعية في قصة ( السجين) للقاصّة المصرية نيرمين دميس بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 09:37
المحور: الادب والفن
    


تُشكّل قصة "السجين" إحدى أبرز النصوص في مجموعة (صندوق أرابيسك) للقاصّة نيرمين دميس لما تنطوي عليه من عمق رمزي ونفسي وفلسفي يتجاوز الحكاية الواقعية إلى تجربة وجودية صادمة. ففي فضاء يبدو للوهلة الأولى بسيطًا – زيارة إلى متحف الشمع – ينقلب المشهد إلى كابوس وجودي، يجد فيه البطل نفسه عاجزًا عن التنفس أو الصراخ، محاصرًا بين تماثيل جامدة وظلام خانق، فيتساءل: هل ما زال إنسانًا حيًّا، أم أصبح بدوره تمثالًا بلا روح؟
من خلال هذا التحول، تستحضر الكاتبة أسئلة الإنسان المعاصر حول الحرية، الهوية، والاغتراب، مقدّمة نصًا يزاوج بين الواقعي والرمزي، ويمنح القارئ تجربة قرائية متوترة، بصرية ومشحونة بالقلق.

1.البؤرة الفكرية

البؤرة الفكرية للقصة تتمثل في سؤال الوجود: هل يبقى الإنسان إنسانًا إذا فقد حريته وصوته، أم يتحول إلى "شيء" بلا قيمة؟
هذا السؤال يُختصر في صرخة البطل: «أنا لست تمثالًا من شمع، بل إنسان من لحم ودم!»، حيث تتحول التجربة من مجرد خوف جسدي إلى احتجاج وجودي عميق.

2. المستوى البصري

القصة غنية بالصور البصرية: التماثيل الشمعية المتقنة الصنع، قاعة المتحف المعتمة، تفاصيل الوجوه الجامدة. هذه العناصر ليست ديكورًا فقط، بل رموز للجمود والموت.
« دار بين التماثيل الشمعية في الردهة الداخلية، يتأمل دقة صنعها، لدرجة جعلتها تضاهي الواقع، كأنها من لحم ودم »
تتحوّل الصورة البصرية إلى مرآة للاغتراب، حيث يذوب الحد بين الحي والميت.

3. المستوى اللغوي

اللغة تبدأ بنبرة واقعية تقريرية، ثم تنزاح تدريجيًا إلى لغة رمزية / شعورية، قبل أن تنفجر في خطاب وجودي مباشر.
يتصدّر ساحة متحف الشمع لافتة ضخمة، مكتوب عليها بحروف كبيرة ولغات مختلفة: ”احذر لمس المعروضات، وإلا تصيبك لعنة سنوية، لا نعلم توقيتها “
البداية: نقد ساخر لصاحب فكرة المتحف .
« ما هذا الهراء؟! بالطبع إنها حيلة سخيفة من قبل إدارة المتحف؛ للحفاظ على المعروضات من عبث الزائرين، يبدو أن صاحب الفكرة متأثّر بدرجة مبالغ فيها بأفلام الإثارة والتشويق ».
الوسط: لغة شعورية مكثفة، مشحونة بالرعب: «عيناي مفتوحتان ولا أرى.. كأنني قُذفت في جب مظلم»
النهاية: خطاب فلسفي مباشر: «لا.. لا تتركوني وحدي، فأنا لست تمثالًا من شمع، بل إنسانًا من لحم ودم»


4. المستوى الديناميكي

الحركة السردية تقوم على تصاعد درامي: من دخول عادي إلى المتحف، إلى انقباض نفسي، إلى اختناق جسدي، إلى وعي وجودي.
ينقلب الزمن من خارجي (زيارة) إلى داخلي (وعي وارتباك نفسي)، فتغدو القصة مسرحًا للصراع بين الحياة والموت.

5. المستوى النفسي

القصة تعكس تجربة الرهاب الوجودي، حيث يعاني البطل من فقدان القدرة على الحركة والصوت. الخوف هنا ليس من الموت البيولوجي، بل من التحوّل إلى تمثال بلا روح.
«يحاول الصراخ بأعلى صوته، .... لكن صوته صار حبيس تلك الغرفة المظلمة المغلقة داخله».
إنها صورة رمزية لاغتراب الإنسان المعاصر، الذي يشعر بأنه محاصر في صمت مفروض عليه.

6. المستوى الأخلاقي

على المستوى الأخلاقي، تمثل القصة دفاعًا عن الكرامة الإنسانية. الصرخة الأخيرة للبطل ليست مجرد صرخة خوف، بل إعلان للتمسك بالهوية الإنسانية في وجه التشييء:
« ....فأنا لست تمثالًا من شمع.. بل إنسانَا من لحم ودم».

7. المستوى الحجاجي/التداولي

القصة تحاور القارئ بشكل غير مباشر: هل نحن أحرار فعلًا أم أسرى أنظمة اجتماعية وسياسية تحوّلنا إلى تماثيل صامتة؟
النص يطرح سؤالًا فلسفيًا مفتوحًا بدل أن يقدّم جوابًا، ويترك القارئ في مواجهة قلقه الخاص.

8. التجربة الإبداعية

إبداع الكاتبة يكمن في مزج الواقعي (متحف الشمع) بـ الرمزي (السجن الداخلي)، مستخدمة تقنيات قريبة من أدب الرعب والواقعية السحرية.
نجحت في تحويل مكان مألوف إلى فضاء كابوسي يعكس قلق الإنسان المعاصر من الاستلاب وفقدان الحرية.

في الختام:

قصة "السجين" ليست نصًا قصصيًا تقليديًا، بل صرخة وجودية تتجاوز حدود الأدب الاجتماعي لتطرح سؤالًا إنسانيًا كونيًا: متى يفقد الإنسان إنسانيته؟
ومن خلال المستويات الذرائعية، يتضح أن النص يزاوج بين:
البصري (التماثيل والظلام)،
النفسي (الاختناق والذعر)،
الأخلاقي (رفض التشييء)،
الحجاجي (سؤال الحرية)،
وبذلك تكون "السجين" القصة الأعمق في المجموعة، وذروة الأرابيسك السردي الذي ينسج من اليومي العابر دلالة فلسفية كبرى.

#دعبيرخالديحيي الإسكندرية - مصر 23/ 8 / 2025



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغربة كجرح وجودي قراءة ذرائعية في مجموعة (شواطئ الغربة) للق ...
- المنتدى الاستثماري السعودي السوري: انتصار اقتصادي وسياسي في ...
- قراءة في الصراع السوري-الإسرائيلي ودور الدروز في المعادلة ال ...
- حين تغدو القصيدةُ وطنًا
- تدمر: حين انفجرت الأبجدية في عتمة الزنزانة في الذكرى 45 لمجز ...
- حين يُعيد الحزن كتابة اللغة: تشريح الحزن من الخارج إلى الداخ ...
- التحوّلات السيسيولوجية والتمظهرات النسوية في أدب الحرب رواية ...
- الحلم كفعل مقاومة دراسة ذرائعية في مجموعة (رؤى وأحلام) للشاع ...
- الأرض شاهدةً لا موضوعًا: دراسة ذرائعية في تطوّر البؤرة الفكر ...
- القصيدة التي لعنت الجميع
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ...
- بين البنية السردية والتشكّل القِيَمي: قراءة ذرائعية في رواية ...
- جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح ...
- طقس الأحفاد
- -ماذا تفعلُ الشاعرةُ بالعيد؟ (لُعبة شعرية)-
- طقس يوم عرفة
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ...
- مونودراما: -أنا القلعة -
- (حين انحنت السماءُ كجفنِ أمٍّ تبكي)
- من الصدمة إلى المعنى سرد النجاة والهوية الجريحة دراسة ذرائعي ...


المزيد.....




- شهدت سينما السيارات شعبية كبيرة خلال جائحة كورونا ولكن هل يز ...
- ثقافة الحوار واختلاف وجهات النظر
- جمعية البستان سلوان تنفذ مسابقة س/ج الثقافية الشبابية
- مهرجان الجونة 2025 يكشف عن قائمة أفلامه العالمية في برنامجه ...
- بيت المدى يحتفي بمئوية نزار سليم .. الرسام والقاص وأبرز روا ...
- الرواية الملوَّثة التي تسيطر على الغرب
- تركيا تعتمد برنامجا شاملا لتعليم اللغة التركية للطلاب الأجان ...
- مسرحية -طعم الجدران مالح-.. الألم السوري بين توثيق الحكايات ...
- مهرجان الأردن لأفلام الأطفال.. غزة وحكايا النزوح والصمود في ...
- -للسجن مذاق آخر-.. شهادة أسير فلسطيني عن الألم والأمل خلف ال ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - السجين بين الرمزي والوجودي قراءة ذرائعية في قصة ( السجين) للقاصّة المصرية نيرمين دميس بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي