قراءة في الصراع السوري-الإسرائيلي ودور الدروز في المعادلة الجيوسياسية

عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 23:36
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    

مقدمة: المشهد السوري المتأزم وصراع النفوذ الإقليمي
تشهد سوريا في ظل النظام الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع تحولات جيوسياسية عميقة، حيث أصبحت مسرحًا للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.
في قلب هذا الصراع، تبرز قضية الدروز كورقة ضغط استراتيجية تستخدمها إسرائيل لزعزعة الاستقرار في سوريا، وفقًا للخطاب السياسي السوري الرسمي. تتصاعد التوترات في جنوب سوريا، خاصة في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، حيث تشن إسرائيل ضربات متكررة ضد القوات الحكومية السورية تحت ذريعة "حماية الدروز" . لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه: هل تهتم إسرائيل حقًّا بمصير الدروز السوريين، أم أن هذه مجرد ذريعة لتحقيق أهداف استراتيجية أعمق؟

الأبعاد التاريخية للعلاقة بين إسرائيل والدروز
لفهم التعقيدات الحالية، يجب العودة إلى جذور العلاقة بين إسرائيل والطائفة الدرزية.
يعيش في إسرائيل حوالي 143,000 درزي، يتمتعون بوضع قانوني مميز حيث يعترف بهم كمجتمع ديني منفصل عن المسلمين والعرب منذ عام 1957
يُلزم الدروز الذكور في إسرائيل بالخدمة العسكرية الإلزامية، وقد تقلد العديد منهم مناصب رفيعة في الجيش والأجهزة الأمنية. هذه العلاقة الخاصة تفسر جزئيًّا الاهتمام الإسرائيلي المفاجئ بمصير الدروز في سوريا، حيث يصوّر نفسه كحامٍ لهم ضد ما يزعمه من تهديدات من النظام السوري الجديد.

ومع ذلك، فإن الواقع أكثر تعقيدًا. فالدروز في هضبة الجولان المحتلة، والذين يقدر عددهم بأكثر من 20 ألف، رفضوا غالبًا الجنسية الإسرائيلية واحتفظوا بهويتهم السورية.
هذا الانقسام في المواقف داخل المجتمع الدرزي نفسه يطرح تساؤلات حول مدى شرعية الادعاء الإسرائيلي بتمثيل مصالح جميع الدروز.

الذرائع الإسرائيلية: بين حماية الأقليات والأجندة الجيوسياسية
تصف إسرائيل تدخلها العسكري في سوريا بأنه "دفاع عن الدروز"، خاصة بعد الاشتباكات الدامية في السويداء التي أسفرت عن مقتل العشرات من الطرفين .
لكن التحليل الموضوعي يكشف أن دوافع إسرائيل تتجاوز بكثير الاهتمام الإنساني. فبحسب تقارير إعلامية، تستغل إسرائيل الورقة الدرزية لتحقيق عدة أهداف إستراتيجية:

١_إضعاف السلطة المركزية في دمشق: من خلال دعم الميل الانفصالي لدى بعض قيادات الدروز، تسعى إسرائيل إلى تقويض سلطة الحكومة السورية في جنوب البلاد

٢_توسيع النفوذ في سوريا: تشن إسرائيل ضربات متكررة تحت ذريعة حماية الدروز، بينما تستغل الفرصة لتعزيز وجودها العسكري في المناطق الحدودية .

٣_عرقلة المصالحة الوطنية: يعتقد محللون أن إسرائيل تريد منع استقرار سوريا خوفًا من تحولها إلى قوة إقليمية معادية، خاصة بعد صعود أحمد الشرع الذي يرفض التطبيع مع إسرائيل قبل استعادة الجولان

٤_إقامة منطقة عازلة: تسعى إسرائيل إلى فرض منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا، وهو ما رفضته الحكومة السورية باعتباره انتهاكًا لسيادتها .

الشرع والجولان: الاختبار الحقيقي للسيادة السورية
يشكل موقف الرئيس أحمد الشرع من قضية الجولان المحتل نقطة محورية في هذا الصراع. خلافًا لبعض القادة العرب الذين قبلوا بالتطبيع مع إسرائيل دون شروط، يصر الشرع على أن أي تفاوض مع إسرائيل يجب أن يبدأ باستعادة الجولان. هذا الموقف الصلب يفسر الحملة الإعلامية والسياسية ضد النظام السوري الجديد، حيث تصفه بعض الأوساط الإسرائيلية بأنه "نسخة جديدة من أردوغان لكن على الطريقة الشامية الأموية".

اللافت أن إسرائيل، رغم ادعاءاتها بحماية الدروز، تواصل احتلالها لهضبة الجولان التي يعيش فيها آلاف الدروز السوريين الذين رفضوا الجنسية الإسرائيلية.
هذا التناقض يكشف الزيف في الخطاب الإسرائيلي، حيث تهتم إسرائيل بالدروز فقط عندما يكونون ورقة ضغط ضد دمشق، بينما تتجاهل حقوق الدروز في الجولان المحتل.

التدخلات الخارجية وصراع النفوذ
لا تقتصر المعركة على الجانب السوري-الإسرائيلي، بل تمتد إلى صراع نفوذ إقليمي أوسع. تشير التقارير إلى أن اجتماعات سرية تجري بين مسؤولين إسرائيليين وسوريين في تركيا بوساطة أمريكية. لكن العقبة الرئيسية تبقى قضية الجولان، حيث ترفض إسرائيل أي حديث عن انسحاب، بينما يعتبرها السوريون خطًّا أحمر.

في هذا السياق، يظهر انقسام داخل الإدارة الإسرائيلية بين فريق يرى ضرورة التفاوض مع الشرع، وفريق آخر يحذّر من "تكرار سيناريو أردوغان" . هذا الانقسام يعكس حيرة إسرائيلية أمام صعود نظام سوري يرفض منطق التبعية ويصر على استعادة الحقوق السيادية كاملة.

بالختام:
معركة النهضة ضد الهيمنة
الصراع في سوريا اليوم ليس مجرد نزاع محلي، وإنما هو جزء من معركة كبرى بين إرادة النهضة العربية ونظام الهيمنة الإقليمي الذي تقوده إسرائيل. قضية الدروز، مثلها مثل قضية الجولان، ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من المحاولات لزعزعة الاستقرار في سوريا ومنع صعودها كقوة إقليمية مستقلة.

موقف أحمد الشرع الرافض للمساومة على السيادة الوطنية يمثل اختبارًا حقيقيًا لإرادة النهضة العربية.
و"الذي لا يبيع الجولان اليوم، لن يبيع فلسطين غدًا". في هذا السياق، فإن الدفاع عن المشروع الوطني السوري ليس خيارًا سياسيًا فحسب، وإنما واجبًا تاريخيًا أمام محاولات الهيمنة والتفكيك.

في زمن "تُصنع فيه النهضة من ركام التاريخ"، تبرز سوريا كرمز للمقاومة والاستقلال. المعركة الحقيقية هي معركة إرادات: بين أمة تنهض تحمل مشعل كرامتها، ونظام عالمي يترنح يحاول الحفاظ على هيمنته.
وفي هذا الصراع المصيري، لا مكان للتردّد أو الخيانة، بل فقط للوقوف في خندق الشرف والحرية.

المصادر:

تقارير صحيفة المونيتور (The Monitor)

الموقع الرسمي: https://www.al-monitor.com

تغطي الصحيفة الشؤون الإسرائيلية والسورية وتنشر تحليلات حول العلاقات بين الطرفين.

تقارير عن الدروز في إسرائيل وسوريا

معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: https://www.washingtoninstitute.org

مركز كارنيغي للشرق الأوسط: carnegie-mec.org

هيئة الإذاعة البريطانية (BBC): https://www.bbc.com/arabic (تقارير عن الدروز في الجولان وسوريا)

التصريحات الإسرائيلية حول سوريا والجولان

وزارة الخارجية الإسرائيلية: https://www.gov.il

صحيفة هآرتز (Haaretz): https://www.haaretz.com (تغطية للسياسة الإسرائيلية تجاه سوريا)

الموقف السوري الرسمي من الجولان والمفاوضات

وكالة الأنباء السورية (سانا): https://www.sana.sy

#دعبيرخالديحيي

#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل