أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية لديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام» للشاعر المغربي سعيد محتال بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي















المزيد.....



الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية لديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام» للشاعر المغربي سعيد محتال بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 08:06
المحور: الادب والفن
    


مقدمة الدراسة
تحفل التجربة الشعرية الحديثة بارتدادات النفس الجريحة في مواجهة واقع مضطرب، وزمن لا يقيم وزنًا ليقينٍ ثابت أو حلمٍ سهل المنال. ولعل ديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام» للشاعر المغربي سعيد محتال يُعدّ مثالًا صادقًا على هذا المسار، حيث تتجلّى القصيدة كصوت باطني، يتشكّل بين انكسار الذات ومقاومة الصمت، بين الليل المطبق وومضات الأمل العصيّ.
ينتمي هذا الديوان إلى ما يمكن تسميته شعر الحزن الحدسي؛ فهو لا يقدّم سردية واضحة، بل يرسم مشاهد متكسّرة، لوحات حسّية، تتداخل فيها ثيمات الصمت، الليل، البحر، الجرح، الزمن، الحرف... ويتحوّل النص الشعري إلى مجال مفتوح للتأويل، حيث كل صورة تُفضي إلى أختها في سلسلة من التوترات النفسية والكونية.
في هذا السياق، جاءت المقاربة الذرائعية لتكشف عن الطبقات العميقة في البناء الشعري لهذا الديوان، مقاربة تركّز على:
- البؤرة النفسية والأخلاقية للنصوص
- جماليات الصورة والحركة البصرية
- اللغة والتركيب
- أبعاد النفس الشاعرة
- مقصدية الخطاب التداولي
- ملامح التجربة الإبداعية
وقد وقع اختياري في هذه الدراسة على ست قصائد تمثّل عيّنة كاشفة من نسيج الديوان:
1- نشيد الصمت
2- الملاذ الأخير
3- رقصة النجوم
4- من الشك إلى اليقين
5- وجع البحر
6- صراخ في وجه الصمت
تنتمي هذه النصوص إلى فضاءات شعرية متنوّعة؛ بين النفس المعذبة، والكون المتقلّب، والكتابة كفعل وجودي مؤلم، والاحتجاج الاجتماعي الناقد.
ومن هنا، تنبثق أهمية هذه القراءة: ليس فقط في تحليل البُنى الجمالية للنص، بل في محاولة فهم النفس الشعرية وهي تخوض صراعها مع الزمن، مع اللغة، مع العالم.

السيرة الذاتية للشاعر:
سعيد محتال من مواليد 1964، مغربي الجنسية -حاصل على شهادة الإجازة في اللغة العربية وآدابها، حاصل على دبلوم مركز تكوين المعلمات والمعلمين.
صدر له ديوان شعري بعنوان: "همسات قلب حائر" 2019 - وديوان : " رقصات الصمت تحت جنح الظلام" 2025

• البؤرة والخلفية الأخلاقية:
تدور البؤرة العامة للديوان حول صراع الذات الجريحة بين الصمت القاهر والرغبة في البوح، بين الليل النفسي والضوء المؤجل.
الخلفية الأخلاقية اتخذت موقفًا تأمليًا غير مباشر؛ فالشاعر لا يعظ، بل يقدّم صورة وجودية للمعاناة، تاركًا للقارئ أن يتلمّس المسار بين التيه والاحتمال.
الشواهد من نصوص مثل «نشيد الصمت » و «صراخ في وجه الصمت» تُظهر هذا الصراع بوضوح.

• المستوى البصري:
أولًا: العنوان كعنصر بصري/رمزي
"رقصات الصمت تحت جنح الظلام":
يُطبع العنوان بخط واضح وأسود في وسط خلفية بيضاء، ما يعزّز المفارقة بين "الصمت/الظلام" و"الوضوح/الإعلان".
بصريًا:
العبارة "جنح الظلام" تموضع بصريًا أسفل "رقصات الصمت"، وكأنها جناح ممتد يُظلّل الوجود انسجامًا مع فكرة الغلاف: الذات المتراقصة داخل العتمة.
دلاليًا:
يمثّل العنوان في العمل الشعري مكوّنًا عتبيًا ذا وظيفة تكثيفية؛ فهو البوّابة الأولى التي يطلّ منها القارئ على العالم النصّي. وفي ديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام»، يتبدّى العنوان بوصفه مفتاحًا تأويليًا عميق الصلة بالبنية الموضوعية والجمالية للنصوص.
من حيث التركيب، جاء العنوان في صياغة مجازية إيحائية:
«رقصات» — تدلّ على حركة نفسية/جسدية، لا استقرار فيها.
«الصمت» — هو الثيمة المركزية في معظم نصوص الديوان.
«تحت جنح الظلام» — يحدّد الفضاء الزماني/المكاني: الليل، القهر، الغموض.
وقد دلّ التحليل على أن الصمت هو المكوّن الدلالي المتكرر، وأن الرقصات تشير إلى ديناميات الألم الداخلي، بينما الظلام هو الفضاء الوجودي المسيطر. هكذا، جاء العنوان مُوفّقًا، يختزل القيمة الرئيسة للنصوص، ويعمل كـ مفتاح تأويلي ناجح.

ثانيًا: الصورة المركزية على الغلاف الأمامي


صورة سريالية لرجل/شبح يمد ذراعيه كأنه يرقص أو يستسلم، والفرشاة تقطر سوداء حوله.
اللونان الأسود والأبيض هما كل ما نراه، بدون أي تدرجات — وهذا يضفي حدة/حسمًا شعوريًا:
إما نورٌ باهت، أو ظلامٌ فاغر.

التكوين البصري يوحي بـ:
- حالة انتشاء سوداوي أو صرخة صامتة من الجسد.
- الجسد الممدود يتماهى مع الصمت، لكن حركته تقول: "أنا حيّ في الظلمة".
هذه الصورة تتناغم بذكاء مع العنوان: الرقص في الظلام، لا للبهجة بل للبقاء.
غلاف ديوان "رقصات الصمت تحت جنح الظلام" ليس مجرد واجهة، بل تمهيد بصري لرحلة نفسية/شعرية مضطربة، تتكئ على الرمز، وتُفصح بالصمت، وتعلن حضورها بالغياب.
يتناغم العنوان مع الصورة، وتتجاوب القصيدة مع الملامح اللونية، لتجعل من الغلاف صورة مصغّرة لما تحمله القصائد من دهشة وانكسار وتوق للمعنى.

• المستوى اللغوي (التركيبي والأسلوبي) والجمالي:

- التركيب يتسم بـ تشظّي الجمل، كثافة الحذف، الانزياح.
الجمل قصيرة، كثيرة الوقف، أحيانًا مفتوحة على الغموض.
استخدام المجازات المركبة (صمت يصرخ، الحرف وجع، البحر هارب...).
لغة لا تقيم خطًا زمنيًا واضحًا؛ الماضي والحاضر يتداخلان.

- يتّسم الديوان بغنى بصري جمالي واضح:
صور الليل (ليل جديد، ظلام، شبح...).
صور البحر (عمق، موج، شط، أسرار...).
صور الكون (نجوم، قمر، شمس...).
صور المدينة (جدران، قمامات، وزر...).
تتحرك هذه الصور في ديناميات متعددة: رقص، دوران، تدفق، غرق.
وهكذا تتشكّل في النصوص لوحات شعرية مفتوحة، تنقل القارئ بين فضاء النفس وفضاء الكون.

• المستوى النفسي
النفس الشاعرة هنا نفس معذبة/قلقة، تتراوح بين:
الصمت القاتل → « نشيد الصمت ».
الرغبة في الخلاص → «الملاذ الأخير».
الحوار مع الكون → «رقصة النجوم».
الصراع بين الشك واليقين → «من الشك إلى اليقين».
ألم الكتابة نفسها → «وجع البحر».
الاحتجاج الاجتماعي → «صراخ في وجه الصمت».
وهكذا، تقدم النصوص طيفًا نفسيًا متنوعًا — يُغني القراءة الذرائعية.

• المستوى التداولي (مقصدية الخطاب وتأثيره)
الخطاب موجّه بالدرجة الأولى للذات — حوار داخلي.
لكنه في قصائد مثل «صراخ في وجه الصمت» يصبح خطابًا احتجاجيًا اجتماعيًا.
الأثر التداولي:
إثارة التعاطف مع الذات المجروحة.
إثارة التفكير في الصمت كحالة إنسانية/اجتماعية.
إشراك القارئ في إعادة تأويل الصور.

• دراسة التجربة الإبداعية:
الشاعر يُظهر خبرة واضحة في تفكيك الصورة الشعرية.
هناك وعي بجماليات التشظّي، وإدارة الإيقاع الداخلي للنص.
حضور التناص الميثولوجي (يوتيربي، ميلبوميني) يُثري النصوص.
تكرار بعض الحقول المعجمية يحتاج إلى تنويع أكبر في بعض المواضع.
بالمجمل: تجربة شعرية صادقة، تنتمي بجدارة إلى شعر الحزن الحدسي المعاصر.


دراسة مفصلة للقصائد المختارة:
يُعدّ ديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام» تجربة شعرية تنبني على صوت الذات الجريحة، الباحثة عن أفق للتعبير والنجاة في عالم يغمره الصمت القاهر والظلال النفسية.
ينتمي هذا الديوان إلى ما يمكن تسميته كما سبق أن قلنا بـ شعر الحزن الوجودي؛ فالشاعر لا يكتب يوميات ذاتية، ولا تقريرات وجدانية، بل يُشكّل لوحات شعرية مفتوحة، تزاوج بين:
الصمت الداخلي، الفضاء الكوني، القلق الفكري، والاحتجاج الاجتماعي.
ولأنّ نسيج هذا الديوان يقوم على تنويع الفضاءات النصية، كان من الأجدر، منهجيًا، أن تُقرأ كل قصيدة فيه بوصفها وحدة جمالية/نفسية مستقلة؛ إذ تختلف كل قصيدة عن الأخرى في:
- مركز الثقل (نفسية، بصرية، لغوية، تداولية).
- زاوية الخطاب (إلى النفس، إلى الآخر، إلى القارئ).
- نوع الرؤية (تأملية، فلسفية، احتجاجية).
من هنا، جاءت هذه الدراسة الذرائعية التفصيلية، التي سعت إلى تحليل كل قصيدة مختارة على حدى، عبر المستويات الذرائعية التالية:
البؤرة والخلفية الأخلاقية، المستوى البصري والجمالي، المستوى اللغوي (التركيبي والأسلوبي)، المستوى النفسي، المستوى التداولي، ثم دراسة التجربة الإبداعية وإبراز المستوى الأهم في كل قصيدة.
وقد وقع اختياري على ست قصائد تمثّل أهم المسارات الجمالية/النفسية في الديوان.
بهذا المسار، لا تهدف الدراسة إلى تفكيك الديوان فقط، بل إلى:
- إبراز التطوّر الداخلي للنفس الشاعرة عبر النصوص.
- توضيح كيف ينتقل الخطاب الشعري من الداخل الفردي إلى الفضاء الكوني، ثم إلى خطاب اجتماعي احتجاجي.
ولعلّ قيمة هذه القراءة تكمن في كشف أن ديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام» ليس حلقات متشابهة، بل لوحات متعدّدة الزوايا، تستحق أن يُقرأ كل نصّ فيها كعالم صغير قائم بذاته.

 نبدأ الآن بالقصيدة الأولى: نشيد الصمت
تشكل قصيدة « نشيد الصمت» مفتاحًا جماليًا للديوان بأكمله؛ فهي القصيدة التي تُعلن منذ البدء أن الصمت ليس غيابًا للقول، بل حضورًا وجوديًا داخليًا، وأنه يتحول إلى نشيد دفين في النفس الشاعرة.
هنا يبدأ القارئ الدخول إلى العالم النفسي للقصائد، حيث الصوت الداخلي يغدو لغة تحت الجلد.
 البؤرة والخلفية الأخلاقية
بؤرة القصيدة هي: الصراع بين الحاجة للبوح ورغبة الصمت؛ بين الخوف من انكشاف الجرح ورجاء أن يُغنّي الصمت خلاصًا.
الخلفية الأخلاقية هنا تأملية وجودية — لا تأخذ موقفًا صريحًا، بل تنقل ارتجاف النفس في منطقة اللايقين.
 المستوى البصري والجمالي
صور الليل، البدر، البحيرة، الجرح، الرقص — تشكّل مشهدًا سمعيًّا بصريًّا داخليًّا.
"يا كنار الليل التائه"، "لعل البدر يتوب"، "ترقص جرحًا على إيقاع بحيرة البجع"
البحيرة ليست عنصرًا خارجيًا، بل امتدادًا للوجع الداخلي.
 المستوى اللغوي:
الجمل القصيرة والمقطّعة.
استخدام الاستعارة: "نشيد الصمت"، "البجع يرقص على جرح".
لغة مضغوطة جدًا — تخلق إحساسًا بالاختناق.

 المستوى النفسي:
" ردّد معي نشيد الصمت
اُصرخ في وجه الظل
لعلّ البدر يتوب
قلبي إليك يعقوب
لِمَ لا تتوب"
حالة النفس هنا هي: نفس مسجونة في الصمت، متردّدة بين الأمل والخوف والحزن، النفس تبحث عن ضوء معنوي (البدر).

"يا كنار الليل التائه
كيف تظل محلّقا معصوب العين
مدفون الجثة في جب يوسف
ترقص جرحا على إيقاع بحيرة البجع"
هذا المقطع غني للغاية بالتأويل، ويحمل بعدين نفسيين رئيسيين:
- البعد السلوكي: التساؤل بوصفه فِعلًا نفسيًا وشعريًا.
- البعد intertextual: التناص مع قصة يوسف وبحيرة البجع.
فلنشرح كلا البعدين تفصيليًا:
أولًا: الجانب السلوكي – التساؤل كفعل شعري/نفسي
يا كنار الليل التائه
كيف تظلّ محلّقا معصوب العين؟
في هذا التساؤل، لا يبحث الشاعر عن إجابة عقلية مباشرة، بل يطرح سؤالًا وجوديًا / سلوكيًا يستبطن:
دهشة داخلية أمام مخلوق مغنٍّ (الكنار) لكنه تائه.
مفارقة سلوكية: كيف يغني من لا يرى؟ كيف يظل في مكانه رغم التيه؟
كأنّه يخاطب ذاته أيضًا، أو الإنسان/الشاعر/القارئ:
هل نغنّي رغم العمى؟
هل نبقى حيث نحن رغم الألم؟
هذا التساؤل يُعبّر عن حالة من الذهول الحزين أمام تكرار الفعل الموجع دون وعي، وهو سلوك نابع من:
- العجز الداخلي
- أو التعوّد على الألم
- أو ربما الخوف من الحركة
وبالتالي، فإن التساؤل هنا سلوك استبطاني، يعرّي النفس أمام رموزها، لا ليصل إلى جواب، بل ليعري التناقض.

ثانيًا: التناص – الرؤى الرمزية والأسطورية
"مدفون الجثة في جبّ يوسف"
تناص واضح مع قصة النبي يوسف (عليه السلام)، وبخاصة لحظة رميه في الجب على يد إخوته.
في السياق القرآني، الجب يمثل:
الخيانة، الظلم الأخوي، العزلة القسرية، الانتظار العجائبي للخلاص.
لكن هنا، الصورة أكثر قسوة:
"مدفون الجثة في جب يوسف"
أي لم يُترك حيًا كما يوسف، بل ميتًا!
هذا تفكيك أسطوري/تناصي جريء: الشاعر يحوّل الجب من رمز للنجاة المؤجلة إلى قبر روحي.
هذا يشير إلى يأس مطلق من الخلاص. أو إلى أن الخيانة هذه المرة أتمّت فعلها حتى الموت.

القراءة النفسية:
ربما يرى الشاعر ترى نفسه (أو الإنسان/الكناري) ضحية خيانات متكررة، دون فرصة للإنقاذ — لا قافلة تمر، ولا قدر يعيد الأمور.
"ترقص جرحًا على إيقاع بحيرة البجع"
بحيرة البجع (Swan Lake) هي واحدة من أشهر الباليهات العالمية – موسيقى: تشايكوفسكي.
وتدور حول حب مأساوي بين الأمير وفتاة تحوّلت إلى بجعة بفعل لعنة، تنتهي عادة بالموت أو بالفداء.
التناص هنا يوظف رمزية الرقص التراجيدي:
"ترقص جرحًا" ← الجرح لا يُنزف فقط، بل يتراقص، وكأن الألم نفسه مُجبر على إتقان جماليات موته.
إيقاع بحيرة البجع يرمز إلى:
- القدر الجمالي الحزين
- التراجيديا الراقية
- الأنوثة المُعذبة
هنا: التناص يكشف عن وعي جمالي/تعبيري بالألم.
الشخصية (الكنار؟ الشاعر؟ الضحية؟) لا تئن فقط، بل تؤدي ألمها أمام جمهور صامت.

الخلاصة:
التساؤل: سلوك نفسي/شعري يُفجّر التناقض بين الغناء والتيه، بين الثبات والجهل، بين الكائن المُعذّب والمُتقبّل.
التناص:
مع يوسف: يعكس نقضًا لفكرة النجاة، وتحويلًا للجب إلى رمز قبر نفسي.
مع بحيرة البجع: يُجسّد رقصة الألم المؤنثة، حيث الجرح يُؤدى كعرض تراجيدي.

 المستوى التداولي
ليس خطابًا موجهًا إلى الآخر، بل بوح داخلي — يدعو القارئ إلى تلمّس لغة الصمت.

 دراسة التجربة الإبداعية
- وعي عالٍ بجمالية الصورة.
- قدرة على تجسيد الصمت كلغة.
- حاجة إلى توسيع فضاء الصورة قليلًا.
في قصيدة « نشيد الصمت»، المستوى النفسي هو الأبرز؛ فالقصيدة كلّها مقامة في النفس، واللغة مجرد ارتجاف لهذا النفس الداخلي.
هنا يبدأ القارئ رحلة الحزن الوجودي التي ستحملها بقية النصوص.

 القصيدة الثانية "الملاذ الأخير"
تأتي قصيدة «الملاذ الأخير» لتُعمّق مسار النفس الشاعرة في هذا الديوان؛ هنا لا يعود الصمت مجرد نشيد داخلي، بل يتحوّل إلى حالة اختناق ضاغطة تدفع الذات إلى البحث عن مخرج.
يستمر البحر كرمز مركزي في الديوان، لكنه هنا يغدو أكثر حميمية وشخصنة؛ لم يعد مجرد ملاذ أخير للهروب، بل شريك وجداني للنفس الشاعرة.
البحر في هذا النص يحتضن الأسرار، يشارك الألم والحزن، ويتحوّل إلى مرايا عميقة للنفس.
ولذا يظهر في النص البحر بوصفه ملاذًا أخيرًا، والبوح ذاته يصبح فعل مقاومة.

 البؤرة والخلفية الأخلاقية
بؤرة القصيدة هي:
الهروب من وطأة الصمت نحو فضاء أرحب — البحر ملاذٌ للبوح، وربما للفناء.
العشق الحميم للبحر ككائن حي قادر على احتضان النفس المجروحة.
الخلفية الأخلاقية: تأمّلية — انفعالية، لا تدين العالم صراحة، بل تنسحب إلى أحضان البحر، وكأنها تبحث عن حقيقة بديلة عن خراب الواقع.
الخلفية الأخلاقية تتّسم بـ نزعة احتجاج خفية:
- على الاغتصاب الروحي ("الأرض المغتصبة")
- وعلى الجدران النفسية التي تمنع البوح.

 المستوى البصري والجمالي
البحر هو بؤرة الصورة البصرية: الأمواج، العمق، الأوتار، الأسرار.
صور شبه سينمائية: الرقصة، الأوتار، جرح البحر، عشق البحر.
مثال:
"نعزف معًا على أوتار رقصة السمك"
صورة بصرية + سمعية + لمسية.
صور:
جدران البوح: " جدار البوح غطائي"
العراء:" وإن شئت اتركيني في العراء"
البحر: " أتخذ البحر مسكنًا وملاذًا"
الأمواج: " لا تجاورني سوى الأمواج "
جميعها صور متحركة توحي بالحركة نحو الهروب.
البحر هنا ليس رومانسيًا، بل ملاذًا للهروب من القهر.

 المستوى اللغوي
جُمل مقتضبة، متقطّعة.
الاستعارة المكررة: «جدران البوح»، «الأرض المغتصبة».
لغة ذات إيقاع خانق، تعكس النفس المختنقة الباحثة عن متنفس.
لغة حسية جدًا، تميل إلى التشخيص (البحر كعاشق، ككائن ذي جرح).
الاشتغال على الإيقاع الداخلي بين كلمات مثل:
" أرقبُ البحر سارق الأشواق / جنون عشق / أسرار".
بناء الجمل يُحافظ على إيقاع مائع، يشبه إيقاع حركة البحر.

 المستوى النفسي
حالة النفس هنا هي: نفس مطاردة بالخوف والرغبة في الهروب.
البحر يصبح مشتهى نفسيًّا — مكانًا يمكن أن يحتضن الجرح أو يُغرقه.
" أتخذ البحر مسكنًا وملاذًا
يشاركني الحزن والأمل
وملوحة الماء الزُّلل"
النفس الشاعرة هنا أكثر انغماسًا في عشق الحزن؛
ليست في حالة هروب بعد، بل في حالة تواطؤ جمالي مع الألم.
البحر يُصبح مرآة للنفس: كلما زاد عمق البحر، ازداد عمق الحزن.

- مدخل التناص :
"دثّريني .. زمّليني ..
تمهّلي
من وجع السنين طهّريني
لا ترحلي"
يتناص المقطع مباشرة مع الآيات الأولى التي خوطب بها النبي محمد ﷺ في بداية نزول الوحي:
{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ}
وقبلها بلحظات في السيرة النبوية:
قال ﷺ لخديجة رضي الله عنها بعد نزول الوحي:
"زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي"
وهو في حالة رُعب وارتجاف نفسي.
- في المستوى النفسي:
1. الطلب الأنثوي مقابل الفعل النبوي
النبي يطلب الدثر والزمل من خوفٍ روحي مزلزل بعد اللقاء بالوحي.
هنا، الشاعر يضع نفسه (أو المخاطِب) في موضع كائن مرتجف، مثقل بـ وجع السنين، يحتاج إلى احتواء أنثوي مخلّص.
هذا التناص يمنح النص بعدًا نفسيًا ارتجاجيًا، حيث الجسد والنفس يرتجفان تحت وطأة شيء لا يمكن تفسيره إلا بالصدمة الوجودية.
2. تحوّل "الدثر" إلى رجاء عاطفي
"دثّريني.. زمّليني" هنا لا تُعبّر عن برد الجسد فقط، بل عن صقيع روحي، يُراد احتواؤه بأنثى.
النفس المنكسرة تستعيد كلمات النبي، لكنها تُحمّلها دلالة عاطفية/وجودية جديدة:
الدثر = الحنان.
الزمل = الاحتواء.
طهّريني = كأن الوجع صار خطية تحتاج إلى غسل.
3. من الصدمة النبوية إلى الصدمة النفسية
في القرآن: الوحي يصدم النبي → يُطلب منه الإنذار.
في النص: الحياة تصدم المتكلم → يُطلب من الحبيبة ألا ترحل.
كلاهما (النبي والشاعر) يُواجهان لحظة مفصلية، ويستدعيان الحضور الأنثوي لخلق الأمان.
4. التناص لا يقدّس، بل يُؤنسن، الشاعر لا يقلّد النبي، بل يأخذ كلماته ويُعيد توظيفها ضمن سياق بشري وجداني:
الوجع النفسي بدل الوحي، الأنثى بدل خديجة، الألم بدل النبوءة.
التناص هنا ليس زخرفًا، بل يحمل حمولة نفسية عالية جدًا.
يربط الارتجاف الروحي النبوي مع الارتجاف النفسي الإنساني.
ومنح النص طاقة تقديسية/تحطيمية في آن:
- تقديس المرأة بوصفها حامية.
- وتحطيم الثبات النفسي أمام الألم.

خلاصة المستوى النفسي:
في هذا المقطع، يرتقي الوجع الشخصي إلى مقام وجودي؛
تتوسل الذات صوت النبي المرتجف كي تقول:
أنا لا أطلب حبًا… بل نجاة من داخلي الذي يتصدع.
إنه تناص استدعائي، يحمل معاني:
- الضعف
- الالتماس
- الطهارة من الداخل
- واستجداء الأمان.

 المستوى التداولي
يتّجه الخطاب نحو بوح ذاتي متمرّد.
القارئ يُدعى هنا إلى مشاركة النفس في رحلة البحث عن المخرج.
وهناك خطاب موجّه إلى البحر ككائن محاور.
القارئ يصبح مُتلقّيًا لصورة العشق — الحزن — البحر.
تأثير: إشراك القارئ في حميمة العلاقة بين الشاعر والبحر.

 دراسة التجربة الإبداعية:
- حسن بناء الصورة المتحركة: البحر كملاذ. نجاح في تشخيص البحر شعريًا.
- وعي بجمالية الاحتجاج الخفي.
- هناك حاجة إلى مزيد من التنويع في الصور الثانوية، يمكن إثراء النص بإضافة فضاءات حسّية أكثر (ليس الاقتصار فقط على البحر).
- حضور نَفَس صوفي — حدسي.

خلاصة:
في قصيدة «الملاذ الأخير»، يبرز المستوى البصري والجمالي بوصفه الأهم؛ فالقصيدة تقوم على تشخيص الفضاء البصري (الجدران، البحر، العراء...) كرموز للحرية المقموعة أو المأمولة.
هنا تنتقل القصيدة من صمت النفس إلى لغة الصورة/الفضاء.
كما أن المستوى النفسي مهم جدًّا؛ لأن البحر هنا ليس موضوعًا جماليًا خارجيًا، بل هو امتداد للنفس الشاعرة، شريك حقيقي في الحزن والعشق.
القصيدة تُظهر تلاحم الذات/البحر، وتُغني الخطاب النفسي للديوان.


 القصيدة الثالثة "رقصة النجوم"
تمثّل «رقصة النجوم» نقطة تحوّل في مسار الديوان؛ فبعد قصدتين غارقتين في الداخل الشخصي (الصمت، البحر، الألم)، تنفتح هنا القصيدة على الفضاء الكوني.
النجوم تصبح مجازًا للحركة الوجودية، ولـ دوران النفس في فلك القلق والزمن.
إنها قصيدة رؤية كونية — النفس لم تعد سجينة الجدران، بل صارت في مواجهة الكون المتقلّب.

 البؤرة والخلفية الأخلاقية
البؤرة:
حركة النفس في فلك القلق الكوني؛ النجوم ترقص، والأفكار تميل، والليل/النهار يتقلبان — والنفس معها.
الخلفية الأخلاقية محايدة فلسفية؛ لا احتجاج، لا هروب، بل تأمل في حركية الوجود.

 المستوى البصري والجمالي
حضور كثيف للصورة الكونية:
النجوم – الليل – النهار – السحب - الشموع.
الصور تتّصف بـ الحركة: الرقصة، الدوران، الميل، التوهّج.
مثال:
"على رقصات النجوم يتقلب كالعيون" صورة تجمع البصر/الحركة/الفضاء.

 المستوى اللغوي
لغة متحركة تُحاكي إيقاع الرقص والدوران.
" وعواصف الأفكار تميل مع الدوران بالليل والنهار"
استعمال الجمل المفتوحة، المنكسرة، لتقليد حالة الدوران الذهني.
غياب الزمن الخطي؛ الليل والنهار يتبادلان المواقع.
 المستوى النفسي

النفس هنا ليست منهزمة، بل مندهشة أمام حركة الكون.
أولًا: التوصيف العام للمستوى النفسي
النفس في هذا النص هي كائن متعب، حائر، متقلب، منزوع القرار، تائه بين الزمنين والمكانين.
ليست النفس هنا في لحظة انهيار، بل في لحظة استنزاف وجودي دائم، حيث لا قرار يُتّخذ، ولا استقرار يُدرك، ولا نوم يُتاح.

ثانيًا: القلق الوجودي كمحرّك داخلي
"ما زال يحنّ إلى أرض الفؤاد"
الحنين هنا ليس لأرض خارجية بل لـ"أرض الفؤاد"، كأن النفس منفية من ذاتها.
وهذا يعكس تصدّع الهوية الداخلية، وهو سمة أساسية من سمات القلق الوجودي:
أن يشعر الإنسان أنه غريب في ذاته.
القلق حاضر، لكنه قلق وجودي تأملي، وليس مجرد حزن شخصي، لحظة تلاقٍ بين الداخل والخارج.
"كلماتٌ أسيرة اللسان / أنينه محصور بين أنياب"
الكلمات لا تنطلق، والأنين لا يُسمع، النفس مكبوتة حتى في التعبير.
القلق الوجودي هنا ليس صراخًا، بل تقييد داخلي خانق.
الصورة "بين الأنياب" ترمز إلى أن الألم الداخلي محاط بخطر أو رعب يمنعه من التفجّر.
" على رقصات النجوم/ يتقلب كالعيون "
صورة "العيون" هنا تمثّل الحساسية الزائدة والرصد القَلِق، والنفس تتقلب على وقع حركات النجوم.
الكون نفسه أصبح أرضية لهذا القلق — لا يهدئ، بل يتقلب.
القلق هنا ليس فقط داخليًا، بل صار كوكبيًا، محكومًا بإيقاع "لا قرار فيه".
"يبحث عن نوم مدفون / بين أدراج سحاب يأبى الإياب"
النوم = الراحة/الخلاص، لكنه "مدفون" لا يُنال.
والسحاب = الزمن العابر، لكنه يأبى الإياب → الزمن لا يعود، ولا يُصلَح، ولا يُمسَك.
النفس هنا تعيش فقدان النوم، وفقدان السيطرة على الزمن، وهما علامتان كلاسيكيتان للقلق الوجودي.
"عواصف الأفكار تميل مع الدوران بالليل والنهار"
الأفكار ليست هادئة، بل "عواصف" — والنفس لا تملك اتجاهها، بل تميل مع دوران الزمن.
هذه الصورة تعني أن الزمن لا يُقاس عند النفس بالأيام، بل بدوران الألم.
"تتقلب من غير إذن أو قرار / كليل يطارد النهار"
النفس لم تعد تملك الإرادة — لا إذن، لا قرار.
والليل/النهار لا يتعاقبان، بل يطارد أحدهما الآخر، دورة يومية مطاردة لا راحة فيها.
هذه الصورة تجسّد ذروة القلق الوجودي:
"أن تكون مستيقظًا في عالم لا يُعطيك خيارًا… حتى في التقلب".

ثالثًا: الخلاصة النفسية
في هذا القصيدة، لا تصرخ النفس، بل تئنّ بصمت داخل كون راقص ومضطرب.
إنه قلق لا ينبع من حدث، بل من الإحساس المتواصل باللاجدوى، اللاقرار، والتكرار الأبدي للحيرة.

تقدير ذرائعي للمستوى النفسي:
النص يتجاوز التعبير العاطفي المعتاد، ويتوغّل في ما يسميه هايدغر "الانقذاف في الوجود" (Geworfenheit)؛ أي أن الإنسان يُلقى في عالم لا يملك مفاتيحه.
الصور تعكس وعيًا ميتافيزيقيًا بالتيه، لكنه يُصاغ عبر لغة حسيّة وكونية. القلق هنا ذو طابع تأملي ساكن لا انفجار فيه، بل اهتزاز داخلي دائم.

 المستوى التداولي
الخطاب هنا موجّه إلى النفس الشاعرة ذاتها، لكنها تتيح للقارئ أن يشاركها الدهشة.
تأثير:
إدخال القارئ في حالة تأملية.
إشراكه في حركة النجوم كمرآة للنفس.

 دراسة التجربة الإبداعية
- جرأة في نقل مركز الثقل من الداخل (النفس المجروحة) إلى الفضاء الكوني.
- توظيف جيد لـ الصورة المتحركة.
- هناك إمكانية لإغناء النص بـ أصوات أخرى (مثلاً: الرياح، الموسيقى...).

في «رقصة النجوم»، المستوى البصري والجمالي هو الأبرز؛ فالقصيدة ترتكز على صناعة مشهد كوني ديناميكي، حيث النجوم ترقص، والأفكار تميل.
إنها لحظة شعرية تجمع بين دهشة الوجود وقلق النفس.



 ننتقل الآن إلى القصيدة الرابعة "من الشك إلى اليقين"
تشكل قصيدة «من الشك إلى اليقين» واحدة من أكثر القصائد عمقًا فكريًا في الديوان؛ هنا تتحوّل النفس الشاعرة من مجرد التعبير عن حزن وجداني إلى رحلة فكرية/فلسفية، بين الشك كحالة وجودية خانقة، واليقين كأفق متردّد.
القصيدة تُمثّل لحظة مساءلة للذات، ومحاولة تفكيك الزمن النفسي.

 البؤرة والخلفية الأخلاقية
البؤرة: الحركة الذهنية بين الشك واليقين، رحلة النفس بين الارتباك المعرفي ورغبة الوصول إلى معنى أو استقرار.
الخلفية الأخلاقية: تأمل فلسفي صرف؛ لا موقف قيمي خارجي، بل اشتغال داخلي للنفس على بناء أو هدم يقينها.

 المستوى البصري والجمالي
الصور هنا أقل حسية من القصائد السابقة، وأكثر مجازية/عقلية.
صور الليل، الشبح، السحاب، الدمع — تخدم القلق المعرفي.
مثال:
"بات شبحا في دُجى ليل / يتدفق كظلام غافل"
صورة لحالة الفكر القلِق.

 المستوى اللغوي
لغة شديدة الانكسار؛ الجُمل غير مكتملة عمدًا — تحاكي ارتباك الفكر.
كلمات الشك/اليقين/التائه/أمس/غد — حقول معجمية للفكر القلق.

 المستوى النفسي
النفس هنا عقل- نفس؛ ليست مجرد عاطفة، بل كائن يفكر، يشكّ، يبحث.
النفس ممزقة بين المعرفة والانفعال؛ بين زمنين (الماضي/المستقبل).
لا سدّ لنهر ثائر
يتدفق كظلام غافل
ملعون من أيقظه
دعه في السبات البريء
لا الكلب يحرسه
ولا الحمام على بابه قائم
فمه مكبل، يتمزق غيظا كل مساء
سجين بيت عنكبوت جاور الظلام،
تماسك، لا تخش التيه
والصدام بلا زحام
لله درك يا ليل، كيف تسرق قلبا
أوجعتْه عينٌ لا تبقي ولا تذر
نهارها ما استوى وليلها غارق في الضجر.
هذا المقطع مشبع بالشفرات النفسية والرموز القرآنية والتموجات الوجودية…
هذا النص ليس فقط غنيًا بالتناص، بل يمارس تفكيكًا رمزيًا لهذا التناص، إذ يعيد توظيف نصوص مقدسة وإرثًا ثقافيًا شعبيًا، ليبني من خلالها عالمًا داخليًا مظلمًا، غاضبًا، لكنه واعٍ.
فلنقرأ هذا المقطع عبر عدسة التناص intertextuality، ونكشف طبقاته الرمزية:
أولًا: التناص مع القرآن الكريم
"سجين بيت عنكبوت جاور الظلام"
واضح جدًا التناص مع قوله تعالى: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} (العنكبوت: 41)
لكن الشاعر لا يكرر الصورة، بل يعيد تشكيلها في إطار نفسي معتم:
البيت هنا ليس رمزًا للعجز فقط، بل أصبح سجنًا مظلمًا.
الإيحاء: الذات محاصرة داخل وهم الحماية، حيث ظنّت نفسها آمنة، لكنها وجدت نفسها سجينة لعلاقات هشة أو قيم منخورة.
إنه تناص تفكيكي: يأخذ المعنى القرآني (الوهن) ويحوّله إلى أسر داخلي نفسي.

"أوجعتْه عينٌ لا تُبقي ولا تذر"
هذا تناص صريح مع الآية:
{سأصليه سقر * وما أدراك ما سقر * لا تبقي ولا تذر} (المدثر: 26-28)
هنا، تخرج العبارة من سياق الجحيم الأخروي إلى جحيم الحب القاتل/النظرة الفاتكة.
"العين" هنا تكتسب صفات "سقر" نفسها:
التهام – الحرق - الفناء دون بقاء
إنه تناص قلبٍ للمقدس إلى الحسيّ، حيث النظرة تصبح جحيمًا نفسيًا/عاطفيًا.
وهذا يضيف عمقًا مرعبًا للصورة: الحب ذاته صار لهيبًا يُعدم المعنى، لا يمنح نورًا.
ثانيًا: التناص مع الثقافة الدينية/الرمزية
"لا الكلب يحرسه / ولا الحمام على بابه قائم"
صورة غنية بالتناص الديني والميثولوجي:
"الكلب" = رمز الحراسة، الحماية، الإخلاص. وله جذور قرآنية في قصة أصحاب الكهف:
{وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد}
"الحمام" = رمز الطمأنينة والسلام، وله إيحاءات روحية في التراث الديني المسيحي والإسلامي.
بقول الشاعر: "لا الكلب يحرسه، ولا الحمام على بابه قائم" يعني أن الذات هنا منزوعة الحماية تمامًا:
لا حراسة وفاء - ولا روح سلام - البيت مفتوح للظلام، مغلق على الداخل.
إذن، التناص هنا يُوظف ليُشير إلى الخذلان الرمزي: لا شيء يحرس، لا طائر يسكن، لا وفاء، ولا سلام.

ثالثًا: التناص الإيحائي مع الثقافة الصوفية/الليلية
"لله دُرك يا ليل، كيف تسرق قلبًا"
هذا السطر يذكّر بـ:
- المدائح الصوفية التي تخاطب الليل بوصفه مسرح الانكشاف والسرّ.
- والتراكيب التي تبدأ بـ "لله دُركَ" تُستخدم في العربية الفصحى للتعجّب من قدرةٍ خفية.
لكن هنا، الشاعر لا يمتدح الليل، بل يتعجّب من خيانته:
الليل يسرق القلوب، لا يكشفها فقط.
الليل هنا غادر، لا صوفي.
تناص معكوس: بدلًا من الليل كسترٍ وصلاة، صار كمينًا وسرقةً خفية للنبض.

رابعًا: تناصات خفيّة مع أدبيات التيه والضياع
"تَماسَك، لا تخشَ التيه" ← تناص ضمني مع التراث العربي/الصوفي الذي يعامل التيه كضرورة في الطريق.
"والصدام بلا زحام" ← تناص إيحائي مع مفاهيم فلسفية عن الوجود الخاوي من المعنى رغم ضجيج الحركة.
هذان السطران يؤكدان أن القارئ في مواجهة كائن وجد نفسه داخل صراعٍ لا يشارك فيه أحد، وضياع لا يقوده أحد، وحرب بلا جمهور.
التقدير الذرائعي للتناص في المقطع:
يحفل هذا المقطع بتراكيب وصور تستند إلى تناصات متعددة المستويات، منها ما هو قرآني مباشر، ومنها ما هو ديني ورمزي أو صوفي مقلوب، وصولًا إلى تناصات ذات طابع فلسفي وجودي.
ويبدو أن الشاعر يستخدم هذه التناصات لا لتعزيز بلاغة شعره فحسب، بل لبناء عالم نفسي مأزوم، تصوغه الرموز المنهارة أو المعكوسة، وتشكّله الأصداء المأخوذة من مصادر عليا، لكن بعد أن يتم تفكيكها أو إعادة صياغتها.
1. تناص قرآني مباشر
يتجلى هذا النوع في عبارتين محوريتين:
"سجين بيت عنكبوت جاور الظلام"- "أوجعته عين لا تبقي ولا تذر"
تستحضر العبارة الأولى قوله تعالى:
{وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت}
لتعيد توظيفها ضمن سياق نفسي خانق، إذ يصبح بيت العنكبوت رمزًا للأسر والهشاشة، لا للموعظة أو التمثيل الأخلاقي.
أما العبارة الثانية، فتتناص مع وصف جهنم في سورة المدثر:
{لا تبقي ولا تذر}
لكنها تُسند إلى "العين"، فتتحول النار من عقاب إلهي إلى نظرة بشرية فتاكة تُفني القلب ولا تترك أثرًا للحياة.
وبهذا، يوظف الشاعر هذا التناص تفكيكيًا وسياقيًا، ليُعبّر عن الاحتراق الداخلي، وانعدام المأوى النفسي، وتحلل العلاقات الرمزية.
2. تناص ديني رمزي: في قوله:
"لا الكلب يحرسه، ولا الحمام على بابه قائم"
تُستدعى رمزان دينيان مألوفان في الوعي الثقافي الجمعي:
الكلب ← يحيل إلى وفاء وحماية كلب أهل الكهف.
الحمام ← يرمز إلى السلام، الطمأنينة، والسكينة، وله أثر في الرواية النبوية (حمامة الغار).
لكن في هذا النص، يتم نفي الرمزين معًا، لتصوير الذات وقد فقدت كل حماية وكل سلام، وكأنها في فضاء مهجور منزوع الأمان والوفاء.
الوظيفة النفسية لهذا التناص الرمزي هي إبراز العزلة العميقة التي لا يرافقها لا مخلص دنيوي ولا وعد بالسكينة.
3. تناص صوفي مقلوب
جاء في النص:
"لله دُرك يا ليل، كيف تسرق قلبًا"
وهو تركيب لغوي مألوف في الأدبيات الصوفية، حيث يُستدعى الليل كرمز للسكينة، والخلوة، ومجال التجلي الروحي.
لكن الشاعر هنا يُعاكس هذا التصور، ويحول الليل إلى لصّ للقلوب، لا ساترًا لها.
فالليل لا يمنح الذات صفاء، بل يسرق منها قوتها الداخلية، ويغرقها في صمت خادع.
التناص الصوفي المقلوب هنا يؤدي وظيفة تصويرية نفسية، تعكس خيانة الطمأنينة، وتحوّل المألوف الروحي إلى أداة قلق وعذاب.
4. تناص وجودي فلسفي
في قوله:
"تماسك، لا تخش التيه / والصدام بلا زحام"
نجد تناصًا غير مباشر مع الأدبيات الوجودية (كامو، سارتر، هايدغر)، حيث يُطرح التيه كصورة للحياة الحديثة، والصدام كتصادم مع الفراغ والعبث.
لكن الملفت أن الشاعر يقول: "الصدام بلا زحام"، مما يدل على أن المعركة وجودية تجري في داخل الذات فقط، بلا جماهير، بلا جمهور، بلا خصم خارجي.
الوظيفة النفسية هنا هي تصوير الذات كضحية كون صامت، تائهة في فراغ لا أحد يعترف بوجوده، لكنها تُؤمَر رغم ذلك أن تتمالك نفسها.
خلاصة:
بهذه التناصات المتعددة والمتشابكة، يكشف الشاعر مستوى نفسيًا معقدًا ومضغوطًا، حيث تتحول الرموز الكبرى (القرآنية والدينية والصوفية) إلى شفرات تُستخدم لفضح قلق الذات لا لتطمينها.
إننا أمام نص لا يُكرر المقدس، بل يُعيد تشكيله داخل غرفة مظلمة من النفس، تُسائل ما إذا كان الليل سترًا، أو حبًّا، أو فخًّا أبديًا من اللاجدوى.

 المستوى التداولي
الخطاب موجّه إلى النفس أولًا، لكنه يستدرج القارئ إلى مشاركتها في محنة الفكر.
التأثير:
جعل القارئ يفكر مع القصيدة، لا يكتفي بالتعاطف.
دراسة التجربة الإبداعية
- جرأة في تفكيك البنية الزمنية للقصيدة.
- اشتغال جيد على حقول القلق الفكري.
- يمكن توضيح بعض الصور — إذ قد تصبح شديدة الانغلاق.

في «من الشك إلى اليقين»، المستوى النفسي هو الأبرز؛ فهي قصيدة فكرية/نفسية بامتياز — حيث يتحوّل القلق الوجودي إلى مسار شعري متوتر. إنها لحظة تفكير شعري نادرة في نسيج الديوان.


 ننتقل الآن إلى القصيدة الخامسة "وجع البحر"
وهي بالفعل قصيدة مفصلية في الديوان:
تمثل «وجع البحر» انتقالًا هامًا في مسار الديوان:
هنا تتجاوز القصيدة حدود النفس الفردية أو الكون الخارجي، وتدخل إلى وعي الكتابة ذاتها.
البحر لم يعد مجرد مرآة للذات، بل أصبح كناية عن فعل الكتابة — حيث الحرف يخرج من وجع، والكتابة نفسها تصبح ألمًا/خلاصًا/لعنة.
وتُثري القصيدة هذا الأفق باستدعاء تناص ميثولوجي مع:
- يوتيربي (إلهة الشعر والموسيقى)
- ميلبوميني (إلهة التراجيديا).

 البؤرة والخلفية الأخلاقية
البؤرة: الكتابة كوجع وجودي — الحرف يولد من الألم، والبحر هو عمق الحرف.
الخلفية الأخلاقية: وعي تراجيدي بالكتابة؛ لا خلاص، بل استمرار في "نزف الحرف".
واستدعاء الميثولوجيا يعمّق هذا الوعي:
يوتيربي: الفن الممزوج بالألم.
ميلبوميني: التراجيديا كامنة في جوهر الإبداع.

 المستوى البصري والجمالي
صور مركّبة:
جدار الصمت. أنياب البطش. البحر العميق. الحرف كوجع. عودة يوتيربي وميلبوميني.
الصور هنا أكثر رمزية/أسطورية؛ نص يشتغل على اللاوعي الثقافي.
مثال:
"فيضٌ من وجع الحرف/ على جدار الصمت وقع"
صورة الحرف ككائن يتلوّى.

 المستوى اللغوي
لغة مزدوجة: حسية/أسطورية.
استعمال أقنعة أسطورية (يوتيربي، ميلبوميني) أدى إلى انفتاح على فضاء ثقافي عالمي.
التركيب مكثّف/منحوت — يناسب ثقل الفكرة.

 المستوى النفسي
النفس هنا ليست باحثة عن خلاص ذاتي، بل أصبحت كائنًا كاتبًا:
- تعي أن الحرف وجع/لعنة/حاجة.
- البحر هو ذاكرة الوجع.
فيض من وجع الحرف
على جدار الصمت وقع
معلقًا بين أنياب البطش
يرجو النجاة
من قبضة القلم
تراودني كلمات من كل الجهات
أبت أن تنضج زمن الصمت
تنتظر عودة هارب من عمق البحر
ما عادت يوتيربي لإيقاع أنغامه تهتم
ولا مسكونة بوجع ميلبوميني
وحده على شط الأحلام
يغازل طيف البدر
يراقب وجع البحر
المسكون بألم البعد
عودة فارس الأحلام
أو طلّة سفينة سندباد
تأخذه حيث ينام الأمان

هذا النص يفيض بكثافة وجدانية شديدة التوتر، ويكشف عن حالة نفسية مأزومة بين الاحتراق الإبداعي والعزلة الوجودية. كما يستند إلى تناص ثقافي/أسطوري عميق، يدمج الأسطورة الإغريقية والشرقية في محاولة لاستدعاء الخلاص من الألم عبر خيال رمزي هش.
نحلل الآن:
أولًا: المستوى النفسي – الذات المبدعة في مأزق الانطفاء
"فيض من وجع الحرف"
الحرف هنا ليس مجرد أداة كتابة، بل أصبح جسدًا موجوعًا، والنص نفسه هو نزيف داخلي.
"على جدار الصمت وقع"
كأن الصوت لم يُسمع، بل ارتطم بجدار لا يستجيب → دلالة على اليأس من التواصل، وعلى أن الإبداع ذاته أصبح فعلاً بلا صدى.
"معلقًا بين أنياب البطش"
هنا تظهر الذات الكاتبة كضحية للرقابة، للقمع، للتهديد الداخلي أو الخارجي.
النفس في هذا النص هي الذات الكاتبة التي تعيش قلقًا مزدوجًا:
- من الداخل (كلماتها تخونها)
- ومن الخارج (بطش، صمت، عزلة)
"من قبضة القلم"
القلم الذي هو أداة الخلاص، أصبح قبضة/قيدًا → النفس في مواجهة الكتابة كوجع وليس كخلاص.
"كلمات من كل الجهات / أبت أن تنضج"
الكلمات كثيرة، لكنها غير ناضجة، ترفض الظهور في زمن الصمت → هنا تتجلى أزمة التعبير، والارتباك بين الإبداع والخرس.

ثانيًا: مدخل التناص – بين الأسطورة اليونانية والشرقية
يوثيربي وميلبوميني:
يوثيربي (Euterpe): في الميثولوجيا الإغريقية، هي إحدى آلهات الإلهام التسع (الميوزات)، تمثل موسيقى الفلوت والأنغام الشعرية.
ميلبوميني (Melpomene): ميوزة التراجيديا، إلهة الوجع المسرحي والحزن الشعري.
"ما عادت يوثيربي لإيقاع أنغامه تهتم
ولا مسكونة بوجع ميلبوميني"
هنا نرى تناصًا أسطوريًا دقيقًا:
الأولى (يوثيربي) → هجرت الموسيقى.
الثانية (ميلبوميني) → ما عادت تملك وجعًا تعبّر عنه.
هذا الانسحاب الرمزي يعني أن الإلهام ذاته قد تخلى عن الشاعر، حتى الآلهات لم تعد تعبّر عنه → صورة قوية للخذلان الفني.
سندباد – التناص العربي الشرقي:
"أو طلّة سفينة سندباد
تأخذه حيث ينام الأمان"
هنا نُستدعى إلى اللاوعي الجمعي العربي؛ سندباد رمز للمغامرة، الاكتشاف، العودة بعد غياب طويل، الحلم الذي يبحر ويعود.
الإشارة إلى "سفينة سندباد" في ختام النص تعني أن الذات لم تفقد الأمل كليًا، لكنها لم تعد تنتظر يقينًا، بل رمزًا يلوّح في الأفق، حلمًا لا يأتي، نجاةً مؤجلة.

ثالثًا: الخلاصة النفسية والتناصية:
تشكّل هذه القصيدة مرآة دقيقة لانهيار التوازن النفسي للذات الكاتبة، حيث تتقاطع أزمة الإبداع مع خذلان الإلهام، وتتراكم طبقات القلق في صور رمزية واستعارات أسطورية ذات أبعاد نفسية عميقة.
يبدأ النص بعبارة "فيض من وجع الحرف"، ليقدّم منذ البداية حالة من الانطفاء الداخلي، حيث يتحول الحرف – رمز الكتابة والإبداع – إلى ألم متدفق، ويُطرح على جدار الصمت، في دلالة على الخذلان التعبيري وعقم التواصل.
هنا تكون الذات في مواجهة أزمة حقيقية للكتابة بوصفها فعلًا مؤلمًا، ويتجلى ذلك بوضوح في "قبضة القلم"، التي تمثّل قيدًا داخليًا يمنع البوح أكثر مما يسمح به، وتكشف عن خوف دفين من الكتابة باعتبارها انكشافًا مؤلمًا أمام الذات والعالم.
في منتصف القصيدة، تلجأ الذات إلى تناص أسطوري إغريقي مع إلهتين من الميوزات:
يوثيربي، التي تمثل الموسيقى والأنغام، وميلبوميني، إلهة التراجيديا والحزن المسرحي.
لكن المدهش أن الشاعر يعلن انسحاب الإلهام نفسه، حيث لم تعد يوثيربي تهتم، ولم تعد ميلبوميني مسكونة بالوجع.
وهنا يتجسد فقدان الدعم الإبداعي في أعمق مستوياته: فحتى الرموز المقدسة للإلهام هجرت المبدع في عزلته.
تبلغ القصيدة ذروتها الرمزية في استدعاء سندباد، رمز المغامرة والعودة والأمل الشرقي، فيقول:
"عودة فارس الأحلام أو طلّة سفينة سندباد
تأخذه حيث ينام الأمان"
إنه تناص سردي شرقي كلاسيكي يستحضر عبر صورة السفينة والبحر رغبة نفسية دفينة في النجاة والطمأنينة والهروب من ضجيج الداخل.
لكن المدهش هنا أن العودة ليست مؤكدة، وسفينة سندباد لم تصل بعد، وكأن الأمل لا يزال معلقًا في الأفق.
وهكذا تترابط هذه المكونات لتشكّل خريطة شعورية مركّبة، نلخّصها كالآتي:
- وجع الحرف والصمت يرمزان إلى أزمة الإبداع وقلق الذات الكاتبة.
- قبضة القلم تُمثّل الخوف من التعبير، والكتابة بوصفها عبئًا داخليًا.
- يوثيربي وميلبوميني تعكسان انسحاب الإلهام وغياب المرافقة الشعورية في الحزن والموسيقى.
- سندباد يعبّر عن الأمل المؤجل، والحاجة النفسية لوسيط خيالي ينقذ الذات من تيهها.
في المجمل، تبني القصيدة عالَمًا نفسيًا مغلقًا على ذاته، لا ينجو فيه الشاعر إلا عبر الحلم الرمزي، أو الهروب إلى أسطورة لم تعُد قادرة على إنقاذه.

تقدير ذرائعي:
هذا النص يمثل النفس الشعرية في لحظة مأزومة بين جدار الصمت، وانهيار المعنى، وتآكل الإلهام.
تلجأ إلى التناص الأسطوري لا لاستعراض ثقافي، بل لاستدعاء قوى غائبة تُجسّد تخلّي الكون عن المبدع.

التناص هنا وظيفي، يخدم:
- تفريغ الألم
- رسم قلق الذات
- التحايل على السكون بالتاريخ الرمزي

 المستوى التداولي
خطاب موجّه إلى:
- الذات الشاعرة.
- يوتيربي و ميلبوميني (كشهود).
- القارئ كشاهد ثالث: يُدعى لفهم أن الشعر نفسه "ملعون بالوجع".

 دراسة التجربة الإبداعية
- وعي عميق بأن الكتابة نفسها هي موضوع القصيدة.
- استثمار ممتاز لـ التناص الأسطوري.
- بناء لغوي مكثّف جدًا — يتطلب قارئًا يقظًا.

في «وجع البحر»، المستوى التداولي هو الأهم؛ فالقصيدة تحوّل "الحرف/البحر" إلى خطاب تراجيدي عالمي:
ليست مجرد كتابة عن الذات، بل كتابة عن كتابة الشعر ذاته.
هنا يفتح الشاعر أفقًا ثقافيًا/ميتاشعريًا فريدًا في الديوان.


 ننتقل الآن إلى القصيدة السادسة والأخيرة: "صراخ في وجه الصمت"
تُعدّ«صراخ في وجه الصمت» القصيدة الأكثر انفجارًا صوتيًا واحتجاجيًا في الديوان؛ بعد سلسلة من القصائد الغارقة في الهمّ النفسي/الوجودي/الميتاشعري، تأتي هذه القصيدة لتُعلن كسر الصمت، وتحويله إلى صرخة اجتماعية.
هنا يتحرّك النص من فضاء الذات الداخلية إلى فضاء المدينة المقهورة، ومن لغة التأمل إلى لغة الفضح.

 البؤرة والخلفية الأخلاقية
البؤرة: الاحتجاج على القهر الاجتماعي والسياسي — كسر جدران الصمت.
الخلفية الأخلاقية: موقف ناقد/رافض بوضوح:
- فساد المدينة.
- الصمت القاتل.
- تواطؤ الزيف.

 المستوى البصري والجمالي
صور المدينة المنكشفة:
القمامات. الليل الحارس. القمر كغراب. العيون المغرورقة. الشموع كحُرّاس.
الصورة هنا أكثر واقعية — مباشرة من بقية النصوص.
مثال:
"ووضعت الوِزْر بالقمامات/ تعرّت المدينة "
→ صورة كاشفة للفساد.

 المستوى اللغوي:
لغة مباشرة — صُراخية:
استعمال كلمات القوة: صراخ، يصرخ، عرّت، كره، دفن
جُمل قصيرة مشحونة بالطاقة.

 المستوى النفسي
النفس الشاعرة هنا نفس غاضبة، لم تعد مراقبة، بل محتجّة. تتحوّل من ذات حزينة إلى ذات مقاومة.
قصيدة مشبعة بالظلال النفسية والصور الرمزية الغامضة، تختلط فيها أصداء المدينة المقهورة مع أطياف التناص القرآني والأسطوري، وتتشكل الذات الشعرية ككائن رائي وسط عالمٍ مهدد، يتنفس الشعر كبديل عن الانهيار، ويقاوم الخرس بانبعاث الضوء من الداخل.
فلنبدأ بتحليلها من مستويين متداخلين:
أولًا: المستوى النفسي — النفس بين الخمود واليقظة الروحية
" تعرّت المدينة... لا تسمع إلا همس الرياح الهائجات"
هنا تبدأ القصيدة بمشهد ما بعد الضجيج: مدينة فقدت صخبها، ولم يبقَ إلا الفراغ المتوتر.
إننا في زمن القلق المكبوت بعد العاصفة، حين يتوقف الصوت لكن لا يتوقف الوجع.
النفس هنا تُقارب حالة الانطفاء الجمعي، كما لو أن الشاعرة تكتب عن مدينة داخل الذات، صارت جسدًا مفرغًا من الصوت، ينبض فقط بـ"همس الطائرات" و"شخير بيت العناكب".
" انطفأ لهيب اللسان... وتُوّج الحب رغم كره الزمان"
يتحول الكلام من حرارة إلى خمود، لكن الحب ينتصر على الزمن:
النفس مرّت بلحظة "انطفاء اللسان"، أي انكفاء التعبير، تراجع الغضب.
ثم يأتي إعلان مفاجئ: "تُوّج الحب" ← وكأن الذات تتجاوز الخيبة بالصبر والعاطفة.
" القمر بات كالغراب... يَدفِنُ الهموم"
القمر هنا لا يضيء بل يدفن، ويمارس دورًا مقلوبًا.
الذات في لحظة مراقبة ساكنة للعالم المقلوب: القمر يدفن، الشموع توجس، السنبلة تنحني.
إنها الذات التي تراقب الأشياء وهي تؤدي أدوارًا ليست لها، وكأن الزمن فقد منطقه، والنفس في حالة صبر متأمل بانتظار الإشراق الداخلي.
"الويل لمن أيقظ فتنة الزمن قبل الشروق"
جملة مفتاحية في البنية النفسية:
إنها تحذير من الإفاقة المبكرة من الخدر، كأن الصحوة صارت خطرًا!
من يوقظ الزمن في غير وقته يُدخل النفس في فتنة.
النفس في هذه القصيدة تخاف من الانبعاث المبكر، وتنتظر "الفجر" كي يأتي من الداخل، من "جوف النور".

ثانيًا: التناص — حضور قرآني وأسلوبي رمزي
1. تناص قرآني ضمني: النور والفجر والآيات
"النور أصيل... تسرّب فجرًا إلى القلوب"
تحيل إلى قوله تعالى:
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (النور: 35)
{والفجر * وليال عشر} (الفجر: 1–2)
هنا لا يُطرح "النور" كشعاع بصري فقط، بل كـقيمة روحية جوهرية، تنفذ إلى داخل النفس، وتُحدث يقظة معنوية.
"تنتظر قدوم آيات الشكر والحبور"
كلمة "آيات" ذات شحنة دينية واضحة، توحي بـوحي جديد، أو إشراق داخلي ينتظر لحظة مناسبة كي يتجلى.
التناص القرآني في هذا المقطع يعمل بوصفه وعدًا بالبعث والسكينة، بعد طول انطفاء.
إنه نور داخلي يتسرب لا من الشمس، بل من فعل الانتظار الحي، الراغب في البهجة الآتية.

2. تناص رمزي/أسطوري: الهدهد وصور
"على إيقاع معنى هدهد وقور"
الهدهد: يرمز في القرآن إلى حامل الرسالة، رسول سليمان إلى بلقيس:
{وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء} (النمل: 23)
وهنا تتحد الرؤية الأسطورية/الدينية في انتظار الفجر/الحقيقة/البعث.

ثالثًا: الخلاصة النفسية والتناصية
تتبدى في هذه القصيدة بنية نفسية معقدة تنشطر بين حالة الخمود الحسي من جهة، والتوق الخفي إلى بعثٍ روحي داخلي من جهة أخرى. ويتجلى ذلك من خلال مجموعة من الصور الشعرية التي تتراكم لتشكّل نسقًا رمزيًا ضاغطًا، يتوسل التناص الديني والرمزي كأسلوب لالتقاط التحولات النفسية في عالم مضطرب.
في مستهل القصيدة، يكشف مشهد انطفاء المدينة وانعدام الصوت إلا من همس الرياح عن حالة انهيار جماعي داخلي، أو ما يشبه "الخرس النفسي"، حيث تسكن المدينة/الذات بين تواطؤ الصمت وتآكل المعنى. هذه الحالة النفسية تستبطن إحساسًا بما بعد الانفجار، حيث تسود الفراغات، ويصبح الصمت كيانًا طاغيًا.
تتعمق الأزمة حين يُعلن في النص أن لهيب اللسان قد انطفأ، إذ إن ذلك يشير إلى تحوّل في مسار النفس من الغضب النشط إلى التأمل الهادئ المرير. لم يعد التعبير وسيلة للتحرر، بل أصبح دالًا على الخمود، حتى وإن توّج الحب "رغم كره الزمان"، في مفارقة نفسية مشبعة بالإنهاك والمكابرة.
وفي صورة مركزية، تنطق القصيدة بتحذير صادم:
"الويل لمن أيقظ فتنة الزمن قبل الشروق"
وهي عبارة ذات حمولة دينية مضمرة، توحي بأن الاستباق في الوعي قد يكون فتنة، وأن النهوض من غفلة الحياة يجب أن يكون في وقته، وإلا قاد إلى اضطراب أكبر. هنا يظهر التناص مع مفاهيم قرآنية عن الفتنة، ما يضفي على الأزمة النفسية بعدًا وجوديًا مؤجَّلًا، لا يُشفى إلا بقدوم "الفجر" المتسرب من الذات.
وعلى نحو موازٍ، تظهر صورة "النور الأصيل" الذي "تسرّب فجرًا إلى القلوب"، بما يحيل مباشرة إلى تناص قرآني مع مفاهيم النور والهداية والفجر بوصفها إشارات إلى الصحوة الصادقة. هذا النور لا يُستعار من شمس خارجية، بل ينبع من الداخل، من "جوف الذات"، في لحظة صفاء توّاقة للسكينة.
وتُختتم القصيدة بإشارة لافتة إلى "آيات الشكر والحبور على إيقاع معنى هدهد وصور"، في تركيب يحمل تناصًا مزدوجًا:
من جهة، الهدهد هو حامل البشارة النبوية في سورة النمل، رمز الاكتشاف والإخبار.
ومن جهة أخرى، صور يمكن أن تُفهم كمكان أسطوري شرقي (المدينة الفينيقية)، أو كرمز أخروي للبعث (نَفْخ الصور في القرآن).
وهكذا تتلاقى الرموز الدينية والأسطورية لتشكّل مشهدًا داخليًا لنفس تنتظر الإشراق، لكنها لا تستعجله، تعيش صمتها بحذر، وتتوتر من لحظة الوعي قبل أوانها.
في المحصّلة، تُظهر هذه القصيدة بنية شعورية تنقسم بين الخوف من الفتنة والاستبصار، وبين انطفاء التعبير وتوق النور.
والتناص فيها لا يأتي للزينة البلاغية، بل بوصفه أداة انفعالية/رمزية لتحريك المعنى النفسي بين الخطر والخلاص، بين التيه والإشراق.

هذه القصيدة ترسم خريطة نفس مأزومة تنتظر انبلاج النور من داخلها، بعد أن جرّبت الصراخ، والصمت، والرموز المعكوسة.
التناص في النص يعمل على تحفيز الرجاء الموارب، في ضوء داخلي أصيل، لا يتسرّب من الشمس، بل من عمق الذات، من تلك "العيون" التي ابتسمت في الظلمة، و"الآيات" التي تنتظر قدومها.

 المستوى التداولي
الخطاب هنا موجّه إلى:
- الذات الكاتبة (في طور تحريضها).
- المدينة/الواقع كخصم.
- القارئ كمتلقٍ مدعو للتحريض.
التأثير:
- تفجير الطاقة الاحتجاجية.
- حث القارئ على كسر صمته.

 دراسة التجربة الإبداعية
- جرأة في كسر المسار العام للديوان (الذي كان داخليًا/تأمليًا).
- نجاح في بناء فضاء احتجاجي شعري.
- النص يُفيد من إيقاع الصراخ، لكنه يحتاج إلى تثبيت الإيقاع أكثر في بعض المقاطع.
في «صراخ في وجه الصمت»، المستوى التداولي هو الأبرز؛ فالقصيدة ليست قصيدة ذاتية/وجدانية، بل بيان احتجاج شعري؛ خطابها موجه إلى الواقع الفاسد، وإلى القارئ/السامع، لكسر دوائر الصمت.
هنا يتحقّق في الديوان منعطف احتجاجي مهم.

• مقارنة تركيبية بين القصائد المدروسة:
تتوزع القصائد المختارة بين:
- نصوص ذاتية الحزن الداخلي (نشيد الصمت، الملاذ الأخير).
- نصوص كونية/فلسفية (رقصة النجوم، من الشك إلى اليقين).
- نصوص تناصية/جمالية (وجع البحر).
- نصوص اجتماعية/احتجاجية (صراخ في وجه الصمت).
وهكذا، يبني الديوان حركة للنفس الشاعرة:
من صمت الذات → إلى صراخ القصيدة، ومن الألم الداخلي → إلى الأفق الاجتماعي.

• الخاتمة النهائية:
تكشف القراءة الذرائعية لديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام» عن بنية شعرية شديدة الانغماس في التجربة الذاتية، حيث يتقدّم الصوت الداخلي المجروح ليشكّل نسيجًا شعريًا متشظّيًا، تتقاطع فيه المعاناة الوجودية مع حساسية اللغة.
يمثّل الديوان صوتًا شعريًا صادقًا، يُدوّن وجع النفس في زمن الصمت القاهر، ويقترح عبر الكتابة رحلة مفتوحة بين الألم والمقاومة، بين الذات والكون، بين الكلمة والجرح.
المراجع
1. الغالبي، ع. ع. (2019). الذرائعية في التطبيق: مقاربة منهجية في تحليل النص الأدبي. طنطا - مصر: دار النابغة للنشر والتوزيع.
2. الغالبي، ع. ع. (2019). الذرائعية بين المفهوم الفلسفي واللغوي. طنطا - مصر: دار النابغة للنشر والتوزيع.
3. جينيت، ج. (2017). عتبات: عتبات النصوص (س. بوكرامي، مترجم). القاهرة: دار رؤية للنشر.
4. كريستيفا، ج. (2006). سيميائية: بحوث في التحليل البنيوي للنصوص (ف. الزاهي، مترجم). الدار البيضاء: دار توبقال للنشر.
5. بارت، ر. (1986). لذة النص (س. علوش، مترجم). الدار البيضاء: دار توبقال للنشر.
6. كوهين، ج. (1986). بنية اللغة الشعرية (م. الولي، ح. بورقية، مترجمان). الدار البيضاء: دار توبقال للنشر.
7. الحذيفة، ت. (2006). تحليل الخطاب: الأسس النظرية والمنهجية. اللاذقية: دار الحوار.
8. سعيد، إ. (2015). الأسلوب المتأخر: تأملات في الأعمال الأخيرة للمبدعين العظام (ف. طرابلسي، مترجم). بيروت: دار الآداب.
9. هارد، ر. (2018). دليل روتليدج لميثولوجيا اليونان: استنادًا إلى "دليل ه. ج. روز". لندن ونيويورك: روتليدج.
Hard, R. (2018). The Routledge Handbook of Greek Mythology: Based on H. J. Rose’s “Handbook of Greek Mythology” (2nd ed.). London & New York: Routledge.
10. بينو، د. (1992). تقنيات السرد في "ألف ليلة وليلة". ليدن: بريل.
Pinault, D. (1992). Story-telling Techniques in the Arabian Nights. Leiden: Brill.
11. ووراك، ج. (2002). تشايكوفسكي: بحيرة البجع. أكسفورد: مطبعة جامعة أكسفورد.Warrack, J. (2002). Tchaikovsky: Swan Lake. Oxford: Oxford University Press.



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين البنية السردية والتشكّل القِيَمي: قراءة ذرائعية في رواية ...
- جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح ...
- طقس الأحفاد
- -ماذا تفعلُ الشاعرةُ بالعيد؟ (لُعبة شعرية)-
- طقس يوم عرفة
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ...
- مونودراما: -أنا القلعة -
- (حين انحنت السماءُ كجفنِ أمٍّ تبكي)
- من الصدمة إلى المعنى سرد النجاة والهوية الجريحة دراسة ذرائعي ...
- حين يكتب الحنين رسائله: قراءة ذرائعية في نص/ لسنا قصة عابرة/ ...
- طقوس السياسة مسرحية شعرية رمزية غنائية – في طقسٍ واحد من الد ...
- من رماد الحرب ينهض الوطن... ومن بين الركام تتفتح زهرة اسمها ...
- طقوس النور
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ...
- تيه الذات واستعادة الكينونة دراسة ذرائعية مستقطعة في رواية ( ...
- حين تتغير الأصداء: هل تحيا الرسالة خارج زمكانها؟ بين الذرائع ...
- سرد الأحلام : آلية للتحوّل النفسي والتمرّد الاجتماعي في رواي ...
- الساحل السوري بين المؤامرة والانقلاب: حين كشف الغبار الحقيقة
- سوريا.. معركة الوحدة في مواجهة رياح التقسيم والعقوبات والتحر ...
- سوريا بين فكي العاصفة: تحديات الداخل والخارج


المزيد.....




- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية لديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام» للشاعر المغربي سعيد محتال بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي