أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبير خالد يحيي - تدمر: حين انفجرت الأبجدية في عتمة الزنزانة في الذكرى 45 لمجزرة سجن تدمر – 27 حزيران 1980














المزيد.....

تدمر: حين انفجرت الأبجدية في عتمة الزنزانة في الذكرى 45 لمجزرة سجن تدمر – 27 حزيران 1980


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8386 - 2025 / 6 / 27 - 20:18
المحور: حقوق الانسان
    


"عليكم ألّا تنسوا المجازر… لأن المجزرة التي تُنسى، تتكرّر."
– علي عزت بيغوفيتش


خمسةٌ وأربعون عامًا مضت على واحدةٍ من أفظع الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد في القرن العشرين، وما زالت الدماء التي سُفكت في سجن تدمر تُنادي: لا تنسَ. لا تسامح. لا تترك الجريمة دون اسم.

صباحٌ للموت الجماعي
في يوم الجمعة، 27 حزيران 1980، وبعد أقل من 24 ساعة على محاولة الاغتيال الفاشلة لحافظ الأسد، استيقظت الزنازين في سجن تدمر الصحراوي على وقع خطوات غليظة، وأحذية تقترب بخطى منظمة، تجهّز أسلحتها بصمتٍ مشؤوم.

تسعُ مروحياتٍ حملت أكثر من 100 عنصرٍ من سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد، بقيادة ميدانية من صهره الرائد معين ناصيف، توجهت نحو السجن لتنفيذ أمرٍ شفهيّ: تصفية جميع المعتقلين السياسيين، وغالبيتهم من جماعة "الإخوان المسلمين"، في ردٍّ دمويٍّ على اتهامهم بمحاولة الاغتيال.
كانوا معتقلين ينتظرون محاكمة قانونية يُفترَض أنها عادلة، قد تتراوح بين البراءة والإدانة، بين السجن المؤقت أوالمؤبد أو الإعدام. لكنهم أبدًا لم ينتظروا نهايتهم بأمر شفهي.

بحسب شهاداتٍ حيّة، جرى تغيير موعد "التفقد" المعتاد إلى الساعة الثامنة صباحًا، في إشارةٍ أولى للانقلاب القادم. وفي تمام التاسعة، دُوّي انفجار قنبلة يدوية في أحد الأجنحة، كانت الإشارة للبدء. ثم بدأ إطلاق النار بكثافة على كل المهاجع بشكلٍ متزامن، واستمر القصف الداخلي نحو 40 دقيقة متواصلة، تلته نيران متقطعة حتى الساعة 12 ظهرًا. قُطعت الكهرباء والماء عن الزنازين، وأُغلقت كل الأبواب.

المهجع الناجي... وقصة البركة الحمراء
من بين كل المهاجع، مهجع رقم 17 فقط، الذي كان يحوي 26 معتقلًا من حزب البعث العراقي، لم تقتحمه سرايا الدفاع. ويقول أحد الناجين:
"لم نكن نعرف أننا الوحيدون الذين بقينا على قيد الحياة."

من خلال شقٍ في الباب، رأوا مشهدًا أشبه بكابوس سريالي: بركة من الدم في ساحة السجن، وجنود ينقلون الجثث تحت ضوءٍ خافتٍ أُشعل ليلًا. ضابطٌ كان يجلس في منتصف الباحة، يُغرِز قضيبًا حديديًا طويلًا في أجساد القتلى ليتأكد من وفاتهم، قبل أن تُلقى الجثث في الشاحنات العسكرية.
استمرت العملية حتى شروق اليوم التالي، وأُجهز على الجرحى الذين أظهروا أي حركةٍ رمقية.

ثم دُفنت الجثث في منطقة "وادي عويضة"، المقبرة السرية لمجزرة بلا قبور، ولا أسماء، ولا صلاة وداع.

الموت الذي طُليَ بالطلاء
في اليوم التالي، جاء العمّال لإصلاح الثقوب في الجدران، وطلاء السقوف المتفحمة، ومسح آثار الرصاص عن وجه الحجر. لكن لا شيء يُخفي رائحة الدم.

الناجون تُركوا يومين دون طعام أو ماء. وعندما أُحضرت لهم الوجبات في اليوم الثالث، لم يستطيعوا لمسها. الصدمة كانت تأكل أكثر مما تأكله المجاعة.

كم قتلوا؟
لا توجد إحصائية رسمية حتى اليوم، وهذا جزء من الجريمة المستمرة.

منظمة هيومن رايتس ووتش قدّرت عدد الضحايا بـ 1000 معتقل أعزل.

ميشيل سورا، عالم الاجتماع الفرنسي، ذكر في كتابه "الدولة الهمجية" أن تحليلاً أمنيًا أشار إلى 1181 ضحية.

لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أكدت أن ما جرى يتجاوز حدود القتل العمد، ويحمّل المسؤولية الجنائية لكل من خطط وأمر ونفذ.

مقاومة الاعتراف... ومقاومة النسيان
واحد فقط من منفذي المجزرة قُتل في أثناءها، حين هاجمه معتقل وسحب بندقيته وأطلق عليه النار قبل أن يُقتل فورًا.
رواها لاحقًا عسكريٌ أردني معتقل سابق شارك في محاولة اغتيال مضر بدران، وأكّد شهادته أمام السلطات.

هذه المجزرة، كما قالت لجنة حقوق الإنسان، لا تنتمي فقط إلى ملف "القتل العمد"، بل تدخل في باب الجرائم ضد الإنسانية. لكن حتى الآن، لم يُحاسب أحد. بل إن بعض الجلادين أصبحوا وجوهًا في السياسة أو الإعمار أو الإعلام في دولة الأسد.

في الختام: ما زال في الحبر متّسع للحياة
حين تباغت القصيدة قذيفة، لا تموت، بل تتخفّى وتكتب.
وكذلك ذاكرة السوريين... حين تباغتهم مجزرة، لا يصمتون، بل يُهرّبون الشهادة من بين الأنقاض.

لن ننسى.
لن نسامح.
ولن نقبل أن يُمحى الدم من دفاترنا، أو يُرَمّم جدار السجن دون أن يُكسَر الصمت.

من أجل الأجيال القادمة…
لا تُبنى الأوطان على الطمس، ولا على النسيان، ولا على مقايضة العدالة بالخوف. المجازر التي تُترك دون مساءلة تُصبح نواةً لمجازر أخرى، والذاكرة التي تُقمع تتحوّل إلى وقودٍ للانتقام أو الإنكار.

لذا، فإن إحياء ذكرى مجزرة تدمر ليس نكأً للجراح، بل محاولة لتضميدها بصدق. وما لم يُحاسب الجلاد، وما لم تعترف أجهزة الدولة السابقة بجرائمها، وتُقدم اعتذارًا وطنيًا صريحًا، وتُبنى مؤسسات العدالة على أسس لا تميّز بين دم ودم، ولا بين معتقَل ومُعتقِل، فلن يتحقق السلم الأهلي، ولا العدالة الانتقالية، ولا يمكن أن تقوم دولة حقيقية.

نحن نكتب لأجل من قُتلوا، نعم.
لكننا نكتب أكثر لأجل من سيأتون بعدنا، كي لا يعيشوا في ظل الخوف نفسه، ولا تحت سماء الذلّ نفسها.

ندعو إلى فتح تحقيق دولي نزيه في مجازر سجن تدمر وسواها، وإلى تضمين هذه الجرائم في سجلّ العدالة الدولية، كي لا تبقى مجرد قصص على هوامش التاريخ.
لأن المستقبل، ببساطة، لا يمكن أن يُبنى على جثث مجهولة.

#مجزرة_تدمر
#الذكرى_45
#سوريا_لا_تنسى
#لن_ننسى_لن_نسامح



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصيدة التي لعنت الجميع
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ...
- بين البنية السردية والتشكّل القِيَمي: قراءة ذرائعية في رواية ...
- جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح ...
- طقس الأحفاد
- -ماذا تفعلُ الشاعرةُ بالعيد؟ (لُعبة شعرية)-
- طقس يوم عرفة
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ...
- مونودراما: -أنا القلعة -
- (حين انحنت السماءُ كجفنِ أمٍّ تبكي)
- من الصدمة إلى المعنى سرد النجاة والهوية الجريحة دراسة ذرائعي ...
- حين يكتب الحنين رسائله: قراءة ذرائعية في نص/ لسنا قصة عابرة/ ...
- طقوس السياسة مسرحية شعرية رمزية غنائية – في طقسٍ واحد من الد ...
- من رماد الحرب ينهض الوطن... ومن بين الركام تتفتح زهرة اسمها ...
- طقوس النور
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ...
- تيه الذات واستعادة الكينونة دراسة ذرائعية مستقطعة في رواية ( ...
- حين تتغير الأصداء: هل تحيا الرسالة خارج زمكانها؟ بين الذرائع ...
- سرد الأحلام : آلية للتحوّل النفسي والتمرّد الاجتماعي في رواي ...
- الساحل السوري بين المؤامرة والانقلاب: حين كشف الغبار الحقيقة


المزيد.....




- الإغاثة الطبية بغزة: استهداف متعمد للجائعين خلال استلام المس ...
- اعترافات جنود الاحتلال تكشف جريمة إعدام جماعي بحق المجوعين ف ...
- غوتيريش: -الإغاثة- الأميركية في غزة غير آمنة وتتسبب بمقتل ال ...
- ألمانيا تقيّد لمّ شمل عائلات اللاجئين لفترة عامين
- إيران تقدم شكوى بشأن حربها مع إسرائيل لمجلس حقوق الإنسان الأ ...
- حكومة غزة: اعترافات جنود الاحتلال تكشف جريمة إعدام جماعي بحق ...
- موسكو وكييف تتبادلان دفعة جديدة من الأسرى
- ألمانيا: البرلمان يقر تعليق لم شمل أسر اللاجئين للحد من الهج ...
- إيران تنفذ موجة اعتقالات وإعدامات في أعقاب الصراع مع إسرائيل ...
- الأونروا تطالب برفع الحصار عن غزة لمواصلة عملها الاغاثي


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبير خالد يحيي - تدمر: حين انفجرت الأبجدية في عتمة الزنزانة في الذكرى 45 لمجزرة سجن تدمر – 27 حزيران 1980